) 1 ( افريقيا طبيعة وبشرا وجود قديم فى الحياة . . . وما تزال الاكتشافات لأنتربولوجية والأركيولوجية تكشف فى كل يوم عن جديد ، في عراقة هذا الوجود . وقد أبدعت افريقيا الحضارة البشرية ابداعا ، ففي وادى النيل قامت حضارة من أقدم الحضارات وأكثرها أصالة وأبعدها اثرا فى فكر البشرية ووجدانها وخبرتها ، فوضعت بذلك أساس الحضارات الكبرى التى تلتها فى آسيا وفى أوربا . . .
وافريقيا ، وهي تبدع الحضارة ، تبادلت الخبرات وانشأت العلاقات مع شعوب العالم المتحضر حولها في كل حلقات التاريخ القديم والوسيط والحديث ، على اختلاف فى طبيعة تلك الحضارات ومستواها ، لم تكن الصحراوات ولا البحار ، مانعات افريقيا وبخاصة فى أطرافها من أن تمتد الجسور الحضارية بينها وبين العالم من حولها ، فقد وفدت اليها جماعات بشرية ، واستقبلت أفكارا ، وانتشرت فيها ديانات وقيم ، وتبادلت المهارات والتكتيك ومارست التجارة مع العالم الخارجى وفيما بين اجزائها المترامية ، وعرفت النظم الاجتماعية التى كانت سائدة فى عصرها ، لم تكن افريقيا منعزلة عن حركة التقدم والتطور الانسانى ، بل كان لها دورها الكبير والرائد فى كثير من الأحيان فى ذلك التقدم والتطور وذلك بحكم موقعها الجغرافي وقربها من قلب العالم المتحضر
) 2 ( وقد بلغت افريقيا فى القرون الوسطى مرحلة متقدمة ، فى النشاط الفكرى والسياسى والاجتماعى ، فقامت فيها دول كبيرة وقوية ، وجامعات ذات تأثير كبير على الفكر العالمي ، ذلك حين استقبلت الحضارة الأسلامية والفكر الاسلامى وتفاعلت معها على قاعدة قديمة قائمة من الصلات التاريخية والحضارية بينها وبين المنابت العربية وبخاصة فى اجزائها الشرقية والشمالية
وبدأت مشكلة افريقيا ، كما بدأت مشكلات آسيا وغيرهما من المجتمعات البشرية مع التوسع الأوروبي في حركة الملاحة عبر المحيطات ، واختراع البارود وظهور العهد التجارى . فمنذ خمسمائة عام ، منذ أن وطئ شواطئها الملاحون الأجانب ، وصورة افريقيا تتعرض لمسخ منظم ، وتاريخها يحرف عن قصد ، وقيمها ومعنوياتها وحضارتها تظلم ، ثم أنها تعرضت لأكبر محنة مرت على البشرية وعلى كرامتها فى تاريخ الانسان ، حين كان هذا الاتصال مدخلا لعهد الرق وامتهان الانسان وبيعه ، مما افقر افريقيا بشريا وماديا وحضاريا . . . وكان نتيجة لهذا كله ، أن بدأت صورة افريقيا تتغير وتشوه فى كتابات الملاحين والمغامرين والرحالة والتجار ، وأصبحت تسمى القارة المظلمة ، والقارة السوداء . والأفريقيون منذ ذلك الحين ، يوصفون بأحط الصفات ، ويوسمون بأنها متوحشون وأنهم أكلة لحوم البشر ، بل أن صورتهم الطبيعية كانت تصور على نحو قريب من الشيطان ، فيقدمون على أن منهم بشرا لهم أذناب وقرون . الخ . ولم ينته القرن التاسع عشر حتى كانت افريقيا قد تقاسمتها الدول لاستعمارية لقمة سائغة ، ووضعت لها خريطة سياسية واجتماعية واقتصادية وفكرية مصطنعة ، غريبة عن الماضى ، وغريبة عن المستقبل
وهكذا بدأت رحلة المتاعب لهذه القارة العظيمة ، فى وسط سياسة محكمة لتفريغ محتواها الحضاري وتمزيق وحدتها ، وافقار طبيعتها ، واذلال انسانها ، ثم لانهاء وجودها التاريخي
) 3 ( عانت افريقيا ، اذن ، من ضياع سيادتها سياسيا ، ومن الحركات الوطنية والتحررية ، وهزم السلاح النارى الجديد ، والفن العسكرى الأوروبي ، شجاعتها ، وسلباها حريتها ، فأصبحت القارة كلها واقعة بصورة من الصور تحت السيطرة الأوروبية . وامعانا فى تمزيق وحدتها ، وطمس شخصيتها بدأت الكتابات شبه العلمية تتحدث عن افريقيا السوداء وافريقيا البيضاء وعن افريقيا جنوب الصحراء ، وعن العناصر الزنجية والحامية والسامية وعن افريقيا الزنجية وافريقيا العربية ، لبث الفرقة بين أبناء القارة ، وشرعت السياسات المصممة لطمس معالم الشخصية الأفريقية بنشر المسيحية ، ونشر اللغات الأجنبية ، ليس كنمط حضارى تثرى به الأفريقية ، ولكن كبديل تاريخي لها ، وعلى حسابها وشوه تاريخ افريقيا فى المدارس التبشيرية القليلة ، فكان يتعلم الافريقيون فيها كيف يحتقروا تاريخهم ، الذى كان يقدم على أساس أنه حصيلة بدائية من الخرافات
