السفه فى الاقوال كالسفه فى الاموال سواء بسواء . . الاول تبذير فى الاخلاق . والآخر تبذير فى الانفاق . ولكن السفه فى الاموال تحجره المحاكم . وبالتالى فان السفه فى الاقوال لا تحجره الا المكارم . . ولذلك قال الاحنف بن قيس حليم العرب وحكيمها : (( انى لاعرض عن الاجابة على الكلمة النابية مخافة أن أسمع ما هو شر منها فقال رجل : ولكنى والله لا ابالى أن اشتم الناس ويشتمونى . فقال الاحنف : (( لقد استرحت يا هذا من حيث تعب الكرام )) وما أعظم كلمة الاحنف وما اروع معانيها .
وبعد فهل كان أديب العروبة الكبير الاستاذ المرحوم ( عباس محمود العقاد ) سفيها أو شتاما ؟ وهل قرأ اديب من ادباء العروبة أو شاعر من شعرائها أو كاتب عن كتابها . . هل قرأوا شيئا من نقد العقاد ( لشوقى ) . كهذا النقد الجديد : ( الصنم الشركسى الدخيل المنافق المرائى الدساس ) ؟ ! وهل قال العقاد عن المعجبين بشوقى والمفاخرين بأدبه وشاعريته انهم : ( حمر مستنفرة هلافيت بلداء صعاليك ) ؟ ! !
ان شيئا من هذا الاسلوب المبتذل لم ينضح به قلم العقاد حتى فى اشد معاركه مع شوقى وسواه من خصمائه فى الرأى والفكر . . ولكننا على هذا ما زلنا نقرأ ما ينشر فى صحيفة البلاد باسم العقاد وتحت رايته فنجد أنفسنا أمام دراسة أدبية لم يعهد لها الادب العربى مثيلا فى ماضيه ، ولا نظيرا فى حاضره - انها نمط جديد وطراز فذ ما كان العقاد رحمه الله يتطاول اليه بعبقريته السامية وذكائه الجبار . . ولكن نابغة من نوابغ القرن العشرين ( ورحم الله الرافعى ) جاء باسلوب جديد كل الجدة مبتكر كل الابتكار حين يدرس آثار العقاد ويستظل برايته ويحصب النخبة المثقفة والصفوة
المختارة من رجال القلم وقادة الفكر ، بكل ما يقع تحت يده من حجر ومدر . . أما والله لو كنا ندرك مسؤوليتنا الادبية تمام الادراك ونعيها تمام الوعى ، ما فسحنا المجال للأقلام ان تعربد هكذا بمفاهيم الادب وقيم الفكر بشكل يجعل منا اضدوكة وسخرية امام البيئات المثقفة الرفيعة فى داخل البلاد وخارجها . . وكلنا ويا للاسف مازلنا حتى الآن وفى عصر القيم العليا والمثل الرفيعة فى الفكر والحياة لا نشعر بمسؤوليتنا الادبية وواجبنا الفكرى . .
تعست العجالة تقول الاسطورة : ان ( فندا ) مولى
( عائشة ) رضى الله عنها ، خرج يقبس لها نارا فصادف ركبا يزمع السفر الى مصر فسافر معهم وغاب حولا كاملا وعلى رأس الحول عاد الى المدينة فذكر طلب مولاته . فاقتبس لها نارا ودخل اليها يشتد ما يكاد يلقط انفاسه فعثر فطاح وانتثر الجمر . . فالتفتت اليه عائشة وقالت له - فى دعابة لطيفة : ( تعست العجلة ) فذهبت مثلا . . وهذا هو شأن صاحبنا . قرأ مقالنا المنشور فى مجلة المنهل لشهر رجب سنة ١٣٨٣ . وجاء يشتد للرد علينا فى شهر المحرم ٨٤ ومع ذلك فقد عثر . فلم يسعنا الا ان نقول : تعست العجلة .
