الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 5الرجوع إلى "الفكر"

تكوين الجموع اللحنية، في الموسيقى العربية

Share

تعريفات

الموسيقى

الموسيقى : صناعة تأليف الالحان ، ويتألف اللحن من الاصوات ،

الصوت

الصوت " حس " يشعر به بواسطة الاذن ،

ايجاد الصوت

ترجع الاصوات جميعها الى مصدر واحد : هو وجود جسم ما فى حالة تذبذب ، والتذبذب هو اهتزاز الجسم فى حركة تقدم وتأخر سريعة متكررة أى حركة تردد مستمر على وتيرة واحدة

والجسم المتذبذب الذى يحصل عن تردده صوت هو اما جسم صلب مثل الوتر الذى يشد على آلة من آلات الطرب ، واما جسم مائع مثل الهواء الحاصل داخل انبوب الآلة الموسيقية من ذوات النفخ

انتشار الصوت

انه لمعلوم ان الصوت ينتقل من مصدر حدوثه وينتشر فى جميع الجهات ، أما كيفية اذاعته وبثه وأسباب تقدمه فذلك باب من أهم أبواب علم الفيزيا وأكثرها تشابكا : على أنه بجدر بنا أن نذكر لطالب الموسيقى باجمال بعض خصائص هذه الظاهرة الطبيعية مما ييسر له تفهم مادة صناعته ،

اذا كان للصوت أن ينتقل وينتشر فما ذلك الا بسبب وجود وسيط مادى تقبلت أجزاؤه حركة اهتزاز الجسم المتذبذب ، اذ لا صوت يسمع عن اهتزازات تحدث فى وسط خال من المادة

ووسيط تقدم الصوت هو عادة الهواء الطلق اذا اعتبرنا الاصوات المستعملة فى الموسيقى وحدها ؛ على أن الغازات والسوائل وحتى الاجسام الصلبة قادرة على نقله مع تفاوت بينها فى ذلك ، ويرجع تفاوتها فى القدرة على نقل الصوت الى تفاوتها فى مقدار الكثافة وفى مقدار التصلب وفى درجة الحرارة ، على أن أصول تقدم الصوت أصول قارة على مذهب واحد مهما كانت طبيعة الوسيط الناقل :

تحدث فى وسيط تقدم الصوت حركة تموج متسلسل تجعل اجزاءه تتحرك الى الامام ثم الى الوراء بالتعاقب وبسرعة معينة محدودة بالنسبة لكل صوت معين ، على أن يكون ذلك بدون ان يحصل للاجزاء المتحركة فى اخر الامر أية ازاحة ما عن مكان استقرارها الاول ، بحيث تكون حركة التقدم هى التى تتقدم وليس الاجزاء بذاتها ،

وحركة تموج الهواء الناقل للاصوات الموسيقية انما هى فى الغالب حركة " تموج طولى " ذلك لان الجولات القصيرة التى تقوم بها أجزاء الهواء فرادى انما تسرى وهى ملازمة خط اتجاه الاضطراب

ولا يسمع الصوت فى حين حدوثه لان انتقاله الى اذن السامع يستغرق زمانا معينا تابعا لمقدار المسافة التى يجتازها الصوت ولطبيعة وسيط النقل ، ولا علاقة لسرعة انتقال الصوت بنوع الصوت ذاته ، حيث تصل جميع الاصوات الحادثة فى مكان واحد المتنقلة بواسطة وسيط واحد فى آلة واحدة الى أذن المستمع الواحد مهما كان نوع تلكم الاصوات ومهما كانت طبيعة مصدرها

وانتشار الصوت حركة متساوية ثابتة لا تتغير ما لم تتغير طبيعة وسيط الانتشار وذلك مهما بعد مصدر الصوت ، على أن سعة الحركة تأخذ فى التناقص شيئا فشيئا بأطراد ، ويتبع ذلك نقص مستمر فى شدة الصوت وهكذا حتى تضمحل السعة وتقف فينعدم الصوت

يجتاز الصوت فى الهواء الطلق الذى يكتنفنا عادة 340 مترا فى كل ثانية باطراد متى كانت الحرارة تقدر بست عشرة درجة مئوية

انعكاس الصوت

عندما يواجه الموجات الصوتية حاجز يردها فتنعكس يطلق على الصوت الراجع المدبر اسم " الصدى " وقد يتعدد الصدى لوجود حواجز عديدة ترده بعضها لبعض .

