كتب الاستاذ المربى عثمان الصالح فى مجلة المنهل الغراء لشهر صفر مقالا قيما تناول فيه البقالات والمخازن وطالب اصحاب رؤوس الاموال والمثقفين ان يعملا معا ، كل فى دائرة امكاناته ، لانشاء حوانيت جماعية تحوى كل شئ من الابرة الى السيارة كما يقولون كما يوجد فى البلاد الكبيرة وضرب على ذلك مثلا المخزن الذى انشئ مؤخرا فى طهران وان دل قول الاستاذ على شئ فانما يدل على حرصه الاكيد على الاخذ باسباب المدنية من كل اطرافها ومسايرة ركب الحضارة فى جميع وجهاته وهى أريحية يشكر عليها وشعور يدل على غيرة على الوطن وابنائه .
ولما كان هذا الامر من الأمور التى يمكن أن تكون قد جالت فى خاطر آخرين كما جالت فى خاطر الاستاذ وخاطرى يسرنى بان أعقب على قول الاستاذ فلعل فى تبادل الآراء فائدة وأقول ان بلوغ بعض البلدان هذه المرحلة يعنى أنهم قد طووا قبلها مراحل كثيرة ، اذ لا يكفى أن نجد الاغنياء يضعون رؤوس أموال ونجد المثقفين يصرفون وجوههم عن وظائف الحكومة ويشمرون عن سواعدهم ليعملوا موظفين فى شركات ، بل أن قيام مثل هذه المخازن له مقدمات تقوم على ثقافة معينة يجب إن يتثقف بها الشعب قبل البدء بهذا العمل كذلك لها مدنية خاصة قد لا تتفق مع ثقافتنا ومدنيتنا نحن فى هذه البلاد واليكم بعض الامور التى يجب ان تلاحظ بهذا الشأن :
١ - ان هذه المخازن لا تنجح فى البلاد
التى تحتجب فيها المرأة وذلك لانه من المفروض فى بلاد الغرب او البلاد التى قلدت الغرب ان يذهب الرجل صباحا الى عمله وتقوم المرأة الى دارها وبعد ان تنتهى من اعمالها المنزلية ، بحسب هواها وعادتها فى العمل ، تلبس ثيابها وتذهب الى السوق فتشترى ما تريد من طعام وشراب وتأتى به فتطبخ وتنتظر زوجها واولادها فاذا ما اتوا اكلوا جميعا وذهب كل الى عمله وقامت هى الى اعمالها المنزلية ثم خرجت الى السوق ثانية إذا كان لها ما تشتريه او تعمله وبهذه الصورة يكون الضغط على مثل هذه الاسواق ضغطا طبيعيا مقسما باعتدال على طول ساعات العمل اذ قد تقصده بعض السيدات فى الساعة الثانية وتقصده اخريات فى الساعة الثالثة وغيرهن فى الساعة الرابعة وهلم جرا لان كل سيدة تنظم برامج عملها
على حسب هواها وروحتها ويقظتها وذهاب زوجها الى عمله وهلم جرا بينما لو كان الرجال هم الذين سيتسوقون فيكون معنى ذلك ان الضغط على السوق سيكون فى ساعات معينة من النهار بحيث لا يستطيع موظفو السوق أن يرضوا جميع الزبائن فى مدة ساعة أو ساعتين ثم يظلوا عاطلين عن العمل طول النهار .
٢ - ان هذه الاسواق هى آخر مرحلة فى مراحل التجارة فى بلاد الرأسمالية لانها وان كانت شركات حرة الا أنها تقضى على كل تاجر صغير لان امكانات التاجر تنعدم امام امكانات هذه الشركات التى تشترى رخيصا وتبيع رخيصا لانها تبيع كميات كثيرة وكبيرة وقيام مثل هذه الاسواق فى بلادنا يعنى قتل آلاف من الناس الذين يعيشون من ربح بقالات صغيرة او على مركبات متجولة يجرونها بايديهم وهكذا فقد يحرم هؤلاء الفقراء من قوتهم لحساب شركات شخصية ومساهمين اعياء ليسوا بحاجة الى مرابحهم ، ولجوء الجنرال ديجول الى حلق مثل هذه الاعمال الكبيرة لمضاهاة اميركا ازعج علاقة الصغيرة من التجار فى فرنسا .
٢ - ان هذه المخازن الجماعية لا تكون الا فى البلاد الكبيرة التى طغت فيها الرأسمالية على التجارات الصغيرة فأصبح المرء لا يجد فى حيه كل ما يحتاج اليه فصار يستند مثل هذه الحوانيت واما فى بلد مثل جدة حيث ينتقل المرء من الكيلو ٦ بطريق مكة الى الكيلو ٦ بطريق المدينة فى ٢٠ دقيقة من الزمن
فمن أين تجد مثل هذه المخازن الزبائن ؟
٤ - إذا كان القصد من هذه المخازن قضاء حوائج الناس فانها فى الواقع لا تقضى كل حاجة بل تظل ربة المنزل بحاجة الى قصابها وخبازها وبدالها ( بقالها ) بالحى ، اضف الى ذلك انه يقضى على مئات او آلاف المرتزقة من الناس واما ان كان القصد ان يقال ان عندنا مثلما عندهم فهذا لا يقدم ولا يؤخر شيئا ، ففى مدينة استانبول لا يوجد مثل هذا المخزن وفى مدينة انقره وهى اكبر من جدة ، يوجد مخزن صغير من هذا النوع مؤلف من ثلاثة او اربعة طبقات وهو ليس شركة واحدة بل هو حوانيت مختلفة كل حانوت له مالكه . وماذا يفيد مخزن مثل هذا ، اقيم عند ملتقى طريق مكة بطريق المطار ، لربة دار تسكن فى طريق المدينة ؟
٥ - ان مثل هذه المخازن فى بلد مثل جدة محكوم عليها بالافلاس سلفا او محكوم بالموت على مئات من التجار فيها .
هذه أمور رئيسية بسبب ان تتواسر من البلد وفى اهله قبل ان نفكر ببناء الاسواق الجماعية . وان الذى أرى ان نبدأ به فى حوانيتنا هو أن ندخل اليها المراحيض والمياه حتى يستطيع صاحب الحانوت ان يغسل وجهه وينظف يديه كلما دعت الحاجة وان لا يمس سلعته ، ولا سيما اذ ما كانت طعاما وشربا ويداه غير طاهرتين
( جدة )
