نطقت العرب بهذا الشعر في القديم للتغني بأمجادها وتخليد مآثرها والاشادة بمناقبها واذاعة مفاخرها فكان الشعراء في تراثهم الفكرى اشعاعا تبرز من خلاله النفسية العربية متألقة فتانة واضحة المعالم كالمرآة تتجلى فيها صور المجتمع العربى فى شرخ أمره وريعان بنائه عندما كان قبليا بدائيا بما فيه من محاسن وعيوب وقد رزقت الامة العربية الاصيلة دقة الشعور ورهافة الحس بما يندر وجوده فى غيرها فكان الشاعر يتحكم فى ميولها ويهز عواطفها ويوجهها فيصادف منها طوعه . وكلمة منه تبعث الثورات وتقلب الاوضاع والمرأة لا تقل عن الرجل فى هذا الميدان منذ الوف السنين . واقدم اثر رواه مؤرخو العرب فى هذا الصدد عن العرب البائدة (جديس) قصة (هزيلة) الشاعرة الثائرة على الظلم والاستبعاد بما أوتيت من قوة وكان طلقها زوجها وأراد أخذ ولدها منها فخاصمته الى عمليق وكان ملكا ظلوما غشوما قائلة له : في فصاحة ساحرة : أيها الملك حملته تسعا ووضعته دفعا وارضعته شفعا حتى اذا تمت أوصاله ودنا فصاله أراد أن يأخذه مني كرها ويتركني بعده ورها فقال زوجها : أيها الملك انها اعطيت مهرها كاملا ولم اصب منها طائلا الا وليدا خاملا فأمر الملك الجبار بالغلام فصار فى غلمانه وان تباع المرأة وزوجها فيعطى زوجها خمس ثمنها وتعطى المرأة عشر ثمن زوجها فقالت هزيلة :
أتينا أخا طسم ليحكم بيننا فانفذ حكما في ( هزيلة ) ظالما
لعمري لقد حكمت لا متورعا ولا كنت فيمن يبرم الحكم عالما
ندمت ولم أندم وإني بعترتي وأصبح بعلي فى الحكومة نادما
وتطور المشكل واستفحل شتان ذلك الظالم فلم تتمالك ( هزيلة ) عن ارسال كلمتها الحاسمة الداوية التى قضت على الظالم قضاء سريعا . قالت هزيلة تغري رجال القبيلة وتنذر بهم وتلهب شعورهم وتهيجهم .
لو اننا كنا رجالا وكنتم نساء لكنا لا نقر لذا الفعل
فموتوا ضراما أو أميتوا عدوكم وذبوا لنار الحرب بالحطب الجزل
والا فجلوا بطنها وتحملوا الى بلد قفر وموتوا من الهزل
فللبين خير من مقام على الاذى وللموت خير من مقام على الذل
وان انتم لم تغضبوا بعد هذه فكونوا نساء لا تغيب من الكحل
ودونكم طب النساء فانما خلقتم لاثواب العروس وللغسل
فبعدا وسحقا للذى ليس دافعا ويختال يمشى بيننا مشية الفحل
وانتشر الشعر فيما بعد وتفرق الشعراء طرائق قددا بحسب أذواقهم وظروفهم وبئاتهم واسنانهم فالشاب يندفع الى المرح ويدعو الى الطرب ويحبذ الشهوة ويهفو الى المنادمة وينغمس فى الملاذ غير حافل بنقد ولا مكترث بعذول وها هو طرفة الشاب يعرب عن ذلك فيقول :
متى تأتني اصبحك كأسا روية وان كنت عنها ذا غنى فاغن وازدد
نداماى بيض كالنجوم وقينة تروح علينا بين برد ومجسد
اذا نحن قلنا اسمعينا انبرت لنا على رسلها مطروقة لم تشدد
اذا رجعت فى صوتها خلت صوتها تجاوب آظار على ربعها الرد
وما زال تشرابى الخمور ولذتى وبيعي وانفاقي طريفي ومتلدي
الى ان تحامتني العشيرة كلها وافردت افراد البعير المعبد
رأيت بني غبراء لا ينكروننى ولا أهل ذياك الطراف الممدد
ألا أيها ذا الزاجري احضر الوغى وان اشهد اللذات هل أنت مخلدي
فان كنت لا تستطيع دفع منيتي فذرني أبادرها بما ملكت يدي
فلولا ثلاث هن من حاجة الفتى وجدك لم أحفل متى قام عودي
