(( العلاقات البريطانية الإيرانية خلال الفترة الثانية من الحكم القاجــارى ))
(( تريد بريطانيا ان تسلبنا كل شــــــئ ولكنا لسنا على استعداد لتقبل الاهانة الى هذه الدرجة ))
من اقوال ناصرالدين شاه الفاجارى
بعد انتهاء الحروب الروسية الإيرانية ، ولعـــــــــلاء معاهدة التركمان جاى من قبل روسيا على ايــــــــران ، اخذت روسيا توسع تمثيلها الديبلوماسى مع ايران ، فالى جانب سفيرها فى العاصمة طهران ، قامت بفتح قنصليات متعددة فى مختلف انحاء ايران لضمان اجراء معاهدة التركمان جاى ، ووضع ما جاء فيها فيمــــــا يتعلق بمصالح الرعايا الروس المقيمين في الاراضـــــى الايرانية موضع التنفيذ ، ولمراقبة مجريات السياسة الابراقية الداخلية عن كثب .
كما قامت بريطانيا التى كانت تخشى على مصالحهـــــا الحيوية فى الشرق من منافستها العتيدة روسيا باتخاذ اجراء مماثل ، فوسعت التمثيل الديبلوماسى مع ايران ، وقامت يفتح قنصليات متعددة فى مختلف انحاء ايران لتراقب حركات كل من ايران وروسيا ونشاطهما .
وفي نفس الوقت بدأت فرنسا كما رأينا في فصول سابقة تبدى اهتماما كبيرا بايران . ونظرا لان كثيرا من الدول الاوروبية بدأ يتكون لها مصالح حيوية فى الشرق ، فقد بدأت تهتم بمشاكله وتسعى لكسب
الامتيازات في مختلف المجالات من كل من الامبراطورية العثمانية والدولة الايرانية ، بحيث يمكن اعتبار عهد محمد شاه وابنه ناصر الدين شاه القاجارى بداية عهد جديد من العلاقات بين ايران والدول الاوروبيــــــــــة . فبدأت أوربا تهتم بقضايا ايران كجزء من المسألــــة الشرقيـــــــة .
توتر العلاقات الايرانية البريطانية
أشرنا في الفصل العاشر الى أن محمد شاه القاجارى عندما علم سنة ١٢٥٤ هـ . باستيلاء قطع الاسطول البريطانى على جزيرة خارك فى الخليج عين الميرزا حسين خان الشيرازى ياروه العسكرى الخاص سفيرا لايران لدى كل من بريطانيا وفرنسا والنمسا . فذهب الشيرازى برفقة السفير الايرانى لدى كل من الامبراطورية العثمانية جعفر خان ، مشير الدولة ، وتشـــــــــــرف الشــــــــــيرازى بمقابلة الســـــــــــلطان العثمــــــــــانى ، ثم قــــــام بزيارة ســـــــــــفراء كل مــــــن بريطانيــــــــا وفرنسا والنمسا فى اسطنبول كما تقضى بذلك الاعراف الديبلوماسية ، وعندما علم السفير البريطانى فــى اسطنبول بأن زميله الايرانى حسين خان الشيـــرازى ذاهب الى لندن كسفير لبلاده ، وانه ينوى تقــــــديم احتجاج للحكومة البريطانية ضد احتلال اسطولهـــــا لجزيرة خارك فى الخليج نصحه السفير البريطانـــــى بعدم جدوى محاولته تلك ، وقيل للسفير الايرانى ان منحه سمة دخول الى الاراضى البريطانية لا يتـــــم الا فى حالة ما اذا كان الغرض من سفره السياحة وزيارة المعالم البريطانية ، أما اذا كان يسافر الى لنــــــــــدن يصفته السياسية كسفير لبلاده فان ذلك لن يتم الا اذا
قامت السلطات الايرانية باسترضاء ، السفير البريطانى في طهران والاعتذار اليه مما بــــــــدر من السلطــــات الايرانية من جرح لكرامته التى هى كرامة بريطانيـــا العظمــــى .
كانت مهمة حسين خان الشيرازى هى تهنئة الملكة فيكتوريا بعيد جلوسها على العرش وتقديم رسالــــة احتجاج من محمد ساء العاجارى تضمن شكوى ايران من تدخلات السفير البريطانى . فى الشؤون الداخلية لايران وعلى رأسها قضيـة عرات . واستيلاء ، بريطانيا على جزيرة خارك .
غادر حسين خان الشيرازى اسطنبول فى طريقه الى النمسا لتقديم أوراقه سفيرا لبلاده فيها ، وعندمـــا وصل الى فيينا قابل السيد مترنيخ . رئيس وزراء ووزير خارجية النمسا وعلم السفير الايرانى اثناء وجوده في فيينا ان رسائل السفير البريطانى فى طهران وتقاريره التى كان يكتبها حول قضية هرات قد انتشـــرت في كل انحاء القارة الاوربية ومن بينها النمسا . وقد اجتهد السفير البريطانى فى أن يصور محمد شــاء القاجارى والحكومة الايرانية بصورة الدولة المعتديـــة التى تريد الاعتداء على حدود الآخرين دون مراعـــاة للانظمة والقوانين الدولية .
