الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 2الرجوع إلى "المنهل"

بحث مستفيض قيم عن :, الجراد

Share

ان الكلام عن هذه الدويبة وعن أعمال المكافحة ضدها لا بد أن يكون جافا على اسماع القراء كالجفاف الذي تعقبه أسرابها بعد هجومها على الحقول الزراعية البالغة وسبب هذا الجفاف هو ان اكثر الناس عامتهم قبل خاصتهم وبدوهم أكثر من حضرهم على علم من أعمال المكافحة ضد الجراد اما مشاهدة واما سماعا او قراءة فى بعض المجلات المصورة ولذلك يعتبر الكلام عنها وفيها كالحديث المعاد .

وليس هناك الا ناحية واحدة يمكننا ان نخفف بها من جفاف البحث وهي ان ننظر اليه نظرة تاريخية بحتة فالمؤر خ الذي يأتي بعد حين من الدهر ويحب ان يقرأ او يكتب عن تاربخ حركة المقاومة ضد هذه الحشرة فى هذه البلاد سوف يجد في مثل هذه الابحاث متعة تاريخية وبلة لصداه العلمي

لقد أثبت الخبراء ان فى العالم أكثر من أربعين نوعا من الجنادب والدبي تسبب جوائح متعاقبة فى دورات مختلفة الا ان اكثرها تلفا وأكبرها ضررا هو ما نسميه الجراد الذي يمتاز بانتشاره فى شكل اسراب تستطيع فى طيرانها قطع مسافات بعيدة ولن تنسى بلاد الهند والصين وبلاد أخرى فى افريقيا على مدى الايام ويلات المساغب التى قاسوا مرارتها وكان السبب فيها هذه الحشرات الطائرة . وقد قدر قبل سنوات بعض المختصين بشؤون الاحصائيات متوسط

ما يحدثه الجراد من الاضرار سنويا فى انحاء العالم بخمسة عشر مليونا من الجنيهات تقريبا .

ان حرب البشر ضد الجراد مستمرة منذ مئات السنين الا أنها مع طولها لم تأت باكثر من سلسلة من المشاريع الانفرادية والمحاولات المبعثرة كان جل همها الاحنفاظ ببعض المحاصيل الزراعية من خطر الجراد .

أما عدم هيمنة هذه المحاولات على مشكلة الجراد بصفة عامة فيرجع الى بعض أسباب جغرافية والى ان السنوات التى يغيب فيها لجراد عن الانظار بالكلية كان الناس يظنون بل ويعتقدون ان الجراد قد انقطعت شافته عن بلادهم وانه لا جراد بعد ذلك وبناء على هذا الظن . . أو الاعتقاد كانوا يهملون وسائل المقاومة ويصدفون عنها صدوفا تاما ولا يلبثون أعواما الا وتفاجئهم اسرابه بشكل فظيع وضرر جسيم

وأول من فكر من الدول فى حل معضلة الجراد اقليميا ودوليا هي المملكة المتحدة حيث انشأت من قبل ستة عشر عاما جمعية خاصة لتنظيم الابحاث والقيام بأدق التحقيقات فى موضوع هجرة الجراد ودراسة مميزاته المجهولة وفي طرق المقاومة ضد أكبر قدر ممكن من الجراد الافريقي الذي تتكون اسرابه من ثلاثة أنواع مختلفة

وقد صرح الخبراء الفنيون في دراسة الهوام والحشرات والقائمون بأمر مكافحة الجراد ان القيام بالابحاث العلمية وإجراء التجارب في المناطق التابعة للحكومة البريطانية وحدها لا يفي بالغرض المنشود ولا يأتى ب لنتيجة المطلوبة بل الامر يحتاج الى اشتراك جميع الدول التى تتعرض ارضيها او مستعمراتها لاخطار هذه الحشرة .

