الفصل السادس العلاقات الايرانية الفرنسية
علم فتح على شاه القاجاري بقوة نابليون العسكرية عندما كان يواجه التحديات الروسية على حدوده الشمالية والشمالية الغربية سنة ١٨٠٣ م الموافق سنة ١٢١٨ ه وكان يبحث عن حليف قوى لذلك فكر فى عقد حلف مع نابليون ليستعين به على عدوه اللدود القوى الرابض على حدوده الشمالية . وعندما بلغته فتوحات نابليون العسكرية فى غرب أوربا ووسطها وايطاليا ثم مصر صمم على التحالف مع هذه القوة الاوروبية الجديدة ، لذلك طلب سنه ١٨٠٤ م الموافق ١٢١٨ ه من رئيس الكنيسة الارمنية ( اوج كليسا ) . فى يروان ان يطلعه على ما لديه من معلومات عن نابليون . وفى رمضان سنة ١٢١٩ ه ١٨٠٤ م : بعث برسالة إلى نابليون يخبره فيها عن رغبة ايران فى التحالف مع فرنسا وترجمت الرسالة إلى اللغة الفرنسية فى السفارة الفرنسية فى القسطنطينية ووصلت الى
فرنسا سنة ١٨٠٥ م في رأس السنة الميلادية
ومع أن نابليون اقتنع بما جاء فى الرسالة القاجارية من مقترحات الا انه أراد الاطلاع على معلومات أكثر حول ايران ، لذلك بعث أمين سره المسمى جوبرت Juber الى ايران ليوافيه بتقرير شامل عن الاوضاع فى ايران ، وأمر أمين سره باخفاء مهمته الحقيقية حتى لا يستطيع قلم المخابرات البريطانى والعثمانى الاطلاع على مهمته
وما كاد جوبرت يغادر فرنسا حتى عضده نابليون برسول آخر ، وكان الرسول هذه المرة هو المرافق العسكري لنابليون المسمى روميو Romieu . ولما كان روميو مكلفا بالتوجه الى ايران عكس سلفه جوبرت الذي طلب منه التوجه الى القسطنطينية قبل الذهاب الى ايران فقد وصل روميو الى طهران في شهر رجب سنة ١٢٢٠ ه الموافق سنة ١٨٠٥ م يرافقه سكرتيره الخاص وقد حظى روميو باستقبال حار من جانب فتح على شاه القاجاري الذي ظنه مكلفا بمناقشة المسائل السياسية والعسكرية مع الدولة القاجارية من قبل نابليون . لذلك طلب منه عقد معاهدة صداقة وتعاون عسكرى بين ايران وفرنسا . ولكن علم فتح على شاه القاجارى بعد حين أن روميو انما جاء الى ايران لدراسة الاحوال الجغرافية والطبوغرافية فيها . وبعد أيام قليلة مات السيد روميو .
وصل جوبرت بعد وفاة روميو الى ايران ، بعد أن قضى عدة ايام في الحدود الايرانية
التركية بسبب تلكؤ با يزيد باشا العثمانى فى السماح له بمغادرة الحدود الايرانية التركية ، واخيرا توسط عباس ميرزا بن فتح على شاه لدى با يزيد فسمح لجوبرت بالعبور الى ايران . وفى ربيع الثاني سنه ١٢٢١ ه الموافق سنة ١٨٠٦ م تشرف بزيارة فتح على شاه القاجارى فى معسكره بمدينة سلطانية ( ١) ومن ثم توجه فى معية فتح على شاه الى طهران ، وقد احفى فتح على شاه بمبعوث نابليون احتفاء عظيما فأمر بالمجوهرات الملكية والخزائن السلطانية فعرضت على الزائر الكبير . وخشى فتح على شاه ان يكون مصير جوبرت كمصير سلفه روميو الذي توفي بعد ايام من مجيئه الى طهران التى قد لا يناسب هواؤها الاوربيين فأسرع بالاذن له ليعود الى فرنسا وكلف محمد خان الافشارى وميرزا شفيع رئيس الوزراء بمرافقة الضيف الكبير الى اخر الحدود الايرانية .