نوع الصوت

الاصوات على تعدد انواعها تنقسم بالاجمال الى قسمين : فمنها ما هى أصوات غير منتظمة تأتى بغتة وبها خشونة وعدم استواء ، واسماء مثل هذه الاصوات عديدة فى العربية

ومنها ما هى أصوات منتظمة لحدوثها عن ذبذبة دورية فتظهر فى مظهر سيل ناعم مستمر ، وتعرف مثل هذه الاصوات بالاصوات الموسيقية لانه من نوعها تؤلف الالحان

تقدير الذبذبة الصوتية

تتميز الذبذبة بامور اربعة هي ؛

1- " الدور " وهو الزمان بين مفارقة نقطة من نقط الجسم المهتز مكانا ما وبين رجوعها للمكان ذاته فى حالة استمرارها فى اتجاه واحد

ووحدة قياس الدور هى الثانية .

2 - " التردد " وهو عدد الذبذبات الحاصلة خلال الوحدة الزمانية : فهو اذن مقابل الدور

3 - " السعة " وهي أبعد نقلة تقوم بها النقطة من نقط الجسم المهتز أثناء حركة التذبذب ووحدة قياس السعة هى السنتميتر

4 - " الطور " وهو حالة النقطة المهتزة من حيث التنقل والحركة فى حين معين .

صفات الصوت

تتميز الاصوات فى حالة استمرارها على وتيرة واحدة وتختلف عن بعضها بعض لثلاث صفات ظاهرة بينة محسوسة هى : الطبقة والشدة والطابع .

أ - طبقة الصوت

أما طبقة الصوت فهي منزلته ومرتبته فى الارتفاع والانخفاض ، وهى  تابعة لدور التذبذب - أى تابعة لمقدار تردد ذبذبات الجسم المهتز المحدثة للصوت ، ولا تتوقف الطبقة على شئ اخر سوى مقدار التردد ، فكلما ازداد مقدار التردد كانت طبقة الصوت أعلى والعكس بالعكس

ولا يكلف تمييز طبقة الاصوات السامع أية مشقة ، وقد أدى الشعور بتفاوت الطبقات الصوتية وأدى وصف الطبقات بالارتفاع والانخفاض الى تسمية مراتبها فى ذلك بالدرجات والى تسمية تتاليها حسب مراتبها بالمدرج او السلم الصوتى أو الموسيقى

ويسمى علماء العرب ارتفاع الصوت " حدة " وانخفاضه " ثقلا "

ب - شدة الصوت

واما شدة الصوت فهى شدة الموجات الحاصلة عن التذبذب فى الوسط الذي ينتشر فيه الصوت ، وهى تابعة لمقدار ما فى الموجة من طاقة للتسرى أثناء الوحدة الزمانية فى وحدة المساحة ، وهذا المقدار فى ذاته على تناسب مستقيم مع سعة الذبذبة

ج - طابع الصوت

طابع الصوت صفة له تابعة لشكل حركة الاهتزاز ذاتها - أى تابعة لمقدار الازاحة ومقدار سرعة الحركة فى حين من أحيان مدتها .

وقد أثبت " هلمهولتز " ) Helmholtz ) البحاثة الالمانى المشهور فى علم فيزيا الصوت - ان طابع الصوت هو ناتج عن أصوات أخرى أكثر منه حدة تنضم اليه اثناء حدوثه ، وتختلف الاصوات المضافة مع اختلاف الجسم الذى يستخرج منه الصوت الاساسى مع اختلاف الالات الموسيقية مثلا

ان الاصوات اذا تساوت فى الطبقة وفى الشدة فبالطابع تتميز بعضها عن بعض ، فالاصوات المستخرجة من الحناجر البشرية ومن آلات الطرب اذا بانت للسامع مختلفة مع تساويها فى الطبقة وفى الشدة فسبب اختلافها لم يكن سوى اختلافها فى الطابع

ومكونات طابع الصوت كميات طبيعية تحدد مقاديرها فى مخابر الفيزياء بكامل الدقة والضبط ، ويسعى لخلقها بالتحسس والاستقراء الخبراء المشرفون على صنع الآلات الموسيقية ، وليس للموسيقى مهما كانت براعته ، قدرة على تغييرها كيف شاء تغييرا يعتبر ، بل يأخذ صاحب الموسيقى طابع الاصوات على حالته كما تخرجه الالة المختارة لاحداث الاصوات ، على انه فى استطاعة بعض المغنين أصحاب الحناجر المدربة تكييف طابع أصواتهم بعض التكييف.