فمنهن سبقي العاذلات بشربة كميت متى ما تعل بالماء تزبد
وكري اذا نادى المضاف مجنبا كسيد الغضا نبهته المتورد
وتقصير يوم الدجن والدجن محذر ميسرة تحت الطراف المعمد
كريم يروي نفسه في حياته ستعلم أن متناغدا اينا الصدى
ويرتقي شعور الشاعر العربى شيئا فشيئا بتقدمه فى السن وتمرسه بالحياة فيمل الشهوة ويسأم من البلاد ويضجر من هذا الدوران ويمتلىء حكمة ويزخر تجربة وتثقل خطاه العقلية والمادية السنون فاذا هو حكيم يرشد الاجيال ويوصي الشباب ويهيب بالاغمار ويزجي الى فطنتهم عرائس النصائح على منصة الجلال فتنطق الحكمة على لسان شيخ الشعراء بالجاهلية وحكيمهم وفصيحهم المدره زهير فيجد في القول ويتذمر من العيش ويسام :
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولا لا أبالك يسأم
رايت المنايا خبط عشواء من تصب تمته وان تخطئ يعمر فيهرم
ومن لا يصانع في أمور كثيرة يضرس بأنياب ويوطا بمنسم
ومن يجعل المعروف من دون عرضه يضره ومن لا يتق الشتم يشتم
ومن يك ذا فضل فيبخل بفضله على قومه يستغن عنه ويذمم
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه ولو رام اسباب السماء بسلم
ومن يجعل المعروف في غير أهله يكن حمده ذما عليه ويندم
ومن يعص أطراف الزجاج فانه يطيع العوالي ركبت كل لهذم
ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم
ومن لم يزل يسترحم الناس نفسه ولا يعفها يوما من الذل يندم
وهكذا كان الشاعر العربي يوقع بانغامه الشجية على قيثارة الحياة البدائية الانسانية فتستجيب له تلك الحياة وترقص على نغمامته وترهف الآذان لسماع رناته فتندهش وتطرب وتهتز لموسيقاه ايما اهتزاز ويكفي أن ينفث الشاعر البيت أو البيتين حتى يستهوي الطفل والفتاة والشاب والكاعب والكهل والكهلة وحتى الشيخ والشيخة فيهتفون له ويتواجدون ويسرفون في اكرامه ويمعنون ويحكمونه وينزلون على حكمه ؟ قال النابغة :
ملوك واخوان اذا ما اتيتهم احكم فى أموالهم وأقرب
وتضع الرسالات السامية على هذه الطاقة البشرية الخارقة يدها فتستخدمها لفائدتها ويترصد الثائر عليها خطاها فاذا هو يشن عليها غارة بنفس السلاح ويحمي وطيس معركة الشعر بين الشعراء فتشرئب لهم الاعناق . ويكتب
كعب بن زهير شعرا لاخيه بحير يعنفه على اعتناق الاسلام والخروج عن جادة الاسلاف ويتبرأ منه قائلا :
الا ابلغا عنى بحيرا رسالة فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا
سقاك بها المأمون كأسا روية فانهلك المأمون منها وعلكا
ففارقت أسباب الهدى واتبعته على أى شىء ريب غيرك دلكا
على خلق لم تلف أما ولا أبا عليه ولم تدرك عليه أخا لكا
فان أنت لم تفعل فلست بآسف ولا قائل أما عثرت لعلكا
ويتغلب الحق على الباطل ويخرج الشعر والشعراء من المعركة بالتفوق والسمو فيوسم الشعر بميسم الحكمة ( ان من البيان لسحرا وان من الشعر الحكمة ) ويثوب لكعب بن زهير رشده فيقبل على النبوءة تائبا وعلى الرسول مستعتبا ومادحا ومتنصلا في قصيده ( بانت سعاد ) التي يقول فيها :
انبئت أن رسول الله أوعدنى والعفو عند رسول الله مأمول
مهلا هداك الذى أعطاك نافلة ال قرآن فيها مواعيظ وتفصيل
لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم اذنب وان كثرت فى الاباطيل
ان الرسول لنور يستضاء به مهند من سيوف الله مسلول
فتمحو ( بانت سعاد ) ذنوب كعب وتعلي كعبه فى كل ناد ويصر الملوك والامراء فيما بعد على الانتفاع بهذه الطاقة واستخدام هذا السحر الفاتن الذي يؤز البشرية أزا فيغمرون الشعراء ويأتون بهم من كل أفق ويصطفونهم من كل نحلة ويختارونهم من كل ملة ويستعيدون ادبهم . ومن هنا تنقطع صلة الشاعر بالمجتمع ويقتصر فى شعره على مديح أمير أو رثاء وزير أو هجاء عدو وقد يتغزل أحيانا أو يصف بنت الدنان : تمرس الشاعر بذلك ورضى لنفسه طيلة العصور والاجيال ان تعيش فى هذه الدائرة الضيقة . ومن الغريب ان يتأثر خطاهم الشعراء من الفلاسفة واعنى بهم المفكرين الاحرار فيتيهون فى الملكوت ويتحيرون فى جمال هذا العالم ويستوحون من عظمة شعرهم فيتساءلون فى دهشة عن الحقيقة ولا يعيرون أدنى التفاتة للمجتمع الذى يعيشون فيه ويقول حكيمهم الحسين البغدادى متحيرا :
بربك أيها الفلك المدار أقصد ذا المسير أم اختيار
مدارك قل لنا فى أى شىء ففي افهامنا منك انبهار
وفيك نرى الفضاء وهل فضاء سوى هذا الفضاء به تدار
وفيك الشمس رافعة شعاعا باجنحة قوادمها قصار
وطوق للنجوم اذا تبدى هلالك أم يد فيها سوار
وافلاك نجوملك أم حباب تؤلف لبنه لجج غزار
تنشر فى الفضا ليلا وتطوى نهارا مثل ما يطوى الازار
فكم بصقالها صدي البرايا وما يصدانها أبدًا غرار
ويعزف هذا العالم الحر بنفسه عن الارتطام في حماة المادة ويداخله شعور غريب عن المادة فيعبر عنه بقوله :
أمن بعد غوصي في علوم الحقائق وطول انبساطي في مواهب خالقي
وفي حين اشرافي على ملكوته أرى طالبا رزقا الى غير خالقي
وايام عمرى متعة عبر ساعة تجيء حثيثا مثل لمحة بارق
ويزداد العالم الفيلسوف غرورا ويخوض غمرات الاعجاب بالنفس فاذا هو ينظر الى المجتمع نظرة ازدراء واحتقار محلقا فى آفاق الكبرياء فيقول فى شعره أو قل عن شعوره بافراد مجتمعه زاريا ومحتقرا .
اخالطهم ونفسي في مكان من العلياء عنهم في حجاب
بليت بعالم يعلو أذاه سوى صبري ويسفل عن عتابي ؟
وهكذا يلتحق ركب هذه الطائفة من الفلاسفة بالناقمين على المجتمع الزارين به الايسين من صلاحه . وبذلك ظل هذا الشعر العربى قرونا يترفع عن ( الشعبية ) ولا يقيم للامم وزنا واهله سكارى بخمرة الاعجاب الى ان تفتحت زهرة الحياة الحديثة في حقل هذا العالم العجيب المتطور فتبدلت المقاييس وتغيرت المفاهيم وتطورت الافكار فأخذ الشاعر العربى يقدم رجلا ويؤخر اخرى امام هذا الزحف الغامر فباغتته الثورة الاجتماعية والثقافية التى أخضعت كل شيء لسلطانها وأجبرت ذلك الشاعر المتردد المتحير على الخروج من نطاقه الضيق وعزلته الموحشة واهاب به الى ان يحدو بالركب
