الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 5الرجوع إلى "الفكر"

بعض الاشكال القصصية ومناهج دراستها

Share

ان هذه المساهمة ) 1 ( هى وليدة حيرة ازاء تعدد الاشكال القصصية وتنوع مناهج دراستها ، فبعض الطرق خاص بالحكايات الشعبية والخرافية كالاسطورة والسمر والحكاية وبعضها الآخر يهم كل الاشكال القصصية كالنادرة والخبر والمثل والمقامة والحديث والسيرة والقصص البطول الغرامي والقصص الفلسفى وحديث الاقصوصة والرواية ، وقد ركزنا اهتمامنا على مناهج دراسة الحكاية الخرافية محاولين التخلص من التبعية المطلقة لكل ما يأتي من غير العرب واعتبار كثير من هذه المناهج اليوم فى مرحلة تجربة اذ بعضها يناقض بعضا ، وهذا ما دفعنا الى النظر الى تجارب الغير نظرة نقدية مع تقييم النتائج واختيار ما يلائم طبيعة الادب العربى والسعى الى تنمية البحوث النقدية بنظر شخصية قد تكون تأليفية وقد لا تكون

لذلك لن نقتصر على وصف هذه المناهج بل سنخصص قسما من هذا العمل لنقدها وقسما آخر تطبيقيا يكون معيارا لتقييمها

فبعض هذه الطرق يعتنى باصول الحكاية ، وبعضها الاخر لا يهمه الا شكلها ومنها ما لا يهتم الا بمضامينها . فالمدرسة الفنلندية التى وضع اسسها آرن وتومسون ) 2 (

مدرسية تاريخية جغرافية تصنف الحكايات الى نماذج وانماط وتجزئها إلى وحدات تهدف منها الى " مقارنة الوحدات المتغيرة فى الروايات المختلفة للحكاية الواحدة بقصد الوصول الى الاصل الاول " ) 3 ) فهى تبحث عن الجذور وتبع رحلة الحكايات عبر الاقطار وهي الطريقة التى تبناها علماء الفولكور مثل كوسسكانE. Cosquin  وباسي R . Bassel وقودرفروا ديمومبين Guddefroy - Demonbyon وغيرهم

وقد امتنعت من دراسة المضمون فى حد ذاته كما امتنعت من البحث فى علاقة الحركات الوظائفية التى تتحكم فى بناء الحكاية لذلك نقدها بروب v.propp وجاكبسون . jackobson بشدة

فيروب بفضل التحليل المورفوروجى ويدعو الى " وصف الحكايات وفقا لاجزاء محتواها وعلاقة هذه الاجزاء بعضها ببعض ثم علاقتها بالمجموع . " ( 4 ) وهذه الاجزاء هى الوحدات الوظائفية Les Unites Fonctionnelles وهي افعال  الاشخاص التى لها دور فى تطور الحكاية وتأزمها وهذه الافعال حسب بروب هي اهم ما في الحكاية . وبهذه الطريقة تمكن بروب من ان يكتشف ان هذه الوحدات فى جميع الحكايات - وقد حلل منها المئات - لا تتجاوز احدى وثلاثين وحدة وظائفية اولها التغيب وآخرها الزواج وبينهما التحذير وارتكاب المحظور ومحاولة الاستطلاع وتلقى معلومات والخداع والانخداع وغير ذلك ولاحظ بروب ان هذه الوحدات مزودجة مثلا : الحظر يقلله الانخداع . . ولاحظ من جهة اخرى ان الاشخاص الرئيسيين فى كل حكاية لا يتجاوزون السبعة وانه ليس من الضرورى ان تتوفر جميع الوحدات فى جميع الحكايات وان ترتيبها يمكن ان يختلف من حكاية الى اخرى

وقد نمى طريقة بروب الشكليون الروس الذين يرون : 1- انه لا علاقة بين الاثر والواقع المعاصر له بل العلاقة بين الاثر والآثار  المعاصرة له .

