الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 10الرجوع إلى "الفكر"

تطور الدين الروماني العتيق

Share

في القرن 8 ( ق . م . ) كانت سلطة رومة محصورة في مدينتها واحوازها ثم ان الرومان فتحوا ايطاليا وصقلية وجميع البلدان المحيطة بالبحر الابيض المتوسط من غاليا اى فرنسا العتيقة واسبانيا الى المغرب العتيق وطرابلس وليبيا ومصر وسوريا ولبنان وآسيا الصغرى وبلاد اليونان ويوغسلافيا الحالية - اضف الى ذلك سويسرة الحالية وبلجيكيا وقسما من جرمانيا وهولاندا وبريطانيا وبلغاريا ورومانيا ، وتمت الفتوحات فى القرن الاول ( ب . م . )

ونلاحظ ان الرومان تمكنوا من قرض سلطتهم السياسية والادارية على حميع الشعوب المغلوبة ولكنهم اخفقوا فى نشر دينهم . ومما يتعجب منه دارسو

التاريخ العتبق ان نمو الامبر اطورية الرومانية كانت نتيجه انحطاط الديانه الرومانية انحطاطا جعلها تنقرض شيئا فشئا وتعوض بديانات الشعوب المغلوبة .

ما هى اسباب ذلك ؟ الاسباب عديدة وهى :

الدين الرومانى الاصلى فقير بعيد عن الروحانيات وهدفه جلب رعاية الالهة لحماية الاسرة والقبيلة والدولة ، وكان الرومان يقدمون ذبائح حيوانية وبشرية ويقيمون صلوات وعبادات ويقومون بحفلات الاكرام الالهة للتحصيل على منفعة معينة كالنصر فى الحرب او نمو النبات فى الحقل وذلك مما جعل نصوصهم

الدينية عبارة عن عقود البيع والشراء ، وكانت عبادتهم كتنفيذ قانون المعاملات ، وكهنة الرومان موظفون من بين سائر الموظفين يتلون الصلوات ويشرفون على

العبادات من غير خشوع كانهم يقومون بعملية مكانيكية مادية محضة "

وللدين الروماني بعض الفضائل منها انه يفرض التقشف والشجاعة امام العدو ،

واحترام الوالدين وطاعتهما والامتثال لقوانين البلاد ولحكامها والوفاء بالعهد وحب الوطن والتضحية في سبيله ، فالواجب

الدينى يتحد مع الواجب الوطنى .

والآلهة الرومانية بقيت معبودة

ومحترمة ما دام الرومان لم يخرجوا عن إطار رومة وجهتها . ولما فتحوا ايطالبا الوسطى والجنوبية وجدوها متأثرة غاية التأثر بالمدنية اليونانية اذ كانت اهم المدن مؤسسات بونانية خاصة بصقلية .

ولم يلبث ان تغلب عليهم مركب النقص امام الدين اليونانى بآساطيره الرائقة كاليادة هو مروس (liade ) وخرافة اوليس الاودسى  ( Odyssee ) واسطورة الخلق لهزيود  ( Hesiode ) وأعجبوا بالمعابد اليونانية  التى وجدوها بمدن ايطاليا الجنوبية

وصقلية وببنائها المحكم وبجمال تماثيلها ونقوشها وبأبهة الحفلات الدينية الموسمية اذ كانت فيها المسرحيات والالعاب الرياضية والموسقي والرقص

ومن اهم نتائج ذلك انهم غيروا دينهم بادماجه بالدين اليونانى منذ القرن الخامس ( ق . م . ) وتم هذا الادماج فى القرن الاول ( ق . م . ) ولما استولى اغشت

( Auguste ) على الحكم في الثلث الاخير من القرن الاول ( ق . م . ) بعد انتصاره على كليوباترة رهن ( Cleopartre ) كان دين رومة لا رومانيا فقط بل يونانيا رومانيا وهذا

الامتزاج وقع بالكيفية الآتية : الالهة الرومانية بقيت تسمى باسمها الاصلى ولكنها عبدت بوسيلة يونانية وبنوا لها هياكل على النمط اليونانى ونحتوا لها تماثيل وهى لابسة لباسا يونانيا ونسبوا لها الخرافات والاساطير اليونانية

فعبدوا آلههم يوبيتار ) Jupiter (

في شكل دزاس ( Zeus ) اليوناني - وابلون  ( Apollon ) في شكل فيبوس ( Phoebos ) وفينوس ( Venus ) فى شكل افروديت  ( Aphrodite) ومركوريوس( Mercuer )   في شكل هرمس( Hermes ) وديانة في شكل ارتميس وفلكانوس ( Vulcain ) في

شكل هفايستوس ( Hephaistos ) ونبتونوس  ( Neptune ) في شكل بسايدون ( Poseidon ) ومنارفة ( Minerve ) في شكل اثينة ( Athene ) وباكوس ( ( Bacchus في شكل ديونزوس ( Dionysos )

وتأثر الرومان بالفلسفة الدينية اليونانية وانخرط كثير منهم فى الطريقة البطاغورية ( Pythagorisme ) واهم معتقدات البطاغورين ان الكون منسجم  انسجام الاصوات والانغام فى الموسيقى ، ويعتقدون ان العدد هو روح كل الاشياء

اذ يشرف على حياة البشر وحركة الكواكب ويعتقدون ايضا ان الانسان مزدوج وان الجسم هو الشر والفساد والروح هي الخير ولها صبغة إلاهية .

