الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 3الرجوع إلى "الفكر"

بريد القراء

Share

"الظل" تحت هذا العنوان وافتنا الآنسة صالحة بن ونيس بهذه المحاولة القصصية ننشرها تشجيعا لها لمواصلة درب الخلق القصصى .

كان يجر رجليه متنقلا من زقاق الى زقاق ومن شارع الى آخر ومن بيت   الى أخرى .

الاشجار أمامه باسقة . والشوارع تمتد طويلة وظله طويل . وطويل .

نظر حواليه . نظر الى طوله . آ ! إنه قصير ولكن ما بال ظله طويل . أيعقل أن يكون قصيرا ويكون ظله طويلا .؟ غريب أمر هذه الدنيا ! أجسادنا قصيرة مثل قوارير الغاز أو مثل الدودة . أو مثل مسافة تقاس بخطوة ولكن ظلالنا طويلة . خطر له أن يكلف أحد المارة بقيس ظله . رفع رأسه عالية ونفخ بدخان لفافته فى وجه الفراغ . وتراجع فى آخر لحظة .

قد يتهمونه بالجنون . والجنون . والجنون

وقف فجأة . بصق وضحك حين شعر بأنه مثل الرصيف تدوسه كل لاقدام وتتجمع فوقه نفايات هذه المدينة . ولكن ظله يظل طويلا . خطوة . خطوة . الاشجار تتبعه . والقطط تتبعه . وظله يتبعه . فآه لو يصبح مرة واحدة بلا ظل مثل فانوس يضئ على كل الجهات . فكم من مرة خدعه . وكم من مرة خانه . بل كان السبب فى وقوفه بين عمالقه أقزام حين سيق يوما الى مكان لا يعرفه وحاور السياط بجسمه النحيل .

آه يا جسدى القصير . أذكر أنك أصبحت مرة كخريطة العالم ، تمتزج فيك خطوط زرقاء . وخضراء . وحمراء . وصفراء . وسوداء .

مسح بيده المتخشبة دمعتين وصاح برجليه : الى أين ؟ إنه أحيانا يفقد السيطرة على رجليه اللتين تقودانه الى حيث لا يدرى لولا عيناه اللتان تلتقطان صورة بعد أخرى :

هذه شجرة ، هذه سيارة ، هذا قط ، هذا حائط ، هذه امرأة ... ولكن ما هذا الجاثم أمامه ؟

إنه ظله . أوف .

منذ زمن بعيد . بعيد يغيم فى ذاكرته امتلكه ظله مثلما يمتلك البعض قصرا أو سيارة أو ناطحة من ناطحات السحاب . فتعلم المشى كثيرا وتعلم الخط على الجدران فى أعقاب الليل . وأتقن حديث المجانين العقلاء :

- ماذا تفعل فى آخر هذا الليل ؟ - أحقق ظلى وأجمع عظامى وأدق الابواب وأزرع العقول . - أتمزح يا ابن الكلب أم تتباله ؟ !

- للمزاح مبادئ وقوانين لا اعرفها . ما زلت فى الدرجة الصفر ولعلى سأعرف المزاح حين اصل الى الدرجة الواحدة على الاقل .

- أنت أبله يتعاقل أو عاقل يتباله . كنت تسرق ؟

- آه . أسرق . السارق هو الوحيد الذى يعرف انه باستطاعته قلب العالم وتفجيره . بل وجعل كل الانظار تحوم حوله . انه القادر على سرقة العقول القابعة داخل جماجم ذهبية .

- اذن أنت سارق . انك تحب السرقة وجلوسك حذو الحائط دليل على  ذلك .

لحظة بعد لحظة وتدفق الاحمر القانى من فمه وأنفه وقفاه .

قال : - نعم أنا سارق . أنا سارق لا يسرق شيئا ولكن يمتلكنى ظلى حتى السرقة .

وفى مكان لا يعرفه ولا نعرفه كانت الظلمة الداكنة تلفه والروائح النتنة تسد خيشومه .

تجمد جسمه تحت وطأة برد أحمر غير أن ظله كان يتمدد . يتمدد الى الخارج ويكبر فى كل الاتجاهات ليمشى كثيرا ويخط على الجدران فى اعقاب الليل : هل فهمتم السر فى عمرى المتجدد ؟

اشترك في نشرتنا البريدية