2- ان التصنيف لا يجب ان يعتمد البحث عن الاصول والتأثيرات بل عن لانماط الادبية فقط Une Typologie

3- ان الاحصاءات تساعد على الاستنتاج (5) وتبين كلود ليفى ستروس Clade Levi Strouss مبدأ الانطلاق من بنية الاسطورة إلا أنه عاب على " بروب " إهمال الحضارى الذى ترتكز عليه المدرسه الانتربولوجية التى توصلت بواسطته الى نتائج ذات بال تهم خاصة علم الاجناس ) 6 ( فسر ملتنسكى Meletinski هذا الانتقاص بجهل gيفى ستروس لمقال بروب " الجذور التاريخية للحكايات العجيبة " ) 7 ( .

اما المدرسة الاسطورية فهى تنظر الى الحكاية الخرافية على أنها بقايا معتقدات اسطورية قديمة ، لها علاقة بالديانات القديمة كالطوطمية الفيتيشية والروحانية وان العناصر القصصية رموز يمكن فكها وارجاعها الى عبادة الكواكب ومختلف عناصر الطبيعة ولكن المدرسة النفسية ترجع هذه الرموز الى اللاشعور الفردى او الجماعي وتفسرها بشهوات مكبوتة جنسية او غير جنسية ، هذا المنهج الذى يعتمد على مكتشفات فرويد والتحليل النفسي طبقه فى النقد الادبى كثير منهم باشلار Bacheld وراى الاستاذ عبد الوهاب بوحديبه فى دراسته " لعشر حكايات تونسية " ان وظيفة الحكاية استشفائيه اذ قد تخلص الانسان من بعض مركباته ) 8 ( .

ومن النقاد من يركز اهتمامه على المعطيات الاجتماعية اما بصفة موضوعية داما بنظرة ملتزمة ايديولوجيا ، أما الاولى فهى الطريقة المسماة بالجامعية ضبط لونسون Lanson مبادئها وطبقها فى كتابه عن تاريخ الادب الفرنسى مستعينا بالوسط الاجتماعى وبحياة الكاتب . هو يربط بصفة تكاد تكون الية اثر الكاتب وحياته من جهة وبين اثره وبئيته من جهة اخرى وبذلك فهو يعتبر الاثر وثيقة اجتماعية ونفسية وكل التفاصيل المتعلقة بالبيئة وبحياة

المؤلف منطلقا يستغل لتفسير نصوصه . وهذه الطريقة تعتنى بتحقيق الآثار تحقيقا علميا وتبحث فى أصولها ومصادرها هى الأكثر شيوعا فى الجامعات .

اما الثانية في هادفة ، لاصحابها نزعة ايديولوجية ( ماركسية بالخصوص ( يعتمدونها فى تحليل الآثار الادبية ، وأهم من طبقها هو لوسيان قولمان

( الذي ميز بين هذين الاتجاهين هو رولان بارت ) R . Barthes ( فى كتابة " محولات نقدية " ) 1 ( فقد فصل بين الاتجاه الجامعي والاتجاه التاويلى وراى ان رواد الثاني يربطون الاثر دائما بمذهب : سارتر بالوجودية ، قولدمان بالماركسية ، باشلار بالتحليل النفسى ، لكنه يرى انه يوجد تكامل بين الاتجاهين . وعاب على كليهما التكلف فى ايجاد علاقة بين الاثر وشئ خارج عن الاثر ) حياة الكاتب والبيئة ( بالنسبة للاتجاه الجامعى ، التاريخ بالنسبة للنقد الاجتماعى Socio - critique علم النفس بالنسبة للنقد النفسانى

وبذلك يتضح منهجه المعتمد على النص وحده وعلى تحليله من الداخل وربطه بنصوص اخرى معاصرة او سابقة ، وهو يرى ان النص ليس صورة لمثال سابق وانه لا بعكس واقعا وان وظيفة الاشكال الادبية تتغير كلما تطورت تلك الاشكال لذلك يجب تفجير معاني النص لا تأويلها لان التأويل مرتبط بشخصية الناقد وبمعتقداته . وهذا المنهج البنيوى مرتبط بالمنهج الالسنى اذ كل منهما يبحث عن بنيات قارة : الاول للآثار الادبية والثاني للغة . لذلك تتشابه مصطلحاتهما اذ يكثر فى كليهما استعمال مصطلحات نحوية كالفعل المتعدى والفعل اللازم والماضى والحاضر والمضارع ) عند تودوروف بالخصوص ( ، واصحاب هذا المنهج يرون للوصف وظيفة جمالية رمزية ويحللون تدخل الراوى الباث فى نظرته للاحداث والاشخاص ويبحثون عن صورة الجمهور المتقبل .

