( القيت هذه الكلمة بين يدي جلالة الملك سعود المعظم عند زيارته للمنطقة الشرقية بالظهران . وقد بعث بها البنا من البحرين منشؤها الأستاذ عبد الله الشيخ جعفر لنشرها بالمنهل خاصة
طبعي ان الخسائر تختلف باختلاف قيمها الواقعية . كما تتفاوت الى حد بعيد مواقعها من الظروف . واذا ماحاولنا الحصول على مقياس صحيح لنقيس به مدى ذلك الاختلاف الطبعي وجدنا خير مقياس ما تحدثه من اثر فى مختلف الاوساط اذ ليس ثمة من معنى لذلك الاثر سوى الشعور العميق تجاه الزائل باعتبار كونه جليل القدر خطير الشأن وبالعكس ففي هذه الفترة الانتقالية بالذات وفى مثل هذا الظرف الدقيق وفى هذه المرحلة الحاسمة من حياة الامة العربية ، وعقيب حقبة من الزمن مرت بالجزيرة العربية ، وهى مسرح تمثل على خشبته روايات هزيلة وقصص تافهة لم ترسم لنفسها اتجاها . ولم تكتب لها تاريخا . ولم تضمن لنفسها خلودا ، فبعد ان كانت فى مستوى من العزة والكرامة اصبحت ويا للأسف وهي تنحدر الى هوة ساحقة من جراء التأخر الذي لحقها ، والرقدة التي استولت على مشاعرها وبعد حياة حافلة بجلائل وافضل الخدمات لا يجود الزمن بمثلها - يلبي نداء ربه صقر الجزيرة الغلاب ، مؤسس المملكة العربية السعودية ؛ وموحد كيانها ، وبانى صرح مجدها وسؤددها جلالة العاهل العظيم ، عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود ، فيأتى نبأ وفاته ، كالصاعقة المنحدرة على العالمين العربى والاسلام اكسبتها الروع ، واعارتها الكابة ؛ والبستها جلباب الاشجان ، ذلك الجلباب المعتم ، وناهيك به من جلباب ، انه من صنع الاسى البارع ؛ واخراج شركة الاحداث العالمية ، فيعم الحزن لوفاته ، وتشمل الحيرة كل انحاء البلاد ، وتعلو
الكآبة كل وجه تجلى بنور الاسلام . وازدان بدم العروبة - اما مهد العرب اما الجزيرة العربية فقد تلقت ذلك النبأ الخطير بأسف بالغ وجزع شديد وحرقة لا تطاق ، حتى لم تعد تستطيع النطق لتعبر عن جزعها ولم تبق بها سمة من سمات الحياة ، اللهم الا نبضات قلب كادت ان تودى به الاحداث . . لا لكونه المليك المعظم فحسب ، ولا لانه العاهل الكبير وكفى . لالا لا وربى ولكن لانه المؤسس البانى والمنقذ الأكبر للانسانية ، الذى استطاع بما لديه من عقلية ضخمة ، ونفس وثابة بطموحها الى اكتساب المجد ونيل الفخار ، وقلب جبار تدرع بالايمان ، ان يقدم خدمات للانسانية كاملة غير منقوصة ، ولأنه القائد المحنك الذي تمكن بفضل حكمته الصميمية واناته الحميدة ، وخبرته بالامور - ان يتغلب على كل هتيك العوائق التي اعترضت سمته مبدئيا ولانه العبقرى الفذ الذي قدر له الفوز واتيح له النجاح بفضل ما يسر له من عوامل حساسة أن يستعيد مجد الآباء والاجداد ، وان يسترد حقه المسلوب وان يخلق من شبه الجزيرة العربية دولة حية ناهضة رفعت رأسها عاليا بين الامم ؛ بعد ان مربها حين من الدهر لم تكن فيه شيئا مذكورا ، ولأنه المليك الجليل والرجل الوحيد الذى استحق بجدارة ان يدعى بمفخرة القرن العشرين ، فتلك حياته بما فيها من مساع جبارة وخدمات واسعة النطق ومثل عليا وقد اضحت مضيئة كالنبراس الشعاع بسفر الخلود ؛ تحتل اولى صفحاته . وهذه سيرته كما عرفتنا بها الحقائق التاريخية التى لا يرتقى الشك الى صحتها وهى مفعمة بالعبر مليئة بالحكمة وقد امست حلية التاريخ هذا ومع الجزع الشديد والألم الممض وفى تلك الحال المشجية تنفض الجزيرة العربية يدها من تراب الحزن لتميط عنها جلباب الأسى مستعيضة عنه بجلباب آخر تكاد النسبة أن تنعدم بينهما . . فذاك جلباب الحزن ، وتلك حلة المصاب . . وهذا وشاح المسرة . ذاك حالك معتم . وهذا حريرى بريق ، فهى بين عاطفتين متناقضتين . أولاهما عاطفة استياء وحزن ، وثانيتها عاطفة هناء وغبطة . هاتان العاطفتان نستطيع تسميتهما بموجتين من الحزن والفرح طغتا معا على البلاد ،
وهذه آثار الموجة التالية لما تزل باقية ترى بصورة واضحة .