وبناء على هذ الفكرة سارعت الأمم الأخرى فى التعاون مع بريطانيا للقيام بحملة مشتركة ضد الجراد وكانت أولى نتائج هذا الاشتراك الدولى ان تكونت جمعية منغيرة لهذا الغرض وبعد زمن يسير تحولت إلى جمعية كبيرة

عرفت باسم " مركز ابحاث مكافحة الجراد " اتخذت مقرها في لندن واخذ كل قطر يصاب بحملات اسراب الجراد يرسل اليها تقارير شهرية عن حركات الجراد واضراره مع شرح نوعه وارسال نماذج من كل نوع لاجراء الفحص العلمي والإختبارات الفنية عليها .

وعلى ضوء هذه النماذج والتقارير وضعت الجمعية المذكورة خرائط في غاية من الدقة والاحكام ورتبت جداول خاصة لكل فصيلة ولكل نوع منفردا وبهذه الطريقة تم لاعضاء الجمعية دراسة حياة الجراد الافريقي بانواعه الثلاثة دراسة مسهبة وتمكنوا من فهم مميزاته وخصائص كل نوع واساليبه فى الطيران .

ويجد القائمون بتحريات حركة الجراد صعوبة كبيرة فى كتابة التقارير عن كل جنس مستقلا عندما تشترك الانواع الثلاثة في الهجوم على منطقة واحدة وفي مثل هذه الحالات يستعان بمراجعة التقارير السنوية والشهرية ومراجعة الخرائط والمقارنة بينها فى وضع التقارير الجديدة عن حركات الجراد وسيره وبيان مصدره الاول الذي ابتدا منه هجوم اسرابه والبحث عن المناطق التى يصطلح عليها الآن " مناطق هيجان الجراد " للوصول الى العوامل والظروف التى يتحول فيها الجراد الى شكل أسراب .

فقد ثبت لدى الخبراء ان الجراد لا يبقى دوما فى هيئة اسراب وانه فى السنوات التى يغيب فيها عن انظار الناس تكون بقاياه على قيد الحياة فى مواطنها الاصلية متناثرة فى كميات قليلة ومجموعات صغيرة ولا يستطيع وهو فى تلك الحالة الطيران بل يبقى في مكامنه على هيئة الدبى أو الجداجد

وكان الناس فيما مضى يعتبرون هذا النوع نوعا آخر غير الجراد المنتشر ولكن التجارب الحديثة والكشف الفنى . اثبت ان هذا النوع الذى يعيش منفردا فى مواطنه الاولية هو نفسه يتغير ويأخذ بعد سنوات شكل الاسراب ومميزاتها . وقد قام بهذه التجارب جمع من الخبراء الفنيين فى علم الهرام والحشرات

من بريطانيا وفرنسا وبلجيكا والهند ومصر وجنوب افريقا بعد وضع خطط موحدة للعمل بموجبها . وكل منهم قام بابحاثه وتجاربه داخل حدود بلاده عدة سنوات تحمل بعضهم في ذلك مشاق رحلات بعيدة المدى فى الصحراء الكبرى فى افريقية وفي صحار اخرى ، وكابد بعضهم صعوبات الخوض في مستنقعات اواسط افريقيا شهورا متتابعة .

ثم اجتمعوا فى مؤتمر دولي انعقد لهذا الغرض وعرض كل منهم ما عنده من التقارير ونتائج التجارب وقرروا ما اتفقوا عليه كنظريات ثابتة .

وكان من الامور التى شملتها ابحاثهم مسألة البحث عن الاسباب التى " تحول الجراد من شكله الانفرادي الي هيئة اسراب هائلة " فقرروا فيها ان ذلك يتم على اثر حالات جوية استثنائية إما عقب سيول عظيمة تدفع الجراد المنعزل عن بعضه الى نقطة واحدة حيث يجتمع ويتوالد وينمو ويبدأ بعده فى الطيران فى شكل اسراب واما ان جفاف بعض السنوات فى بعض المناطق يدفع بقايا الجراد المنعزل عن بعضه للانحدار الى مناطق اخرى ذات عشب ونبات حيث يتم دور تكون الاسراب .