يقول صاحبنا وأنا أنقل كلامه هنا بنصه وحرفه . . يقول صاحبنا : اننى حين عنونت مقالى بهذه الصيغة ( شوقية شكسبير ) لم أعبر تعبيرا عربيا سليما لانني قدمت المضاف اليه واخرت المضاف . وكان الأفصح أن أقول ( شكسبيرية شوقى ) . . وعلى هذا فقد ذهب يتساءل عما ذا أعنيه بقولى : ( شوقية شكسبير ) هل لشكسبير أثر من أثاره الادبية اسمه ( شوقية ) ؟ ؟ واندفع فى سياق هذا المفهوم المعكوس يعدد آثار شكسبير ويستعرض عضلاته الفكرية . وخرج بنتيجة هى انه لا يوجد أثر لشكسبير اسمه ( شوقية ) لا قصيدة ولا مسرحية ولا رواية . . وأنا احب أن أفرض جدلا صحة ما ذهب اليه الناقد اللغوى الجديد . ولكنى اريد أن أعرف ما معنى هذه الصيغة : ( شوقية النيل ) اننا بحسب هذه النظرية نفهم من هذه الصيغة ، أن النيل هذا أديب من ادباء مصر الكبار وأن الشوقية هذه مسرحية من مسرحياته او رواية من رواياته . . وأريد أن اعرف ايضا ما معنى هذه الصيغة : ( سورة ابى لهب ) . هل نعرف من هذه الصيغة ان ابا لهب هذا أديب من أدباء قريش وهذه السورة أثر من آثاره الفنية ؟ ؟
ام نفهم من هذا ان السورة سميت باسمه لانها نزلت فيه ؟ ! وارجو ان لا يقول صاحبنا لا ! فيضل . . اذا اتضح هذا وهو واضح بان لك اننا عبرنا تعبيرا عربيا صحيحا وفصيحا حين قلنا ( شوقية شكسبير ) لأننا سمينا القصيدة وأضفناها اليه لانها قيلت فيه . وما أحسب انك تحاول او تكابر فى هذا المفهوم الصحيح .
أما اذا أخذنا بمفهوم تعبيرك ( شكسبيرية شوقى ) فهنا يقع اللبس وينتشر الضباب ويختلط المعنى . فشوقى كما هو معروف شاعر عربى ، وشكسبير شاعر انكليزى . وشوقى متأخر وشكسبير متقدم . واذن فهذه الصيغة تعنى ان شوقيا كان ينزع فى اتجاهاته الفكرية واسلوبه الفنى نزوع الشاعر الانكليزى شكسبير . أى ان معنى ( الشكسبيرية ) هنا هو تأثر شوقى بشاعرية شكسبير وانطباعه الفنى باتجاهاته النفسية والادبية . اما ( شوقية شكسبير ) فان شيئا من مثل ذلك اللبس وذلك الضباب لا يقع فى معناها او مفهومها . لان بسطاء القراء وانصاف الأميين يعرفون أن ديوانا شعريا رائعا ، يعرف فى عالم الفكر باسم ( الشوقيات ) . فاذا تحدث عن ( شوقية ) من شوقياته أديب من الادباء عرف الكل ان هذه اللفظة يراد بها قصيدة من قصائد شوقى قيلت فى عظيم من عظماء الفكر او زعيم من زعماء السياسة . ولا يختلف فى هذا المفهوم قارئ عن قارئ لوضوح القصد وسفور المعنى .
ومع كل هذا فسنعرج على ما يقوله علماء النحو واللغة . وانهم يقولون فى تعريف الاضافة : (( الاضافة هى نسبة تقييدية بين اسمين توجب لثانيهما الجر ، ويكفى فى صحة اضافة الشئ الى الشئ وجود أدنى ملابسة نحو قوله تعالى : ( إلا عشية أو ضحاها )
وليس يصح فى الاذهان شئ
اذا احتاج النهار الى دليل