، الحهالات وان الحياة الأفريقية قائمة على السحر ، وأن الديانات الافريقية وثنية وحديث خرافة Fetichme وان الفكر الأفريقي فكر غير عقلانى . ، لا يخضع للمنطق الانسانى الذى يعتبر نموذجه الأعلى الفكر الاغريقى وما نتج عنه . . الخ ، وان الأفريقيين كان يبيع بعضهم بعضا ، ويسخر بعضهم بعضا ، وان افريقيا لم تعرف الانسانية والمنطق الا فى ظل حماية الرجل الأبيض حامل الرسالة المدنية ، وان الأفريقيين لا نجاة لهم الا بالاندماج فى حضارة السادة الحاكمين وفي ثقافتهم وفى لغتهم وفي نمط حياتهم ، وكان معنى هذا كله حجبا منظما للأفريقيين عن ماضيهم العظيم . . الخ ، وعن كل ما يذكر بالامجاد التى صنعها اجدادهم
كذلك فان عملية الاستيطان الاقتصادى بدأ الى جانب الاستيطان السياسي وبدأ الأفريقيون ، وقد حرموا من ثروتهم الطبيعية التى نشأوا عليها ، والتي اغتصبها الأوروبون المستعمرون وقنع الأفريقيون - أهل الثروة - بأن يكونوا عمالا مسحوقين مأجورين أجرا هو أقرب الى السخرة والأحسان الشحيح ، منه الى الحق الطبيعى ، وليتهم وجدوا ذلك فى كل حين
وفوق هذا كله ، بل ومعه ، مورست التفرقة العنصرية واللونية ، فى أرض افريقيا على أهل افريقيا ، بصورة لم يسبق لها فى التاريخ البشرى مثيل ، وبمنطق هو مستحيل ، بكل المقاييس الانسانية
) 4 ( أن هذا الذي عانت منه افريقيا ، عانت من مثله مجتمعات اخرى فى مختلف قارات العالم وأحزائه ، فى صور متعددة ، ولكن معاناة افريقيا سوف تظل نوعا فريدا لانها شملت قارة كاملة ، وحضارة بأسرها ، وتركت من الآثار الفكرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية ما يشكل عبئا ثقيلا على حركة التنمية الأفريقية فى مختلف المجالات . . .
وحين تقرر هذه الوقائع التاريخية ، فاننا لا ندعو من جانبنا الى عنصرية افريقية ، فافريقيا لم تعرف فى حضارتها غير التسامح الانسانى العظيم وعاشت فى وحدة متآلفة مع الطبيعة والأحياء ، ولكننا نشهد على نظام سياسى واقتصادى عرفته أوروبا ، وأفرز هذا النمط من السلوك العدوانى والأنوى ، والاستغلالى ، ونحن لا ندين الشعوب الأوروبية التى كانت هي نفسها مسخرة فى هذا النظام ، ونذكر بالفضل المفكرين والأحرار من الأوروبين الذين دافعوا فى شجاعة ونبل ، وفي موضوعية وبصيرة ، عن الانسان الافريقي ، وعن حريته ، وعن الحضارة الافريقية وقيمها . .
وافريقيا وهي جزء من حركة العالم الحي ، بدأت تثور على قيودها التى فرضت عليها ، ولم ترض بها فى يوم من الأيام ، وفي تضامن مع نضال البشرية ضد الاستعمار ، وبالثمن الغالى ، بشهدائها وقرابينها للحرية استطاعت أن تنتزع حريتها ، وتستعيد مقومات شخصيتها وتملك ارادتها كما فعلت معظم شعوب العالم المعاصر ، ولكنها فى العلاقات الدولية المعقدة وفي اطار التزاماتها الجديدة ، ومسؤولياتها السياسية والاجتماعية تواجه مشكلات سوف تعايشها لاكثر من جيل ، غير أن هذا الجيل الذى كان له شرف الانتصار فى معركة الحرية السياسية ، ما تزال امامه معارك لا تنفصل عن معركة التحرير ، فى مجالات البناء الاجتماعى والاقتصادى ، وفى الارتفاع بقدرة الانسان الافريقي الى مستوى قدرة الطبيعة الافريقية ، لتصوغ حضارتها الانسانية ولتشارك فى بناء الرخاء والسلام فى العالم
) 5 ( ومع أن جزءا عزيزا من افريقيا ما يزال تحت القهر ، فان القارة قد امتلكت ارادتها السياسية ، واستردت حريتها ، وهي بتلك الارادة ، وهذه الحرية تناضل لتحرير الشعوب الافريقية التى تعاني من القهر والاضطهاد
والآن فما هى صورة المشكلات الجديدة ، وما هى نوعية تلك المشكلات التى يعرضها وضع افريقيا بعد الاستقلال والحرية ؟
وهذا بطبيعة الحال موضوع يستغرق المجلدات ذوات العدد ، ولكننا هنا . حاول أن نشير الى بعض القضايا الهامة والمجالات الكبرى لتكون موضوعات للحوار والمناقشة . .
ولهذه المشكلات جانبان ، جانب سلبى ، وهو ما تخلف عن تخريب ثم على يد النظام الاستعمارى فى مجالات الفكر ، ومجالات الاقتصاد . . . والاجتماع ٠٠٠
وجانب ايجابي ، وهو ما تفرضه واجبات الدولة الحديثة تجاه حقوق المواطنين ، تنمية ورخاء وأمنا ، وما تقتضيه المسؤوليات القارية والعالمية من التزامات ومن تعاون لخير البشرية واسعادها . .
