نجم يأفل ! .
فى يوم الأربعاء الموافق ٦ جمادي الاول ١٣٧٥ - خطف الموت من بين ظهرانينا نجما ساطعا من الانجم القليلة التى اضاءت سماء الأدب في مستهل نهضته والتى انارت الطريق زهاء ربع قرن من الزمن .
هذا النجم هو الاستاذ المرحوم محمد عمر عرب . أحد الرواد المعروفين لأدبنا في هذه المملكة فماذا نقول ؟ لقل جل الأسى وعظم المصاب ، بفقد هذا الالم الأديب . لقد كان طودا شامخا فى الميدان الأدبي وكان أحد الكواكب المشرقة .
لقد انه انهار هذا الطود فى أقل من لمح البصر . وحل بالقوم ذلك النبأ المفاجئ كصاعفة هوت وذهلت النفوس عند الصدمة الأولى . حينما نقل المذياع نبا الحادثة الآليمة فى الصباح الباكر من يوم رحيل الفقيد . . .
لقد افتقدنا هذا الاديب المؤسس . فى وداعة اخلاقه وسيرته فى الحكومة لامعة طوال خدمته لها كما أشار الى ذلك زميله معالي الوزير الجليل الشيخ ابراهيم السليمان .
كان الراحل دمث الاخلاق وادع النفس وكان دائما لا يخلو من الابتسامة الرقيقة التي تبدو على محياه فهو يقابل زائره بالبشاشة والترحاب سواء عرفه أم لم يعرفه .
فالى ذوى الفقيد وعلى رأسهم
شقيقه الاستاذ احمد عرب نقدم تعازينا الحارة متضرعين الى الله تعالى أن يسكنه فسيح الجنان .
اننا اليوم فى امس الحاجة الى وجود أمثال الفقيد العزيز لأننا
مازلنا في أول الطريق . .
من الواقع
كل النهضات على اختلاف انواعها من سياسية الى علمية الى اجتماعية تحتاج الى شجاعة واقدام وتضحية واندفاع وحركة وجهد وصبر وعزم ومجالدة . وهذه الخلال قلما توجه فى غير الشباب لان الاقدام وما اليه لا يكون الا حيث يوجد الفكر السريع والرأى اللماح والذهن الوثاب والعزم الماضى . . هذه انما هى خصائص الشباب ، قال على بن ابي طالب :
( من أطال الفكرة في العواقب لم يشجع ومن غير الشباب يستهين بالعذاب ويستسهل الصعاب وتحلو له المغامرات ويندفع فى الملمات غير مرتعب لجزاء ولا منتظر لأمر ). . .
فالشباب متى صمم على نيل مأرب اقتحم كل عقبة . وضحى بأعز ما يملك أما الشيخ فيحسب لكل شئ حسابا فلا يضحى بماله خشية الفقر ينتظر أولاده ولا يتحمل شظف العيش والتشريد لان جسمه لا يقوى على التحمل ولا يخاطر بالحياة لأن الشيخوخة تجعله احرص عليها لا يميل الى التطور والانقلاب
والتجديد لانه انما يعيش فى ذكريات الماضى فقل ان ينعم بالامانى أو يطرب لنغمات الآمال او يهش لبريق المستقبل الحلو والحياة الباسمة .
لكل ذلك كنا نرى الشباب فى النهضات هم حملة مشاعلها الوهاجة ومن أفئدتهم جذوتها الوقادة يفدونها أجسامهم الغضة وينفخون فيهـ بأرواحهم الطاهرة ويذكونها بأموالهم الواسعة فهم الجنود البواسل لقيادة توضع فى يد الكهول فيلزم على القادة مسايرة الطبيعة الانسانية مسايرة حكيمة ممزوجة بين الميول والاحاسيس مراعي في ذلك نظام الطبائع ومتخذا فيه الوسط . . وتلك سنة الله مع جميع المصلحين والدعاة والمرشدين وكان اكبر نصيب من ذلك هو نصيب الشباب والحظ الأوفر هو حظ الفتيان .
قدس قد انطفا !
يا فم القبر كم ترى تبلع الذخر
الذي تم صنعه من دهور ؟
الله أكبر أهكذا يفعل القدر ؟ أهذا مصير الحياة ؟
" كل " ما تزرع الحياة حصيد
مرسل عن يد لهذا المصير
أغاب ذلك الفرقد الثاقب ؛ أأنهار ذلك الجبل الشامخ العالي ؟ امات ذلك الأديب الصامت الحساس الاستاذ " محمد عمر عرب " ؟
نعم لقد مات وخيم الظلام وحلت القارعة ، ان الفجيعة ثائرة لا تهدأ فما المصير ؟ وما القول ؟ لا غرابة انها تصاريف الدهر وما يحوكه القدر ، أجل لا غرابة ! فالموت حق لاحق بنا جميعا ، وهذه سبيل الورى و " إذا جاء أجلهم لا يستاخرون ساعة ولا يستقدمون " .
