الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 3الرجوع إلى "المنهل"

تحقيق صحفي اعده مندوب المنهل بجازان

Share

تحت أروقة المحكمة الكبرى بجازان

وأخيرا وبعد مضي ثلاثة عشر عاما قضية فى التربية والتعليم بين اطوار الطفولة البريئة ومشاكلها المعقدة والممتعة في آن واحد اخيرا وبعد هذا كله طاب لى ان انتقل الى احد اروقة المحكمة الكبرى بجازان ولئن كانت ظروف هذا الانتقال ظروفا ملجئة الا اني اشكر لهذه الظروف وأشكر من هياها لى فى هذا الوقت بالذات الوقت الذي اجد فيه فراغا فى احد زوايا قاعة من قاعات هذه المحكمة المحترمة هذه المحكمة التى هي مختبر عملى دقيق لتجارب العقل والنفس ونوازعهما الفطرية وليس من هدفى الآن أن اذكر انني انتقلت الى عمل آلى اخطه بالقلم ابتدئ فيه وانتهى منه فى وقت محدد ولكن الهدف الاساسي هو الاشادة يمه المدرسة الجامعة الكبرى فقد عرف العالم الحديث هواة في البحث عن السلوك الاجتماعى للانسان وعرف العالم الحديث هواة للبحث عن اسرار النفس ودوافعها واطوارها وعرف العالم الحديث هواة للبحث عن المواد الخام للقصة أى عن الحوادث وكيف تبدا وكيف تتطور واسباب هذا التطور اقول عرف العالم الحديث هؤلاء الهواة الافذاذ الذين يفخر بهم هذا العصر وقد سلكوا كل منحى وانجهوا إلى كل قطر وناصوا بين الجماهير فى كل مجتمع ومدينة وقرية يبحثون ويدقون

ويستنتجون ويكتبون ولكن اقول واجزم  فى هذا القول ان المحاكم الكبرى فى المدن  والمقاطعات تحوى بين سجلاتها واضابيرها  كل الوان هذه الدراسات العجيبة والغريبة  لاطوار النفس والعقل والظروف البيئية التى  نما فيها .  

يستطيع الباحث الاجتماعى والعالم النفسانى والكاتب القصصى البارع أن  يلاحظوا المتخاصمين عن كثب أو يقرأوا  سجلات الضبط فيجدوا أسس السلوك  الاجتماعى واطوار النفس البشرية الغريبة  واشباح القصص المتحركة الوثابة يستطيعون أن يجدوا كل هذه الالوان وهي

تتدفق على مخيلتهم اسرع من خيال الكاتب المحلق الخصب وادق حقيقة وواقعية .

وأمامي الآن وفي هذه الغرفة التى احتل زاوية من زواياها قطب هذه المحكمة القديم  الذي قضى اكثر من خمسة وعشرين عاما  عاكفا دارسا ومنقبا لهذه الجوانب  الحساسية في حياة الانسان ومراحلها  المختلفة واطوارها الغريبة انه فضيلة الشيخ  على بن محمد صالح عبد الحق ينحدر من اب كريم واصيل في المعارف والاطلاع فقد  كان والده محمد صالح عبد الحق من الزملاء الافذاذ للأمام السيد محمد الادريسى في الجامع الأزهر وعندما قام هذا الامام يبسط  نفوذ حكمه فى اصقاع تهامة وجبالها  الشرقية الشامخة دعا زميله هذا باعتبار كونه عملاقا من عمالقة العلم والمعرفة ليملأ به وبامثاله الفراغ الذي يحتله الجهل الاسود  المرخي سدوله والضارب أطنابه على تهامة  وكان هذا هو السبب الاساسي المباشر الذي هيأ الظروف لولادة رائدنا الكبير قطب هذه المحكمة القديم في مدينة جازان بالذات وقد تتلمذ فضيلة الشيخ على محمد صالح عبد الحق على يد جهابذة من رواد  المعرفة والاطلاع الكبار منهم قاضى جازان  الاول السيد محمد نورى المارديني وخلفه  السيد على بن محمد السنوسي فالشيخ عبد الرحمن بن عقيل والشيخ محمد بن  عبد الله التويجرى ثم لازم حلقات الدراسة التى كان يديرها فضيلة الشيخ عقيل بن أحمد ولا شك ان دراسة علمية كهذه  اساسها الميل والدافع النفسي الحر هي  دراسة قوية ومركزة قد اشاد بها علم النفس  التربوى الحديث وبالاضافة الى مزية الاطلاع  والمران الكبيرين للمشاكل وفصلها من  رائدنا هذا فانه يمتاز بشعبيته الاسلامية  بين الجماهير هنا في الخطابة فهو خطيب  مصقع تغزو نبرات صوته القلب حاملة  