والمشكلات التى خلفها الاستعمار هى من أخطر المشكلات لانها تتناول الانسان الافريقي ، وتتناول شخصيته الحضارية وقيمه .
فتاريخ افريقيا السياسي يجب أن تعاد كتابته كتابة موضوعية وعلمية فى اطار تاريخ العالم ، بحيث يبرز فيها دور الانسان الأفريقي فى صناعة الاحداث وفى التعامل معها .
كذلك فان الحضارة الأفريقية الغنية ، بألوان الفكر ، وأنواع الفنون لتشكيلية والموسيقية ، والآداب الأفريقية فى اللغات الأفريقية ، والديانات التى أثرت في الوجدان الأفريقي وفى المصير الأفريقي ، كل ذلك يجب ان يكون من الهموم الأساسية للجامعات ومراكز البحوث الأفريقية والأفراد العلميين من الأفريقيين . .
وفي كل حال ، فانه ينبغي أن تقرر انه كان هناك أمام هذه القضايا منهحان كلاهما من الناحية العلمية غير سليم
المنهج الأول ، وهو المنهج الذى كان غالبا فى الماضى ، وبخاصة فى القرن التاسع عشر وجزء صالح من القرن العشرين ، وهو المنهج المتجنى الذى كان لا يرى شيئا حسنا يستحق الحياة فى الحضارة الأفريقية ، وهو المنهج الذي سلف فيه قول فى هذا العرض ، وقد أدى مثل هذا الموقف الى تبني فكرة ادماج الحياة الافريقية فى الحياة الأوروبية تخلصا من وجود حضارى لا قيما له
أما المنهج الثاني ، فهو منهج رومانتيكى ينزع الى استملاح الغرابة . ويغالي في اضفاء خصائص وصفات مثالية على الحضار Exotisme الأفريقية ، ويحاول أن يجعل منها نمطا فريدا ومتفوقا فى بعض الأحايين وقد انتج مثل هذا الاتجاه نوعا من التعصب الفكرى الأفريقي وبخاصة حولفكرة الزنوجة وهي اتجاه واكب مرحلة التحرر " Negritude . . " الوطني في افريقيا ، ولعب دورا ايجابيا فى حشد القوى المثقفة الأفريقية واستهوت عددا من الكتاب الأجانب ، ولكنها فى بعض جوانبها ، تضيق من رحابة أفق الفكر الأفريقي ، وتحدد وعاءه ، وهو ينتهى فى بعض مسالكه الى اضعاف التضامن الأفريقي قاريا ، والتضامن الأفريقي عالميا . .
المنهجان ، يبعدان عن الموضوعية ، ويقودان ، بحسن نية حينا ، وبسوء نية أحيانا ، الى مآزق وطرق مسدودة . . .
ومن هنا ، فان الحضارة الأفريقية ، هي مثلها ، مثل سائر الحضارات الأخرى ، انتاج بشرى لتفسير الحياة فى كل ابعادها ، ولاستغلال مواردها والسيطرة عليها ولتجميلها واغنائها ، وتنظيم علاقاتها الاجتماعية ، وتدريج قيمها ، وتبنى حياتها الروحية . هي فلسفة الحياة بكل مهاراتها وجمالياتها وعلاقاتها وفلسفة الموت بكل روحانياتها وقداستها وجلالها وهي حين تدرس
فى موضوعية ، دراسة مستوعبة تتناول أصولها وروافدها ، وطبيعتها ودوافعها ، دون تبخيس مغرض لقيمتها ، ودون مغالاة انفعالية لخصائصها مأخوذة فى اطارها التاريخي محليا وقاريا وعالميا ، سوف تكون هذه الحضارة حينئذ من أقوى الدعائم لوحدة افريقيا ولاعادة الثقة ليس فى ماضيها وحسب ، بل وفي حاضرها وفى مستقبلها . . سوف توضع الحضارة الأفريقيا فى مكانها الصحيح بين حضارات العالم وهو مكان شامخ
) 6 ( وفي اطار هذه المشكلات ، وهذه الورقة تعنى أساسا ، بالجانب الفكرى فان قضية من قضايا الحضارة الأفريقية لها أهمية خاصة فى هذا السياق وهي قضية اللسان الأفريقي الذي لا يمكن فصله عن قضية الفكر الأفريقي فاللغة ، ليست مجموعة رموز ، ووسيلة تعبير بها وحسب ، ولكنها طريقة للتفكير أيضا . . .
افريقيا الآن لا تتحدث الى العالم ، ولا الى نفسها ولا الى ماضيها ولا الى مستقبلها بلغتها ولا بفكرها . .