واذا تمعنا فى هذه المناهج المختلفة لاحظنا ان كلا منها يقوم على انقاض سابقه . فالمدرسة المرفولوجية عابت بعض خصائص المدرسة التاريخية الجغرافية . والمدرسة الانتروبولوجية استنقصت طريقة بروب . والاتجاه البنائى قاوم الاتحاد الجامعي والاتحاه الايدولوجي والاتجاه النفسي . وهذا يؤيد ما ذهبنا اليه من وجوب عدم تقيد بمذهب دون آخر

وفعلا ، فالطريقة الفنلدية قامت بدورها فى تصنيف الحكايات والبحث عن جذورها وترحالها عبر الاقطار ، ومكنت بنفي ( Bennefy ( من افتراض أو الهند مصدر جميع الحكايات .

ولكن الاقتصار عليها غير كاف لان لانها لا تعتنى لا بالفن ولا بالاشكال ولا بالمضامين . فالاستعانة بها مفيدة لكن لا يمكن الاقتصار عليها . اما المنهج الاسطورى فانه يقوم على الظن ، ففك الرموز واعتبار الحكايات عناصر ترمز الى عبادة الكواكب امران يقودان الى علم الاديان المقارن ، وشبيه به المنهج الانتربولوجى الذى يهم بالخصوص علم الاجناس

ويخشى من الطريقة النفسية ارجاع كل عناصر الحكاية الى مركبات قد يكون صاحب الكتاب بريئا منها . والاعتماد الكلى على اللاوعى والشهوات المكبوتة قد يفقد جانبا كبيرا من اهمية القصص . ومن جهة اخرى فهناك اشكال قصصية لا نفسية ) Apsychologique ) فلذلك يحسن توخي الحذر في استعمال هذا المنهج لتجنب التعسف الذي وقع فيه بعض النقاد

اما الطريقة الاجتماعية ) Socio - Crillquc فنقد رولان بارت لها فى محنه لانها قد تقع فى التحريف بدافع التمذهب يقول بارط : " كانت الارتودكسيه الماركسية عقيمة فى النقد لانها تقترح تفسيرا آليا خالصا للاثار " ) 1 ( لكن نقد بارت موجه كذلك الى الطريقة الجامعية التى تنطلق من المجتمع ومن حياه الكاتب لتصل الى النص عوض العكس

وهذا ما فعله بروب الذى اسىء فهم منهجه لان كتابه مورفولوجية الحكاية الخرافية ، جزء من عمل طويل النفس واصله بفصلين هامين يؤكد فيهما ضرورة البحث عن المعطيات الاجتماعية والدينية والتاريخية ) 2 ( فبالرجوع إلى فصلة الجذور التاريخية لحكايات الخوارق " ) 1946 ( وفصله " تغيرات حكايات الخوارق " ) 1928 ( نفهم انه يجعل من الدراسة المورفولوجية مرحلة لدراسة تأثير الوسط والدين وغيرهما فى الحكايات الخرافية . فكل التغيرات تنتج عنهما . يقول بروب فى الفصل الثاني : علينا ان ندرس الحكاية الخرافية فى

علاقتها بوسطها وبالوضع الذى خلقت وعاش فيه . فالحياة العملية والدين فى معناه الواسع لهما اكبر الاهمية واسباب التغيرات تكون غالبا خارجة عن نطاق الحكاية الخرافية . ولن يتسنى لنا فهم تطورها ما لم نقارن بين الحكاية نفسها والوسط الاجتماعى الذى تعيش فيه ) 1 ( فكل ما فعله اذن ليس هدفا فى حد ذاته انما هو مرحلة فقط ، وهذا ما لم ينتبه اليه الكثير لانهم يجهلون فصلية المذكورين . فعابة البعض وقلده البعض الاخر

