الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 3الرجوع إلى "المنهل"

ايران في عهد الدولة القاجارية

Share

سفارة السير هارفورد جونز : سنة ١٢٢٣ ه - ١٢٢٤ ه .

ما أن غادرت البعثة العسكرية الفرنسية الأراضى الايرانية حتى وجد فتح على شاه القاجارى ، نفسه ، يواجه ازدياد الحملات الروسية في آذربيجان ، ووجد نفسه في أمس الحاجة إلى حليف جديد يقف الى جانبه ، وكان هذا الحليف هو بريطانيا التى كان سفيرها السير هارفورد جونز ، ينتظر في عرض الخليج الفارسي على بارجة حربية بريطانية . فأمر فتح على شاه حاكم أصفهان أن يأذن للبعثة السياسية البريطانية بالتوجه الى طهران كما كلف نوروز خان القاجارى باستقبال السفير البريطانى

وفي أوائل شهر ذى الحجة سنة ١٢٢٣ ه وصلت البعثة البريطانية إلى أصفهان وعلى رأسها السير هارفورد جونز وفي معيته القنصل البريطانى في ميناء بوشهر السيد برون ، وأمين سر السفارة البريطانية موريس ، وأمين صندوق البعثة الأرمني ) ماطووس ( ، وستون جنديا هنديا ومائة شخص من عمال السفارة البريطانية أغلبهم من الهنود والأرمن

وفي ٢٦ ذي الحجة وصلت البعثة إلى طهران ونزلت في قصر الحاج محمد حسين خان الاصفهاني الملقب بامين الدولة .

وفي الثالث من المحرم سنة ١٢٢٣ ه تشرف السير هارفورد جونز ، يرافقه ستة من أعضاء البعثة الدبلوماسية البريطانية بمقابلة العاهل الايرانى فتح على شاه القاجاري حيث قدم جونز اوراق اعتماده من قبل جورج الثالث ملك بريطانيا ، سفيرا لبريطانيا لدى البلاط لقاجاري ، كما قدم جونز ، للعاهل الايرانى قطعة كبيرة من الألماس قيمتها أربعمائة ألف ريال ايراني ، وعرض السفير على فتح على شاه القاجاري المقترحات البريطانية بصدد عقد معاهدة صداقة مع ايران ، وان بريطانيا على استعداد لتنفيذ التعهدات التى عجزت فرنسا عن الوفاء بها . وقام المترجم بنقل هذه المقترحات البريطانية إلى العاهل الايرانى الذي قبلها على الفور .

وكانت التعهدات البريطانية لايران هى أن :

١ - تتعهد بريطانيا بدفع مبلغ سنوي مقداره اثنا عشر ألف جنيه استرليني وهي تكاليف المصاريف الحربية للجيش الايرانى في الجبهة ما دام الجيش مشتبكا مع القوات الروسية .

٢ - تأمين المعدات العسكرية لايران بالقدر الكافي وتدريب أفراد الجيش الايرانى على يد ضباط بريطانيين

وطلب السفير البريطاني من العاهر الايرانى باسم ملك بريطانيا والحاكم البريطانى العام في الهند ، السماح

لبريطانيا بفتح قنصليات في كل من شيراز واصفهان ويزد وقزوين وتبريز وذلك لتقوية الروابط السياسية بين البلدين ، كما طلب السفير السماح لبريطانيا باستخدام جزيرة خارك في الخليج الفارسي كقاعدة للأسطول البريطاني بنفس الشروط التى منحت لفرنسا من قبل ، وذلك لحماية المستعمرات البريطانية من الأخطار المحدقة بها وخاصة في الهند . وقد قبل فتح على شاه القاجاري كل طلبات السفير البريطاني ما عدا الطلب الأخير الخاص بوضع جزيرة خارك تحت تصرف البحرية البريطانية . ولكن رغم رفض العاهل الإيرانى فان بريطانيا وقد رأت استراتيجية الجزيرة ، فقد استولت عليها عنوة وأقامت بها استحكامات عسكرية . . فهي في نظر بريطانيا مفتاح الموانئ الايرانية كلها على الخليج

بعد أن ظل السير هارفورد في طهران مدة من الزمن وقع خلالها الاتفاقية البريطانية - الايرانية . . جاء السير جون ماكلوم الذي كان اكثر خبرة بالوضع السياسي لايران والذي سفر لبريطانيا مرتين لدى البلاط القاجاري ، وكان ماكلوم على علاقة حسنة ومتينة برجال البلاط .

