) الحلقة الثامنة (
علاقة الآباء والمعلمين
لقد أوردت سابقا ان الدول الاوروبية والامريكية اهتمت بعلاقة الاسرة بالمدرسة وذلك بعد أن ثبتت لديها اهمية دور الاسرة في حياة الافراد في المجتمع وذلك رغم اشتغال الاسر الاوروبية والامريكية عن اطفالها ، بسبب خروج المرأة إلى العمل ومشاركتها للرجل في جميع الميادين فأصبح الاطفال لا يقضون مع اسرهم الا ساعات قلائل وهذه الساعات القلائل هي غالبا ما تكون ساعات نوم أو أكل أو نزهة ، ولكن على الرغم من ذلك فان هاتيك المجتمعات لم تغفل شأن هذه الساعات وأهميتها فى حياة الافراد ، بل هي تقدر اهمية الاسرة فى حياة الطفل قبل ميلاده : فترعى الام الحامل وتصرف لها العلاج وترعى وليدها بعد ولادته مباشرة ثم يربى معظم هؤلاء الاطفال على ايدى مربيات وحاضنات الى ان يلتحق بمدرسة الحضانة وبعدها الى المدرسة الابتدائية . إذا كان هذا شأن تلك الدول المتقدمة التى لا يعيش
الاطفال فيها مع أسرهم الا لحظات يسيرة ، فكيف بك فى مجتمعنا الذي يقضى الطفل فى منزله سنى حياته الاولى اى قبل أن يلتحق بالمدرسة الابتدائية . . ثم ان دخول الطفل الى المدرسة الابتدائية لا يعني انقطاعه عن اسرته ، بل ان ما يقضيه الطفل فى المدرسة لا يزيد عن ست ساعات على الارجح من الأربع والعشرين ساعة اى ما لا يزيد على " ربع اليوم " فقط ويقضى ثلاثة ارباع الوقت الباقية من اليوم مع أسرته افلا يقام لهذا الوقت الطويل الذي يقضيه الطفل فى احضان اسرته اهمية كبيرة ؟ . . اننى هنا لا أرسم السياسة التى ينبغى أن تكون عيها الأسر في مجتمعنا وما يجب ان تكون عليه العلاقة بينها وبين المدرسة حتى لا يكون البحث متجها وجهة تجريدية . . هذه الطريقة التى نبذها علم الاجتماع ولم يأخذ بها . فهو علم حقيقي يدرس ما هو كائن بالفعل لا ما ينبغي ان يكون ولكنى اذا تطرقت الى ذلك الامر فانى ابرر ذلك بأن ذكرى لذلك هو محاولة لابعاد فكرة المثل القائل : " ليس بالامكان احسن مما كان " فلهذا أجدني مضطرا لتبيان بعض وجهات النظر التى أرى لزاما علي ، ذكرها وتثبيتها هنا . . ولا بد ان ابين قبل ان أورد العلاقة بين الآباء والمعلمين دور كل منهما فى حياة الطفل وتربيته . فكل فرد فينا يعيش فى هذا المجتمع لا بد ان يمر بالمواقف التربوية . فانا كاب أو كأخ أكبر أوكمدرس لا بد ان يكون لى اتصال بتربية ابنائي أو اخوانى او طلبتى ، خاصة واننا في مجال تربوى وفي كلية التربية هذه الكلية التى سيكون لها اعظم الاثر في اتجاه المجتمع وتقدمه فى السنوات القليلة القادمة وبعد أن
ذكرنا دور الاسرة فى حياة الطفل بصورة عامة ، وبينا كيف اناسرة دورا عظيما ، فى تكوين النشء منذ اقدم العصور التاريخية فهي الخلية الاولى وهى البيئة الاولى وبها المعلم الاول ، وكل ما يتعلق بالاسرة له اثر فى حياة اطفالها كالحياة الاقتصادية للاسيرة واتجاه الابوين وشعورهما نحو اطفالهما وعلاقة الابوين ببعضهما كل ذلك له اثره على حياة الطفل وعلى نمو شخصيته وسلوكه اضافة إلى ما وضحناه من اثر الوراثة على الشخصية والتى اصبح علماء النفس يقدرونها ويحسبون لها كل حساب ، وبينا كيف ان المعلم يجب ان يعرف كل ما يتعلق بحياة الطفل فى خارج المدرسة ، وكذلك يجب على الابوين معرفة معاملة ابنهما فى المدرسة وطريقة سلوكه فيها ، ولا بد ان اوضح دور كل من الآباء والمعلمين في تربية الطفل :