وعندما عاد جوبرت الى فرنسا ورفع الى نابليون التقارير المطلوبة ورسائل فتح على شاه القاجاري ، أراد نابليون الحصول على معلومات اكثر حول ايران فبعث كلا من جوانين Gwen ودى لا بلانش ، وبون تان من خبرائه العسكريين وحمل كل واحد منهم رسالة خاصة الى فتح على شاه القاجاري وبمجرد وصول بون تان الى طهران ارسل الى الجبهة الايرانية ليشترك في الحروب الروسية الايرانية تحت اشراف القائد الأعلى
للقوات الايرانية عباس ميرزا
لقد كان لوصول وسائل نابليون الى فتح على شاه اثر طيب فى نفسه . فقد اطمأن الى وعود نابليون ومساعدته لايران فرفض اقتراحا روسيا يقضى بارسال سفير لها الى البلاط القاجارى لبحث امكانية احلال السلام بين روسيا وايران ، وقام فتح على شاه باعتماد رضا خان القزويني سفيرا له ندى فرنسا . وفوضه عقد معاهدة صداقة مع فرنسا وتوقيع اتفاقية عسكرية فرنسية ايرانية .
تشرف السفير الايرانى بمقابلة نابليون في معسكره فينكينشتاين Finkenstein وتم عقد معاهدة بين فرنسا وايران اشتملت على مقدمة وستة عشر فصلا وذلك فى الخامس والعشرين من شهر صفر سنة ١٢٢٢ ه الموافق الرابع من مايو سنة ١٨٧ م وبعد توقيع المعاهدة قرر نابليون ارسال بعثة عسكرية فرنسية إلى ايران لدراسة احوال القوات الايرانية . وارسلت بعثة عسكرية برئاسة الجنرال غارديان General Gardan وتحركت البعثة إلى طهران في يونيه ١٨٠٧ م الموافق ربيع الاول سنة ١٢٢٢ ه .
معاهدة فينكينشتاين :
يبدو للناظر في هذه المعاهدة لاول وهلة ابن كل مطالب فتح على شاه القاجاري في الحصول على حليف قد تحققت ولكن عندما تتمعن في محتواها نجد انها صيغت بشكل يجعل فرنسا قادرة على التنصل منها فى
اى وقت شاءت واخلاء نفسها مما جاء فيها من التزامات وتتلخص التعهدات الفرنسية في الآتي :
١ - الاعتراف باستقلال الاراضى الايرانية القائمة فعلا . ٢ - الاعتراف بحق ايران الشرعي ، فى كرجستان ٣ - تتعهد فرنسا ببذل كل مساعيها في حمل روسيا على التخلى عن الاراضى الايرانية فى كرجستان كما تتعهد بالسعى لعقد معاهدة صلح بين ايران وروسيا . ٤ - تتعهد فرنسا بتأمين الاسلحة الحربية والخبراء العسكريين والفنيين لايران بالقدر اللازم .