اما المنهج البنيوى او الهيكلى فيجب ان نفهمه فهما صحيحا ولا ننظر اليه نظرة متحجرة اذ اصحابه انفسهم يرفضون التحجر فبارت يرى ان الهيكلية ليست مدرسة ولا حتى حركة . فلا يربط اى تضامن مذهبى او نضالى بين مختلف المؤلفين الذين ينتمون اليها ( 2 ) ومن جهة اخرى فيجب ان نفهم هذا المنهج فهما صحيحا ونعرف مواقفه من ثلاث قضايا : دراسة الاصول المجتمع - المؤلف ، ونجد الجواب عن الاولى فى قول احد رواد هذا المنهج وهو جرار جنات ) G. Genette ان دراسة الانظمة الفنية لا تغنى حتما عن دراسة الجذور والفروع ، فالبرنامح الادنى للناقد الهيكلى هو ان تسبقها وتوجهها . " ( 3 )

والقضية الثانية نجد موقف هذا المنهج منها عند تودوروف ( TodoroV )

ففي نهاية تحليله لرواية لاكلو " العلاقات الخطرة Laclos les lisaisons dangereusos لاحظ انه يوجد نظامان : نظام الكتاب ونظام المجتمع ، وراى  ) ان الاول خيالي يصف علاقات شاذة بين الاشخاص وذلك قبل حل العقدة وان الثاني يعيد التوازن ويذكر بالقيم المنتشرة فى مجتمع المؤلف ( بعد حل العقدة ) ، ثم يعلق الناقد بقوله

" وهكذا فان الحياة تصبح عنصرا عضويا فى الاثر . فوجودها امر اساسي من واجبنا ان نعرفه لفهم هيكل الحكاية . " ثم يضيف " وفي هذه المرحلة

من التحليل يبرر ادخال المظهر الاجتماعى . ونضيف الى ذلك ضرورة حتمية " ( 1 )

فلا فرق بين هذا المنهج والمنهج الجامعي الا فى الترتيب فلونسون ينطلق من معطيات نفسه ) حياة الكاتب ( واجتماعية ) البيئة ( وتودوروف يصل اليهما عن طريق النص

اما القضية الثالثة وهى صورة المؤلف فلم تهملها الطريقة الهيكلية تماما كذلك اذ هى تعتنى بصورة الراوى وصورة القارىء فالاول يظهر من خلال لغته وتدخلاته ووصفه وتعاليقه واختياره للحوار والسرد وتقديم بعض الاحداث على بعض والثانى يظهر فى علاقته المتينة بالراوى واختياراته . ومهما كان المنهج فان عالم الحكاية الخيالى وسيلة للتثبت من الواقع فبروب يبحث عن التغييرات الناتجة عن المجتمع وعن الدين وليفى ستروس يبحث عن الحضارات البدائيه انطلاقا من الاسطورة وجرار جنات يرى وجوب البحث عن الجذور وتودوروف يميز بين نظامين نظام الكتاب ونظام المجتمع وبارت يبحث في المعانى الخاصة او السواحب ) Les Connotations ) وكلهم يخرجون عن الطرق الجامعية المعهودة وينكرون التاثر بعلم النفس او بالمذاهب الاجتماعية ولكنهم يلتقون مع من ينتقدونهم ولكن الاختلاف فى البدء بالنص او بالمجتمع وبنفسية الكاتب

فمنهجنا لا يستغنى عن المعطيات الاجتماعية والنفسية ولكنه يجعل لكل شكل قصصى الطريقة التى تناسبه . فالانطلاق من النصوص والاشكال واللغة لمعرفة الوظائف اصبح اليوم امرا حتميا لكنه لابد ان يؤدى بنا إلى استكشاف صورة الراوى ( الذي قد يكون المؤلف ( وصورة الجمهور ) الذي قد يكون المجتمع ( مع عدم اهمال الاصول التاريخية والجذور الادبية التى ينتمى اليها الاثر . وهذا ما حاولنا تطبيقة فى تحليلنا لمائة ليلة وليلة ) 2 ( وقد تجنبنا التعسف الناتج عن فرض حياة الكاتب وتأثيراتها والبيئة ومفعولها اذ الادب ليس من الضرورى ان يكون دائما مرآة صادقة بل هو صورة غير مباشرة

فالانطلاق من دراسة الاشكال تمكن فى غالب الاحيان من الوصول إلى بعض النتائج الثابتة التى يتيسر التثبت من صحتها بعد استخلاصها بالرجوع الى المعطيات النفسية والاجتماعية .

اشترك في نشرتنا البريدية