اروع المعاني والمثل التى ترتفع بالعقل البشرى الى درجات السمو والمثالية . واذا علم  القارىء ان رائدنا هذا ارتقى منبر الخطابة  وهو فى الثامنة عشرة من عمره في عام ١٣٥٠ وفى اواخر العهد الارديسى علم ايضا اى خطيب هذا وأية موهبة ايقاعية نفاذة فيه . من هذا النبع الصافي والمنهل الدفاق نستقي تاريخا حافلا لأقدم مؤسسة ارست قواعدها فى ربوع مقاطعة جازان لتنشر اعلام العدل والاستقرار والهناء في ظلال العهد السعودي الزاهر  

سألته : ما هي الظروف والملابسات التى دفعت بك الى هذه القاعة ومتى كان ذلك ؟  فأجاب : كان ذلك فى عام ١٣٥٤ ه عندما بعثت الحكومة أول بعثة من القضاة لتوزيعهم على المراكز الهامة في تهامة وقد اختير لمدينة جازان حاضرة المقاطعة ومينائها  الرئيسية ، الشيخ عبد الرحمن بن عقيل أحد رواد المعرفة فى مدينة عنيزة وقد اخبرني القاضى المذكور بأن صاحب الجلالة العاهل المرحوم عبد العزيز آل سعود عهد اليه بالبحث عمن يتوسم فيه الخير في المقاطعة ليعينه معاونا له في الاعمال القضائية وذكر لي انه رفع لصاحب الجلالة يطلب تعبيني معه مساعدا وكاتبا في محكمة  جازان وانه ابلغ بالموافقة على ذلك من جلالة العاهل المرحوم بعد ان ابلغت جهات الاختصاص من قبل جلالته رحمه الله ولما  رايت الحالة قد الزمت ولم يكن بد من الموافقة استعنت الله وولجت في خضم هذا العمل حائرا ومتعثرا فباعي قصير وقدرتي ضعيفة وكان تعييني فيه من عام ١٣٥٥ ه حتى الآن وقد عاصرت اغرب الحوادث واعجبها

وسألته : كم كان عدد الاشخاص الذين  كانوا يشكلون دعائم العمل عند تأسيس  هذه المحكمة ؟

فأجاب : كان الاشخاص الذين يديرون دفة العمل فيها لأول وهلة الشيخ عبد الرحمن ابن عقيل قاضيا وكنت معه مساعدا وكاتبا وزميل آخر يدعى عمر ناظر كاتبا للعدل انذاك

وسألته : كيف طرأ على هذه المحكمة النمو والتكامل حتى أصبحت تضم أقساما  لها كيانها فى المحافظة على الدقة والامانة ؟

فأجاب : كانت دوافع العمل ومشكلاته العويصة هي التي تمد هذا الجهاز القضائى بالنمو والتكامل وبالرغم من تاسيس هذه الاقسام فان العمل يتكاثر وينعقد ولا يزال فى حاجة الى المزيد من الإمدادات المادية والمعنوية ليصل الى الدرجة التى تضمن له الاداء بسرعة وسهولة .  

وسألته : ما هى الانواع الكلية التى  تحددون بها الدعاوى فيصبح لكل دعوة اسم  عام تندرج فيه ؟

فأجاب : تضم الدعاوى انواعا كثيرة وعويصة ولكن نظام المحاكم قد حددها  فى ثلاثة انواع . النوع الاول يسمى دعاوى حقوقية والثاني يسمى دعاوى جنائية  والثالث يسمي انهائية .

وسألته : هل  يمكن ان أحيط قارئ المنهل بتفسير تفصيلى لكل بند من هذه  البنود الدقيقة ؛

فأجاب : ان معنى دعاوى حقوقية هي الدعاوى التى تتعلق بحقوق الانسان كالحقوق والعقار والتركات وما شابه ذلك . ومعنى  دعاوى جنائية ، الدعاوى التى تتعلق بالاعتداء بالسلاح ونحوه وكالبطش والضرب  واراقة الدماء وكل دعوى لها علاقة بالحدود .  والانهائية هي الزوجيات واثبات الملكيات  وما الى ذلك  .  

وسألته : هل يختلف ضبط هذه  الدعاوى فى سجلاتها الخاصة بها من الناحية  التنسيقية الفنية أم لا ؟

فأجاب : ان اعمدة السجلات هي متساوية من حيث الشكل ولكن الناحية الفنية فيها هى فرز كل نوع على حدة .