خلاصة التعهدات الايرانية لفرنسا :
١ - تقبل ايران اعلان الحرب فورا على بريطانيا . ٢ - اخراج الرعايا البريطانيين من الاراضى الايرانية ٣ - قفل جميع الحدود الايرانية في وجه الرعايا البريطانيين ٤ - معاونة الافغانيين وقبائل هرات وقندهار فى هجومها على المستعمرات البريطانية في الهند ٥ - السماح لفرقة عسكرية فرنسية واحدة بالعبور في الاراضى الايرانيه فى حالة إذا ما قرر نابليون الحملة على الهند
اذا نظرنا إلى بنود هذه المعاهدة وجدنا ما كان منها فى مصلحة فرنسا مثل اعلان
الحرب الفورية على بريطانيا وطرد الرعاية البريطانيين من ايران - واضحا وثابتا . وما كان منها فى مصلحة ايران مبهما ومحتملا لتفاسير وتأويلات كثيرة بحيث كان فى امكان نابليون عندما تقتضى الظروف السياسية ان يفسرها ويؤولها كيفما اقتضت الضرورة . والتعهدات الفرنسية تترجح بين الغموض والوضوح . ففي الفقرة الرابعة من تعهدات فرنسا المتعلقة بتأمين السلاح والعتاد الحربى والخبراء العسكريين والفنيين وضوح تام اذا ما قورنت ببقية التعهدات ، وهذا الوضوح فى الفقرة الرابعة هو الذى حمل فتح على شاه القاجاري الذي كان فى مسيس الحاجة الى العون العسكرى على المسارعة بتوقيع المعاهدة مع فرنسا . وكان يأمل أن يتمكن تدريجيا من الزام نابليون بالوفاء بباقى التعهدات .
كانت معاهدة فينكينشتاين بداية التعاون العسكرى بين فرنسا وايران ، وقد عجل نابليون بارسال البعثة العسكرية الفرنسية برئاسة الجنرال غاردان إلى ايران عندما علم بأن الحاكم البريطانى العام فى الهند بالاتفاق مع ملك بريطانيا قد عينا السير جون ماكلوم سفيرا فى البلاط القاجارى وكان نابليون يرمى بعمله ارسال البعثة العسكرية الى ان يحول ببن بريطانيا والبلاط القاجارى ، وقد وصلت البعثة الفرنسية الى ايران سنة ١٢٢٢ ه .
مهمة الجنرال غاردان :
كان غرض نابليون الرئيسى من ارسال
بعثته العسكرية الى ايران مقاومة النفوذ البريطانى - الروسى فى ايران ، ذلك النفوذ الذى كانت البلدان الثلاث الكبرى تتصارع عليه ، فقد رأى نابليون ان بسط روسيا لنفوذها على كرجستان قد يؤدى فى النهاية وعلى المدى الطويل الى التقارب بين روسيا والامبراطورية العثمانية . وفي ذلك ما فيه من الاضرار بمصالح فرنسا لا بد من تقوية الجيش الايرانى ليقف فى وجه الاطماع الروسية ، وكذلك فان تهديد نابليون بالحملة على الهند عن طريق ايران كان الغرض منه تهديد المستعمرات البريطانية تهديدا مباشرا وذلك باقامة خطوط دفاعية تمتد من ساحل البحر الاسود الى المعابر الشرعية لفلاة ايران . وقد كلف نابليون ، غاردان بتنفيذ المخطط الفرنسى العسكرى المزدوج . لذلك فقد ضمت بعثة غاردان إلى جانب الضباط الذين كلفوا بتدريب الجيش الايراني تدريبا عسكريا حديثا ، ضمنت بعض الخبراء المختصين فى اعداد الوسائل والآلات الحربية ، كما كان هناك مهندسون للتخطيط والمسح الجغرافى والطبوغرافى والخلاصة أن البعثة العسكرية الفرنسية كانت مجهزة تجهيزا علميا دقيقا
وقد تعهد فتح على شاه القاجارى بالانفاق على أعضاء البعثة العسكرية الفرنسية منذ تصل إلى ايران إلى أن تغادرها .