وفى وصف طابع الصوت يتفنن الناس فى اختيار النعوت وتعيين المشابهات ، وقد وصف الفارابى كيفيات طابع الصوت باسماء نقلها حسب قوله : " . . عن أشباهها من سائر المحسوسات بالحواس الاخر من مبصرات

وملموسات . . كالصفاء والكدرة والخشونة والسلاسة والنعومة والصلابة والرطوبة واليبس والزم... " ( 1 )

الاصوات الموسيقية

الموسيقى هي بالاجمال تأليف الاصوات : فلا تعتبر الاصوات فى صناعة الموسيقى الا متجمعة تجمع الالفة ولا ألفة الا مع الاختلاف ، فالذى يهم صاحب الموسيقى هو اصوات مختلفة متجانسة مرتبة فى جموع يأخذ منها مادة تراكيبه اللحنية ، ويطلق على الاصوات المتجانسة المتآلفة اسم الاصوات الموسيقية .

وأهم ما يحتاج اليه صاحب الموسيقى من أمر الجموع الموسيقية هو تعيين مراتب أصواتها في الارتفاع والانخفاض ، لان الطبقة هى أقرب صفات الصوت للادراك وأكثرها قابلية للتعريف والتقدير المدقق وأصلحها لتشخيص الصوت وتمييزه بالمقارنة والمقايسة والمناسبة مع غيره

ولما كانت طبقة الصوت متعلقة بعدد تردد ذبذبات الجسم المحدث له فتشخيص الصوت يحصل اذن على أتم وجه بتعيين عدد التردد

وبما أن عدد التردد قابل للزيادة بلا نهاية فكذلك الطبقات لا يحصرها عد ، الا اننا إذا اعتبرناها بالنسبة لمقدرة حاسة السمع البشرية على الشعور بالمنحط منها و باعتبار طاقتها على تحمل اكثرها ارتفاعا فالطبقات تكون متناهية يحصرها حدان : حد أدنى من جانب الثقل ، وحد أقصى من جانب الحدة

ويعتبر الصوت الناتج عن " 16 " ذبذبة فى الثانية ادنى طبقة تشعر بها اذن الانسان ، والصوت الناتج عن " 380000 " ذبذبة أقصى طبقه يتحملها السمع

وأما في الموسيقى فالاصوات المستعملة تتراوح طبقاتها بين " 30 " و " 4000 " ذبذبة في الثانية ، على أن منطقة الاصوات البشرية أضيق من ذلك اذ هى تنحصر بين " 65 " و " 1044 " ذبذبة .

الابعاد الموسيقية

يرى صاحب الموسيقى الاصوات التى ينوى أن يؤلف منها اللحن الى سلسة تتعاقب فيها تلكم الاصوات حسب طبقاها : ويشخص وضع

المجموعة بتقدير تفاوت أصواتها بعضها على بعض ، ويطلق على الفرق بين أية طبقة من طبقات الاصوات وغيرها من الطبقات اسم " البعد الصوتى "

فلا يتصور البعد الصوتى الا باعتبار صوتين يكونان طرفيه أو حديه ينعت أحدهما بالطرف أو الحد الاثقل - وهو أحط الصوتين طبقة أو أثقلهما وينعت الصوت الاخر بالطرف أو الحد الاحد - وهو أعلى الصوتين طبقة أو أحدهما .

والبعد الصوتى انما هو كمية قابلة للتقدير والقيس والمقايسة ، يتمثل مقداره فى نسبة عددى التردد الحاصل عنهما حدا البعد

ولما كانت الجموع تكتسب شخصيتها ووضع شكلها اللحنى من نسب الابعاد التى تتخلل طبقات أصواتها فهى تبقى على صيغة لحنية واحدة بعينها ما لم تتغير تلكم النسب وذلك مهما كانت اعداد التردد ، لذلك يتخير صاحب علم الموسيقى تمثيل جموع الاصوات فى تناسب عددية تمثل التفاوت بين كل طبقة من طبقات أصوات الجمع والطبقة التى قبلها أو بين كل طبقة وطبقة الصوت الاثقل الذى هو بداية الجمع وأساسه

ولم يكن فى استطاعة القدماء - وهو فى قدرة سائر الناس فى زمننا هذا - الوقوف على تردد ذبذبة الجسم المهتز المحدث للصوت باهتزازاته وضبط ذلكم العدد بما يقتضيه التحرى العلمى من دقة ويقين ، وما تيسر ذلك الا في عصرنا هذا بواسطة أجهزة استنبطها أصحاب العلم الحديث لهذا الغرض ولا يحسن استعمال مثل هذه الاجهزة سوى الخبراء المتدربين على ممارسة أعمال مخابر الفيزياء .

