(( مهداة لشركة التوفير والاقتصاد ))
أقبل ، باسم الثغر ، متهلل الجبين ، وهو يقول : - هيا ! . . مالك يا صديقى لا تتهيأ ؟ أولا تريد أن تكون معنا ، لنقضي يوما جميلا بين (( العقيق )) و (( الزاهر )) ؟
قلت : أجل إني اريد ذلك ويسرنى . . ولكنك تقول : بين العقيق والزاهر ، وهذا هين وممكن فى عصر الطيران ، اذا كنت تقصد أن نمضي وجه النهار فى (( الزاهر )) بمكة ، ثم نطير لنمضي آخره فى (( العقيق )) بالمدينة .
قال : لا ! لا ! لست ارمى الى هذا الذى تبادر الى ذهنك . . إن عقيقنا يجاور زاهرنا ، وليس بينهما غير شقة جد ضئيلة من الحديقة الواسعة المخضرة التى تحتضنهما معا . وسنمتطى اليهما زورقا بريا ثم آخر بحريا . ولن تستغرق رحلتنا اكثر من ساعة على اكبر تقدير ، فهيا بنا يا صديقى هيا !
وتهيات كما اراد الصديق ، وارتديت ملابسى ، والقيت بنفسي - مع الرفاق - فى جوف سيارته التى يدعوها (( الزورق البرى السريع )) . . وانطلق بنا زورقه متجها صوب الشمال ، واستقبلنا الزاهر ، فبادرت الصديق مداعبا :
- ها ! لقد بلغنا الزاهر . ففى اية ناحية منه تبتغى ان نقضى أول النهار ؟ ! . . . قال : دعك من هذا ! فانت تعرف اننا فى طريقنا إلى زاهر بجانبه عقيق . فهل هذا الزاهر يجاوره عقيق ؟
قلت : لا ! ثم اعتصمت بالصمت المباح ؛ وامعن الزورق فى انسيابه على هذا الطريق اللاحب المتعرج الذى يربط مكة بجدة ؛ وما هى الاساعة من نهار ، واذا به
يعدو بنا عدو الظليم فى شوارع : جدة الحديثة ، ليمتطى فى نهايتها زورقا بحربا يفضى بنا الى العقيق الذى قال صاحبنا انه يجاور الزاهر . .
وقال الصاحب : - ونحن فى عرض البحر - هذا العقيق . ( مشيرا الى باخرة ذات رونق عجيب ) . . وهذا الزاهر . . ( مشيرا الى زميلة لها من نوعها ) . . وهذه الحديقة الواسعة الأرجاء التى يشرفان عليها - يقصد البحر - أو ليس يوم يقضيه المرء فى هذا الجو الحالم خير يوم يقضيه المتنزهون ؟ !
قلنا بصوت واحد : أجل . . ولكن لمن هما ؟ قال : انهما الهدية التى نفحت بها (( شركة التوفير والاقتصاد )) الوطنية بلادنا لتمد العقيق والزاهر الحقيقيين ، وما حولهما من اناس وبقاع - بالرواء الذى يعيد اليهما ناضر شبابهما الذاوى ، بسبب ما كان يمتص منهما من أموال تذهب الى الخارج بحساب وبلا حساب ! . . .
وصعدنا الى الباخرتين ، واستمتعنا بمشاهدة ما تحويانه من اثاث ورياش ، وما تمتازان به من جمال وروعة وتنظيم . وقد مكثنا صدر النهار فى الزاهر ؛ وآخره فى العقيق ، وتمتعنا بنسمات البحر المنعشة ؛ وباشراقة شمس الضحى وشمس الأصيل على بساطه الاخضر الزاهى . . وكانت نزهة جميلة موفقة ، قل ان يجود بمثلها الزمان رونقا وبهجة وانشراحا . وقد اكبرنا شركتنا الناهضة على هذا التفكير القويم العميق الذى املى عليها القيام بهذا المشروع الحيوى العظيم ، وقلنا لبعض : انها نواة مباركة لبناء الاسطول السعودى الصخم الذى سيذرع ، ان شاء الله ، بحار الدنيا جيئة وذهوبا ، ينقل الى انحائها صادرات بلادنا وينقل من انحائها الينا صادرات مختلف الممالك ، فتنتعش اقتصادياتنا ، من جهة ، على اساس التبادل والتوازن . لا على اساس التوريد المنفرد . ويرتفع عنا ، من جهة اخرى ؛ كابوس الحاجة الرتيبة الى وسائل المواصلات البحرية الاجنبية . . واول الغيث قطر ثم ينهمر .