وسألته : كم الاقسام التى تضمها هذه  المحكمة وما هي مهمة كل قسم منها ؟

فأجاب : هي كما يلى : اولا - قسم الادارة - ومهمته توزيع الاعمال على بقية  الاقسام الرئيسية الأخرى كل في اختصاصه وصلاحيته ومراقبة سير العمل سيرا متزنا  مؤديا للغاية بكل دقة ويرأس هذا القسم  الزميل القديم الشيخ على بن احمد عيسى  ثانيا : المحاسبة ومهمتها الاشراف على القسم المالي الذي يتقاضاه الموظفون وتوزيعه  عليهم واثبات تعييناتهم وطي قيودهم  واجازاتهم ولا يختص هذا القسم بالاشراف على القسم المالي الخاص بموظفي المحاكم  فقط بل يضم ايضا المطاوعة والمؤذنين  والمرشدين ويرأس هذا القسم حاليا السيد عبد العزيز نورى .

ثالثا : التحرير ومهمته انجاز التحارير  الغير المالية والمختصة بالمعاملات الشرعية من ناحية والادارية من ناحية اخرى  كالتحرير الانشائى والجوابي وكابلاغ الاوامر التعميمية وما يتعلق بالانظمة وكيفية تطبيقها وما الى ذلك .

رابعا : قسم التسجيل ومهمته دقة تسجيل الصكوك الشرعية فى سجل عام  للاحكام بتواريخها وارقامها وعدد صفحاتها  ويشمل هذا السجل تسجيل الصكوك  الشرعية الصادرة عن قضاة هذه المحكمة .

خامسا : قسم الملفات ومهمته حفظ  المعاملات المنتهية والتعاميم والاوامر المبلغة  وبعض صور الكتابات الخارجة الى محاكم المقاطعات والدوائر الرسمية فى اضباراتها  والدفاتر المنتهية وغير المنتهية كالسجلات  والضبوط والصادرات والواردات وما الى ذلك .

سادسا : قسم المستودع مهمته حفظ  الاثاث والمطبوعات الا ان هذا القسم لم يكن  له موظف مختص ويقوم بالعمل فيه مأمور  الملفات وكل هذه الاقسام الادارية تحت  اشراف مدير الإدارة المسؤول المباشر بعد  الرئيس

. سابعا : قسم كتابة العدل وهذا قسم منفرد في عمله الا انه مرتبط بالمحكمة اداريا وله انظمة خاصة . وله موظف خاص هو محمد عبد الله

ثامنا : قسم مأمور بيت المال ومهمته  حفظ التركات التى تعود للغائبين والقصار ومن كان مجنونا او صغيرا وذلك بعملية  الحصر وفقا للأوامر والانظمة التى لديه .  ويرأس هذا القسم شخص معروف بالاخلاق  الجميلة هو الشيخ احمد عبد الكريم .

وسألته : كم عدد المحاكم والدوائر  المنتشرة فى أصقاع هذه المقاطعة التابعة  لهذه المحكمة الكبرى الام ؟

فأجاب : احدى وعشرون محكمة وست دوائر رسمية .

وسألته : ما هو نوع ارتباط هذه المحاكم بالمحكمة الام وهل لها حق التدقيق  على احكام القضاة ؟

فأجاب : ترتبط هذه المحاكم بالمحكمة الام ارتباطا اداريا فقط اما من الناحية الشرعية وان كل قاض مستقل باحكامه الشرعية  وليس لهذه المحكمة الكبرى حق التدقيق على احكام القضاة .

وسألته : لا شك أن مشاكل القضاء دقيقة ومعقدة فهل تعينون مجلسا لطرح  القضايا المعقدة على بساط البحث والمناقشة بينكم أيها القضاة ؟

فأجاب : هناك على ضفة البحر ربوة مرتفعة من الرمال البيضاء تسمى ) قوز الشويعر ( تشرف على الفضاء الرحب وتمتاز بالهواء الطلق وهدوء الطبيعة

وجمالها الخلاب تنعقد فيها يوميا جلسة هادئة مريحة تمتد من وقت الاصيل حتى صلاة المغرب وبعد الصلاة تستمر الى نهاية الساعة الواحدة من الليل وفي هذه الجلسة يجرى النقاش في كثير من المشاكل المعقدة وقد ادت هذه الجلسات المتتالية نتائج هامة  فى بت القضايا والوصول الى حلولها الشرعية الصحيحة كما انه يحصل فى هذه  الجلسة تداول الآراء بالاضافة إلى متعة النزهة والترويح عن النفس .