وقد فطن أصحاب الموسيقى منذ بداية أمر هذه الصناعة الى ظاهرة بينة توجد بين الصوت المستخرج من وتر من الاوتار المستعملة فى الات الطرب وبين طول الوتر : فاستخرجوا من تلكم الظاهرة الطبيعية قاعدة مطردة كانت السبب فى تقدم صناعة الموسيقى تقدما مستمرا أثناء العصور ، فصاروا يكتفون بالوقوف على نسبة الاطوال المحدثة للاصوات للوصول الى معرفة نسبة طبقات الاصوات ذاتها : وكانوا يضبطون نسب الاصوات المستخرجة من أجسام غير الاوتار بالمقايسة والمقابلة مع أصوات الاوتار ، وقد أتى علم الفيزيا الحديث مؤيدا لهذه الطريقة التجريبية اذ ثبت بالاختبار كون عدد تردد ذبذبات الوتر المهتز يتناسب تناسبا عكسيا مطردا

مع مقدار طول الوتر ، وذلك متى تساوت الاوتار - أو أجزاء الوتر الواحد - في كل شيء سوى الطول والقصر (2) .

تآلف الاصوات - الاتفاق والتنافر الملاءمة والمنافرة

لا تعتبر الاصوات فى الموسيقى الا مجموعات : فالصوت الفرد لا يعتبر فى ذاته ولا يهم صاحب الموسيقى الا فى حالة وجوده مع غيره ومن حيث ما يحصل عن وجوده مع غيره من مفعول فى نفس المستمع

ان الصوت اذا قوبل باخر مخالف له فى الطبقة فاما أن يلتئم معه ويتفق فيتلذذ المستمع ائتلافهما ، واما أن يتنافر الصوتان فيتأذى السمع - أى نفس المستمع - من وحشتها .

يتبين بالتجربة أن تفاوت الاصوات فى الطبقة منه ما يجعل بينهما اتفاقا

( 2 ) قاعدة :

يستخرج التردد ( أى عدد الاهتزازات الدورية الحاصلة فى الثانية الواحدة من تطبيق هذا القانون :

ت = 1 / 2 ل نق جزر تكعيبي ع ق / ط ث

حيث يمثل ( ت ) التردد

ويمثل ( ل ) طول الوتر و ( ق ) قوة شدة الوتر و ( نق ) نصف قطر مقطع الوتر و ( ث ) كثافة الوتر و ( ع ) مقدار العجلة الحاصل عن التثاقل فى الثانية الواحدة و ( ط ) آآ

وتاخيا ومنه ما يحصل عنه تنافر وتباين ، بحيث وجب اسناد تاخى الصوتين وتباينهما الى مقدار ما بينهما من التفاوت فى الطبقة ، ولذلك وصفت الابعاد الصوتية ذاتها بالاتفاق والملاءمة وبالتباين والتنافر ، وكذلك النسب العديدة التى تمثل نسبة طرفي البعد ، وقد سبق أن ذكرنا أن نسبة حدى البعد الصوتي تستخرج من مقابلة عدد تردد أحد الحدين الى عدد تردد الحد الاخر

وتآلف الاصوات منه تالف مطلق كامل تام وهو الذى يحصل بين أي صوتين تكون نسبة عددى ترددهما نسبة الضعف أو ضعف الضعف وهكذا باطراد . وهذا الآلف هو نتيجة ظاهرة واقعية طبيعية لها شأن عظيم فى صناعة الموسيقى ، هي كون كل صوت والذى يناسبه نسبة الضعف اذا اقترنا ادمجا فى بعضهما بعض حتى يوهم للمستمع انهما صوت واحد ، واذا تتاليا يكون شعوره بهما الشعور بالشئ الواحد الذى يتكرر بعينه ، لذلك كان علماء اليونان الاقدمون وبعدهم علماء العرب الاولون يعبرون على هذه المماثلة باعتبار كل واحد من الصوتين اللذين يتناسبان نسبة الضعف " قوة " من ذات الاخر .

ومن التآلف ما هو دون التآلف المطلق من حيث الكمال على أن شأن هذه التآلف في الموسيقى لا يقل عن شأن التآلف الكامل بكثير . وهى صنفان التالف الناشىء عن نسبة 2 / 3 والتالف الناشىء عن نسبة 4/3

وما كان من الابعاد الصوتية نسبة حديه دون نسبة 4/3 فتآلفه ضعيف ومتعلق باوضاع تراكيب التلحين ، ومن أجل ذلك كان اليونان ومن بعدهم علماء العرب يطلقون على الابعاد التى من هذا النوع اسم " الابعاد اللحنية " .

