الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 7الرجوع إلى "الفكر"

بحث عن الصراع العربي الصهيوني، على أرض فلسطين

Share

الحركة الصهيونية :

يقول هنرى ترومان عن تجربة ويقين . . وهو سيد العارفين بدواخل الصهيونية واسرارها وهو الذى فرض على المجتمع الدولى الممثل فى هيئة الامم المتحدة - 1948/1947 - اقامة الكيان الصهيونى على أرضنا فى فلسطين هاتكا بذلك كرامة العرب وعزتهم فى عقر دارهم . . يقول :

" لا يمكن لمن لا يستوعب الصهيونية على حقيقتها ان يتفهم عالمنا هذا الذي نعيشه .

ولا شك ان قوله هذا يشكل درسا عظيما ، على كل عربي ان يتدبر مغزاه وحقيقة تاريخية يمكن لاى باحث ان يلمسها فى كل الاحداث السياسية والاقتصادية والحربية التى عاشتها كل الشعوب الاوروبية - شرقا وغربا . والشعوب الامريكية - شمالا وجنوبا - ٠٠ وشعوب الشرق الاوسط والعرب منها على وجه الخصوص طيلة الخمس والسبعين سنة الماضية . . تلك الاحداث التى حددت مواقف الدول الكبرى ورسمت خطوط سياستها الداخلية والخارجية فى ظروف كانت تهيمن فيها على حاضر ومستقبل شعوب العالم باسره قبيل الحربين العالميتين وبعدهما

ولقد تضاعف مغزى هذا القول واشتدت خطورة حقيقته مذ ان نجحت المؤامرات الصهيونية الاستعمارية فى زرع كيانها الاصطناعى على ارضة واعطته صبغته الدولية التى يتمتع بها ضمن المجتمع الدولى ، فتحولت " المنظمة الصهيونية العالمية " من حركة كانت تنحصر فى ضم شتات يهود العالم وتنظيم صفوفهم وتحديد مواقفهم وتوجيههم سياسيا واقتصاديا وعلميا

وعسكريا للتعجيل بانشاء كيانهم وتجهيزه ، الى دولة تتمتع بكافة مقومات السيادة وامكانيات التوسع وفرض السيطرة والأمر المقضى لا على العرب فحسب ، بل على المجتمع الدولى الممثل فى هيئة الامم المتحدة

ويقول الدكتور حاييم وايزمان فى تقييمه لزعيم الصهيونية الدكتور تيودور هرتزل :

" لم يكن كتاب هرتزل عن المملكة اليهودية " الدولة اليهودية " هو الذي عاد على اليهود بالنفع الجزيل وانما كانت خدمة هرتزل لليهود ولفكر الصهيونية انه دعا الى تحقيق فكرة ربط يهود العالم كلهم فى برلمان واحد ، وكان هذا عن طريق المؤتمرات اليهودية التى كان هرتزل أول من دعا اليها واول من حققها ، فكانت تلك المؤتمرات الصهيونية العالمية التى تعقد كل عام ، او كلما دعت اليها الضرورة والتى كان يحضرها ممثلون عن يهود العالم اجمع ، هي البرلمان اليهودى العام الذى ربط بين اليهود بعضهم ببعض على اختلاف بلدانهم وبعد ديارهم "

ولقد مكنت طريقة هرتزل هذه الحركة الصهيونية من السيطرة على الأغلبية الساحقة من يهود العالم شيئا فشيئا حتى اضحت السلطة المركزية العليا المهيمنة على كل الهيئات اليهودية فى جميع انحاء العالم يوم ان وقع الصهاينة وغير الصهاينة من اليهود على " اتفاق زويش " الذى حدد " دستور " ما سمي حينذاك ) اغسطس - آب 1929 ( ب : " الوكالة اليهودية لفلسطين " .

ويقول دافيد بن غريون :

ليس من قبيل المبالغة القول بان بقاء يهود العالم يعتمد على بقاء دولة اسرائيل ويقوم عليه ، وان مشكلة امن اسرائيل تعادل بالتالى مشكلة بقاء الشعب اليهودى بأكمله . لقد تم تنظيم الشعب اليهودى لخلق الدول اليهودية ، لكى يتسنى تنظيم الدولة اليهودية بدورها للحفاظ على الشعب اليهودى وحمايته ، هذه هي الفلسفة الصهيونية الكلاسيكية " .

وتنفيذا للقانون الذي وضعه هرتزل فى اواخر القرن التاسع عشر والذي بقضى بوجوب تجاوب وتفاعل " الشعب المفوض " Dominus Negotiorum Negotiorum Geltor الممثل فى يهود العالم اجمع ، مع المفوض " الممثل فى المنظمة الصهيونية سابقا وفي دولة اسرائيل حاليا وتطبيقا للفلسفة الصهيونية الكلاسيكية يطالب دافيد بن غريون بان :

" تلتزم كافة الهيئات والتشكيلات الصهيونية فى كل مكان التزاما جماعيا بتاييد الدوله اليهودية فى كل الظروف ويكل الوسائل حتى لو كان ذلك بتعارض مع آراء السلطات المحلية للبلاد التى يعيشون فيها " .