واذا اراد

الانسان ان يتحد بالروح الآلهية فمفروض عليه ان يحرر الروح من الجسم ، ولهذا فإن البطاغوريين كانوا متقشفين كالمتصوفين وكانوا لا يأكلون لحم الحيوانات لانهم يؤمنون بتناسخ الارواح ( Metempsychose (  - والبطاغورية انتشرت انتشار كبيرا فى الاوساط الرومانية لانها تقنعهم اكثر من الدين الروماني العتيق

وانتشرت كذلك معتقدات وطرق دينية شبيهة بالبطاغورية ومن بينها نظرية ارفيوس ( Orphee ) وطريقته ، والطريقة الديونزية وتتحد كل هاته الطرق والنظريات فى ان هدفها هو الاتصال بالله والتحصيل على السعادة العلوية ، ولكن

الشعب الرومانى لم يقتنع بالتأثر بالدين والمعتقدات اليونانية ولم يلبث طويلا ان عبد الالهة الشرقية التى وجدها فى مصر وسوريا

ولبنان واسيا الصغرى وايران وذلك على الرغم من ضدية السلط الرسمية من كهنة وحكام مدنيين وهذا التعرض لعبادة الآلهة الشرقية كان بوسائل صارمة كالحبس والنفي والتعذيب ورغم الجهود التى بذلها الامبراطور اغشت Auguste لاحياء الدين القومى القديم وذلك بناء عدد كثير من المعابد بجعل نفسه كاهنا )( الحبر الاعظم ) وبالاشراف على الحفلات الدينية الكبرى ، فان الشعب الرومانى بقى بعيدا عن الدين القومى لانه لا يقنعه وبدأت الاديان الشرقية تنتشر وتحقق انتصارها النهائى على الدين الرومانى الرسمى فى القرن الثالث ( ب .م . )- فعبد الرومان الالالهة المصرية ازيس Isis وزوجها اوزريس Osiris والالهة الاسيوية سيبال Cybele وزوجها اتيس Attis  والاله السورى بعل Baal والقرطاجنية تانيت Tanit  والالة الارانى مترا Mithra  - وتأثر  الرومان بالسحر والتنجيم المأخودين عن

المصريين والعراقيين القدماء ولذلك اسباب منها :

أ - تفوق بلدان الشرق الصناعى والتجارى على ايطاليا رغم تفوقها السياسى ،

وهذا جعل قسما كبيرا من التجار والصناع والاختصاصيين في ايطاليا من المهاجرين المصريين والسوريين والأسويين . واستقرارهم بإطالية كانت نتيجته انتشار اديانهم بالدوائر المحيطة بهم .

ب - كان فى الادارة والجبش الرومانى عدد كثير من الجنود والموظفين الشرقيين ولواز خطتهم جعلتهم ينتقلون من الفرات الى بريطانية وجرمانية وينشرون ديانتم فى البلدان الاجنبية - هذه هى العوامل الاقتصادية والاجتماعية :

التاجر والعسكري والموظف والصانع مبشرون وتبشيرهم نجح لان الدين والمجتمع الروماني كانا فى حمود رغم السطرة السياسية .

ج - الاسباب المعنوية هى :

ان الدين الروماني كان مرتبطا بالاسرة والقبيلة والمدينة بينما الاديان

الشرقية من مصرية وسورية الى آسيوية وعراقية كانت مرتبطة بالشخص بقطع النظر عن جنسه وجنسيته ولونه ولغته وهذا مما جعلها تناسب الامبراطورية الرومانية المتنوعة الاجناس واللغات اكثر من الديانة الرومانية .

فديانة ازيس Isis المصرية كان يشارك فيها العبد والسيد والمراة والرجل وفى بعض الظروف نرى العبد يشرف على عبادات يشارك فيها سيده وسيدته وعابدو ازيس وغيرها من المعبودات الشرقية وكانت لهم طرق اعضاؤها اخوة والالة او الالالهة عبارة عن اب او ام للمنخرطين فى الطريقة .

والألهة الشرقية كأوزيس واتيس وادونيس Adonis  لهم اسطورة يموتون فيها ثم يحيون ويعيشون عيشة سعيدة خالدة وعابدوهم يأملون الاتحاد بهم للقيامة بعد الموت والخلد فى الجنة وكل عابد يريد ان يكون مصيره كمصير الاله المعبود .

اضف الى ذلك ان الاديان الشرقية كانت تقنع

العاطفة والحاسة والعقل :

تقنع الحاسة والعاطفة لان المتدين يشارك فى عبادات وحفلات وتؤثر فيه غاية التأثير اذ كانت مصحوبة برقص وموسيقى واستهلاك مخدرات ومسكرات بعد التقشف اياما طوالا . فكان العابد يشارك في مسرحية يرى فيها إلاهه يتألم ثم يموت ثم يحيا وكانت الاديان الشرقية تقنع العقل لان الكهنة كانوا كهنة وعلماء فى ان واحد - ومن بين كهنة الالهة العراقية والسورية والمصرية علماء مشهورون كمنتون Manethon المصريه وبروز Berose  . العراقي اللذين كانا كاهنين ومؤرخين في آن واحد . وكانت المعابد الشرفية مراكز عبادة ودراسات فى علوم النجوم والطبيعة والفيزيه والطب كمعبد عين شمس الذي كان عبارة عن مستشفى وجامعة للطب فى ان واحد .

وكل ذلك مكن الكهنة الشر قيين من التفوق على زملائهم الرومان اذكانو ايرشدون ويسلون ويعلمون ،

وتفوق الاديان الشرقيه على الدين الرومانى العتيق تحقق بصفة نهائية فى القرن الثالث ( ب . م . )  لما اعترف الاباطرة الرومان باله الشمس السورى المصرى كإله اكبر من جميع ادلهة ، وانتصار النصرانية النهائى فى القرن الرابع ( ب . م . ) ما هو إلا انتصار من انتصارات الشرق الدينية ،

اشترك في نشرتنا البريدية