لقد اهتم علماء الموسيقى فى القديم ببحث أمر تآلف الاصوات الموسيقية وبدرس أحوال تآخيها ، وكان لهم فى ذلك نظريات ومذاهب مختلفة شتى يعتمد بعضها أصولا رياضية وفلسفية محضة وكانت الرياضيات عند القدماء بابا من أبواب الفلسفة . ويعتمد بعضها التحسس والاختبار بالسماع .

وللفارابى وجهة نظر فى الموضوع تتفق ونظرية أصحاب الموسيقى فى عصرنا هذا ، فهو ينظر فى التئام الاصوات بعضها ببعض باعتبارها اما " مقترنة " واما " مرتبة " ، ويعني بالاقتران اجتماع اثنين من الاصوات في السمع - أو أكثر - فى آن واحد ، ويعني بالترتيب ورود الاصوات للسمع بالتتالى ، أى فى آنات متعاقبة ، ويميز الاقترانات حالة عرضها على السمع الى " كمالات " و " لا كمالات " ، وكذلك التراتيب فهى اما كمالات واما  لا كمالات ويسمى كمال الاقتران : " اتفاق " وخلافه " تنافر " وكمال الترتيب " ملاءمة " وخلافه " منافرة " ويقابل الاتفاق فى اصطلاح الموسيقى الغربية كلمة " أكور " ( accord ) ويقابل الملاءمة كلمة " كنسونانس "  Consonnance

ويشبه الفارابى اتفاق الاصوات باقتران الالوان ومزج بعضها ببعض ويشبه الملاءمة بمقارنة الالوان فى التزاويق وكمال تتالى الاطعمة على حاسة الذوق ( 3 ) .

ومن علماء الموسيقى من كان يرى أن من الابعاد ما يتألف طرفاه فى حالة المزج وفي حالة الاتلاء على السواء ومنها ما لا يتألف طرفاه الا فى حالة الاتلاء فقط ويشركهم هذا الرأى علماء الموسيقى من أهل الغرب فى هذا العصر وكان ابن سينا يعارض هذا الرأى بقوله : " . . ان ( الابعاد ) المتفقات تتفق مزحا وتتفق تتاليا ، لان سبب الاتفاق هو نسبة من النسب فحيث وجدت كانت سببا كان وجودها مزجا او اثلاء . . " ( 4 )

ومن الملائمات ما هى طبيعية ، وهي ملاءمة نسبة الضعف وهى الملاءمة المطلقة الكاملة التامة - يليها ملاءمة نسبة 3/2 ثم ملاءمة نسبة 4/3

وأما ملاءمات الابعاد الصغار المعروفة بالابعاد اللحنية فهى ليست طبيعية في ذاتها على أن التعود ينزل بعضها منزلة الطبيعة عند بعض الامم وفي بعض العصور دون الامم ودون العصور الاخر ، اذ هذا النوع من الملاءمة انما هو معرض لتغيير شعور السمع وتغيير حكم النفس مع مر الزمن وحسب تغيير البيئة وتأثرها بالعوامل الخارجية

ولا يحصل الشعور بملاءمة ما هو ليس ملائما بطبيعته الا بالتروض المستمر وانه لمن الصعب بل من المستحيل حمل الاسماع والانفس على الاقلاع عما تعودته من المحسوسات وعلى استحسان ما يفرض عليها فجأة ، قال الفارابي في هذا الموضوع : " . . . ليس سبيل الطبيعية من الالحان سبيل الشرائع والسنن التي ربما حمل الناس عليها أو أكثرهم فى بعض الازمان فيتبع بعضهم فيها بعضا . . . " ( 5 )

القوى في سلم الاصوات

من أجل ظاهرة الاتفاق المطلق فان الصوت والذى يناسبه نسبة الضعف اذا سمعنا بتتال يوهم السامع وكان الثاني مثل الاول أو هو بذاته ، ويعبر ارباب صناعة الموسيقى فى بلداننا العربية من أهل زماننا على هذا " التجاوب " بين الصوتين بان الصوت الثانى هو " جواب " الاول ، وبان الاول هو " قرار " الثانى ، لان المنتقل من أى صوت الى ما هو اعلى منه بالتدرج يشعر وكانه لحق بصوت مثل الاول لما يصل الى ما يناسبه نسبة الضعف ، كما أن المنحدر من أى صوت الى ما دونه فى الطبقة باستمرار وتدرج يشعر وكأن الحركة استقرت وانقطعت لما يصل الى ما يناسب الصوت الاول نسبة النصف

فكل طبقة صوتية تحدث - اذن بين أى صوت وجوابه ألا ولها نظيرة مقابلة لها بين الجواب وجواب الجواب ، وأخرى جواب الجواب وجوابه وهكذا باطراد .