١ - ان كلا من الآباء والمعلمين يهتمون بالاطفال وتربيتهم ومن ثم فهم شركاء فى تربية هذا الطفل ومعرفة نموه والاشراف على توجيهه ، فيجب ان تنشأ بينهما علاقة يكون مركزها الطفل ، ولكى تنجح تربيتهما وتؤتى أكلها وثمارها يجب ان يفهم كل منهما ما يتعلق بشؤون الآخر ومن هنا نلمس وجوب قيام علاقة قوية وصلة وثيقة بين الآباء والمعلمين
- ان التربية الحديثة تدعو الى وجوب معرفة الطفل قبل البدء فى تربيته وتعليمه ، فيجب على كل مرب أبا كان أو معلما أن يكون على علم ومعرفة بنفسية وشخصية من يعلم ومن يتعامل معهم ، وعلى هذا فيجب ان يكون المعلم على علم بحياة
الطفل في منزله وعلى معرفة بمستواه العقلي وما يم يتعلق باسرته وحياتها لان المدرس يتعامل فى المدرسة مع اسرة الطفل التى ينتم اليها فلقد اجمع الدارسون لسلوك الاطفال على ان الطفل يأتي الى المدرسة بالأسرة التى ينتمي اليها كما اوضحت ذلك سابقا .
٣ - وحيث ان الطفل يتأثر بما يقع تحت سمعه وبصره من مؤثرات فعلى ذلك يجب على الآباء والمعلمين أن يهيئوا للطفل بيئة تربوية ، ونمو الطفل ما هو الا تكيف للمؤثرات القائمة فى مدرسته ومنزله ومجتمعه . فعلى الآباء والمعلمين ، تقع مهمة مراقبة هذه الآثار والمؤثرات وضبطها وفقا لما يرغبون فيه ، من اهداف تربوية . وعلى هذا فان المعلم مسؤول عن توجيه الاطفال في خبراتهم مع الطبيعة وخبراتهم مع الكتب ومع الناس ويجب على البيت ان يعزز جهود المدرسية . وكثير من الآباء يتعاونون مع المعلمين اليوم لربط نشاط المجتمع بنشاط المدرسة .
٤ - ان التربية بمعناها العام ، تشمل كل انواع النشاط التى تؤثر فى قوى الفرد واستعداده وتنميها ( ١ ) وهي تضمن توجيه المعلم نحو خبرات الحياة وارشاده أثناء عملية التعلم ويقوم الآباء والمعلمون بتوجيه عملية التعلم
، - ان معاشرة الأبوين والمعلمين للطفل ساعات كثيرة خلال اليوم ومشاهدته فى نومه ولعبه وأكله وتصرفاته كل هذا يجعل فى امكانهم اكتشاف ميول هذا الطفل
ويتعرفون على ميوله المحتملة والكامنة ، ومن ناحية اخرى يستطيعون ملاحظة حاجات الاطفال البارزة ويحتاج بعض الاطفال الى التشجيع وبعضهم الى المساعدة فى حس مشكلاتهم الشخصية وقد يتعذر على كل من الآباء والمعلمين كل بمفرده ان يحدد مثل هذه الحاجات أو ان تتوافر لديهم فرص اكتشاف الميول الحقيقية ) ٢ ( ومن هذه الزاوية يجب ان ندرك اهمية اتصال كل من المدرسية والاسرة متمثلة فى الآباء والمعلمين صلة وثيقة يعرف كل منهما ما يقع فى الآخر من تأثير فى حياة الطفل
٦ - للآباء والمعلمين دور هام في التخطيط لرعاية الطفل فيجب على المعلمين ان يعقدوا صلات وثيقة مع الآباء ومن ناحية اخرى يجب على المدرسة ان تتحمل مسؤولية ايجاد طرق ووسائل تهيئ للآباء فرص مناقشة مشكلاتهم مع المعلمين ، ومن اهم اهداف جمعية الآباء والمعلمين القائمة فى بعض الدول المتقدمة كما ذكرنا سابقا خلق اساس مناسب يوفر للآباء والمعلمين التعاون في التخطيط وتبادل وجهات النظر والعمل المشترك