وقد قام حسين خان الشيرازى برح وبســــط وجهة نظر ايران لرئيس وزراء النمسا وفسر لــه المعاهدات التى عقدت بين حكومته وبريطانيا فى عهد فتح على شاه القاجارى وان تدخلات بريطانيا وسفيرها فى الشؤون الداخلية لايران هو الذى يعتبر خرقــــا لتلك المعاهدات والنظم والقوانين الدولية . وهـــى أعمال تمس سيادة ايران وتنتقص استقلالها ، وتحاول نفى الحق الايرانى فى الاراضى الافغانستانية وان ما قام به محمد شاه القاجارى من محاضرة لمدينة هرات ليس الا محاولة منه لرد أجزاء من ايران اغتصبت منها بواسطة عملاء بريطانيا من امراء أفغانستــان المحلييــن .
وقد طلب مترنيخ من السفير الايرانى تدوين مـــا
قاله في صورة تقرير ليترجم الى اللغة الانكليزيــة ويرسل الى الحكومة البريطانية . وقام الســــفير الايرانى بكتابة تقرير مفصل بما قاله وترجم الى اللغة الانكليزية ولكن السفير البريطانى فى فيينا أخبر السفير الايرانى ان بريطانيا وايران تعتبران فى حالة حرب ، ولن تعترف بريطانيا بسفارته لديها .
كلف اللورد بالمرستون وزير الخارجية البريطانية آنذاك . السفير البريطانى في فيينا باطلاع السفير الايرانى حسين خان الشيرازى على ان الحكومة البريطانية على استعداد لدفع مبلغ عشرين مليون تومان لمحمد شاه القاجارى و بها تعهد بدفع نفقات القوات الايرانية في الجبهة الشمالية سنويا ، اذا وافق محمد شاه على رفع الحصار والتنازل عن اطماعه فى مدينة هرات ، وقد ارسل السفير الايرانى هـــذا الاقتراح البريطاني الى ايران مع رسوله الخـــاص فرج الله بك ، وظل فى فيينا ينتظر رد حكومته .
وأثناء اقامة السفير الايرانى فى فيينا وصلتـــــــه رسالة من الحكومة البريطانية ردا على رسائله التى كان قد بعث بها الى لندن ، وقد نفت الحكومة البريطانية ما قاله سفيرها فى فيينا للسفير الايرانى مــــن ان بريطانيا تعتبر نفسها فى حالة حرب مع ايران ، وأن ما قام ويقوم به السفير البريطانى فى طهران ليس تدخلا فى شؤون ايران الداخلية وانما هو عمل تمليه عليه طبيعة عمله كسفير لبريطانيا فى ايران فى سبيل المحافظة على المصالح البريطانية هناك ، وعليه فعلى دولة ايران أن تسارع بتقديم اعتذار رسمى للسفيــــر البريطانى فى طهران لما لحقه ، من اهانات من قبــل السلطات الايرانية .
بعد ان ظل حسين خان الشيرازى خمسين يوما في فيينا قدم اوراق اعتماده سفيرا لايران لدى النمسا وفي اوائل شهر المحرم سنة ١٢٥٥ ه غادر فيينا فى طريقه الى باريس ، عله يستطيع الذهاب الى لندن عن طريق مساعى وزارة الخارجية الفرنسية .
بينما كان حسين خان الشيرازى فى فيينا ينتظر
رد محمد شاه حول الاقتراح البريطانى بخصوص هرات كان السفير البريطانى فى ايران يجرى محادثات مع محمد شاه العاجارى فى معسكره فى ضواحى مدينة هرات . وقد طلب السفير البريطانى من محمد شاه كما ذكرنا فى فصل سابق ان يرفع الحصار عـــن هرات ولما يئس السفير البريطانى من اقناع الشــاه بترك هرات غادر المدينة الى مشهد ومن ثم الى طهران ثم جاءت الاخبار تحمل الى محمد شاه قبل احتــلال بريطانيا لجزيرة خارك فى الخليج الفارسى .
ويبدو أن حسين خان الشيرازى السفير الايرانى فى فيينا لم يكن يدرى بما يدور في بلاده آنذاك ولم يكن يدرك مدى حذق السياسة البريطانية .
