اتصلت البلاد التونسية بالاتراك وبلغتهم منذ ابتداء الربع الثاني من القرن السادس عشر عندما حل الاتراك بالجزائر وليبيا وبالشواطئ التونسية مقاومين للأساطيل الاسبانية المغيرة على السواحل الاسلامية بالشمال الافريقي ثم اتصل التونسيون بالاتراك اتصالا متزايدا بعد بضع سنين وذلك عندما احتلو بعض البلدان بالشواطئ التونسية ثم عندما دخلوا القطر التونسى من الجزائر غربا ومن ليبيا شرقا وخاصة حينما هزموا الاسبان سنة 1574 وحكموا البلاد التونسية إلى سنة 1881 حيث نصبت فرنسا حمايتها على القطر التونسي فعرف أهلها من يومئذ وعلى مر السنين والقرون اللغة التركية حتى انتشرت بينهم من يومئذ انتشارا كبيرا ودخلت نسبة وافرة منها فى العامية التونسية فقد أوجبها الحكام الاتراك وأمراؤهم ونشرها الجند التركى وضباطه في كل الجهات لدى المدنيين والعسكريين من التونسيين .
ان من اكبر ) العوامل التى ساعدت على انتشار اللغة التركية وشيوعها لدى التونسين في عاميتهم انها كانت لغة الادارة بتونس ولغة الحكم والقضاء المدني وحتى الشرعى أحيانا ولغة وزارة الحرب فذاعت لذلك مفرداتها كثيرا وتراكيبها ومشتقاتها وشاع استعمالها وظلت كذلك منتشرة طيلة ثلاثة قرون ونصف وخلفت الى اليوم مجموعة كبيرة جدا من الالفاظ واثارا عديدة متنوعة فى التعبير والاسماء والانساب والالقاب
ان اثار اللغة التركية كثيرة اليوم فى كلام العامة بالبلاد التونسية وذلك في المفردات والاسماء والالقاب وفي القواعد وقد تناولنا فى هذه الدراسة اليوم الكلام عن تأثير اللغة التركية فى العامية التونسية من حيث القواعد وفي اسماء الاعلام وسوف نتناول الحديث فى فرصة أخرى عن معجم الالفاظ التركية
فى العامية التونسية . ان آثار اللغة التركية وقواعدها فى اللهجة التونسية تنحصر فى اللواحق والسوابق التالية
أولا : اللفظ الملحق به جى وتفيد الانتساب غالبا وتستعمل كثيرا جدا حتى اليوم فى الصناع والصناعة والتجار والبياعين وغيرهم وهذه فيما يلى طائفة منها كمثال ففي اللغة التركية وكذلك فى اللهجة التونسية يقال :
بالاجى : باله جى - فمرفجى : فمرف جى - خزناجى : خزنه جي - شورباجي : شربه جى ( رئيس فى الجيش ( - كفتاجى : كفته جى طبجى : طوب جي - فبجى : قوبه جى : صانع السلاح ومن الالفاظ العربية ما يلى :
حمامجى : حمام جي - طيارجى ( طيار ) - قهواجى : قهوه جى - مطبعاجى : مطبعه جى - مكتبى : مكتبه جى - كهرباجى : كهربه جى - عطارجي : ) بائع العطور ) .
ثانيا : الملحق به " لى " ومعناها " الاضافة والنسب " أو " ذو " مثل : الزمرلى وقيصرلى وشاهدلى وكردغلى وقريتلى وقبرصلى واصطنبولى ودنقزلي وبرصالى أو بيرصالى وساقسلى وباشالى ودولاتلى
فهذه الكلمات المذكورة منسوبة الى أسماء البلدان والاماكن التالية وهى : زمير أو أزمير وقيصارية وتي شاهر أو تي شهر ) أى مدني نسبة للمدينة وهى كلمة شهر ( وتى كردغ واصطنبول ودنقز ) وهي البحر أى البحري نسبة الى منطقة قارة دنفز بتركيا وهي البحر الاسود وجهته ( وبيرصة وكل هذه البلدان والاماكن بتركية وقريت وقبرص وساقس ودولات وهي جهة الاكراد وارمينيا ونسبة الى باشا
ثالثا : الملحق به كلمة " أوغلى " أو " أغلى " ومعناها " ابن " واذا الحقت تحذف منها الالف دائما والواو فى الغالب وذلك مثل قصدغلي أو قزدغلي ) باب الصاد زايا ( وكوروغلي ) كولوغلي ( وحرفت فابدل اللام راء ومعناها المولود من أب تركى وأم عربية ، وماميغلي أو مامغلي ولازغلى . وهى أسماء : ابن قصد وابن قول أوكول أى ابن الجندى أو ابن العسكرى التركى وابن مامي وابن لاز وهى منطقة معروفة تسمى بلاد اللاز على البحر الاسود بتركيا
رابعا : الملحق به " باشي " أى رئيس مثل : بكباشي أو بنباشي او بمباشى بابدال النون ميما أى رئيس ألف جندي ، ويوزباشي اى رئيس مائة وامباشي أى رئيس عشرة ، وبولك باشي أى رئيس الجماعة ، واوده باشي أو : أوضباشي أوضاباشي أى رئيس كتيبة ، وعشي باشي الخ
