عند وفاة النبى عليه الصلاة والسلام ، كانت الجزيرة العربية - أو اكبر جزء منها - قد قبلت الاسلام دينا لها ، كما كان الناس ، فى خارج هذه الجزيرة ، قد سمعوا عن هذا الدين العظيم ، الشىء الكثير . . وعن دعوة ذلك الهادى الذي جاء لهداية البشرية ، وسعادة الانسانية ، حاملا مشعل الهداية ، منيرا الطريق السوى ، صراط الحق .
لذلك كان من واجب الخلفاء ، خلفاء هذا المبعوث العظيم ، العمل على تكميل ما تركه - بعد موته - من تلك التركة المثقلة بالعمل والجهاد والمثابرة . . حتى يتم نشر " الدعوة الاسلامية " اكبر جزء من انحاء هذه المعمورة
والتاريخ يثبت لنا ان خلفاءه الاربعة كانوا من أقدر الرجال العاملين الذين ضحوا براحتهم ومالهم وسعادتهم ، فى سبيل نصرة " مبدأ " عظيم لم يظهر مثله على وجه التاريخ ، الى اليوم . . ففي عهودهم فتحت " الجيوش الاسلامية " جزءا عظيما من هذا العالم العجيب ، ونشرت الاسلام فى طوله وعرضه ، وحققت للناس فى ذلك الوقت ، كل ما كانت تصبو اليه نفوسهم ، من أمن ، وطمأنينة ، وحياة شريفة .
وكلمة " الخليفة " فى اللغة العربية ، يقابلها فى اللغة الانكليزية كلمةSucess - أى خلف أو وريث - ولهذا فان إطلاق كلمة ) الخليفة ( قد شاع على اولئك الخلفاء الأربعة ، لأنهم قطعوا على نفوسهم عهدا بان يكونوا خلفاء ) حقيقة ( لذلك الرسول العظيم ، الذى تدين له الانسانية بالشىء العظيم . . الا وهو نشر الحق ، والفضيلة ، والمثالية العليا ، بين الخلق أجمعين
ان الذى يدرس تاريخ الاسلام دراسة حقة مستفيضة ، يأخذه العجب حين يقف على أسرار هذا الدين الحنيف ، وأحكامه ، وأنظمته ، وقوانينه ، التي أملاها النبي الكريم على خلفائه ، وصحبه وكل من كان يحضر مجلسه فى مكة والمدينة . . وفى الغزوات والحروب فإنها - أى القوانين - خالية من أي عيب وأي نقص تمام الخلو .
والواقع أن عهد الخلفاء الراشدين الاربعة قصيرا جدا ، فهو لم يزد على ثلاثين سنة فقط . ومع ذلك فان المسلمين يعتبرون هذه الحقبة من تاريخ الاسلام ؛ كأعظم حقبة مرت على المنتمين الى محمد ، عليه أفضل التسليمات . . لانها حقبة مفعمة بجلائل الاعمال ، سلمية كانت أو حربية .
ولنتحدث قليلا عن اول الخلفاء ، وهو ابو بكر ، الملقب " بالصديق " أى قائل الحق والصدق " فهو أول " شيخ " استجاب لدعوة ) محمد عليه السلام ( وآمن بها بدون تردد أو انتظار . . وثمة اسباب كثيرة لتلقيبه بلقب " الصديق ومنها أنه كان يعشق الحق ، ولا يقول الا الصدق ، حتى قبل اعتناق الإسلام . ومنها انه كان اول شخص مفكر أقر عن إيمان وعقيدة ) ان محمدا مبعوث إلهى ( لا شك فى رسالته الحقة . .
واشتهر المسلمون بالقوة ، فاحترمهم الناس فى البلدان الاخرى التى فتحوها . . وتعشقوا انتهال العلم والمعرفة وأشاعوهما بين غيرهم . . كما انهم يضعون الدين فوق كل اعتبار ، ويخشون الله حق الخشية ، ويطيعون أوامره ؛ فجعلوا نشر الاسلام وإشاعة ، دينهم ؛ وبث الدعوة له غايتهم . . حتى أدركوا ذروة المجد وتسلموا قمة العلياء . . وخلدوا فى التاريخ اسما ، ومجدا ، وذكرا ، دونه كل مجد . ودونه كل ذكر فى سجل الخالدين .
وفى ذلك العهد ، كان الاطفال يمتثلون أوامر آبائهم ، ويوقرون معلميهم وأساتذتهم . . ولم يعرف عنهم انهم تشاجروا أو تخاصموا فيما بينهم ، بعكس ما هو مشاهد اليوم فى الكتاتيب والمدارس الابتدائية . . و لم يرد فى التاريخ ان غلاما مسلما ،
فى تك الايام ، سرق شيئا : أو ادعى أمرا زعما وبهتانا ، على خلاف ما نراه اليوم في المدارس ، والمعامل والحقول . وهذا هو السبب لاشتياق المسلمين للرجوع الى الحال التى عليها المسلمون فى صدر الاسلام لأنها حال لا يشع فيها الا ضوء الحق . . ولا يسطع فيها الا نور الفضيلة والايمان القويم على ان المسلمين فى هذا العصر ، ليس لهم فى أن يمنوا انفسهم بحلول عهد زاهر كعهد . الخلفاء الراشدين مثلا . . ذلك لأن " الوضع " الذى اختاره مسلمو هذا الزمان ، وضع فيه اختلاف كبير واضح عن ذلك " الوضع " الذى تمتع به المسلمون الفطاحل فى السنوات الاولى من تاريخ بزوغ الإسلام .
للمقال بقية ( عن الانكليزية