وصول البعثة الى ايران :
لقد اختار نابليون اعضاء بعثته من خيرة الخبراء الفرنسيين ذوى الاطلاع العلمي
الواسع والالمام بالشؤون الشرقية الايرانية خاصة . فكان من بين الاسماء اللامعة التى ضمنها البعثة : تريزيل Trezel وبرنارد الخبير الجغرافي Bernard واخصاصى التخطيط . وفابويه Rebauel وريببول Fabouiuee اختصاصى القذائف . ولامىLamie وبن تان Bon Tens وورديه وعلاوة على هؤلاء فقد رافق البعثة ثلاثة من طلاب المدرسة الشرقية فى باريس مهمتهم الترجمة لأعضاء البعثة من الفارسية - الى الفرنسية ، بالإضافة إلى طبيب وثلاثة مراسلين واثنين من المبشرين
قدمت البعثة الى ايران عبر آسيا الصغرى ، واستغرقت رحلتها من باريس الى طهر ان اكثر من اربعة اشهر . وفي أوائل شهر رمضان سنة ١٢٢٢ ه وصلت البعثة الى الحدود الايرانية ، فأرسل عباس ميرزا ابن فتح على شاه القاجاري وولى عهده الميرزا فتح على خان نورى لاستقبالها . وفي شوال سنة ١٢٢٢ ه الموافق لشهر ديسمبر سنة ١٨٠٧ م وصلت البعثة الى طهران يرافقها الميرزا رضا خان القزويني .
البعثة من لدن فتح على شاه كل ترحيب وحفاوة واكرام ، ولكى يثبت لأعضائها مدى تقديره لرئيس الدولة الفرنسية نابليون فقد بادر بعقد معاهدة تجارية مع فرنسا بعد اسبوع واحد من حلولها فى طهران ، ووقع معاهدة فينكينشتاين التى جاء بها غاردان
وبناء على الفقرة الرابعة من معاهدة فينكينشتاين والتى تعهدت فيها فرنسا بتأمين المعدات الحربية لايران . فقد أمر فتح على شاه القاجارى بمنح جزيرة خارك فى الخليج الفارسي الى الفرنسيين كى يتخذوها قاعدة حربية يديرها من يختارهم رئيس البعثة غاردان . كما وقع فتح علي شاه القاجاري مع غاردان معاهدة تشترى ايران بموجبها من فرنسا الف بندقية بسعر البندقية ثلاثين فرنكا فرنسيا . ويكون تسليم الشحنة لايران اما فى ميناء بوشهر أو أى ميناء ايراني آخر على الخليج . وقد أرسل غاردان المعاهدات الجديدة والامتيازات التى حصلت عليها بلاده وخلاصة عن مهمته السرية إلى وزارة الخارجية الفرنسية .
البعثة تبدا نشاطها في ايران :
بدأ اعضاء البعثة فور وصولهم الى ايران في ممارسة نشاطهم ، فشرع تريزيل الخبير الجغرافي في دراسة الجغرافية الطبيعية لايران . وكان قد كف من قبل نابليون بأن يهتم بدراسة الطرق التى تصل البحر الأسود بمعابر الهند . وكان غاردان يتولى ارسال ما يقوم به اعضاء البعثة أولا بأول الى وزارة الخارجية الفرنسية التى كانت تتولى بدورها ايصالها الى نابليون وشرع الضباط الفرنسيون بتدريب الجيش الايرانى فى كل من طهران واذربيجان ، واستطاعوا فى وقت قصير ان يدربوا خمسة وثلاثين ألف جندى ايراني من المشاة . كما أسس فابويه خبير القذائف مصنعا للقنابل فى اصفهان واستطاع خلال
ثمانية اشهر ان ينتج عشرين الف قديفة من القذائف المستعملة فى حروب الصحراء وذلك بناء على طلب فتح على شاه القاجارى . والتحق كل من بون نان ولامي بالجيش الايرانى المحارب فى القوقاز بقيادة عباس ميرزا ولى العهد
كان افراد الجيش الايرانى يقبلون على التعليم الحربى الحديث فى شىء من التردد أول الامر نظرا لاختلاف التربية العسكرية القديمة التى ألفوها من جهة ولعدم تعودهم على الاساليب الاوروبية الجديدة من جهة اخرى . ولكن ما لبثوا أن انخرطوا فى النظم الجديدة . ونظرا لمتطلبات الحرب فى القوقاز من الجنود ولان غرض فتح على شاه القاجارى وابنه عباس ميرزا القائد الأعلى للجيش هو بالدرجة الاولى تعويد أفراد الجيش الايرانى على كيفية استعمال الاسلحة الحديثة فكثيرا ما كان أفراد الجيش يرسلون الى الجبهة ولما يكملوا الفتره التدريبية . فكان يكفى أن يقضى الجندى الايرانى ثلاثة أشهر يتدرب خلالها على المبادئ الأولية ليساق الى الجبهة فى القوقاز فالحرب لا تعرف الانتظار . لكل هذه الاسباب لم يستطع الخبراء الفرنسيون أن يدربوا الجيش الايرانى التدريب اللازم
ونزولا على الظروف السياسية فقد أجبر غاردان وبعثته على مغادرة ايران قبل أن يكملوا سنة واحدة ليحل محل الضباط الفرنسيين ضباط بريطانيون . وشرع الجنود الايرانيون الذين لم يكملوا دوراتهم تتدريبية مع الضباط الفرنسيين يتدربون من جديد على الاساليب العسكرية البريطانية .