افزعنا ذلك النبأ الأليم حينما اصطدم به السمع صباح يوم الاربعاء ١٣٧٥/٥/٦ وتيقظ القوم من غفلتهم وهرعوا من مرقدهم لوداعه الأخير ، وكانت الوجوه كئيبة شاحبة وكانت الرؤوس مطرقة ذاهلة . وكان الحزن عميقا لاعجا وكان الدمع دافقا منهمرا وكل الى ربه خشع يطلب رحمته وغفرانه .
ان الفقيد - رحمه الله - يتصف بصفات خلقية قل ان تجدها فى سواه كان أبا رحيما كريما لا تفارقه تلك الابتسامة الرقيقة المرتسمة على شفتيه ، قوى الايمان بالله ، يتحلى بمواهب اللطف وكرم الاخلاق مع المروءة العالية مساعدا لمهضومى الحقوق نزيها فى كل ادوار حياته . وكان شاعرا عاطفيا يمتاز بسهولة التصوير - وهو من الرعيل الاول من طبقة الاساتذة محمد سرور الصبان ومحمد سعيد العامودى وعبد الوهاب آشى . . كان اديبا بليغا قوى البديهة حاد الذكاء معروفا برقة الاسلوب وان كان لم يكتب الا قليلا . .
وقد ولد بمكة المكرمة سنة ١٣١٨ ه وتلقى علومه بمدرسة الفلاح بمكة . وتقلب في مناصب حكومية كثيرة وآخر منصب ارتقاه هو انه اختير رئيسا لديوان وزارة الصحة .
هذه بعض السمات التى كان يتحلى بها الفقيد .
وأخير اتعازينا وزفراتنا الحارة إلى أهله وذويه والى الادباء جميعاممتزجة بالدعاء والابتهال للفقيد الغالى .
وسلاما من موطن الخلد والرضو
ان يغشى جثمانه بالعطور
وعلى روحه يرف رضا الله
وغفرانه ، دوام العصور
ووداعا يزف ، ما انحبس الد
مع لديه الا لهذا الزفير
والى الملتقي بجنة عدن
حيث نلقاه في أجل مصير
مكة - عبد الله احمد بوقرى
في بريطانيا أزمة علماء
في عدد المنهل الخاص السابق : ( أوعية وغلال ) وفي فصل بعنوان : ( بين اللب والقشور) ، تعرضنا لضرورة اعادة النظر في اسلوب التعليم القائم اليوم بمدارسنا ، بل بمدارس العالم العربي اجمع ، من ابتدائية وثانوية وجامعية ، واشرنا الى ان ذلك سيكون من مصلحة بلادنا المحتاجة إلى الخبرة العلمية والفنية .
وقد اطلعنا بعد ذلك فى العدد الصادر فى ٥/٥ / ١٣٧٥ من مجلة اخبار
اليوم المصرية على كلمة فى صفحتها التاسعة تحت العنوان المتقدم . . . وها نحن نورد الكلمة بتمامها لما فيها من فائدة وتبصرة وتوجيه لبلادنا من هذه الناحية الاساسية الحساسية : قالت المجلة :
" فى بريطانيا ازمة علمية وفنية . فهي فى حاجة الى عدة الوف من العلماء والخبراء الفنيين ، وتتجه نية الحكومة الى اعادة النظر في نظم التعليم حتى تتمكن المدارس والجامعات من تخريج العلماء والخبراء الذين تحتاج اليهم بريطانيا .
وقد اضطرت الهيئات العلمية والصناعية الى تأجيل كثير من الابحاث الفنية لندرة الخبراء . .
ووصف تشرشل الموقف في خطاب له أول امس ، فقال : ان تقدم روسيا في تدريب وتخريج الخبراء والفنيين والعلماء يسير بخطى واسعة ، بينما تأخر بريطانيا فى هذا الميدان يثير الذعر . .
ورغم ان الجامعات تبذل كل مافي وسعها لتخريج مئات من هؤلاء الفنيين كل عام الا ان وزارة التعليم تفكر في بناء عدد من المدارس الفنية فورا حتى تستطيع مواجهة حاجة البلاد .
ولعل ضعف المرتبات من بين الاسباب الرئيسية التى تجعل العلماء الشباب يفضلون المناصب الوزارية الجامعية على العمل فى معامل الابحاث الحكومية "