يا صاحب الجلالة هذه البلاد ومنها نحن القطيفيين المخلصين - وقد برزت تتبختر فى مشيتها وتختال فى حللها الدمقسية الشفافة ، فما كاد يعلن نبأ ارتقاء جلالتكم عرش البلاد وتسلمكم مقاليد الامور ، إلا وقد لبس الشعب أبهى حلل الابتهاج وتحلى بأجلى مظاهر الفرح والاغتباط ، مبرهنا على عظيم فرحته ومزيد اغتباطه .
بإ صاحب الجلالة هذه البلاد وقد هبت ملبية نداء الضمير تسعى بخطوات متتابعة لتزجى ولاءها وعظم امتنانها لجلالتكم بعد ان لمست فيكم صورة من صور العاهل العظيم فقيد الاسلام والعروبة ، لم تحنث بعهودها ولم تتوان فى اداء واجبها
يا صاحب الجلالة ان زيارتكم هذه لفرصة ذهبية اتيحت لهذه المنطقة كي تستطيع التعبير عما تكنه من ولاء عميق وما تضمنه من اخلاص لا تشو به شائبة نحو جلالتكم والاسرة السعودية المالكة ، فهى تشعر أنها فى مستوى من العزة والكرامة بعد ان كانت فى مستوى من الجهل والانحلال ، فخذوا بيدها الى مستوى افضل وحياة اسمى . . الى الهدف المنشود ، الى النهضة الكبرى ، حتى يتأنى لها اللحوق بقافلة الحضارة العالمية فتجد نفسها فى مصاف الامم الراقية . وثمة يا " صاحب الجلالة " حقيقة لابد ان نعترف بوجودها فى " جلالتكم " وتلك ظاهرة من خصائص الشخصية القوية المستقلة الا وهى العمل على اقامة اواصر متينة من المحبة المشتركة والاخاء المتبادل بين " جلالتكم " وبين تلك المجموعة الكبيرة التى تتألف منها الرعية ، وهى خطوة موفقة تمنح الشعب حقوقه الاساسية ، وتدل بجلاء على مدى ايمان الحكومة بالشعب وايمان الشعب بحكومته ، وتعمل على ازاحة الفواصل القائمة بين الشعب والحكومة ، ليكونا قوة متماسكة وسلاحا واحدا يشهر فى وجه الطغيان ويحارب به الفساد . فما هذه الزيارات
المستمرة التى يقوم بها " جلالتكم " لانحاء المملكة بما يتخللها من استكشافات واستعلامات ، بغية الاطلاع على شؤون البلاد الدقيقة ، وفحص الاداة الادارية باعتبار كونها النقطة المهمة لحياة البلاد ما هذه الزيارات الملكية إلا برهان متين يدعو ما قلته ، ما تلك الخطب الفياضة بالاخلاص والحنان التى يوجهها " جلالتكم " لشعبكم الكريم ، وللعالمين : العربي والاسلامي على السواء - الا دلل قاطع على ما تضمرونه من ولاء واخلاص ، وشاهد قوي على ما يبيته " جلالتكم " من تمنيات صادقة للقضية العربية ، فكم قرأت وقرأت حميد مساعى " جلالتكم " على صفحات ) المنهل ( الغراء ؛ وغيرها من امهات الصحف العربية .
وفى الخاتمة اقدم تعزيتى الحارة مصحوبة بتهنأتى الصادقة " لجلالتكم " ولولي العهد المحبوب سمو الامير " فيصل " فلاسرة السعودية الكريمة ، ضارعا الى الله تعالى ان يتغمد الراحل العظيم بواسع رحمته وان يسكنه جنان خلده ؛ وان يحقق للامة العربية امانيها على يدى " جلالتكم " وان يأخذ بيدها الى ما فيه الخير والصلاح