لقد كان أمرا طبيعيا فى اللقاء الحضارى بين أفريقيا وأوروبا ، أن يتغير كثير من الأوضاع الحضارية ، غير أن هذا التغيير شمل فيما شمل اللغة نفسها ، فعن طريق النظام التعليمي الحديث الذي كان يتم باللغة الأوروبية الحاكمة ، تم على امتداد أجيال ، اعداد طائفة من المتعلمين الذين قادوا الحياة العامة ، واستطاعوا أن يتحرروا من السيطرة السياسية ، وموقف المتعلمين الأفريقيين هذا من الاستعمار ومقاومته من الدلالات على أن اللغة ليست رموزا ولكنها فكر وموقف واتجاه
وبعد انتهاء السيطرة السياسية ، استمر النفوذ الفكرى والثقافى ، ولم تجد كثير من الدول بعد الاستقلال السياسي ، الاستقلال الفكرى ، وجدت اللسان ، ولكنها فقدت النطق ، وأصبحت الدول الافريقية ، وهي فى ذلك شأنها شأن كثير من الأمم التى عانت من الاستعمار ، تبحث عن لغتها القومية حدث ذلك فى الهند وفي سيلان في آسيا وفي بلاد افريقية ، مثل تنزانيا والجزائر . . .
واقع الأمر ان افريقيا كانت تملك حياة ثقافية وفكرية ، وكانت هناك لغات كبرى مكتوبة ، ولها تراث ضخم ، مثل اللغة السواحلية فى شرق افريقيا ، ولغة الهوسا فى غربها ، وكاللغة العربية التى ظلت لغة الفكر
والثقافة الأفريقية لفترات طويلة ، وفي معظم أجزاء افريقيا لفترات طويلة . ، هى ما تزال لغة خمسة وتسعين مليونا من الأفريقيين وهى اللغة الرسمية لثمانى دول افريقية . . واستطاعت أن تفلت من الغزو الثقافى الاجنبى لاسباب روحية وثقافية . .
Anglophone ان افريقيا تقسم لغويا ، بين المتحدثين بالانجليزية Francophone والمتحدثين بالفرنسية
كيف يمكن تقديم وتصنيف الآثار الفكرية والأدبية التى يبدعها كتاب أفارقة باللغات الأجنبية ، أهى تحسب فى تراث تلك اللغة الاجنبية ، أم تحسب فى تراث جنسية الكاتب الافريقي ؟ ان كل ما يكتب باللغة الأنجليزية هو تراث انجليزى مهما كانت جنسية كاتبه ومثل ذلك بقال عما يكتب بالفرنسية أو بأية لغة أخرى ، وقد رأينا فى افريقيا نفسها لغات أوروبية ورثت لغات أوروبية أخرى ، كاللغة الالمانية التى ورثتها اللغتان الفرنسية والأنجليزية ، وذلك حين زال الاستعمار الالمانى عن المناطق التى كانت تحتلها فى شرق وغرب أفريقيا . .
هذه القضية قضية جوهرية وشائكة ودقيقة ، وهي ما تزال موضع جدل ومثار حوار ٠٠
فهناك من يرون ، أن قضية اللغات القومية لم تعد فى نطاق الحضارة والتكنولوجية الجديدة ذات الطابع العالمي ، قضية أساسية وأن اللغات المتعددة إنما كانت وليدة الحضارات النسبية التى تعبر عن نمط الحياة الاجتماعية التقليدية القائم على المجموعات البشرية المحدودة فى نطاق القبيلة ، والتى لها خصائصها الاجتماعية والاقتصادية الخاصة بها ، على حين أن النمط الجديد للحياة المعاصرة نمط كوني يعتمد على التماثل والتوحد فى أساليب الانتاج والأرتفاق ، وأن وسائل الاتصال العملاقة قد أزالت الأبعاد الزمنية والمكانية وجعلت سكان العالم أشبه بسكان قرية الكترونية بتسامعون ويتراءون ، ويتقاسمون مصيرا واحدا فى الحرب والسلام وفي الشدة والرخاء . . وان الدعوة الى اللغات القومية أو المحلية تعتبر نكسة لهذا الاتجاه العالمي للوحدة الفكرية والاقتصادية ، أو على الأقل غير متساوقة ما منطق هذه الوقائع . .
ولهذا الموضوع من جانب آخر صلة بما يسمى فى العلوم الانسانية ، والى أى حد يمكن أن National Cructer بالشخصية القومية
يسهم التنوع الحضارى فى الوحدة الحضارية ويخصبها ويثريها ؟ وهل يمكن أن يحول الاتجاه الذى تمثله الثورة التكنولوجية فى توحيد نمط الحياة الانسانية ، أو سوف يحول من وجود أيديولوجيات متصارعة ، ومصالح متعارضة ؟ وكيف يمكن أن يحول التاريخ الحضارى الواقعي للشعوب والقوميات ، الى فكرة مجردة ، أو الى معنى عام ، كيف يمكن أن يتحاوز المنطبق الاجتماعى عن مفهوم الأبوة والبنوة ، عن فكرة نسبة الطفل الى أبيه وأمه ، عن نسبة الحضارة إلى أهلها . . .
على أننا نعتقد اعتمادا على الممارسة التاريخية والواقعية ، أنه ليس هناك تعارض بين الاحتفاظ بالشخصية القومية ، وبالمقومات الحضارية الخاصة بها ، وبين الاندماج فى الحضارة العالمية التى تثرى فى الوقت نفسه من هذه الحضارات المحلية .
وفى مجال اللغات فان المجتمعات القومية ذات اللغات المحدودة الانتشار ، انتجت بهذه اللغات ، وهي فى الوقت نفسه ، تتصل عن طريق نخبة من أبنائها باللغات الأخرى ، وأن اللغات الكبرى نفسها يأخذ بعضها عن بعض ، وأن بعض هذه اللغات كان تاريخيا لغات لمجموعات محدودة جدا ، وانتشرت نتيجة لظروف وعوامل خارجة عن طبيعة اللغة نفسها ، وان لغات كبيرة حجما وكيفا تقلصت وفقدت مواقع كانت لها نتيجة أيضا لأسباب خارحة عن طبيعتها ، فانتشار لغه أو عدم انتشارها عملية لا صلة لها بطبيعة اللغة نفسها ، وانما ترجع الى وقائع اجتماعية أو فكرية أو اقتصادية أو حربية . . . الخ .
