الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 1الرجوع إلى "الفكر"

تحية الى مؤتمر الأدباء والصحفيين الفلسطينيين

Share

ان من ( * ) العواطف والاحاسيس ( 1 ) ما يملأ الصدر ويفيض فيضا حتى اذا رام المرء ان يترجم عنها ضاقت الكلمة واستعصت ، لانها مهما صفت وامتد اشراقها اشعاعا وايحاء فلن تسمو الى التعبير عما تزخر به الروح ويجيش الوجدان .

وتلك حالى وانا التقى بهذا الحشد الحاشد من اخواننا رجال الفكر والادب الفلسطينيين ، جنود النضال المقدس من اجل الثورة الفلسطينية المباركة المسلحين بالرشاش والقلم معا ، الذين وفدوا على تونس من كل ساحات الوغي ومواقع الكفاح والصمود وشرفوا هذه الرقعة المباركة من الارض العربية ليعقدوا فوق اديمها مؤتمرهم الثاني هذا .

بل تلك حالنا جميعا ونحن نلتقي بكم فنقرأ فى وجوهكم آلام الشعب الفلسطيني وآماله ، وننظر اليكم فتمر بمخيلتنا مآت الوجوه من زملائكم الذين استشهدوا لانهم امنوا بقدسية الحرف وتقمصوا قضية شعبهم بكل اخلاص وتفان وماتوا لتحيا فلسطين ولتنتصر القيم الانسانية التى تجسمها الثورة الفلسطينية ، ونقف معكم فاذا بكم رغم هجمات العدو التتريه ، ورغم مكايد الاحداث وظلم ذوى القربى وشدة مضاضته ، عزم حديد وجهد دائب ، بل

انكم في جدل الثورة الفلسطينية رؤية رسولية للكون ودفقه حضارية وعزم على شق الطريق الى القمم وفتح سبل الامكان امام التاريخ . انكم أمل شعب آمن بأنه اذا اراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر .

فلتسمحوا لي وانا في هذا الموقف المؤثر بأن اتوجه اليكم من ربي تونس الخضراء باسم تونس رئيسا وحكومة وحزبا وشعبا ، بتحيات أخوية تعبق حبا وتقديرا ، وان ارحب بكم ترحيبا صادقا باسم اتحاد الكتاب التونسيين الذين يشرفهم ويسعدهم ان يلتقوا بكم وان يساهموا بكل ما يملكون من طاقة وامكانيات ، فى انجاح مؤتمركم الثاني الذي يعقد فى هذا الظرف الدقيق من حياة الامة العربية اى من حياة القضية الفلسطينية .

أيها الاخوة المناضلون اني لست في حاجة لتأكيد تضامن الكتاب التونسيين بل كل التونسيين معكم لاننا نعتبر ذلك امرا طبيعيا وواجبا . وليس تضامننا معكم ووقوفنا الى جانبكم من باب التغنى بفلسطين القضية التى تزين الخطب وتمهد الى الزعامات وتريح الضمائر ، ولا من نوع المحاولات الاحتوائية - سياسيا أو مذهبيا - التى تعمد اليها بعض الدول المدعية لنفسها رسالة تبشيرية في هذا العصر ، انما موقفنا معكم هو ايمان بفلسطين الثورة ، بفلسطين الشعب الذي له حق الوجود الحر الكريم ، الشعب الذى ابتلى منذ أوائل هذا القرن باستعمارين في نفس الوقت الاستعمار البريطانى الذى كان سياسيا واقتصاديا وعسكريا والاستعمار الصهيونى الاستيطانى الذى يروم ولا يزال احلال اشتات من اليهود الصهاينة محل شعب فلسطين العربى منذ المؤتمر الصهيونى الاول المنعقد سنة 1897 في مدينة بال .

ان تضامننا معكم لا تمليه علينا مشاعر الاخوة فى الدين واللغة والحضارة فقط ، بل هو مظهر لكفاحنا المشترك ضد الاستعمار والامبريالية والتمسك بقيم الحرية والعدالة والسلم التى يؤمن بها كل البشر ويكافحون من اجلها لاننا فى تونس قاسينا طوال ثلاثة ارباع القرن استعمارا توطينيا حاول هو الآخر ان يقضي على اصالة هذا الشعب العربية الاسلامية وتمكنا من التغلب عليه واجتثاث جذوره بفضل كفاح مرير دام اكثر من ربع قرن بقيادة محرر تونس وزعيمها الفذ الرئيس الحبيب بورقيبة .

وفي احلك فترات الكفاح بينما كان يفصلنا عن العالم العربي وعنكم خاصة جدار حديدي ضربه الاستعمار بين جناحى العروبة ، كنا فى رحاب الحزب الدستورى نتظاهر سنة 1936 و1937 ونعقد الاجتماعات ونصادق على اللوائح

ونعبر عن تضامننا مع ثورتكم بقيادة فوزى القاوقجى ثم مع نضالكم فى سنة 1943 ثم انطلق سنة 1947 و 1948 مآت من الشبان التونسيين عبروا الحدود راجلين لضم جهودهم الى جهودكم فى معركة التحرير واستشهد منهم الكثيرون فى القدس وغيرها بينما ظهرت جلية خيانة بعض الحكومات والانظمة العربية التى ادعت انها بعثت بجيوشها لتحرير فلسطين