وبناء على هذا القرار أكدا الخبراء ان مواطن ثوران الجراد او التى توجد فيها هذه البقايا فى غير سنوات الجراد لو بقيت تحت المراقبة المستمرة من جانب هيئة فنية ورجال المكافحة لاستطاع هؤلاء بكل سهولة ، الحيلولة دون تجمع . تلك القطعات المنعر لة فى منطقة واحدة وتمكنوا ايضا من القضاء على اسراب الجراد ووأها فى موالدها قبل أن يستفحل أمرها .

وتنفيذ هذا القرار كان ولاشك - يحتاج إلى مؤازرة دولية يتسنى بعدها انشاء رقابة دائمة لأبادة هذه الحشرة فى محلاتها الاولية وكان على الدول المشتركة والني تصاب أراضيها عادة باضرار الجراد أن تقوم بجميع النفقات اللازمة لهذه الاعمال المشتركة .

وبالرغم من وجود بعض الصعوبات فى تنفيذ هذه الفكرة بحث الخبراء فى اجتماع انعقد عام ١٩٣٩ فى الوقت المناسب الذي يمكن فيه تنفيذ هذا القرار

والتغلب التام على الانواع الثلاثه من الحراد الافر قى الا ان اندلاع نار الحرب فى انحاء العلم اوقف كل المشاريع التى اتخذت في هذا الصدد وقطع على هيئات مكافحة الجراد سلسلة أعمالها نظرا الى أن أكثر المناطق المعرضة لهجمات الجراد كانت تقع على سواحل البحر الأحمر التى كانت من أهم مناطق الحرب .

انتهز الجراد فترة الحرب وتمكن من التجمع والا كتمال فى مرا كزها بكل هدوء واطمئنان وماجاءت سنة ١٩٤٢ الا وقد بدت اسرابه بكثرة مخيفة وصورة مستمرة مهددة الحقول الزراعية التى كانت اعدت لتموين الشرق الاوسط فسارعت هيئات المكافحة الى اعمال المقاومة ولقيت من المرا كب التي كانت تقوم بأعمالها التمويلية مساندة قوية فى انجاز مهماتها كما ان القوات الحليفة ومعاضدتها فى أعمال المكافحة مما تجب الاشا ة اليها .

وفي عام ١٩٤٣ عقدت سلسلة من المؤتمرات الاقليمية فى بلدان مختلفه لاتخاذ خطوة جديدة نحو تنظيم العمل المشترك من قبل جميع الدول ضد الجراد فكانت هذه الخطوة الجديدة ترتكز على الفكرة القائلة : ) ان الهجوم خير من الدفاع ( .

وقد تأكد الباحثون والخبراء بعد تحريات واسعة النطاق من أن حركة المقاومة يجب ان تتوسع وتمتد الى داخل بلاد العرب التى تعتبر لأهميتها الجغرافية كمفتاح لأعمال المكافحة وابادة هذه الحشرة التى امست لا تهدد من اراضى الشرق الأوسط دلتا النيل وفلسطين وسوريا والعراق وايران فحسب بل أصبحت حقول الهند البعيدة ومزارع الجمهوريات الروسية فى آسيا الوسطى ومناطق شرق افريقيا الزراعية مهددة بأخطار هذه الأسراب واضرارها .

من حسن الحظ أن جلالة لملك عبد العزيز آل سعود قد رحب بفكرة مقاومة الجراد فى بلاده ترحيبا عظيما وقدرها أحسن تقدير صيانة لأنتاج بلاده الزراعي .

وفي سنة ١٩٤٣ سمح جلالته للهيئات المختصة فى شؤون الجراد بالقيام بأعمالها فى بلاده فقامت تلك الهيئات بجولات واسعة فى بحارى البلاد العربية السعودية كان الغرض منها معرفة المواقع والقيام بتجارب أولية وكانت نتائج

هذه الأعمال الأولية حسنة شجعت القائمين بأمر المكافحة الى ارسال بعثات منظمة فى عام ١٩٤٣ و ١٩٤٤ للقيام بعمليات الأبادة ضد هذه الحشرة .