وكذلك بين كل صوت وقراه ، وبين القرار وقرار القرار وهكذا باطراد بحيث انه لو فرضنا لحنا ما مؤلفا من طبقات صوتية معينة ثم أخذنا أجوبة تلكم الطبقات أو قراراتها لم يتغير اللحن فى السمع من حيث صيغته اللحنية أى من حيث تناسب أصواته بعضها مع بعض - ولا يختلف وقعه وأثره فى

نفس المستمع اذ لا يشعر المستمع بشئ تغير بسبب ابدال أصوات اللحن باجوبتها أو بقراراتها سوى ارتفاع او انخفاض لحق أصوات اللحن برمته بدون أن تتغير رسوم صورته وشكل بنيته .

انه لبين اذن أن جميع " القوى " أى جميع مراتب الاصوات المختلفة كيفا فى السمع - توجد منحصرة بين صوتين يتناسبان نسبة الضعف ، ولهذا السبب اطلق علماء العرب على البعد الصوتى الذى نسبة طرفيه هذه النسبة اسم " الذى بالكل " أو " ذى الكل " ( 6 ) وقد نقلوه بالترجمة اللفظية عن العبارة اليونانية القديمة " ديابسون " ويقابل هذا الاسم فى اصطلاح ارباب الصناعة الموسيقية عندنا اليوم فى جميع البلدان العربية اسم " ديوان " وهو الذى يؤدى المعنى ذاته ، وكذلك كلمة " قوى " ( جمع قوة ) التى استعملناها فى طالع هذه الفقرة فقد نقلها علماء العرب بالترجمة عن اليونانية :

السلم العام الاساسى

لو نظرنا فى القوى - أى فى طبقات الاصوات - التى يشملها البعد ( ذو الكل ) من الوجهة النظرية البحتة وعلى وجه العموم نجد انه لا يحصرها عدد ، لان عددها هو مجموع الاحاد التى يتركب منها الفرق بين عددى ذبذبات طرفى البعد ، والفرق المذكور لا يحصر نظريا بعدد ما ، لاننا كلما حددناه فى عدد أمكننا تضعيف ذلكم العدد بتضعيف عددى التردد بدون أن يحصل عن ذلك تغيير ما فى نسبة طرفى البعد ، ويقابل كل زيادة فى آحاد التفاوت زيادة مماثلة فى عدد مراتب الطبقات

واما من الوجهة العملية - أى إذا اعتبرنا قدرة السمع على ادراك تفاوت الطبقات القريبة وعلى الشعور به وتقديره - فان عدد مراتب الاصوات متناه قابل للحصر والتعيين

وعلماء الموسيقى عند سائر الامم يعتنون بحصر جميع " القوى " المستعملة فى جميع أنواع الالحان عندهم المتجمعة بين طرفى البعد ذى الكل ، ويطلقون على مجموعها متتالية حسب مراتب طبقاتها اسم " السلم العام "

الجموع

لا تستعمل درجات سلم الاصوات الموسيقية العام متجمعة جميعا فى لحن واحد ، ولا أى عدد منها اتفق ، بل ينتخب الملحن من بينها عددا معينا حسب قواعد ومقاييس قررتها خبرة الصناع المعلمين ، فحال الملحن فى ذلك شبيه بحال المزوق الفنان فقد يجتمع لديه اصباغ عديدة متنوعة الا انه لا يستعملها جميعا في لوحة واحدة بل يختار من بينها ألوانا معينة لاخراج كل نوع معين من انواع التزاويق

ولم يكن رائد الملحنين الاول مبتكرى الصيغ اللحنية المستعملة فى مختلف العصور وعند امة من الامم المختلفة سوى تجانس طبقات الاصوات المنتخبة لتكون مدار اللحن ومساندة بعضها لبعض فى التأليف وتلذذ السمع لملائمتها .