اسباب فشل بعثة غاردان :
بعد ان تم توقيع معاهدة فينكينشتاين من قبل فتح على شاه القاجاري عين عسكر خان الافشارى الأرومي سفيرا لايران لدى فرنسا ، ولكى يؤكد فتح على شاه حسن العلاقات القائمة بين بلاده وفرنسا وليحفز غاردان على العمل العسكرى الجاد الذى قدم الى ايران من اجله ، فقد أمر فتح على شاه بسحب السفير الايرانى من الهند ، كما امر بطرد جميع الرعايا البريطانيين من الاراضى الايرانية ، واعطى الفرنسيين كما رأينا ، جزيرة خارك على الخليج ليقيموا فيها قاعدة عسكرية . وقد عمل غاردان على تنفيذ العون العسكرى لايران ، وقام ضباط البعثة بتدريب الجيش الايرانى واقامة مصانع الذخيرة في ايران . وكان غاردان يسير في كل أعماله وفق الاوامر السرية التى كانت تصدر اليه من قبل وزارة الخارجية الفرنسية . وقد استطاع أن يجهز الجيش الايرانى تجهيزا قويا للوقوف أمام العدو المشترك لايران وفرنسا : روسيا .
وبينما كان غاردان يقوم بالاشراف على هذه الاعمال العسكرية التقى نابليون مع الامبراطور الروسى الاسكندر الاول ووقعا معاهدة بيلسيت ( ١ ) . عندئذ لا بد لفرنسا بموجب تلك المعاهدة الروسية - الفرنسية أن تعيد النظر فى سياستها ازاء امداد
ايران بالعون العسكرى ضد روسيا . فكلف نابليون غاردان أن يجد لعقد معاهدة صلح بين ايران وروسيا . وأن يتوقف ضباطه عن تدريب الجيش الايرانى ، وأن لا يحاول القيام بما من شأنه اثارة العداوة الروسية لفرنسا .
عندما علم فتح على شاه القاجارى بمعاهدة تيلسيت ، وان نابليون لم ولن ينفذ ما جاء فى معاهدة فينكينشتين بين فرنسا وايران من الوقوف الى جانب القضايا الايرانية وانه لم يجر اسم ايران على لسانه عندما التقى بالامبراطور الروسى ، أدرك فتح على شاه أن نابليون قد خذله فبدأ يوجه الانتقاد واللوم الى البعثة العسكرية الفرنسية بل ويسئ الظن بها . ويتحين الفرص للألقاء بها خارج بلاده
بدأ فتح على شاه بعد معاهدة تيلسيت يراجع نفسه فأحس انه قد تورط في اسراعه بطرد بريطانيا من أراضيه وقطع العلاقات الديبلوماسية معها باستدعاء سفيره من الهند . فقد كان على استعداد لأن يسمح للجيش الفرنسى بعبور ايران للقضاء على المستعمرات البريطانية فى الشرق ، وقد تعهد بتوفير المؤن اللازمة للقوات الفرنسية أثناء عبورها ايران . لقد عمل بكل التعهدات التى التزم بها حيال فرنسا فيما نصت عليه معاهدة فينكينشتاين ولكن ما هى النتيجة ؟ ها هو ذا يرى نابليون ينفض يده من كل التعهدات التى التزمت بها بلاده لايران فلم يعن حتى بذكر اسم ايران في المحادثات التمهيدية التى جرت بينه وبين الامبراطور الروسي قبل توقيع معاهدة تيلسيت . بناء على هذا الموقف الحاد الذي وجد فتح على شاه نفسه فيه كان لا بد من اللجوء الى
بريطانيا عدوة الامس . ولم تكن بريطانيا لتطمع فى أكثر من ذلك فهى حريصة فى هذه الظروف بالذات على تحسين علاقاتها مع ايران .