خاميا : المفتتح بكلمة " باش " أى الرأس وتستعمل بكثرة جدا الى الان في اللهجة التونسية فى مختلف الاشياء وتفيد الاول فى ذلك الشئ من حيث السلطة أو الاتقان ونحوه مثل هذه الطائفة من الكلمات : باش اغا - باش شاوش - باش كاهيه - باش حامبه - باش شاطر - باش طبجى - باش كاتب - باش محرك - باش مفتى - باش قاضي - باش معلم - باش خدام - باش فلاح - باش عالم - باش تاجر - باش عرف
وقد أثرت اللغة التركية في الاسماء والاعلام التى قد تكون تركية أو عربية الاصول والحروف تركية الوضع واللفظ والرسم فى بعض الاحيان وذلك فى نوعين على الخصوص
أولا : في الاسماء المكسوعة بالياء وهى قليلة نسبيا مثل : ثورى وحسنى وتركي ومامي ) محمد ( وشلبي أى وظريف ) وبرنى : نوع من الصقور ومعناه الانف ، ويصغر فيقال بريني ، وجودى وبدرى وخيرى ورشدى ، وهي أسماء قديمة . ومنذ أوائل هذا القرن بدأت تظهر امثال هذه الاسماء بكثرة بتونس تأثرا بالشرق العربى كمصر وسوريا ولبنان والعراق التى أخذتها عن الاتراك فظهرت من يومئذ بتونس هذه الطائفة ونحوها من تلك الاسماء وهي : فوزى وشكرى وحمدى وشوقى وصبرى ولطفى وفخرى . وانثت هذه الاسماء فسميت بها النساء مثل : تركية ومامية وشلبية وبرنية ، وخيرية وفوزية وفتحية وبية مؤنث بى ( باي ) أى ملك أو نائبه . وهي أسماء قديمة ثم ظهرت مثلها أسماء مؤنثة كثيرة منذ أوائل هذا القرن
ثانيا : في أسماء غير مكسوعة مثل : عصمان أى عثمان بابدال الثاء سينا ويغلظ فيصير صادا كما ينطق أهل المشرق والاتراك والايرانيون ، وفافه وفافاني أى فاطمة . وشهر زاد أى بنت البلد وكلمة شهر بلد وزاد بمعنى أبنة وابن . وفيروزاي المنتصر والنادر . وفيروزة وفيروزج هى احجار كريمة . ، ونازي أى ذو الدلال واللطف . ونازك بمعنى الظريف واللطيف وهو اسم للانثى . ونيازى أى هدية الدراويش والرغبة والحاجة . ونريمان : البطل الشجاع وهو اسم للغلام القوى ولكنه عندنا اسم للانثى . ونورهان : هدية
المسافر . ودهمانى من ) دهمان ( وهو لقب يشبه الامير ورتبة دون الملك . وجيهان : أى الدنيا أو العالم . وفرهود : صبيح الوجه والممتلىء الوجه والاديب الفاضل . وسوسن : ) شوشن ، شوشنه ( زهر معروف . وسوزان : الابرة والمحرقة والمحترقة . وميسون : ومعناه غلام حسن الوجه والقد وأصله للرجل ولكننا استعملناه للانثى الخ .
ان هذه الاسماء المذكورة تركية ولكنها فارسية الاصل اخذناها عن الاتراك ذلك بأن الاتراك استخدموا اللغة الفارسية فى لغتهم ونهلوا منها ألفاظا وأسماء وألقابا ومراتب للجند وغيرها وكان التأثير بين الاتراك والفرس واسعا جدا حتى لقد عدت الفارسية لغة البلاط العثماني ردحا من الزمن واثر الحكم العثمانى فى العالم العربى ومنه تونس - الذى حكمه الاتراك مدة خمسة قرون ولذلك سمى الناس كثيرا ابناءهم وبناتهم باسماء تركية وكنوا ذرياتهم بكنى ذات مظهر تركى وهى فى الحقيقة أسماء وكنى فارسية انتقلت الينا عن الاتراك .
وأثرت اللغة التركية فى العامية التونسية فى بعض الكلام والتراكيب العربية والتركية المختلفة التى وضعها الاتراك مثل : دفتر خانه أى دار الوثائق . وخزنه دار أى دار المالية أو مأمورها وراحة حلقوم . وقايمقام من ) قائم مقام ( أى الملازم فى الجيش أو هو العقيد واللفظتان عربيتان ولكنهما من استعمال الاتراك . وبركات وهي كلمة شكر وامتنان تقال لمن أعطى هدية أو عطية من مال أو غيره والكلمة عربية ولكن استعمالها فى هذا المعنى من استعمالات الاتراك : ان كثيرا من الكلمات التركية فى اللهجة التونسية أوصلت الينا كما استعملها الاتراك مغيرة اللفظ والمعنى كما غير العامة ألفاظها ومعانيها فى كثير من الاحيان ومن التصاريف والاشتقاقات والصيغ والأستعمالات كما يلاحظ ذلك أحيانا