وقد لقيت هذه البعثات مساعدة فعالة من قبل السلطات الحليفة فقد ساعدتها بوسائل نقلها ورجالها الفنيين ومعاملها ) ورشها ( المتنقلة لأصلاح السيارات وبمراكزها اللاسلكية المتحركة وبكل مالزمها من آلات وأدوات . وكانت هذه البعثات تتكون من رجال فنيين وخبراء ذوى اختصاص في علم الهوام والحشرات معهم ثلاثمائة وخمسون سيارة من السيارات الضخمة .

وابتدأت عمليات المكافحة من غرب البلاد وشمالها ثم تفرقت أفراد البعثات على هيئة مخيمات فى مناطق مختلفة من الاراضى الصحراوية لانجاز مهماتهم وقد أبيدت كميات عظيمة من لدبي وجدت في بقع متفرقة تقدر مساحة مجموعها بخمسين ألفا من الأميال المربعة استعملت في ذلك ما يقارب من الف ومائتى رطل من المواد المسمومة .

وقد زودت حكومة جلالة الملك ابن سعود المعظم هذه البعثات بمرافقين وادلاء مهمتهم الوساطة بين رجال البعثات وبين الامراء المحليين في القرى والدسا كر لتسهيل مزورهم ومرور سياراتهم التى مرت باراض لم يسبق لسيارة ما أن أثارت عجلاتها رمالها أو حفرت فيها خطوطا .

وفى الوقت الذي كانت هذه البعثات تقوم بأعمالها فى بلاد العرب كانت بعثات أخرى تؤدي المهمة نفسها فى الهند ومصر والسودن ومناطق اخرى كالحبشة وكينا وتنجانيقا وفي أفريقيا الشمالية على خطوط مرسومة متقاربة على قدر الامكان الا ان أهم هذه البعثات التى استحقت الأشادة بأعمالها ونالت تفوقا على غيرها فى اداء مهماتها هى البعثات التى كانت تعمل فى منطقة كينا وفى بلاد العرب .

ومما سجل عن الجراد : أن موسم الأمطار هو الوقت الماسب لنمو اسرابه واكتساحها مناطق كبيرة من الصحارى وان الاسراب التى تنمو في اراضي

السودان فى موسم الأمطار يسهل عليها عبور البحر الأحمر لتضع بيضها فى فصل لربيع في بلاد العرب او في بلد آخر من بلدان الشرق الاوسط ثم اذا تكونت من ذلك البيض أسراب جديدة يرجع قسم منها الى افريقيا ثانية وقسم منها ربما يقوم شرقا حتى يصل الهند حيث يجد فى زوابع المنسون وامطارها فرصة اخرى لتسرئتها ) لوضع بيضها ( وبعد ان ينتهي دور الظهور والنمو ودور أعمالها التجريبية فى بعض الجهات الهندية تبدا هذه الاسراب نفسها في الرجوع مرة أخرى نحو الغرب عابرة أرضى ايرن وبلاد العرب حيث يعيش بعضها في الأرض الفساد وبعضها يستمر فى طيرانها إلى افريقيا .

وقد استفاد الخبراء من مثل هذه المعلومات فو ئد جمة فى تنظيم حركة المكافحة فى كل منطقة وفي الوقت لذي يؤمل تعرضها لهجماتها . واختصارا إذا بقيت المقاومة لمشتركة ضد الجراد بهذا النشاط والقوة واستمرت الثقة المتبادلة بين الدول تجاه عددهم هذا فسوف يأتي زمن ان شاء الله تصبح فيه مسالة الجراد ومكافحته من حوادث التاريخ التى بقرأ عنها بين دفاته . ملخصا من مجلة برتش دايجست ) وهي لخصته من المجلة الجغرافية الوطية الأمريكية

اشترك في نشرتنا البريدية