ويقر الدكتور ناحوم غولدمان الرئيس الدائم للمؤتمر الصهيوني العالمي حقيقة خطيرة تضر بكل الشعوب وتحط من كرامة كل الشعوب وتهدد حاضر ومستقبل كل المجتمعات الدولية حين يقول :

" لو لم تأخذ اليهودية العالمية على عاتقها مهمة انشاء دولة اسرائيل ما كان يقدر لها ان تنشأ ولو لم يأخذوا على عاتقهم مهمة السهر على بقائها قطعا ما كان يقدر لها ان تبقى " .

دولة اسرائيل :

ان المتأمل فى هذه الاقوال الصادرة عن اعظم الشخصيات الصهيونية التى لعبت دورا حاسما فى التمهيد لدولة اسرائيل ثم فرضها ، تثبت اثباتا قاطعا ان دولة اسرائيل لا تعدو ان تكون جسما مصطنعا صنعه مجهود يهودى عالمي ومهد لنشوئه طيلة خمسين عاما على كل المستويات العالمية قبل ان يفرضه بقوة الحديد والنار .

ولو القينا نظرة فاحصه على التحرك الصهيونى العالمى منذ 1897 لا تضح لنا بصورة قطعية ان الصهاينة لم ينتزعوا منا ارضنا في فلسطين بحد السلاح بمقدار ما انتزعوها بالكلمة . . وانهم لم يستعملوا السلاح الا بعد ان هيأوا الرأى العام العالمي وعلى رأسه رجال الحكم والسياسة فى أوروبا شرقا وغربا وفي أمريكا شمالا وجنوبا واقنعوهم :

أولا - حقهم التاريخي " المزعوم وبوجوب استرجاع هذا الحق

ثانيا - بالمصالح المشتركة التى سوف تنجز للطرفين من وراء انشاء دولة اسرائيل فى قلب الامة العربية

ثالثا بوجوب استحسان وتدعيم ما كانوا يتأهبون للقيام به على أرضنا وفرضه بقوة الحديد والنار

ومعنى ذلك انه ما كان يقدر لهذا الجسم المصطنع ان ينشأ لو لم يأخذ يهود

العالم على عاتقهم مهمة انشائه وتهيئة كل مقومات ارسائه على ارضنا . . ثم انه ما كان يقدر لهذا الجسم ان يترعرع ويقوى ويجد وسائل الاعتداء المستمر والتوسع وفرض الارادة لو لم يسهر يهود العالم على المحافظة على بقائه وتدعيم قوته ومده بكل ما يحتاج اليه من علم وتقنية ومادة بشرية . . ومال وسلاح

ومعنى ذلك انه ما كان فى استطاعة يهود العالم ان ينشؤوا دولة اسرائيل لو لم يقنعوا العالم بوجوب انشاء كيانهم الصهيونى على ارضنا ولو لم يقنعو ساسة أوروبا شرقا وغربا وامريكا شمالا وجنوبا بالمصلحة المشتركة التي سوف تنجز لهم من وراء انشائه . . وما كان لدولة اسرائيل ان تنشأ ولا ان نبقى ولا ان يدعم جانبها فتعتدى وتتوسع وتتحدى لو لم يقف من ورائها يهود العالم ومن ورائهم الدول الكبرى والرأى العام العالمى

ومعنى ذلك ان العرب لم يواجهوا في كل المعارك التى خاضوها ضد الصهيونية العالمية على ارض فلسطين وخارجها . . لم يواجهوا حفنة من اليهود جاؤوا من كل صوب لاغتصاب أرضنا وتشريد أهلنا ، ولكنهم في واقع صراعهم الحقيقي كانوا يواجهون - وسوف يواجهون دوما - فى كل الظروف قوى عالمية لاقبل لهم بتاتا بالتغلب عليها بالطريقة التى استعملوها ويستعملونها الى الآن لتحرير الارض المغتصبة واعادة الحق المسلوب

وهكذا ينتهى بنا سياق هذا التسلسل فى التحليل المنطقي الى الاعتقاد بانه يستحيل على العرب - والحالة هذه - ان يحرروا ارضهم ويستعيدوا كرامتهم ما لم يعملوا على عزل اسرائيل وقطع شرايينها الممتدة خارج حدودها لتمتص دم الحياة وتستمد وسائل العلم والمال والتقنية والالكترونية لتفرض ارادتها على العرب . . وعلى غير العرب .