وسألته : هل كنتم تزاولون عملا ما قبل أن تاتوا الى هذا العمل ؟ وهل تزاولون الآن عملا خارجيا ؟

فأجاب : عملت أول شئ عمدة في محلة الجبل بجازان وعضوا في هيئة الامر  بالمعروف اما العمل الخارجي الذي اقوم به الآن فهو عضوية المجلس الاداري واعتبره عملا وطنيا يجب على أداؤه .

وسألته : هل تعرف والدكم وفي أى مكان توفى ؟

فأجاب : لا أكاد اعرفه المعرفة التامة اما وفاته فقد سافر بعد حين من وصوله الى هذه الجهات لأداء الحج ثم طاب له البقاء فى الحرم المكي فاقام هناك يعمل بالتدريس وتوفى عام ١٣٤٧ في مكة المكرمة في مستشفى اجياد .

وسالته : من كفلكم وقام بتربيتكم بعد  الوالد ؛

فأجاب : كفلني جدى احمد زيلعي عمر وقام بتربيتي وتشجيعي على القراءة والدراسة  وكان هو قدوتى الحسنة منذ الصغر وبالله التوفيق .

وبعد ايها القارىء الكريم هذه هي ندوتنا الثقافية الممتعة فى هذه القاعة الزاخرة  بالدراسات والتجارب والغرائب وقد سلطنا فى هذه الندوة الاضواء على التشكيلات  الكلية لاكبر معقل ينشر الامن والرخاء ، فى

هذه الربوع ولو اردنا ان نتطرق الى دراسة تفصيلية واسعة لمشكلات نفسية لها جذورها  العميقة فى الواقع الشعبى عندنا فان  الصفحات الواسعة لا تكفي للاستطلاع والبحث وفرض الحلول ولكن يخطر على بالي الآن سؤال هام جدا هذا السؤال هو  

كيف يمكننا ان ننقل الوان هذه الحوادث والمشكلات الى عالم الشعب ليستفيد منها دراسة عملية مليئة بالعبر والعظات تعرفه بأخطائه فيتفاداها ؟  

والجواب على هذا يتوقف على مقدرة المرشدين والوعاظ اصحاب المواهب البيانية والتي تتلخص في ثلاث نقاط هامه

المرشون ان يزوروا المحاكم الكبرى ، ويأخذوا دراسة قوية لمعرفة دوافع مشكلة الشعب  والتي تتلخص في ثلاث نقاط هامة :

أولا - دوافع نفسية معقدة ينتج عنها حوادث الحدود كالقتل مثلا .

ثانيا : دوافع نفسية اجتماعية تنتج عنها المشكلات الاجتماعية .

ثالثا : دوافع نفسية  اقتصادية تنتج  عنها مشكلاتنا الاقتصادية .

وسؤال آخر يخطر على بالى ايضا وهو كيف يمكننا ان نستغل هذه المشاكل

والحوادث الجاهزة والمسجلة في سجلات المحكمة الكبرى كوسيلة ايضاح هامة لدراسة                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                   لون معقد من الوان الشريعة الاسلامية ؟

الجواب على هذا هو انه من المعروف اننا نحن طلاب العلم والشريعة الاسلامية كثيرا ما نتلقي دروس الشريعة نظرية بادلتها واقوال العلماء فيها وقد تحدث لنا مشكلة طارئة فنختلف فى حلها ويستمر بنا البحث والنقاش حتى نصل الى الحقيقة بعد جهد كبير ولكنا نلاحظ ان هذه المشكلة بالذات نتيجة للدراسة العلمية القائمة على النقاش والبحث تتسجل وتثبت ولا تزول من أفكارنا فكيف بنا لو قام المسؤولون عن هذه الدراسات الشرعية الاسلامية وجهزوا لنا من سجلات المحاكم الكبرى  كتبا حافلة بالحوادث والمشكلات ووضعوها على بساط البحث والمناقشة للوصول الى حلولها الشرعية الصحيحة فى رأيى الخاص انه لو كان هذا فانه يعطي الطالب قوة من الخبرة  والمران والتجربة الناجحة وفي رأيى ايضا ان اشراف الطلبة عمليا لدى القاضي وهو  يستعرض اعقد المشكلات وظروفها وملابساتها وكيفية حلها له اثر عملى ثابت فى الاضطلاع بقانون الشريعة الاسلامية .

اشترك في نشرتنا البريدية