٧ - تتوفر الفرص للآباء والمعلمين اكثر من اى شخص آخر لبناء الاتزان والثبات الانفعالى عند الاطفال والشباب والذي يعنى التكامل النفسي وننظيم وضبط النفس وقيام اسر متماسكة ومدارس متزنة : فيحمل الآباء والمعلمون مسؤولية توجيه التلاميذ انفعاليا وعقليا ( ٣ ) . . فاذا كان
هذا هو موقف كل من الآباء والمعلمين فيجب ان تكون العلاقة وثيقة بينهما لكى يستطيعوا ان يقوموا بتربية الطفل على اساسها خير قيام ، فيجب ان يتعاونا ، فالآباء والمعلمون عاملان اساسيان فى تربية الطفل وحل مشكلاته وعلى هذا يجب ان يتصل الآباء بالمعلمين لكي يعرف كل منهما ما يتلقاه الطفل من معاملة ، فيعرف الأب سيرة ابنه وسلوكه فى المدرسة ويعرف المدرس سلوك الطفل وحالته ومعاملته في اسرته . .
فواجب المدرسة الحديثة يتطلب منها اتصالا وثيقا بأسر الاطفال الذين تتولى تربيتهم وتعليمهم فهؤلاء الأطفال امانة في عنق المدرسة وفي عنق والديهم واسرهم ، فان المجتمع قد وضع هذه الثقة الغالية في كل من المنزل والمدرسة بان تقوم بسقي ورعاية وصيانة الناشئة هؤلاء الصبية الذين سيكونون الكل فى الكل فى المجتمع بعد طفولتهم بقليل ، فيجب ان يكون التعاون بين الاسرة والمدرسة وثيقا وفعالا ، حتى يصلا بالطفل الى التربية السليمة فينشأ مشبعا باهداف مجتمعه وتقاليده وعندها يصبح عضوا فعالا نافعا لأمته ووطنه . وان انعزال المدرسة عن المنزل ، والمنزل عن المدرسة ينتج عنه فى الاعم الأغلب تناقض في تربية الطفل ورعايته ، وهذا التناقض ينجم عنه اسوا الأثر فى شخصية الطفل مما يؤدى به الى الاضطراب وعدم التوازن فيفقد الطفل ثقته فى نفسه وفي اسرته ومدرسته وحتى فى مجتمعه ، فلكى نجنب اطفالنا او من نعلمهم هذا الاضطراب ونجعل نموهم يتكامل ويتجه اتجاها واحدا مشتركا يجب ان يكون هناك
توازن بين الاسرة والمدرسة . فمثلا إذا كانت الاسرة لا تحترم نظام المدرسية ولا تساعد التلميذ على الحضور اليها فى المواعيد المقررة تعطلت وظيفة المدرسة وعوقب التلميذ وضاعت عليه فرص التربية فيها ) ٤ ( والمدرسة لا تعلم ان سبب هذا التأخير هو من الاسرة التى ينتمي اليها الطفل . ومثل آخر اذا كانت المدرسة تكلف التلميذ من الواجبات ما لا يستطيع القيام به بسبب حالة اسرته المادية او الاجتماعية ارتبك التلميذ وقصر في واجباته ونمت فيه كراهية الاسرة والمدرسة وربما لجأ إلى سلوك شاذ ليتخلص من هذه الواجبات ) ٥ ( . . وما قيل عن التصرفات السابقة يمكن ان يحدث مثلها فى ناحية تحصيل المعارف ومدى تناقصها بين كل من المنزل والمدرسة ، وشبيه بذلك نوع المعاملة التى يتلقاها الطفل فى كل من المدرسة والمنزل ، ولكى نتجنب مثل هذه التناقضات والمتناقضات يجب ان تكون الصلة وثيقة العرى بينهما عن طريق الآباء والمعلمين . . ومن مظاهر هذه الصلة وهذا التعاون ان تقوم المدرسة بتوجيه الدعوة الى الآباء و الامهات ليقوموا بزيارة المدرسة لمشاهدة ما قام ويقوم به ابناؤهم من اعمال ، ويرى البعض من المربين ان تكون ابواب المدرسة مفتوحة دائما للآباء يستطيعون زيارتها كلما أرادوا .