ومن هنا ، فان الحكم على افضلية لغة من اللغات فى مرحلة من مراحل انتشارها ليس حكما قائما كله على أسس موضوعية ، فنحن لا نحكم على تفوق اللغة ، ولكن نحكم على تفوق أهل اللغة ، وقد تكون أسباب هذا التفوق أمورا خارجة عن طبيعة اللغة نفسها . .
ومهما يكن من أمر ، فإن اللغة بالنسبة لشعب من الشعوب هي مستودع قيمه وحكمته ، وهى الى حد كبير ، رؤيته الى الحياة ، وهي وجدانه . .
والى جانب هذا الذي يقال عن عالمية الاتجاه الحضاري ، ونسبية المحافظة على السمات القومية ، وفى مقدمتها اللغة ، تثار قضية أخرى ، هي أن اللغة ليست مقوما من مقومات الوجود السياسي ، فهناك دول كبيرة ، لها وجود سياسى متعدد وهي تتكلم لغة واحدة ، ودول أخرى لها وجود سياسي
واحد ، وتتكلم لغات متعددة ، وهذا صحيح ، ونحن لم ننظر الى قضية اللغات فى الحضارة الأفريقية فى صلتها بالوجود الوطني للدول الافريقية وبحدودها السياسية القائمة ، فهذه الصورة انما شكلها الاستعمار ، وقام كثير من الدول على أساس اداري ، وطبقا للمعاهدات التى تقاسم فيها الاوروبيون أفربقيا وقليل من هذه الدول قام على أساس تاريخي ، نحن هنا نثير حضارة قارة بأسرها ، واغتراب وجدانها الشعبى عن التعبير عن حقائق العصر فهي لا تتلقاها بوسيلة غير طبيعية ، نثير هنا قضية ايقاف النمو الحضاري للفكر الأفريقي وافقاه وإجدابه ، والحكم عليه بالفناء ، نثير هنا قضية الاحلال التاريخي للغات أجنبية بدل لغات طبيعية وأصيله لها الحق فى ان تنمو ، نثير هنا قضية محاربة لغات أفريقية ذات ماض عريق ، وذات انتشار عالمى مثل اللغة العربية ليست كلغة ولكن كفكر كان له وما يزال دور في الحضارة الأفريقية . . . ومثل التراث العريق الكبير ، فى لغة الهوسا واللغة السواحلية ، واخراجه من دائرة التعامل الثقافى والتاريخي .
ما تزال هذه القضية من أخطر القضايا الفكرية التى تواجه الحضارة الافريقية اليوم في هذه المرحلة الجديدة من حياتها السياسية . .
) 7 ( إذا كانت القضايا التى أثيرت هنا تمثل نوع المشلات الفكرية والثقافية التى تتعرض لها الحضارة الافريقية فى وضعها الجديد ، بعد الاستقلال السياسي للدول الأفريقية ، فان هناك التزامات جديدة تنبع من طبيعة هذا الوضع الجديد ، وهي تمثل ، فى مجموعها ممارسة الارادة السياسية الحرة ، في تغير العلاقة بين الطبيعة والانسان ، وبين الانسان ، الانسان فى اطار المواطنة ، وفي عبارة اخرى فى احداث التنمية الشاملة ، في تحقيق التكامل التنموى والسياسي على مستوى القارة ، ومباشرة التعاون الخلاق على النطاق العالمي لخير البشرية وسلامها .
وهذه الشعارات والمبادئ قائمة فى كل دساتير الدول الافريقية ، بصورة من الصور ولكن تقدير أولوياتها والقدرة على ممارستها ، وترجمتها الى واقع هو الأمر الذى يختلف من دولة الى اخرى
.وليس تناول هذه العموميات ، من هدف هذه الورقة التى تنظر الى القضية من منظور محدد ، هو كيف يمكن أن يكون الأساس الفكرى ، هو المنطلق الحقيقي للتعاون الاقتصادى الافريقي وهذا السؤال يمكن أن يطرح باكثر من اسلوب ، ومن زوايا مختلفة ، لأنه سؤال كبير
ولنبدأ من الواقع ، واقع الدول الأفريقية حديثة الاستقلال ، بكل مشكلاتها وبكل طموحها . ان هذا الواقع يشير الى أن هذه الدول ، وهي تفكر بعقلية الدولة ، والدولة كيان معنوى مجرد ، هو نظام يختلف عن أفراده المكونين له ، تفكير الدولة هو تحقيق وجودها ، كما تحققها الدول الأخرى ، في استكمال القوة والرخاء والعدالة والأمن ، والوسيلة المادية التى تتحقق فيها هذه الأهداف ، هي القدرة المالية والاقتصادية ، فهذا هو النموذج الحي القائم في الدول المتقدمة ، لان تقدمها قائم على هذه القدرة
وهنا لا بد أن نلحظ قفزة فى التصور ، قفزة تصل الى النتيجة ، دون التحليل الدقيق لعناصر مقدماتها ، والدول الحديثة الاستقلال لها فى مثل هذا التفكير عذرها ، لانها تريد أن تعوض الحرمان الطويل ، وأن تحرق المراحل ، وأن تقفز وان تطفر ، لان اتباع طريقة النمو والتطور الطبيعى فى التنمية مع الايقاع المتسارع لحركة الحياة المعاصرة لن يغير من صورة الواقع المتخلف القائم ان لم يزده سوءا .