وكل جماعة من الاصوات الموسيقية تنتخب لاخراج نوع معين من الالحان كان علماء الموسيقى العرب الاولون يسمونها " جمعا " مؤدين بذلك معنى اللفظة اليونانية القديمة " سوستاما "  sustama

وقد أخذ الافرنج في العصور الوسطى عن العرب اسم ( جمع ) وكانوا يكتبونه وينطقون به ( كاموت ) Gamut بالكاف الفارسية - باللاتينية -

وكانت لغة العلم عندهم ، واشتق الفرنسيون من الصيغة اللاتينية هذه كلمة " كام "  Gamme يستعملونها فى معنى أصلها العربى .

ويقابل اسم " الجمع " فى اصطلاح أرباب صناعة الموسيقى عندنا اليوم فى بلادنا العربية اسم " ديوان "

الثمانية

تختلف أنواع الجموع بعضها عن بعض باختلاف منازل طبقات الاصوات  المجتمعة بين طرفيها ومراتبها فى مدرج الاصوات الموسيقية العام . على أن عدد المنازل لا يزيد على الثمانية بين طرفي البعد ذى الكل ومن جملتها الطرفان ، وهذا فى جميع الجموع مهما تنوعت وتباينت أوضاع قسمة البعد ذي الكل الى أبعاد صغار ، هكذا اثبتت التجربة فى موسيقى جميع الامم على وجه العموم ، ولا ينقص عدد المنازل فى نطاق البعد ذى الكل عن الثمانية الا فى القليل النادر من الالحان وذلك بالاخص فى موسيقى بعض الامم المتمسكة بتقاليد فنية عتيقة جدا رغم تقدمها فى الحضارة مثل أهل الصين وبعض شعوب الهند وفي موسيقى الامم المتأخرة فى الحضارة مثل زنوج افريقيا واستراليا وسكان بعض الجزر فى المحيط الهادى

ومن أحل هذا المبدأ الجارى مجرى القاعدة المطردة اردف علماء العرب تسمية البعد ذى الكل باسم " ذى الثمانية " . ويقابل هذا الاسم الاخير فى الموسيقى الغربية اليوم اسم " اكتاف "  Octave

واما ارباب الصناعة فى بلادنا العربية فهم لا يستعملون سوى اسم " ديوان " يطلقونه حسب الحاجة تارة على البعد الفاصل بين أى صوت و " حوابه " أو بينه و " قراره " وتارة على كل مجموعة مكونة من سبعة ابعاد صغار معينة يكتنفها طرفا البعد ذى الكل أو ذى الثمانية

تعيين التردد في الموسيقى

صوت المعيار :

ان اهم ما يشغل بال المغني أو العازف المنفرد هو اخراج الاصوات على نسبها المعينة لها فى الجمع الذى ينويه ويقصده ، ولا يهمه ان كانت الاصوات ناشئة عن عدد ما من أعداد التردد أو غيره ما دام هو يحافظ على تناسب الاصوات بعضها مع بعض تناسبها المعين لها فى الجمع الذى اختاره ،

على انه اذا تعدد المغنون أو العازفون بالآلات المصوتة واشتركوا فى

تأدية اللحن الواحد وجب توحيد الاصوات المتساوقة اجتنابا للضوضاء والبلبلة : فيتخذ أفراد الجوقة رائدا لهم صوت احدى الحناجر البشرية المشاركة في الغناء أو صوت احدى الآلات المتساوقة فى العزف . هكذا يجرى العمل عادة فى جوقات الطرب الشرقية وفى بعض الاحيان فى الجوقات الغربية - خصوصا اذا كانت الآلات المستعملة من ذوات الاوتار

وقد اصطلح علماء الفيزيا فى الغرب على " جمع " معين يعينون بالنسبة لمنازله طبقات أصوات الاجسام التى يختبرون اهتزازاتها ، ويعتمد هذا الجمع المعين المشرفون على صنع الآلات الموسيقية ذوات الاصوات الثابتة على تردد معين قار ، فاختاروا لذلك جمعا يعرف عند علماء الموسيقى بالجمع " الطبيعى تتعاقب طبقات أصواته الثمانية والابعاد السبعة المتخللة لها على النسب الاتي بيانها نرسمها من اليسار الى اليمين حسب اتجاه الكتابة الموسيقية عندهم :

16/155 * 10/9 * 9/8 * 9/8 * 16 / 15 * 10 / 9 = 2 / 1

ثم انهم حددوا منطقة الاصوات المستعملة فى الموسيقى بين حد أدنى من جانب الثقل وحد اقصى من جانب الحدة . وجعلوا الدواوين تتعاقب بين هذين الحدين على نظام واحد

واصطلحوا علامات يمثلون بها أصوات الدواوين بطريقة تعرف عندهم بالمدرج . سموها بهذا الاسم لانها تقتضى استعمال خمسة أسطر أفقية متوازية علم مسافات متساوية ترسم علامات الاصوات فوقها وفيما بينها وهى على عل شكل حلق مستديرة أو بيضوية . ويزاد فوق الاسطر الخمسة وتحتها خطوط قصيرة كلما امتدت مجموعة الاصوات من جانب الحدة أو من جانب الثقل.