وان يلتحق بالرعيل والا استغنت عنه الحياة ونبذته غير آسفة فأخذ يتقدم بمقدار فكان النابغون الاولون من شعرائنا فى الشرق أو فى الغرب شديدى الحذر فى شرح التطور البيانى وعنفوان التحول الفكرى يبيتون فى سهاد ويعيشون مع أنفسهم وتقاليد أسلافهم التى قيدت اشعر فى ضروب خاصة فى جهاد . أما الشيوخ الذين ادركناهم من رجال الادب او قرأنا لهم فقد وقف بهم الهوى حيث انتهوا فلا مقدم ولا مأخر . وأما الشباب فقد وثب وثبة والشباب فى كل جيل وقبيل عدو التقليد والعزلة فاندفع مع الحياة وانسجم مع المجتمع وشارك الامة وشاطرهما آماله وأحلامه ومن بين هؤلاء الشباب النابغين الشاب الالمعي الفؤاد السباق الى المعاني الدقيقة والاساليب الرائعة الانيقة الاستاذ الاديب الهادي نعمان الذي اخرج لنا أخيرا من روحه الفياض وانغامه الساحرة ديوان ( النغم الحائر ) فياله من نغم فى حيرة واشراق فى هواية وثورة فى حكمة وابداع فى تقديم وشعور فى عمق وجمال فى صفاء عبر عنه الشاعر فى قوله
تقدست هذه الدنيا اذا عرفت
ان الجمال صفاء الروح من كدر
( من قصيد حيرة شاعر - ص ٥ )
وتلكم هى أمنية الحكماء من الحياة ومطمح الفهماء من بنى الانسان منها
ان الوجود لنهر دافق ثمل
وما الحياة سوى أنشودة العمر
( من قصيد حيرة شاعر )
والوجود والحياة كلاهما أنشودة العمر وتلكم هي الحقيقة التى لا نزاع فيها . وقد تبدو من ورائها حقائق نيرة طالما استهام بها الفلاسفة وحاول كشف النقاب عنها كبار المفكرين . فانشودة الحياة مطمح آمال الانسان المثالى فى هذا الوجود وهدفه الذى يسعى الى ابرازه فى أروع الصور لتكون لحنا عذبا وجمالا محضا ولا خير فى أنشودة تؤذي الآذان وترمى بصاحبها فى قعر سحيق من المذلة والهوان . وهكذا يمضى ( النعمان ) فى نغماته الحائرة يحرك الاشجان ويهز العواطف ويستهيم بالحقيقة المجردة ويحول الحيرة الى هداية
واشراق وارشاد ويستلهم الجمال والجلال من آفاق غامرة جذابة تغرى الارواح الصافية بالتحليق فى الاجواء التى تتجلى الحقائق فيها للمتجردين فتشعر روح الشاعر بما لم تشعر به الارواح البسيطة وتتجلى له الحقائق متلالئة متألقة فى هيكل الشعر ومعبد الحكمة كما تتجلى الانوار للصوفى المتجرد الحائر الذى انطلقت روحه من كثافتها واتصلت بالملكوت فترى بالبصيرة ما لا تراه الابصار التى تعوزها الدقة وينقصها الاستقراء ويغالطها الحس وينأى عنها الذوق السليم ففيض عن ذلك الروح المتطلع فى الاجواء القدسية انشودة الجلال بعد أن صفت من الاكدار وارتقت الى درجة اقتحمت فيها الحجب ومزقتها وانكشف لها الغطاء فتلقت الالهام ورات كيف : ( من قصيد الهام ص 12 )
سجد الكون للاناشيد في الليل وقد رقرق النشيد الضياء
وأفاض الجلال فى هيئة الصم ت سناء ماجت به الاضواء
سلسل الخمر فى شعاع لطيف ذلك البدر أين منه ذكاء
وتغنى الوجود أنشودة الاحلام وانساب فى صداها السناء
والجمال الجمال قد أسكر الليل وقد أفعم المدى والفضاء
وتجلى الجمال فى هيبة الاقدار سحرا تغار منه السماء
والأمانى عرائس تتهادى والغوانى فواتن ورخاء
والصبابات بين هذين موج عبقرى يحد و بهن الهناء
الى ان يقول :
وازيح الستار عن هيكل الحس ن وقد هام بالضياء الضياء
وترامى النشيد يستأصل الحز ن وهل ثم كالنشيد دواء
واستفز الوجود لحن من الشو ق ففاض الهوى وفاض الغناء
ان وحيا يجئ فى سكرة الرو ح لوحي ما مثله ايحاء
وكذا الحسن ان طغا فهو أقوى دونه الموت والدجى والداء
واصيل الجمال ان فاض عفوا ظهرت فى سمائه الشعراء
وتزداد روح الشاعر اشراقا فى صفائها الشعاع المتألق فترى سر الحياة فى واضح المعالم في كثير من نواحيه قد عري عن المغريات الفتانة التى ارتطم