وواقع الأمر ان القدرة الاقتصادية ، والقدرة المالية للدول المتقدمة ، وراءهما وأمامهما القدرة البشرية ، وأمامنا أمثلة الدول الغنية بكل المقاييس المادية ، بحساب الدخول القومية والفردية ، ولكنها محسوبة فى عداد الدول النامية لان قدرة الانسان فيها غير مدربة وغير متطورة بالقدر المناسب للقدرة . المالية فالقدرة المالية وحدها ليست كافية لتحقيق التنمية والتقدم ، فهى تعين على عملية شراء مظاهر التنمية ومظاهر التقدم ، دون أن يكون ذلك بالضرورة كافيا لانتاج التقدم وصناعته ، ذلك الانتاج الذى مناطه قدرة الانسان وعلمه وخبرته ودون تفصيل لهذه الحقيقة الأولية ، نصل منها الى الحقيقة التاريخية وهى أن الانسان بقدراته المدربة ، هو الذي يفجر موارد الطبيعة ويحولها الى قيمة اقتصادية والى واقع مالى . .
ومن هنا ، فان الأولوية التى تعطى للجانب البشرى فى التنمية ينبغى أن تكون أولوية مطلقة ، حتى يمكن صناعة التنمية ، وليس شراء مظاهرها لتحقيق تنمية عميقة وحقيقية تبدأ بالانسان ، وتنتهى الى الانسان
وتنمية الموارد البشرية ، هى التعليم والتأهيل والتدريب .
والتعليم ، وهو الى جانب كونه حقا للمواطنين لا يسقطه تقادم العهد عليه ، وواجبا على الدولة ، لا يسقطه عجزها ، فهو فى المقام الأول استثمار اقتصادى
واجتماعي من الطراز الأول وهو استثمار طويل المدى ، وخطأ هو شائع ، سياسيا واقتصاديا ، اعتبار التعليم خدمة من الخدمات الاجتماعية أو الفردية
ومقياس التنمية الحقيقية هو نسبة التعليم ، ونوع التعليم ، ومستوى التعليم ، الى جانب المعايير المادية المختلفة التى تذكر فى هذا المقام . .
وحين يكون الحديث عن التعليم ، فانه ينبغى أن تكون قضيتان أساسيتان من بين عدة قضايا موضوعا للدراسة ، هما قضية حجم التعليم ونوعه ومستواه ، وقضية تمويل التعليم . .
- أما من حيث حجم التعليم وكمه ، فان ذلك يعنى استيعاب الأطفال بحقهم فى التعليم ، وفي افريقيا فان صورة التعليم وفقا لاحصائيات اليونسكو فيها عام 1975 ، هي أن حجم الأمية فيها يصل الى 73.5 % بمعنى أن الذين يقرأون ويكتبون لا يتجاوزون 26،5 % وأن نسبة الأميات من النساء ممن هن فوق الخامسة عشرة ، داخل هذه النسبة تبلغ 83،3 % بمعنى ان هناك 16،7 من النساء يعرفن القراءة والكتابة بلغة من اللغات . .
ونحن هنا ينبغى أن نأخذ فى الاعتبار ، بطبعة الحال ، الفترة القصيرة التى استقلت فيها افريقيا ، وظروف أوضاعها الاقتصادية والمالية ، وقلة الفنيين الذين تحتاج اليهم مهنة التعليم . .
على ان هذه الصورة تكشف بوضوح ، مهما كانت الأسباب ، عن حجم المشكلة التعليمية التى هى أساس عملية التنمية ، وذلك دون الخوض فى نوع التعليم ومستواه ولا فى تنوعه ، وبخاصة التعليم الفنى فى مختلف مستوياته وشتى فروعه التى تتطلبها طبيعة الثروة الأفريقية ، كالزراعة بنوعيها النباتي والحيوانى ، وكالتعدين ، الى جانب القضية الأساسية المتصلة بلغة التعليم الذي يجب أن يكون قائما على اللغات الأفريقية ذات التراث وذات التاريخ الثقافي ، وليس هذا دعوة الى عزل افريقيا عن العالم وعن ثقافاته ولا عن حضارته ، ان اللغات الأجنبية الكبرى تعلم فى كل المدارس على المستوى العالمي ، وانها فى بعض المستويات ، وفي الدراسات العليا وفي البحوث العلمية ، بل وفي بعض أقسام الدراسات الجامعية ، تصبح ضرورة للتدريس بها ، وليس فى هذا ضرر يلحق بالشخصية القومية ، ولكن الخطورة أن تكون اللغة الأجنبية بديلة عن اللغة القومية فى التعليم فى مراحله العامة ، لان التعليم يجب أن يكون اعدادا للمستقبل واخصابا للحاضر ، استعادة لمقومات الشخصية القومية . . .
