على اثر اعلان ( اللجنة الثقافية ) للجامعة العربية فى آخر الموسم الدراسي الفارط لفت نظرى فى الزميلة " مجلة الكواكب " المصرية فصل كتبه الاديب القصصى الاستاذ صالح جودت حول الاعلان عن (مؤتمر فنى للموسيقى العربية ) ابدى فيه رأيه وقـال : ( ان البلاد الوحيدة فى العالم العربى التى عملت على جمع تراثها والاحتفاظ به فى الناحية الفنية هى المغرب الاقصى هذه البلاد التى بها معهدان احدهما في ( الرباط ) والآخر ( بالدار البيضاء ) يشرف عليهما نوابغ مغاربة ) ؟ مع ابداء رأيه في المؤتمر المقبل ، وعلى اثر هذا وصلت الدعوة لتونس من طرف لجنة تنسيق اعمال المؤتمر وفي آخر لحظة تأجل اجتماع اللجنة وفي الشهر الفارط ارتحل وفد تونسي الى القاهرة متركبا من ثلاثة انفار يترأسهم ممثل كتابة الدولة للشؤون الثقافية والاخبار الاستاذ الهاشمى السبعى وحضر الاجتماع ممثلون عن الامم العربية وكانت الدعوة من طرف اليونسكو واجتمعت اللجنة لتنسيق اعمال مؤتمر الموسيقى المقبل مادام معلوما لدى الجميع ، انه لم ينعقد مؤتمر فنى منذ عام ( 1932 ) حيث وقع بالقاهرة المعزية لفائدة النهوض بالموسيقى.
وهنا نغتنم هذه الفرصة لنصارح الزميل صالح جودت ونثبت له فى هذه العجاله ما عليه تونس من الازدهار الفني وهي البلاد الوحيدة التى عملت بتوصيات المؤتمر ، ولم يكد ينتهى المؤتمر حتى حل بتونس المأسوف عليه الاستاد اسكندر شلفون صاحب " مجلة روض البلابل " الفنية والتى أصبحت اليوم مصدرا من اهم الصادر الفنية ، والقى هذا النابغة بتونس ثلاث محاضرات نادرة حول تاريخ الموسيقى ، الاولى على منبر الخلدونية والثانية بمسرح البالماريوم والثالثة بسوسة .
وترأس حفلا اقيم بمسرح البالماريوم ترنم وعزف فله افراد ( جوقة البارون ) وكتب اذ ذاك المرحوم الاستاذ مصطفى صفر فصلا مهما فى جريدة
" الدبيش " حول الموسيقى العربية ونوه بشأن المحاضر ومكانته وعلق على تلك المحاضرة . وعلى اثره حل بتونس المرحوم الموسيقار والناياتي الحلبي الشيخ على الدرويش وعمل مع البارون لتهيئة اعمال المؤتمر ، وعلى اثر هذا جلبه المعهد الرشيدى ثلاث مرات لتدريس أصول الموسيقى وعنه تخرج كل من الشيخ خميس الترنان والسيد صالح المهدى ونسج على منواله فى (الناى) ومثلهما صالح الخميسى واحمد الحداد وعلى اثر مؤتمر الموسيقى العربية الذي ضم ( 24) امة وشاركت فيه تونس والجزائر والمغرب ، تأسست بتونس جمعية " الرشيدية " عام ( 1934 ) ووضع حجرها الاساسي المرحوم الاستاذ مصطفى صفر استاذ التاريخ والاداب وقد مضى اليوم على هذه المؤسسة (28 ) سنة وهي تعمل لسمعة تونس من الوجهة الفنية ، وللتعريف باصول الموسيقى القومية التى هي جزء لايتجزأ من الموسيقى العربية ، وقد سجلت " الرشيدية " كامل الاربع عشرة ( نوبة ) من (المالوف ) الذي هو من أهم أصول الموسيقى التونسية ، ومعلوم ان الموسيقى الاندلسية جاءت مع الجالية الثانية الاندلسية التى استقر قسم منها فى(طنجة ) وقسم في (تلمسان ) وقسم في (تونس )- وقد عملت كل بلاد باسلوبها وطابعها واوزانها وفي المقدمة تونس على عهد محمد الرشيد الاديب الفنان الذي يرجع له الفضل فى ترتيب ( النوبات ) - وطريقته هى التى نسجت عليها (الرشيدية) . والمعهد الرشيدى للموسيقى التونسية يحمل اسمه نظرا لما اسداه لتونس في هذا المجال مع تركه ( ديوان شعر ) مخطوطا اظنه موجودا فى المكتبة الوطنية ، وبالبحث تبين ان مخطوطة ثانية توجد فى مكتبة الجزائر وثالثة في مكتبة قستطينة التى اقام بها ( 18 ) سنة فرارا من اخيه الذى حاول اغتياله والديوان مشتمل على الغزل والحنين والفن .