البشر فى حماتها وانخدعوا لسرابها الخداع وعلقوا عليها الآمال الجسام والاسرار تتجلى بحقيقتها من وراء السها والغمار من بنى الانسان يعبدون القمر . وعلى سطوح بعض جوانب الحقيقة فالحيرة ما تزال فى غليانها . وهل هي الا حيرة الباحث عن الاسرار الضائعة المتطلع الى المكنون منها الذى حير العقول وسحر الالباب وظلت تائهة واشعة العقول تترصدها متسائلة فلا تظفر بجواب منها :
فمن أى نور قبست السنا ومن أي نار هواك اشتعل
( من قصيد اشراق ص 13 )
هنا يقف الشاعر على الساحل الذى وقف عليه المتعطشون للمعرفة من الفلاسفة الذين آبوا يقلبون الاكف ألما وتحسرا على انفلات المجهول وتمرده عن أشعة العقل واستعصامه بالاختفاء وراء حجاب كثيف لم تقدر أشعة العقول على خرقه فترتد عنه كليلة ولسان حالها يتدفق على لسان الشاعر الحكيم ( النعمان ) ( فى قصيد اشراق ص 13 ) .
عذارى المنى ما الذى فى الهوى سوى الالم العبقرى النغم
وماذا بأنشودة فى الدجى سوى الدهر ينفث فيها السقم
وفي ثورتي ما أرانى سوى نشيد اذا ما طغى يرتطم
وقديما اصطدمت ثورة الحكماء بهذه الصخرة الصماء وتلاشت وارتطمت بالرغم عنها فى حماة هذا العالم المادى الذى فقد كل روح وقاطع كل كمال وتهافت على المضار تهافت الفراش على السراج . والحكماء يأخذون بحجزه وهو لا يزداد الا لجاجا . وماتت بغيظها الشعراء الذين ارتقى شعورهم الى درجة الشفقة على الانسانية التائهة الضالة : وهكذا يتوغل شاعرنا ( النعمان ) في وجدانياته اعلى القنن التى توغلتها الارواح الصافية من الأكدار وغردت على أرجائها فى دقة من الشعور ورهافة من الاحساس ورقة من الذوق وظلت طيلة دهرها بين الاشراق والاخفاق والخيبة والامل والرجاء واليأس والفال والتشاؤم فى أسلوب فلسفى غير مألوف لامتيازه بالطلاوة وتنكبه الاغراق ومقاطعته الاغراب والتقعر والعسلطة والتفيهق مما اعتاده المغربون فى قوالبهم الفارغة على غير جدوى ؟ وبالتالى فالنغم الحائر نغم متوازن منسجم متسلسل
جذاب متدفق بالمعاني المبتكرة والاساليب الشعرية الرائعة يشع منه لهيب ثورة عارمة ينفثه طبع فياض يكاد يسيل عذوبة وسهولة وروعة يمده طبع كريم وسجية متدفقة وشعور سام لا يتمالك صاحبه عن الظهور فجأة فى المجتمع الشعبي فاذا هو يشعر بشعوره وينطق بلسانه ويترجم عن عواطفه ويمتزج به امتزاج الماء بالراح والاشباح بالارواح فيهيب به مرشدا ويغريه بالمعالي جاهدا وينفث فيه من روحه مخلصا في ثورة بعيدة المدى عميقة الاثر شديدة المفعول لا تعرف اللين ولا الهوادة فى البعث والتجديد والبناء والتشييد ناهيك من ثورة تقوم على كاهل الشباب وهو مناط أملها ومبعث رجائها واكسير حياتها وقطب رحاها كيف لا والشباب ما زال ولا يزال من أقدم العصور محققا للأهداف ومستهينا بالآلام وغير حافل بالتضحية فى اقدام وجسارة . وقد جاء فى التنزيل الحكيم قوله تعالى : " فما آمن لموسى الا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملته أن يفتنهم " وكان أهل الكهف فتية امنوا بربهم وزدناهم هدى وربطنا على قلوبهم . والشباب كما قال النعمان فى وثبة الشباب ( ص 69 ) .