شرع غاردان يسعى لعقد معاهدة صلح بين روسيا وايران فكتب الى المارشال غوداويتش - القائد العام للقوات الروسية فى القوقاز طالبا منه تهيئة الجو المناسب لوقف العمليات الحربية حتى تتمكن كل من ايران وروسيا من عقد معاهدة صلح بينهما فى باريس وعندما وصلت رسالة غاردان الى غوداويش اطلع وزارة الخارجية الروسية على محتوياتها فجاءته الاوامر بعدم الرضوخ لمطالب فرنسا وعلى القوات الروسية ان تواصل الحرب وتعلا استأنف المارشال الروسى العمليات الحربية ضد ايران
وظن غاردان ان رسائله الى القائد الروسي قد اقنعت الروس بوقف أعمالهم الحربية ضد ايران وبناء على ظنه فقد طلب من ايران أن توقف العمليات الحربية من جانبها هى الاخرى . واعتماد على مساعى غاردان فقد أصدر عباس ميرزا أوامره الى بعض المحاربين الايرانيين بالتوقف عن الحرب وسرحهم من الجيش . وعندما علم غاردان أن المارشال الروسى قد استأنف القتال وجد نفسه مضطرا وقد كان سببا فى أن يقوم الجانب الايرانى بتسريح بعض الوحدات المقاتلة بناء على طلبه - ان يرسل بعض ضباطه الفرنسيين ليقاتلوا فى صفوف الجيش الايرانى فى بروان بعد ان تريو بزى الجنود الايرانيين .
أراد فتح على شاه القاجاري ان يرى اذا كان نابليون لا يزال يولى معاهدة
ينكيشتاين شيئا من الاحترام بعد توقيع لمعاهدة الفرنسية الروسية . فكلف غاردان ن يرفع رغبته فى عقد صلح مع روسيا عن طريق السفير الايرانى فى باريس والسفير الروسى فيها كونت تولستوى . فرفع اردان رغبة فتح على شاه إلى نابليون الذي اخذ بدوره يسعى لعقد الصلح بين الطرفين . لكن روسيا لم تكن راغبة فى عقد مثل هذه المعاهدة . كما أن نابليون لم يقم من جانبه بأى ضغط سياسي يذكر على الجانب الروسى
كان طلب فتح على شاه من نابليون توسط لعقد صلح مع روسيا اخرسهم في انة صبره . فلما فشل طلبه قرر طرد البعثة الفرنسية من ايران . فكلف رئيس راله المبرز : شفيع بابلاغ الهيئة بقرار . : .
عندما ابلغ الجنرال غازدان البلاط قاجاري عدم قدرة بلاده على الضغط على روسيا لحملها على الجلوس مع ايران حول مائدة المفاوضة لعقد صلح بين الطرفين نزل الخبر على العاهل القاجارى نزول الصاعقة . وتأكد فتح على شاه أنه يجب على بلاده منذ اليوم أن تعتمد على نفسها فى ماكلها وحروبها مع جارتها الشمالية روسيا . وكان هذا الموقف الفرنسي من ان سببا فى ضعف النفوذ الفرنسي في ايران . فقد فقدت فرنسا بموقفها ذلك كل المكاسب التى كان من المحتمل ان تحققها في استها الشرقية . فلم يعد فى امكان فرنسا بعد ذلك ان تطلب من ايران مشايعتها الوقوف الى جانبها وتأيبد خططها الرامية
الى القضاء على المستعمرات البريطانية في شبه القارة الهندية .