وان اصالة هذا الشعب ووطنيته وصدق مشاعره تجلت في مواقف تونس البورقيبية غداة الاستقلال تجاه الثورة الفلسطينية ثباتا على المبدأ ، ودعما أقصى ماديا ومعنويا ، ووفاء خالصا ليس ادنى مظاهره ما اخذ به الرئيس الحبيب بورقيبة نفسه من صراحة فى القول واجتهاد فى التحليل وابداء للرأى وهو الذى دعاكم قبل غيره من المسؤولين العرب الى التخلص من كل انواع الوصايا وتنظيم صفوفكم وشنها ثورة مسلحة حتى النصر فى أرض فلسطين بالذات ، وهو الذى نبه الى اهمية الرأى العام العالمي وضرورة نوعيته ومخاطبة الاجانب بما يفهمون اى محاربة الصهيونية بسلاحها وتعريتها وكشف مغالطاتها .

ولئن دعا الرئيس الحبيب بورقيبة الى الشرعية الدولية وقرارات 1947 القاضية بالتقسيم فانما كان ذلك ضمن خطة كفاحية مضبوطة تعتمد بلوغ النتائج الايجابية ولا تقيم وزنا للهذر السياسي العقيم .

وقد جاء فى البيان الذى القاه الرئيس الحبيب بورقيبة فى اجتماع رؤساء الدول العربية المنعقد بالقاهرة سنة 1964 " ينبغى ان نفهم الكفاح على انه حركة ايجابية وقوة منطلقة وزحف منظم نحو الهدف . وجدلية صارمة فى مبادئها ولكنها حية مرنة تعمد الى تذليل الصعاب بنسب معاقل القوة المعادية معقلا بعد معقل لفتح الطريق نحو الهدف النهائي .

وليس هناك صلة بين هذه الطريقة والسلوك الذى عرف بمبدأ خذ وطالب والذى فيه معانى الاستكانة والتسول والرضى باى شىء .

فلابد من التمييز بين الحلول المنقوصة الايجابية الثورية التى تساعد على السير وتزيد فى قوة الكفاح وبين الحلول المغشوشة التى تعرقل السير وتوصد الابواب وتزيغ عن الطريق النافذة" .

نقول هذا للتاريخ وللعبرة والمهم هو ان الفلسطينيين ارادوا الحياة واختاروا من دون اية وصاية درب الكفاح الذى هو الكفيل وحده بتحقيق الهدف المقدس . وان على الكتاب والمثقفين العرب ورجال الفكر الاحرار فى كافة

انحاء العالم ان يناضلوا اليوم من اجل الثورة الفلسطينية باعتبارها كفاحا غايته تحرير الانسان .

وانه ليتعين علينا ان ننزع من صدورنا مهابة العدو فشر الهزائم هزيمة الروح وهي أخطر من سلخ الارض وضرب المقاتلين . وان عملنا الثقافي هو قبل كل شىء المحافظة على روح الامة وعلى معنويات الشعب .

ان للكتاب العرب رسالة لابد من ان يضطلعوا بها تتمثل فى الاسهام فى التقدم الحضارى من اجل بناء عالم مبرا من الاستعمار والظلم والعنصرية .

وان على الكتاب الفلسطينيين قبل غيرهم ان يثبتوا الذات القومية الفلسطينية وان يسجلوا خصائص الشعب الفلسطيني من اجل ابطال الدعايات الصهيونية التى تجند في العالم اضخم اجهزة الاعلام قصد محو بطاقة الهوية الفلسطينية ، كما ان دور الادباء هو فضح الطبيعة العنصرية الرجعية للكيان الصهيونى وفقا لقرار الامم المتحدة الصادر فى 10 نوفمبر 1975 والذي ادان رسميا اسرائيل بوصفها مقامة على اصول عرقية وايديولوجية تفوقية .

ان العمل الثورى ينبغي ان يندرج فى سياق التاريخ ويتعين على رجال الفكر ان يميزوا بين ما قد يعترينا من نكسات وهزائم وقتية تفرضها اللحظة وبين الخطة الطويلة النفس وما تتوخاه من طرق وترسمه من مراحل .

هذا وبالرغم مما يؤمله اعداؤنا بسياساتهم العدوانية وبعددهم وعتادهم من من انكسار همتنا واستسلامنا للامر الواقع ، فاننا هنا في تونس نتمسك بالتفاؤل ، ولهذا التفاؤل في نظرنا مبررات اهمها انكم انتم شباب فلسطين تمثلون أقوى تسفيه لاحلام العدو . انكم تمثلون الجيل الذى ظن العدو ان سينسى فلسطين ، فاذا بكم اشد مراسا واصلب عودا واقوى ذاكرة . لقد ابتعدتم عن الرومانتيقية البكاءة ودخلتم بالادب سن الرشد والفاعلية .

انتم جيل الوعي والمسؤولية تمثلون امل الامة العربية فى الخلاص والنهضة والقضاء على الظلم والعدوان .

وفي ختام هذه الكلمة لا يسعنى الا ان اجدد لكم باسم تونس رئيسا وحكومة وحزيا وشعبا وخاصة باسم اخوانى الكتاب التونسيين عبارات الترحيب وان ابارك اعمالكم وان اعبر لكم عن تضامننا من اجل ثورة حتى النصر .

اشترك في نشرتنا البريدية