ثم انهم اصطلحوا على اسماء اطلقوها على السبع طبقات الاول من ديوان واحد على أن يكرروا الاسم الاول فى تسمية الطبقة الثامنة لانها مماثله للأول كيفا فى السمع وكأنها هى :

وقد اختار الانكلوسكسونيون السبعة أحرف الاول من حروف الهجاء عندهم للدلالة نطقا على مراتب أصوات الديوان : نرسمها من اليسار الى اليمين هكذا :

A B C D E F G

وقد اختار اللاتينيون ( المتكلمون بلغة مشتقة عن اللتينية القديمة ) سبعة

مقاطع لفظية اقتبسوها من بداية السبعة أبيات الاول من نشيد مقدس لهم ( المقتبس هو الراهب فى دارازو الذى كان يعيش فى القرن العاشر ميلادى : والنشيد المقتبس منه هو نشيد القديس يوحنا المعمدان ) وهذه هى المقاطع السبعة المذكورة :

Do  Re  Mi  Fa  Sol  La  Si

ولما كانت اسماء مراتب طبقات الاصوات تتكرر فى جميع الدواون فاذا هم أرادوا تعيين الديوان المحيط بأى صوت من الاصوات أضافوا الى اسم مرتبة الصوت دليلا عدديا يدل على مرتبة الديوان المعنى بالنسبة للديوان الوسط . ينطقون بالدليل عند التلفظ باسم مرتبة الصوت ويرسمونه بجانب الاسم فى أعلى يمناه لما يكتبون.

وقد اصطلحوا على أن يكون الصوت الناتج عن 2/3 و 426 ذبذبة دورية فى الثانية الواحدة الصوت المعيار الذى تقاس عليه جميع الاصوات في الموسيقى ، وجعلوه يقابل المرتبة الصوتية المعلم عليها بحرف " a " او بعلامة " لا " فى الديوان الثالث وهو لديوان الوسط ، وفي سنة 1953 أبرموا اتفاقا دوليا على أن تكون لعلامة " لا 3 " مقابلة لذبذبة تقدر بادوار 440 فى الثانية .

شوكة الرنين تعطى الصوت المعيار :

وتوجد ادوات صنعت خصيصا لتحدث الصوت المعيار عند الحاجة والطلب يعدل عليها المغنون أصوات حناجرهم وأصحاب الآلات الوترية أوتار آلاتهم يعالجونها بالخرق وبالارخاء حتى تعطيهم مثل الصوت المعيار فى الوتر المعد لذلك عند اطلاقه او عند حجزه فى المكان المعهود

والادوات المصوتة بصوت المعيار صنفان : صنف مثل الصفارة وصنف هو شوكة رنانة ذات فرعين .

تصنع الشوكة الرنانة من قضيب من الفولاذ الجيد الرفيع مربع المقطع أو مستطيله ، يحدب القضيب من منتصفة ويقرب طرفاه من بعضهما بعض حتي يتوازى شطراه ، وقد يقرب الطرفان أكثر من ذلك ، وقد يكون للشوكة قاعدة يثبت فيها من عنقها .

ولتصوت شوكة صوت المعيار يقرع أحد فرعيها بأى جسم صلب كان أو يجر عليها قوس كمانجة ، أو يشد الطرفين بين السبابة والابهام ويضغط عليهما بعنف حتى يقتربا من بعضهما بعض ثم يطلقان بسرعة أو يدخل بين طرف الفرعين قضيب اسطوانى يكون قطره أوسع بقليل من الفرجة التى بين الفرعين ثم يخرج القضيب بعنف .

وتعرف شوكة صوت المعيار عند الافرنج باسم " ديابزون " وقد سبق أن ذكرنا أن هاته اللفظة يونانية كان اليونان الاقدمون يطلقونها اسما عا البعد الصوتى الذى نسبة طرفيه نسبة الضعف لاشتماله على جميع الاصوات اشمالا بالقوة ، وقد أخذ عنهم العرب هذا الاسم وعربوه بعبارة " ذى الكل واستعملوها فى معناها اليونانى

( يتبع )

اشترك في نشرتنا البريدية