جاء ماكلوم موفدا من قبل الحاكم البريطاني في الهند ليتأكد من تنفيذ نصوص الاتفاقية المبرمة بين ايران وبريطانيا وليحض العاهل الايرانى على ارسال سفير الى البلاط البريطاني . وبعد شهرين غادر ماكلوم طهران عائدا الى الهند بعد أن بث جواسيسه وعملاء بريطانيا من رجال البلاط القاجاري ، لاطلاعه على كل ما يجرى

داخل القصر عن طريق قلم المخابرات البريطانى .

بعد أن اطمأن السير هارفورد الى أن الامور تسير في طهران على ما يرام سافر الى تبريز لفتح قنصلية بريطانية بها . وقد ظل هارفورد سفيرا لبريطانيا لدى ايران الى سنة ١٢٢٦ ه . الموافق ١٨١١ م .

اعادة العلاقات الديبلوماسية مع بريطانيا :

نظرا لأن فتح على شاه القاجاري كان يتعجل وصول العون العسكرى البريطانى بموجب الاتفاقية المبرمة بين البلدين ، فقد أوفد الحاج ميرزا أبو الحسن الشيرازي ابن اخت الحاج ميرزا ابراهيم خان ) اعتماد الدولة ( رئيس وزراء ايران في عهد محمد خان القاجاري ، سفيرا لايران لدى بريطانيا ليعرض نصوص الاتفاقية على ملك بريطانيا ومن ثم لتبدأ المعونات العسكرية البريطانية لايران .

ولما كان السفير الايرانى سيمر بالأراضى العثمانية في طريقه إلى لندن ، فقد حمله فتح على شاه رسالة إلى السلطان مصطفى خان الرابع الامبراطور العثماني طلب فيها العاهل الايرانى من السلطان العثماني تسهيل مهمة سفيره . وقد حمل السفير الأيرانى هدايا قيمة لملك بريطانيا من بينها عقود من اللؤلؤ وبعض الشالات الكشميرية وقطع من السجاد الحريرى الفاخر

وفي أوائل ربيع الثاني سنة ١٢٢٤ ه الموافق مايو سنة ١٨٠٩ م غادر السفير البريطانى طهران ترافقه حاشيته الخاصة وسكرتير السفارة البريطانية والذي بعمل في نفس الوقت مديرا لمكتب السفير

السير جونز هارفورد واسمة السيد جيمس مورير .

السير جون ماكلوم يسفر لبريطانيا للمرة الثالثة سنة ١٢٢٥ ه - ١٨١٠ م .

وصلت قوة نابليون العسكرية في سنة ١٨١٠ م الى أوج عظمتها وقطعت فرنسا شوطا بعيدا في فتوحاتها فحاولت بريطانيا التى أقلقها التفوق العسكرى الفرنسي بعد أن قضت على النفوذ العسكري في ايران ، أن تسارع بتنفيذ التزاماتها لايران بأسرع ما يمكن لذلك عهدت بريطانيا الى السير جون ماكلوم ، الذي جاء كما رأينا في سنة ١٢٢٤ ه الى ايران ليشرف على تنفيذ الاتفاقية الإيرانية - البريطانية عهدت اليه بمنصب السفارة في ايران ، وفي ربيع الثاني سنة ١٢٢٥ وصل السير جون ماكلوم الى ميناء بوشهر على الخليج فندب فتح على شاه القاجارى أحد رجاله المقربين وهو مهراب بكشلوى الافشاري لاستقباله ، وعهد اليه بتسلم المعدات العسكرية التى جلبها السير جون معه من الهند . وفي ١٥ جمادي الاولى سنة ١٢٢٥ ه تشرف السفير بمقابلة فتح على شاه القاجاري في معسكر سلطانية ) وهو احد اكبر المعسكرات الايرانية في ذلك الوقت لقربه من الحدود الايرانية الروسية ( حيث قدم أوراق اعتماده سفيرا لبريطانيا لدى البلاط الشاهنشاهى

كان أول عمل قام به السفير البريطاني بعد اعتماده سفيرا هو عرض المعدات العسكرية التى اتى بها معه من الهند ، فقد ادرك السفير إلى أي مدى كانت القوات الايرانية المقاتلة في الشمال في حاجة إلى المدد