السبيل الوحيد للقضاء على اسرائيل هو عزلها :

وكما انه لم يتسن لاسرائيل لا النشوء ولا الحياة ولا البقاء ولا التوسع وفرض الارادة ودووس كرامة العرب وعزتهم الا بمقدار ما مدتها به الصهيونية العالمية من مقومات بشرية واقتصادية وعلمية وعسكرية ووسائل تدمير

وكما انه لم يكن مقدرا لاسرائيل ان تنشأ ولا ان تبقى - كما يقر بذلك ناحوم غولدمان - فانه لن يتسنى لها ان تعيش لحظة واحدة بدون هذا الماء الذي لو انقطع عنها لاختنقت وتسنى للعرب القضاء عليها .

. . وعزل اسرائيل فى متناول العرب :

بما ان هذا المدد المتدفق على الكيان الصهيونى انما هو فى حقيقة واقعه استنزاف لخيرات مجتمعات دولية ولمقومات وطنية . . استنزاف يفتعله الصهاينه على حساب هذه المجتمعات وكرامتها وعزة اوطانها ، فان وجود الكيان الصهيونى على أرض أمة العرب لا يكلف في واقع حياته اليومية العرب وحدهم ولا يضر الشعوب ويكبل ضمير كل الشعوب التى تستنز حيراتها ومقوماتها الوطنية لكى تمد اسرائيل بما يمكنها من ارتكاب جرائمها اليومية

واذن فان للعرب فى كل مجتمع دولى يستغله الصهاينة بصورة أو باخرى يوفروا لاسرائيل كل ما تحتاجه لتعيش وتبقى وتعتدى ، حليفا طبعيا فى متناولهم ان يوقظوا ضميره الوطني ويجندوه للوقوف فى وجه العدو المشترك لا دفاعا عن فلسطين ولكن دفاعا عن مصالحه وذات نفسه .

وهكذا يصبح فى متناول العرب ان يعزلوا اسرائيل عاطفيا فسياسيا فاقتصاديا فعسكريا لو اهتدوا الى طريقة وضعها كاتب هذا البحث في محك التجربة فاتت بنتائج ايجابية قمينة فى أى وقت واى مكان ان تعزل اسرائيل طريقة تهدف الى ايقاظ الضمير الوطني لكل الشعوب التى تضررت وتتضرر كل يوم من وجود الكيان الصهيونى على أرضنا ، وحملها على قطع الشريان الممتد من بلادها صوب اسرائيل حيث تستنزف خيراتها ، وذلك بإبحاد اعلام عاقل ومنطقي يرتكز على الحقائق والوقائع والارقام هدفه ابراز كل ما يرتكبه الصهاينة المحليون فى كل مكان من جرائم مادية وأدبية تضر بمجتمعهم الوطن ليمكنوا اسرائيل من وسائل الاعتداء والدماء مما يجعلهم مشاركين بصورة مباشرة او غير مباشرة فى كل جريمة ترتكبها اسرائيل ما لم يقطعوا هذا الشريان .

والتجربه العملية التى قمت بها بوضع هذه النظرية فى محك التجربة حين كنت اشرف على مكتب جامعة الدول العربية فى بوينوس ابرس . العاصمة الثانية للصهيونية فى العالم بعد نيويورك - تثبت اثباتا قاطعا ، تؤيده الوقائم والوثائق المدونة بملفات هذا المكتب لسنوات 1964/1962 ، انه فى متناول ايدى العرب ان يعزلوا اسرائيل ويقصقصوا شرايينها ويخنقوها وبقضوا عليها بدون ان يعرضوا جيوشهم ولا شعوبهم ولا مدنهم للقتل والدمار ، وذلك

بايجاد مخطط اعلامي يرتكز على نظرية ايقاظ الضمير الوطني لكافة الشعوب التى تتضرر من وجود الكيان الصهيونى وحملها على الوقوف فى وجه الصهاينة فى كل مكان دفاعا عن مصالحها وكرامتها الوطنية لا دفاعا عن فلسطين

لقد كان الادب والادباء ، ولا يزالون فى كل مكان ، يحتلون مركز الطليعة لايقاظ شعوبهم وانارة السبيل امام من يحكمونهم . وعلى ادبنا العربي وادبائنا ان يكونوا على مستوى التحدى الصهيونى وان يخوضوا معركة الكلمة بما تتطلبه روح العصر وظروف المعركة . . وان يلتفتوا الى الادب الاعلامي الصهيونى ليواجهوا التحدى بالتحدى والكلمة بالكلمة والوسيلة باحسن منها

٠٠ فالحق معنا . . وفي متناول ايدينا ان نجند الضمير العالمي الى جانبنا والله ولى التوفيق

اشترك في نشرتنا البريدية