واليوم يوجد بمكتبة المعهد الرشيدى ( 14 ) نوبة مسجلة ولكل نوبة ملف خاص بها نظما ولحنا مع ما تفرع عن كل نوبة ، وقد سجلت ايضا على لسان الحاكي مجموعاتها من طرف شركة افرنسية عام ( 1954 ) - والمعهد يملك نسختين منها ونسخة قدمت الى مؤتمر دلهي عندما مثل تونس فيها الاستاذ الشابي كاتب الدولة للتربية القومية اذ ذاك ورافقه الدكتور الطاهر الخميرى ومحمد مزالى وعبد السلام الكناني ومحمود المسعدى وبهذا اصبح صوت تونس وانتاج المهعد الرشيدى بدلهى الجديدة وفي اذاعتها .
ولنا بتونس اليوم مدرستان ( المعهد الرشيدى) و (المعهد الوطني للموسيقى )
والاقبال متزايد عليهما فى كل عام من الطالبات والطلبة ، كما أصبحت الموسيقى مقررة فى المعاهد الثانوية ويرجع الفضل فى ابراز الشخصية الفنية واعتبارها مادة أساسية فى ميدان الثقافة العامة الى فخامة رئيس جمهوريتنا المجاهد الاكبر الحبيب بورقيبة الذي اصدر أمرا جمهوريا عام ( 1958 ) في تكوين ( ديبلوم الموسيقى العربية ) وعلى ضوء هذا اصبح لتونس ما يزيد عن ( 25 ) مدرسا للموسيقى مع اهتمام كتابة الدولة للشؤون الثقافية والاخبار بصفة خاصة بكل من ( المعهد الرشيدى ) و ( المعهد الوطني للموسيقى ) اللذين يزاول فيهما التعليم ما يزيد عن ( 800 ) طالب وطالبة - بدرجاتـهم ولا ننس فضل لجنة الثقافة البلدية وفضل كتابه الدولة للتربية القومية ماديا وادبيا ، وهذا الذى نسجله بكل ارتياح فى صفحات التاريخ وقد سنت سنة حسنة وهي احداث ( فرق فنية ) لكل معهد ثانوى باطراف الجمهورية التونسية وفي كل عام تقع حفلة لكل من مدرسة باردو ومدرسة البنات برادس ومدرسة البنات بنهج الباشا
وقد اصبح دور المعهد الرشيدى مرموقا من طرف الحكومة والشعب ونال عطف فخامة رئيس جمهوريتنا وشاركت ( فرقة المعهد الرشيدي ) بقيادة الاستاذ الطاهر غرسة فى مهرجان ( قصر المرمر بصفاقس ) بمناسبة عيد ميلاد فخامة الرئيس وتشرفت باقامة حفل ( بقصر قرطاج ) للجمهورية التونسية ونالت هذه الفرقه كامل الاهتمام من فخامة رئيس جمهوريتنا وحرمه المصون ، واقام المعهد فى موسمه الفارط ( 50) حفلة امها ما يزيد عن ( 25 ) الف من جميع الطبقات من انصار الفن والادب . وحضرها كبار الشخصيات في عالمى الفكر والثقافة امثال زهدى يكن رجل الحقوق وفلسفة التشريع اللبناني وفيلسوف العالم العربى الاستاذ ميخائيل نعيمة الذي اعلن انه لا يفارق تونس قبل زورته للمعهد الرشيدي وسجل كلمة لطيفة بسجله الذهبى وفي العام الفارط زار تونس ممثل اليونسكو الاستاذ دنيال دنيلو الذي قدم تونس لتسجيل ( اسطوانة تونس ) لتضاف الى اسطوانة كل من الهند وايران ولبنان وفي هذا العام سيزور المغرب لفائدة (اسطوانة المغرب ) وسيبرز ( صوت تونس ) فى هذا العام مضافا الى تلك المجموعة العالمية التي عرفنا انها
بلغت (52) اسطوانة فنية لكل واحدة لونها وطابعها عملت على نشرها منظمة اليونسكو للتعريف بالفن الشرقي والغربي .
وختم هذا الموسم باقامة ( 50 ) حفلة فنية تحت اشراف كتابة الدولة للشؤون الثقافية والاخبار في اطراف الجمهورية التونسية وكانت ( فرقة المعهد الرشيدى ) هى التى تفتتح الملتقيات التى وقعت فى تونس وسيدي ابى سعيد والقيروان ., ونالت رضا الجمهور حيثما حلت وارتحلت وتهاطلت رسائل التقدير والاعجاب على المعهد الرشيدى وعلى كتابة الدولة للشؤون الثقافية ونال المعهد كامل الاهتمام من طرف السيد كاتب الدولة للشؤون الثقافية الاستاذ الشاذلى القليبى ، وكان حظ تونس الفنية فى ( فرقة المعهد الرشيدى ) متجليا فى نيلها ( كأس نحاسي) من صنع القيروان قدم من طرف اللجنة الثقافية القيروانية في ملتقاها الذي ضم القيروان والكاف وزغوان والرشيدية بصفة رمزية ونال جميعهم الجوائز تقديرا للفن وأهله وعلى ضوء هذه الملتقيات ادركنا التجاوب الذي وقع بين الشعب وفنه القومى سواء فى الموسيقى او الرقص .
ذلك هو شأن تونس في ميدان الموسيقى ويا حبذا لو تحرى صالح جودت وامثاله واستقرؤوا احوال البلاد العربية قبل نشر ما ينشرون . ان الأمانة تقتضى ذلك وكذلك الصحافة الشريفة .