العسكري . كما قدم الى جلالة الشاه الضباط البريطانيين الذين قدموا في معيته والمكلفين بتدريب الجيش الايرانى . وكان من بين أولئك الضباط الكابتن " ليندسي خبير المدفعية ، و كريستى " المتخصص في تدريب المشاة ، و " مانتيش " و " بولنجر " وقد ارسلوا جميعا الى معسكر عباس ميرزا في آذربيجان ليحاربوا الى جانب القوات الايرانية

وقد حرص السفير البريطاني السير جون ماكلوم خلال لقاءاته المتعددة مع العاهل الايرانى على أن يطمنه على التزام بريطانيا بكل نصوص المعاهدة المبرمة بين البلدين واستطاع كذلك أن يكسب عطف رجال البلاط القاجاري لصالح السياسية البريطانية .

وبينما كان السير جون يجرى تلك الاتصالات وصلت من السفير الايراني في لندن رسالة مفادها أن الحكومة البريطانية قد أعطت السير هارفورد جونز ) الذي كان لا يزال في ايران ) ١ ( كامل الحرية في توقيع واقرار الماهدة المبرمة بين بريطانيا وايران وخولته حق عقد معاهدات أخرى مع ايران ، كما طلبت الرسالة من السير جون ماكلوم مغادرة ايران والعودة إلى الهند . وقد أوصى السير جون خلفه هارفورد جونز بالضباط البريطانيين العاملين مع القوات

الايرانية خيرا ، وغادر ايران وكانت هذه آخر مرة يسفر فيها السير جون ماكلوم لبريطانيا من ايران .

السفير الأيراني في لندن يعود إلى بلاده في رفقة سفير بريطانى جديد :

لقد كان السفير الايراني في لندن موضع حفاوة ملك بريطانيا ، وقد تشرف السفير الايرانى بمقابلة ملك بريطانيا عدة مرات ، وفي أوائل سنة ١٢٢٦ ه - ١٨١١ م طلب من السفير الأيراني أن يرافق السير غور اوزلي ( السفير البريطاني الجديد لدى ايران ، كما صدرت أوامر جلالة ملك بريطانيا الى السير جونز هارفورد بالعودة إلى بريطانيا حال فراغه من تسليم السفارة البريطانية في طهران إلى السفير الجديد .

وفي شهر شوال سنة ١٢٢٦ ه وصل السفيران : البريطاني والايرانى ، الى طهران بعد أن قضيا أياما رهيبة في رحلتهم البحرية من بريطانيا الى بوشهر ، فقد تعرضت باخرتهما خلال الرحلة لعواصف هوجاء كادت تودى بحياة السفيرين وبعد يوم واحد من وصول السفير البريطاني قدم اوراق اعتماده سفيرا لبلاده لدى ايران .

تذكر المصادر التاريخية الايرانية أن السفير البريطانى كان يتصف بالحيوية والمرح وطلاوة الحديث وكان يجيد اللغات الفارسية والتركية والهندية ، وقد ساعدته هذه الامور . مجتمعة على ان يحتل مكانة مرموقة فى قلب العاهل الايرانى ورجال حاشيته ، ومما تذكره المصادر التاريخية ان السفير أهدى الى العاهل الايرانى قطعة

ثمينة من الألماس تزن ٢٥ قيراطا كما اهدى لزوجته علبة ثمينة من تلك العلب التى يحتفظ فيها النساء بحليهن . كما اهدى احدى محظيات الشاه علبة اخرى مطعمة باليواقيت النادرة .

وقام السفير البريطاني بناء على المعاهدة العسكرية المعقودة بين بلده وإيران بدفع رواتب الجيش الايرانى المحارب في الحدود الشمالية لمدة ثلاث سنوات ، كما سلم للحكومة الايرانية ثلاثين الف قطعة سلاح وعشرين عربة من جرارات المدافع الثقيلة . كما عهد الى الضباط البريطانيين الذين أتى بهم من لندن بمهمة تدريب القوات الايرانية .