لقد أضاعت فرنسا بموقفها هذا من ايران مكسبا سياسيا كبيرا كان يمكن ان تجنى من ورائها الكثير . وضحت بالصداقه بالايرانية على مذبح الوعود الروسية المائعة . ولقد كان من الاخطاء الكبيرة التى ارتكبتها فرنسا فى نظرى هنا عدم التزامها بنصوص معاهدة فيكينشتاين . اما روسيا التى كان يهمها بالدرجة الاولى ازالة الموانع التى تعوق تقدمها فى الشرق فما ان رأت فرنسا تتخل عن ايران حتى داست معاهدة تيلسيت المعقودة بينها وبين فرنسا بعد أن رأت أن ليس ثمة ما يلزمها بالتمسك بها . فمثلا كانت روسيا قد تعهدت لفرنسا بمعاداة بريطانيا والوقوف ضد السياسية البريطانية في ايران . ولكن ها هى ذي روسيا تتعاون مع بريطانيا وتتجاهل المعاهدة الروسية الفرنسية . وقد استغلت بريطانيا ذلك التقارب الروسى الفرنسي فى الضغط على ايران وافهام فتح على شاه القاجارى أن معاهدة تيلسيت بين روسيا وفرنسا ليست أكثر من حبر على ورق . وان الروس والفرنسيون لا يكنون لبعضهم أى احترام ، وان على ايران أن تعتمد على صداقة بريطانيا التى هى على استعداد لأن تحقق مطالب ايران خلال ثلاثة أشهر ، تلك المطالب التى عجزت - البعثة الفرنسية عن تحقيقها خلال سنوات " هذا الكلام منقول من كتاب ( مهمة الجنرال غاردان في ايران ) . ،
لقد كان الجنرال غاردان في موقف
بالغ الصعوبة ، فهو من جهة لم يقلق من دولته استدعاء للعودة الى فرنسا ، ومن جهة أخرى فقد طلب منه ومن بعثته مغادرة ايران ، وبدأ يحس بالفتور الذى كان يقابل به من العاهل الايرانى ورجال دولته . وان القاجاريين بدأوا يخطبون ود الحكومة البريطانية ، وفي ذلك ما فيه من الاحراج الغاردان وبعثته . فقد علم غاردان أن السفير البريطانى الذى كان ينتظر السماح به لتقديم أوراق اعتماده ، قد طلب من ميناء بوشهر على الخليج الفارسي إلى العاصمة طهران . ففكر غاردان ان يلوح بمعاهدة فينكشتاين ، وأن مجيء السفير البريطاني الى ايران يخالف نصوص تلك المعاهدة وانه اذا سمح للسفير البريطانى بتقديم
اوراق اعتماده الى فتح على شاه القاجارى فسوف يغادر ايران احتجاجا . وكان فتح على شاه يبحث عن مبرر كهذا لطرد غاردان وبعثه من ايران . وقد واتته الفرصة باحتجاج غاردان ، فطلب منه مغادرة طهران ، وفى السابع والعشرين من شهر ذى الحجة سنة ١٢٢٣ ه الموافق الثاني عشر من فبراير سنة ١٨٠٩ استأذنت البعثة رسميا المغادرة ايران ، وفي اليوم الثاني غادر غاردان وبعثته ايران متجهين الى أوروبا عبر آسيا الصغرى . وكانت البعثة تسير الهوينى كأنما تنتظر من البلاط القاجارى أن يندم على فعلته فيطلب اليها العودة الى ايران لذلك استغرقت الرحلة إلى الحدود التركية أربعة أشهر .