ان ميدان التعليم ينبغي أن يشمل الى جانب النمط النظامي ، أنشطة أخرى متنوعة من أنواع التدريب المختلفة فى التوجيه للعمل أو فى اثنائه ، وبخاصة مجال تعليم الكبار الذى يبدأ من الأبجدة ومحو الأمية الى التعليم الجامعى ، مارا بالتدريب المهنى ، وبالتأهيل الفني ، ومرتبطا بالثورة الثقافية الجماهيرية فى تجديد بناء المجتمع عن طريق الارشاد الزراعي والتعاونى والصحى والنسائى وتنظيم المجتمع ورعاية الفنون الشعبية المختلفة وتطوير الصناعات التقليدية . . . . الخ
هذا الميدان التعليمي ، وهو مجال التنمية البشرية ، هو الخطوة الأولى فى عملية التنمية الشاملة ، وهو الذي يكون البنى القاعدية . Infrastructure الضرورية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ، وهذا بالطبع لا يعني تأجيل عمليات التنمية حتى يتم اعداد القوى البشرية ، ولكن يعنى أن تعطى التنمية لبشريه داخل مشروعات التنمية الأهمية الموضوعية لها ، ذلك أن من الأخطاء الشائعة فى البلاد النامية ، تصور التنمية فى صورة صناعات ومصانع تستورد آلاتها ومهندسوها وأحيانا المواد الأولية التى تعمل بها ، وصحيح هى صورة من صور التنمية ، ولكن ينبغى أن تقوم على اساس صالح من الدراسة ، وتقدير أوزان الأولويات البعيدة المدى والمتوسطة والقصيرة
وفى مجال التعليم ، فان العقبة الكبرى ، هي عملية تمويل هذا التعليم الذي يعتبر من جانب حقا وواجبا سياسيا ، ومن جانب آخر استثمارا طويل الأجل ، بحيث لا يمكن الانتفاع المباشر من معطياته بل أن ذلك قد يستمر ربع قرن ، وهذا التمويل ترتفع تكاليفه عاما بعد عام للارتفاع المتصاعد فى الأسعار العالمية ، وبخاصة فى مواد البناء ، ووسائل المواصلات . . الخ ، وفي أثمان الوسائل التعليمية كالورق والأدوات المعينة الاخرى Audio Visual Aids
وانه لشىء واقعي أن الموازنات العامة للدول النامية ، وفي مقدمتها الدول الأفريقية لا يمكن أن تنهض بتمويل تعليم وطني شامل وجيد ومتنوع مهما بالغت ومهما خصصت ، وعون المنظمات الدولية ، وهي تواجه متطلبات متزايدة على مستوى العالم لا يمكن الا أن يكون ، بالضرورة ، عونا محدودا
ومن هنا ، فليس هناك إلا إحدى طريقتين ، أو هما معا لمواجهة متطلبات التنمية البشرية
الطريقة الأولى ، هي أسلوب الخروج عن الأنماط التقليدية فى التمويل الرسمى ، وذلك بفتح قناة شعبية ، عن طريق العون الذاتى ، بحيث يسهم المواطنون ، والطلاب في بناء المدارس وانشاء المؤسسات التعليمية المختلفة بالجهد المادي وبالعمل المباشر ، وقد طبقت دول افريقية كثيرة هذا الاسلوب كالسودان وتنزانيا والصومال ، وقد أدى هذا المنهج خدمات اجتماعية كبيرة تتجاوز نطاق نشر التعليم ، فكانت له آثار سياسية واقتصادية ايجابية لانه أسلوب من أساليب الالتزام الوطني ، وترسيخ لمعنى المواطنة عمليا : إلى جانب أن المبادرة الشعبية الخلاقة تؤثر ليس فى البناء المادي للتعليم وحسب ، ولكنه ايضا فى البناء التربوى نفسه ، وذلك باشاعه الديمقراطية في مناهج التعليم ، وبتيسيره للجنسين ، وبخاصة والمرأة الافريقية تحتاج إلى جهد مضاعف لتوسيع فرص التعليم على اختلاف انواعه أمامها ، وللمرأة الأفريقية دور أساسى فى الحضارة الأفريقية ، فهى التى كان يقوم على عاتقها تقليديا ، كثير من عمليات الانتاج والتسويق كما أنها لعبت دورا أساسيا فى حركات التحرير والاستقلال السياسى ، ذلك كله فوق حقها فى التعليم كمواطنة . . .
أما الطريقة الثانية ، وهي ليست بديلة عن هذه الطريقة الأولى ، كما أن الطريقة الأولى ليست بديلة عن الأسلوب الرسمى التقليدى ، وتلك هي العون القارى والأقليمي وذلك عن طريق انشاء نظام استثمار فى التعليم عن طريق منظمة الوحدة الأفريقية والجامعة العربية ومنظماتها المتخصصة : ، تستطيع الجامعة العربية أن تقوم بدور نافع فى هذا المجال ، كذلك تستطيع الدول العربية القادرة أن تقدم الكثير في هذا المجال ، وبخاصة وان اللغة العربية والثقافة العربية لا يمكن فصلهما عن الثقافة واللغة الأفريقية ، فهى أوسع اللغات التاريخية انتشارا وأكثرها حيوية فى الشعوب التى تتكلم بها فى افريقيا ٠٠
ان مثل هذا التعاون فى مجال الاستثمار الثقافى والعلمي يجب أن يسير حنبا الى جنب مع التعاون في المجالات الاقتصادية التى تتطلب بالضرورة خبرات علمية وادارية . .