وطنى بارك الشباب ومجد همة دابها العلا والتجدد
فى بنيك الحياة تستبق الده ر نشاطا مثل الزمان وتصعد
وتباهى الوجود بالامل المنش ود والجيل قوة ليس تخمد
أن منه مشاكل تترامى ذلك كلها بروح موحد
الشباب الشباب ذاك هو الآما ل ما انفك شعلة تتصعد
فى القلوب اللهيب يغلي حماسا اين منه تواكل وتجمد
ذاك يا أمتى شباب مفدى طفق اليوم فى السلام يشيد
ملا الافق ثورة يتغنى اننى الساعد القوى المشيد
اقتل الفقر والجهالة والدا ء واقصى سحب الدجى والتشرد
للبناء البناء يا أيها الشع ب فثم الوجود يزهو ويسعد
أنتم اليوم يا شباب المعالي قوة الشعب فى الجهاد المخلد
ان روح استقلالنا فى قواكم فاذا شئتم يظل مخلد
يا شباب الحمى الى الحزم دوما لننال المنى ونحيا فنسعد
فالرئيس ( الحبيب ) يبغى شبابا دافق العزم تأثرا متجدد
لا يقف الشاعر ( النعمان ) عند هذا الحد من خوض معركة الشباب والهاب شعوره الملتهب ودعوته الى المغامرة فى المحافظة على حقوق الوطن وصيانة استقلاله وارضاء رئيسه الجليل المفدى بالسير على خططه فى النضال والكفاح والاستماتة في سبيل مجده وعلاه والمضى قدما فى تحقيق الامانى والاهداف البعيدة بل يقف أمام الشعب وقوف الحكيم الذى سبر الاغوار وشعر بالاخطار وأبى لامته أن يراها في اخريات الامم تتغنى بالامجاد الفارغة وتتوكأ على عصا الاماني الفارغة ويعز عليه أن يرى شعبه يتخبط فى المصائب ويستعذب الآلام ولا ينهض لمقاومتها ومطاردتها واستئصال شافتها . هكذا وقف النعمان وقفة انسى بها مواقف الشعراء قبله الذين كانوا يرمزون ويلوحون ويشيرون فى وناة . . . موقف صراحة في ثورة حاسمة وصيحة داوية وحرص مملوء حكمة احصافة واشفاقا ولوعة واحتراقا في خطة تنبه الخامل وبيان يزيح الستار عن الاخطار الكامنة ويصورها تصويرا تنزعج لرؤيتها النفوس التواقة الى المعالي المستعدة للهبوب والوثوب . والنصيحة بنت الصراحة ووليدة الحكمة والمرء لا يعذر نفسه اذا لم يجد من يعذره :
وما حسن أن يعذر المرء نفسه وليس له من سائر الناس عاذر
والعارفون بأمراضنا الاجتماعية قليل وأقل منهم هم الذين يجاهروننا بها ويدعوننا الى محاربتها ونحن ننفر منها نفور الاطفال فى شرخ طفولتهم من كل صالح ويتهاتفتون على السم فى الدسم :
أيها الشعب خل عنك التأخر واستبق للعلا قويا مظفر
انما المجد ليس فى الوهم لكن هو فى الجد والضمير المفكر
أيها الشعب لا تعش فى خمول تتغنى ماضى الجدود المؤسر
انما الدين يقظة وطموح واعتزاز بالفكر فى كل مظهر
وابتعاد عما يعوق ويثنى همة الجيل عن بلوغ التحرر
واجتهاد فى كل أمر دقيق وسناء منه الحقيقة تبهر
أيها الشعب لا تعش فى خمود واتكال فيه الخطى تتعثر
ولتكن قوة مدى الدهر صلبا تتحدى الظلام دوما وتفخر
جاهد الفقر والجهالة والمو ت جهادا منه المنى تتفجر
واكتسب فى الحياة قوة جبا ر شديد عنه الردى يتأخر
قاوم الجهل ما استطعت جهارًا ومن الجهل خشية وتقهقر
انما الحريات تبغى مجالا هو فوق العادات بالفكر يزخر