ومدى عمالة رئيس وزراء بلاده الحاح مبرزا آقاسى لبريطانيا ، لذلك أو على الرغم من ذلك مـــا ان وصل الى باريس حتى شرع يعمل للحصـــول على اذن للدخول الى بريطانيا ، واستطاع الحصول على جواز سفر عادى فسافر الى لندن وقابل اللورد بالمرستون وزير الخارجية البريطانية . وأجرى معه محادثــــات هامة ، سلمه خلالها اللورد بالمرستون مذكرة تتضمن شروط بريطانيا لاعادة العلاقات الديبلوماسية مـــع ايران ، وان انهاء حالة التوتر بين ايران وبريطانيا رهين بقبول ايران للشروط البريطانية وكانـــت كالاتى :
١ - يجب على السلطات الايرانية ان تعتذر الـــى السفير البريطانى فى طهران اعتذارا رسميا .
٢ - أن تقو ايران باصدار بيان رسمى تتعهد فيه فيه بالمحافظة على حياة جميع الاشخاص العاملين فى السفارة البريطانية فى طهران . وتتولى الســــلطات الايرانية طبع البيان وتوزيعه .
٣ - أن تنسحب القوات الايرانية فورا من جميع الاراضى التى احتلتها بالقوة في افغانستان وتسلمها لحاكم هرت الافغانى . وان ترد جميع الامــوال التى نهبت من مقر اقامة ضابط بريطانى كان يعمل فـــى طهران فى الحال . وان تعتذر اليه سلطات الامـــن الداخلى رسميا .
٤ - ان يعاقب جميع الاشخاص الذين تظاهروا ضد الممثل البريطانى فى ميناء بوشهر وان يجازى كذلك جميع الاشخاص الذين تسببوا فى الحاق الضرر بالفـــتل البريطانى فى الميناء .
٥ - ان تقوم السلطات الايرانية بعزل حاكم ميناء بوشهر بسبب الاهانة التى وجهها الى السير ميتلاند المندوب البريطانى فى الميناء ، وان ينشر سبب عزل الحاكم فى الصحف المحلية لاطلاع الرأى العام عليه .
٦ - ان تتعهد الحكومة الايرانية بتنفيذ الاتفاقية المعقودة بينها وبين احد الرعايا البريطانيين بخصوص الامتياز الذى حصل عليه في مناجم الفحم في مدينة قره داغ ( ارسياران الحالية ) .
٧ - يجب على السلطات الايرانية ان تقوم بدفع مخصصات الضباط البريطانيين الذين كانوا يعملون في القوات الايرانية المسلحة والتى لم تدفع كل الآن .
٨ - أن اعادة العلاقات الديبلوماسية مع ايران تتوقف على قبول ايران لعقد اتفاقية تجارية مع بريطانيا .
وعندما وصلت المذكرة البريطانية الى طهران قبـــل محمد شاه الفاجارى الذى كان يستعجل خروج القوات البريطانية من جزيرة خارك ، قبل كل ما جاء في المذكرة البريطانية من شروط ، ولكنه تمهل فيما يتعلــــق بسحب القوات الايرانية من منطقة هرات . ولكنه عاد فاصدر أوامره الى قائد القوات الايرانية في منطـــــقة غوريان سنة ١٢٥٧ ه برفع الحصار عن المدينة وتسليمها للحاكم الافغانى كامران ميرزا مقابل قيام بريطانيا باخلاء جزيرة خارك ، وقد تظاهرت بريطانيا بانها تعمل على سحب قواتها من الجزيرة .
عودة العلاقات السياسية بين ايران وبريطانيا
بعد ان رضخت ايران لشروط بريطانيا الثمانية ، قررت بريطانيا استئناف علاقاتها السياسية مع ايران ،
فعاد السير جون ماكنيل واعضاء السفارة البريطانية الى طهران . فى أوائل شهر شعبان سنة ١٢٥٧ ه . واستقبلهم محمد شاه استقبالا حافلا وعقد مع بريطانيا معاهدة تجارية قام بالتوقيع عليها عن الجانب الايرانى وزير الخارجية الايرانية الحاج ميرزا ابو الحسن خان الشيرازى . وعن الجانب البريطانى السفير البريطانى السير جون ماكنيل وذلك في الثانى عشر من شهر رمضان سنة ١٢٥٧ ه الموافق للثامن والعشرين من شهر اكتوبر سنة ١٨٤١ م .
اشتملت المعاهدة التجارية المعقودة بين ايران وبريطانيا على فصلين ، الاول يتعلق بحرية التبادل التجارى بين ايران وبريطانيا والدول الدائرة في فلكها . وان تجار الدولتين الايرانية والبريطانية يتمتعون بحقوق متساوية فيما يتعلق بالضريبة والتعريفـــة الجمركية الموحدة والمعمول بها فى الدول الاوربية . وان تجار البلدين عندما يحلون فى بلد الآخريـــن تســـــهل لهم جميع وسائل الراحة لترويـــــــــــج تجارتهم ، وسيكونون موضع احترام السلطات المسؤولة .