ولما كانت بريطانيا قد قامت بابرام معاهدة سرية مع روسيا سنة ١٨٠٧ تقوم الدولتان : البريطانية والروسية بموجب تلك المعاهدة بتقسيم مناطق النفوذ في ايران بينهما ، فان بريطانيا لم تستطع أن تظهر عداءها العلني لروسيا ، والوقوف بجانب ايران في نزاعها مع روسيا ، لذلك كان الجنود البريطانيون يحاربون مع القوات الايرانية في الشمال وهم يلبسون الزي الايراني حتى لا يكشف الروس أمر تعاونهم مع ايران .

وفي نفس الوقت شرع السفير البريطاني السير غور اوزلي يكتب الى قائد القوات الروسية في الشمال طالبا منه ايقاف العمليات الحربية ضد ايران . . مشيرا الى أن المعاهدة السرية بين روسيا وبريطانيا تقتضى ايقاف تلك العمليات لكيلا تصاب مصالح الدولتين الاستعماريتين في ايران

بسوء ، ولم يكتف السير غور بذلك ، بل شرع من ناحية اخرى يضغط على العاهل الايرانى فتح على شاه القاجاري ليوقع معاهدة صلح مع روسيا وتكون بريطانيا وسيطة في ذلك . ومع أن عباس هيرزا بن فتح على شاه القائد الأعلى للقوات الايرانية المحاربة فى الشمال كان قد أحرز عدة انتصارات على القوات الروسية الا ان السفير البريطاني ظل يواصل ضغطه عليه لايقاف العمليات الحربية ، ولما يئس السفير البريطاني من رضوخ عباس هيرزا لأوامره ، سحب الضباط والجنود البريطانيين الذين كانوا يقاتلون ويدربون الجيش الايرانى ، ولم يبق من الضباط البريطانيين في الجبهة الشمالية سوى الكابتن " كريستى " الذي ظل يحارب في صف عباس ميرزا إلى أن قتل

لقد كانت عملية سحب الضباط البريطانيين من الجبهة الشمالية امرا مؤلما لفتح على شاه القاجاري ، الذي علم ان الاعتماد على عون الاجانب هو الجنون بعينه . ونظرا لأن الميزانية الايرانية قد أخذت تثقلها متطلبات الحرب ، لدرجة ان فتح على شاه لم يعد يستطيع اجابة طلبات ابنه عباس هيرزا ، فقد قبل العاهل الايرانى تحت الضغط البريطاني أن يدخل في محادثات تمهيدية لعقد الصلح بينه وبين روسيا بوساطة السفير البريطاني تطلب إلى رئيس وزرائه الميرزا شفيع أن يبدأ في المحادثات التمهيدية مع سفير بريطانيا لعقد المعاهدة التى عرفت فيما بعد بمعاهدة ) كلستان ( سنة ١٢٢٨ ه - ١٨١٣ بم بين روسيا وايران

لقد خدمت معاهدة كلستان بين روسيا وايران المصالح الاستعمارية البريطانية خدمات جلى . . لأن بريطانيا كانت في خوف دائم من بسط النفوذ الروسي في آسيا الوسطى والغربية . وقد رأت بريطانيا كيف كانت القوات الايرانية في الشمال منهكة . وغير قادرة على توفير المال والرجال والسلاح . وان روسيا بدأت انتصاراتها المتواصلة على ايران تقربها من الحدود التى لم تكن بريطانيا لتقبل ان يكون لروسيا فيها نفوذ بأي حال من الاحوال فكان لا بد لبريطانيا أن تفعل شيئا ازاء هذا الموقف ، فكان ان فرضت على ايران قبول عقد معاهدة ) كلستان ( القاضية بصلح إيران وروسيا ، تلك المعاعدة التى كان المستفيد الوحيد منها هو بريطانيا

فقام السفير البريطاني كما رأينا بالضغط على فتح على شاه القاجاري وارغامه على الدخول في مفاوضات مع الجانب الروسى ، وما عملية سحب الضباط البريطانيين من الجبهة الشمالية الا نوع من تلك الضغوط التى كانت تمارسها بريطانيا ضد ايران .

وكان السفير البريطاني يقول للحكومة الايرانية : لا فائدة ترجى من وراء محاربة ايران لروسيا . وهكذا استطاع السفير البريطانى ايقاف التقدم الروسي والتضحية بمكاسب ايران العسكرية والسياسية في سبيل مطامع بلاده الاستعمارية ، وقد خدعت ايران بألفاظ السير غور الديبلوماسية الناعمة التى وعدت بكل شئ وأعطت ايران لا شئ .

اشترك في نشرتنا البريدية