فاستفق ثائرا جسورا ومزق حجب الليل والظلام المكدر
جذاب متدفق بالمعاني المبتكرة والاساليب الشعرية الرائعة يشع منه لهيب ثورة عارمة ينفثه طبع فياض يكاد يسيل عذوبة وسهولة وروعة يمده طبع كريم وسجية متدفقة وشعور سام لا يتمالك صاحبه عن الظهور فجأة فى المجتمع الشعبي فاذا هو يشعر بشعوره وينطق بلسانه ويترجم عن عواطفه ويمتزج ب امتزاج الماء بالراح والاشباح بالارواح فيهيب به مرشدا ويغريه بالمعالي جاهدا وينفث فيه من روحه مخلصا في ثورة بعيدة المدى عميقة الاثر شديدة المفعول لا تعرف اللين ولا الهوادة في البعث والتجديد والبناء والتشييد ناهيك من ثورة تقوم على كاهل الشباب وهو مناط أملها ومبعث رجائها واكسير حياتها وقطب رحاها كيف لا والشباب ما زال ولا يزال من أقدم العصور محققا للأهداف ومستهينا بالآلام وغير حافل بالتضحية فى اقدام وجسارة . وقد جاء فى التنزيل الحكيم قوله تعالى : " فما آمن لموسى الا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملته أن يفتنهم " وكان أهل الكهف فتية امنوا بربهم وزدناهم هدى وربطنا على قلوبهم . والشباب كما قال النعمان فى وثبة الشباب ( ص 69 ) .
وطني بارك الشباب ومجد همة دابها العلا والتجدد
في بنيك الحياة تستبق الده ر نشاطا مثل الزمان وتصعد
وتباهى الوجود بالامل المنش ود والجيل قوة ليس تخمد
أن منه مشاكل تترامى ذلك كلها بروح موحد
الشباب الشباب ذاك هو الآما ل ما انفك شعلة تتصعد
فى القلوب اللهيب يغلي حماسا اين منه تواكل وتجمد
ذاك يا أمتى شباب مفدى طفق اليوم فى السلام يشيد
ملا الافق ثورة يتغنى اننى الساعد القوى المشيد
اقتل الفقر والجهالة والدا ء واقصى سحب الدجى والتشرد
للبناء البناء يا أيها الشع ب فثم الوجود يزهو ويسعد
أنتم اليوم يا شباب المعالي قوة الشعب فى الجهاد المخلد
ان روح استقلالنا فى قواكم فاذا شئتم يظل مخلد
يا شباب الحمى الى الحزم دوما لننال المنى ونحيا فنسعد
فالرئيس ( الحبيب ) يبغى شبابا دافق العزم تأثرا متجدد
لا يقف الشاعر ( النعمان ) عند هذا الحد من خوض معركة الشباب والهاب شعوره الملتهب ودعوته الى المغامرة فى المحافظة على حقوق الوطن وصيانة استقلاله وارضاء رئيسه الجليل المفدى بالسير على خططه فى النضال والكفاح والاستماتة في سبيل مجده وعلاه والمضى قدما فى تحقيق الامانى والاهداف البعيدة بل يقف أمام الشعب وقوف الحكيم الذى سبر الاغوار وشعر بالاخطار وأبى لامته أن يراها في اخريات الامم تتغنى بالامجاد الفارغة وتتوكأ على عصا الاماني الفارغة ويعز عليه أن يرى شعبه يتخبط فى المصائب ويستعذب الآلام ولا ينهض لمقاومتها ومطاردتها واستئصال شافتها . هكذا وقف النعمان وقفة انسى بها مواقف الشعراء قبله الذين كانوا يرمزون ويلوحون ويشيرون فى وناة . . . موقف صراحة في ثورة حاسمة وصيحة داوية وحرص مملوء حكمة احصافة واشفاقا ولوعة واحتراقا في خطة تنبه الخامل وبيان يزيح الستار عن الاخطار الكامنة ويصورها تصويرا تنزعج لرؤيتها النفوس التواقة الى المعالي المستعدة للهبوب والوثوب . والنصيحة بنت الصراحة ووليدة الحكمة والمرء لا يعذر نفسه اذا لم يجد من يعذره :