ولأن كلية التربية بمثابة الخلية التى ستخرج للمجتمع مربين قد عرفوا كيف يقودون السياسة التعليمية
والتربوية فعليهم تقع مسؤولية تغيير الوضع الراهن للمدارس في هذا البلد الكريم ، وهذا لا يتحقق لهم الا اذا وجدوا العون الكافي من ولاة الامر واخذت اراؤهم في التخطيطات التربوية والتعليمية فانني احمل نفسي واياهم هذه المسؤولية . وهي مسؤولية صعبة فى حقيقتها ولكن ستزول هذه الصعوبة إذا شئنا لها ان تزول وبدانا نعمل على ازالتها فاول شئ يجب ان نحققه هو ان نطلع ، كمعلمين على احوال التلاميذ فى مدارسهم ، واول هذه الخطوات في نظري هو انشاء ) يوم او اسبوع يسمي اسبوع التربية ( وفي هذا الاسبوع يزور الآباء والأمهات المدرسة ويطلعون فيها على اعمال التلاميذ ودراساتهم ، وليس هذا فحسب بل ان من واجب الآباء اشراف طبيب المدرسة الوحدة المدرسية ( على حالة التلميذ الصحية ويعطى الطبيب تعليماته الى الأب والأم للعناية بصحة ابنهما ويطلعهما على ما يحتاجه من علاج ووقاية كما تقوم المدرسة باعداد تقادير وافية عن كل تلميذ وترسل هذه التقارير الشهرية او النصف شهرية إلى الأسرة لتطلع عليها وتعرف من خلالها مدى سير ابنهم في الدراسة وحالته الصحية
وسلوكه فى مدرسته وعلاقاته بزملائه . وعن نشاطاته الاجتماعية وغير ذلك من معلومات يكون مسؤولا عن اعدادها معلم الفصل باشراف مدير المدرسة والمشرف الاجتماعي فيها والطبيب ومدرس الرياضة البدنية وبقية المدرسين الذين يتصلون بذلك التلمذ كذلك من واجب الاسرة ان تنظر بعين التقدير الى هذه التقارير المرسلة اليها من المدرسه فتقوم الأسرة بمساعدة المدرسة بتوجيه ابنائها في سلوكهم ودراستهم ، وتهيئ الجو المناسب لهم لاداء واجباتهم المدرسية وتحترم اوامر المدرسة وتقدرها وبذلك تضمن تربية سليمة لأبنائها وتعليما صحيحالهم يساعدهم على خدمة وطنهم والقيام بواجباتهم تجاه امتهم وسنضمن لأمتنا العربية جيلا حسن التربية واسع الثقافة ، جيلا يستطيع ان يسير بهذه الامة الكريمة الى اقصى مدارج الرقي والتقدم ، جيلا يستطيع ان يرد الحق الى نصابه ويستعيد الوطن السليب ويعيده الى اهله ، جيلا يرد للامة العربية والاسلامية مجدها وعزتها وكرامتها لتعود اليها قيادة العالم الروحية والسياسية والاقتصادية والثقافية ، وهذا هو أعز ما ترمي اليه كل دولة مخلصة من الدول العربية والاسلامية .