وهكذا فاننا نرى أنه من الصور الممكنة ، والمرغوب فيها ، فى التعاون الأفريقي العربي ، ان يكون المجال الفكرى أحد المجالات الأساسية ، وان يكون المدخل الى التعاون الاقتصادى ، لان ذلك يحقق بناء الانسان الافريقي فى حضارته وعلاقاته وقيمه، فى الوقت الذى تنمو فيه موارده الاقتصادية
نموا طبيعيا وأصيلا ، وان الالتقاء العربى الأفريقي التقاء تاريخي وحضارى قديم ، وهو وجود مشترك على الطبيعة ، وفي القيم وفى البناء الفكرى ، وان تعاونهما فى الظروف الجديدة ، لبناء حياة حديثة معاصرة ، يقوم على أسس حضارية وتاريخية مشتركة وأصيلة
9 استخلاصات :
الحضارة الأفريقية من أقدم الحضارات وأكثرها أصالة وتأثيرا على سير الحضارة البشرية ، وقد لعبت أفريقيا دورا حيا على مدى التاريخ وصنعت الاحداث وشاركت فيها ولم تكن فى معزل عن حركة العالم فى كل حلقات التاريخ ، ودورها فى التاريخ القديم والوسيط دور عظيم فى المجالات الفكرية والاجتماعية والسياسية . .
وكان اتصال افريقيا بالشعوب والحضارات الأخرى يمثل عملية اغناء وخصب متبادلة ، كما حدث فى اللقاء الاسلامي والعربى فى افريقيا ، حيث قامت افريقيا بدور أساسى فى بناء تلك الحضارة على أرضها وبجهد ابنائها فقامت الجامعات ونشآت الدول الاسلامية الكبرى .
وتعرضت افريقيا ، فى العصر الحديث ، لما تعرضت له الحضارات التقليدية الكبرى فى آسيا ، من محنة الاستعمار فى كل مراحله ، ابتداء من حركة الكشوف البحرية منذ القرن الخامس عشر . .
ولأول مرة فى تاريخ البشرية ، تحدث على أرض افريقيا . ولشعب افريقيا كارثة حضارية ، بيعت بها شعوب القارة ومسخ تاريخها ، وشوهت حضارتها ومزقت قيمها ولكن الشعوب العريقة لا تموت ، واستطاعت افريقيا بنضالها أن تسترد حريتها وان تواجه مسؤوليات كبيرة فى اعادة بناء روحها وقيمها وثقافتها وأن تعيش فى الوقت نفسه على مستوى المعاصرة الايجابية لحركة الحضارة الجديدة ، وعليها أن تسترد شخصيتها الثقافية وأن تزيل الافكار الضليلة التى مزقت وحدتها واشاعت فيها العنصرية ، ولم تترك من افريقيا الا اللون ، فافريقيا أصبحت تعنى اللون الأسود ، وافريقيا أكبر من هذا وأوسع من هذا وأعمق من هذا ، افريقيا قارة عظيمة لا تعرف العنصرية والتعصب تجمعها حضارة وقيم وتاريخ واحد ، هو فوق الألوان والمظاهر ، ان فكرة التصنيف البشرى القائم على الانثربولوجيا الطبيعية
physical Anthroology قد انتهت ، ويتجه الانثربولوجيون الى التصنيف الحضارى ، والحضارة حصيلة جهد جماعي وهي كيان حي يؤثر ويتأثر بالحضارات الاخرى ، وحضارة افريقيا صنعها كل الشعوب والجماعات التى عاشت فى افريقيا على مراحل التاريخ المختلفة . وافريقيا مدعوة الآن الى استعادة قيمها الفكرية متمثلة فى لغاتها الكبيرة وفى تراث تلك اللغات لتكون لافريقيا لغاتها التى تتحدث بها وتنتج بها ، مع المحافظة على صلتها بالعالم المعاصر ، وقدرتها على الحوار المثمر معه .
وفي هذا النطاق ، فان على افريقيا أن تعطى للتنمية البشرية أولوية خاصة ، وان تهتم بنشر التعليم كما وتجديده كيفا وتنويعه مجالا ، وأن تمحو الأمية ، وتربط بين حركة تعليم الكبار ، وتجديد المجتمع وتطويره وتنميته وان تعطى المرأة الافريقية مكانا خاصا يتفق مع دورها التاريخي الواقعى والمستقبلى . .
وان التعاون ، فى هذا المجال ، الى جانب الاعتماد على الجهود الشعبية والدولية ، ينبغى أن يكون بصفة أساسية فى نطاق الامتداد التاريخي والثقافي بمعنى أن تكون هناك سياسة على مستوى منظمة الدول الافريقية ، والجامعة العربية ومنظماتها المتخصصة من ناحية ، وبين الدول الافريقية من ناحية أخرى ، لتكون للاستثمار الثقافى والعلمي أولوية فى مجالات الاستثمار التى سوف تخصب وتثرى من هذه الاستثمارات . .
وان الدعوة موجهة الى المجتمع العربى والمجتمع الافريقي لمباشرة هذا التعاون الطبيعى والتاريخي ، وحين نقول المجتمع العربى والمجتمع الافريقي فنحن فى واقع الامر نشير الى مجتمع واحد ، جغرافيا وتاريخيا فالذى يجمع بينهما أرضا وفكرا وحضارة وتاريخا ، شىء قهر الزمن على الرغم من كل المحاولات التى تمت لتزييف الحقائق التاريخية