وما حسن أن يعذر المرء نفسه وليس له من سائر الناس عاذر
والعارفون بأمراضنا الاجتماعية قليل وأقل منهم هم الذين يجاهروننا بها ويدعوننا الى محاربتها ونحن ننفر منها نفور الاطفال فى شرخ طفولتهم من كل صالح ويتهاتفتون على السم فى الدسم :
أيها الشعب خل عنك التأخر واستبق للعلا قويا مظفر
انما المجد ليس فى الوهم لكن هو فى الجد والضمير المفكر
أيها الشعب لا تعش فى خمول تتغنى ماضى الجدود المؤسر
انما الدين يقظة وطموح واعتزاز بالفكر فى كل مظهر
وابتعاد عما يعوق ويثنى همة الجيل عن بلوغ التحرر
واجتهاد فى كل أمر دقيق وسناء منه الحقيقة تبهر
أيها الشعب لا تعش فى خمود واتكال فيه الخطى تتعثر
ولتكن قوة مدى الدهر صلبا تتحدى الظلام دوما وتفخر
جاهد الفقر والجهالة والمو ت جهادا منه المنى تتفجر
واكتسب فى الحياة قوة جبا ر شديد عنه الردى يتأخر
قاوم الجهل ما استطعت جهارًا ومن الجهل خشية وتقهقر
انما الحريات تبغى مجالا هو فوق العادات بالفكر يزخر
فاستفق ثائرا جسورا ومزق حجب الليل والظلام المكدر
مثلما كنت في جهادك للظل م قويا تكون أقوى واظفر
( قصيد أيها الشعب ص 61 )
والحق أن النغم الحائر كله عيون ومنابع فياضة بالآراء الحكيمة القيمة والافكار النيرة وثورة فى غليان واحتدام وصولة على كل الآفات الاجتماعية ودعوة الى مقاومة النكبات الانسانية فى جراة ، فى اقدام ، فى حصافة ، فى احاطة شاملة ، لسائر دقائق الوجود ومعضلات الاجتماع وتحليل مشاكله وتشخيص أمراضه الخطرة وحداء بالقافلة الى شاطىء السلامة فى أمن واطمئنان وتشجيع للحركات التحريرية والشؤون التقدمية لاقامة هيكل الحياة الحديثة على أمتن الدعائم واحياء لذكريات المجاهدين الذين ضحوا بانفس ما لديهم فى سبيل تقدم أممهم وتخليصها وانقاذها وصيحة فى وجوه الجلادين من اساطين الاستعمار وبقايا المستعمرين الذين عبثوا بالانسانية واضطهدوها ومثلوا بها ولم يراعوا فيها إلا ولا ذمة حتى استوجبوا هذه الصرخة ( فى قصيد الجلاء ص 60 )
الجلاء الجلاء عن هذه الار ض فرنسا اما كفاك مقاما
أنت متعت باللباب من الدا ر زمانا وما رحمت مضاما
كنت كالليل ماله من فؤاد يرحم البائسين والايتاما
كان عهد استعمارك الفذ شؤما وعذابا مضاعفا وظلاما
وغدا جيشك المعربد سفا كا يغني على الحدود حماما
أنت أصبحت للمظالم رمزا عبرة للورى وعهدا قتاما
الجلاء الجلاء حتم عليكم يا جيوشا عن حقنا تتعامى
نحن افسحنا للضيوف مجالا ثم ماذا قد خيبوا الاحلاما
فاذا الضيف فى البلاد عدو يدعى أنه يريد أنتقاما
وهذا غيض من فيض ولربما عدنا لتحليل ما بقى من أهداف النغم الحائر وحبذا لو يستمر شاعرنا العزيز على مواصلة الانتاج والنشر ويمضي قدما في تطويق الاجياد بلالئ فيضه ومحاسن درره .
