- ٢ -
طاقة الحركة وطاقة الجهد
وقد جاءت الابحاث التى قام بها برنولى ولا جرايج معززة لفكرة القوة موجهة النظر إلى اهميتها ، واطلق عليها اسم جديد اقرب الى التفكير العلمى فسميت طاقة الحركة اي الطاقة او المقدرة الناشئة عن الحركة .
وتعرف طاقة الحركة بأنها نصف حاصل ضرب كتلة الجسم فى مربع سرعته فالحجر الذي كتلته مائة جرام مثلا وسرعته عشرة سنتيمترات في الثانية يقال
ان له طاقة حركة تساوى خمسة آلاف " إرجا " أي خمسة آلاف وحدة من وحدات الطاقة ، ويسمى هذا النوع من الطاقة بطاقة الحركة تمييزا له عن النوع الآخر الذي يعرف بطاقة الجهد أو طاقة الموضع ، وطاقة الجهد تنسب الى الجسم الساكن اذا كان موجودا في موضع يسمح له ببذل القوة ، فالحجر الموجود عند قمة جبل وان كان ساكنا الا ان ارتفاع مكانه من شأنه ان يسمح له ببذل الشغل فى هبوطه الى مستوى سطح الأرض .
واظهر مثال على ذلك مياه الشلالات أو الخزانات فان وجود هذه المياه فى اماكن مرتفعة يجعل لها نوعا من الطاقة أو المقدرة على العمل المفيد كادارة الآلات الكهربائية .
وتقاس طاقة الجهد لجسيم معلوم بحاصل ضرب القوة التى تؤثر فيه فى المسافة التى يقطعها فى هبوطه من موضعه الممتاز الى الموضع الطبيعى او العادى له .
فكل جسم متحرك اذن هو مورد للعمل المفيد يصح ان يستغله الانسان فى ادارة آلاته وكذلك كل جسم يمكن ان يتحرك بسبب وجوده فى مكان ممتاز هو ايضا مورد للعمل المفيد وكلا النوعين من الأجسام له طاقة ، فالاول له طاقة حركة ناشئة عن حركته العقلية والثاني له طاقة جهد ناشئة عن وضعه الممتاز وامكان اكتسابه للحركة بالهبوط منه ، وفي كلتا الحالتين ترتبط الطاقة بحركة الأجسام أو بامكان حدوث هذه الحركة ولذا تعرف بالطاقة الميكانيكية ونحن إذا تأملنا فى الطبيعة التى تحيط بنا شاهدنا اأمثلة عدة على وجود الطاقة الميكانيكية فالمياه الجارية والرياح يمكن . . استخدامها فى ادارة الطواحين والطلمبات ، ومياه الشلالات والخزانات مورد غني من موارد الطاقة .
الطاقة والمادة والعلوم الكونية
وفى اوائل القرن التاسع عشر بدأت فكرة الطا قه تتغلغل فى العلوم الكونية ولم يأت آخر القرن التاسع عشر الا وفكرة الطاقة قد اتصلت بجميع نواحي العلوم الطبيعية فالكهبربائية والمغناطيسية والصوت والضوء وسائر الأشعه غير المرئية صار ينظر اليها جميعا كمظاهر مختلفة من مظاهر الطاقة بحيث امكن أن يقال انه لا شئ فى الوجود الطبيعي الا المادة والطاقة .
الطاقة ومدنية الأمم :
ان مدنية الأمم المختلفة تقاس بمقدار الطاقة الميكانيكية التى تستخدمها هذه الأمم في صناعاتها وسائر مرافقها سواء كانت هذه الطاقة مستمدة من الوقود أم من مساقط الماء ام من الرياح . الخ فاستهلاك الطاقة في الدول الأوربية وامريكا قد يزيد على ٢٠٠٠ كيلو واط ساعة للفرد الواحد في الأمة اي ٢٠٠٠ مليون كيلو واط ساعة عن كل مليون نسمة .
مصادر الطاقة :
وقد كان الوقود ولا يزال مصدرا اساسيا من مصادر الطاقة فى حياة الأمم فالفحم وزيت البترول مصدران هامان تدار بهما الآلات الميكانية وقد زاد الاهتمام فى العهد الأخير بمساقط المياه كمورد من موارد الطاقة واتجه النظر ايضا الى حرارة الشمس والى قوى المد والجزر كما سبقت الاشارة ..
الذرة كمصدر من مصادر الطاقة :
واول من اعطى الناس جوابا مضبوطا عن مقدار الطاقة الذرية هو العلامة البرت انشتين عام ١٩٠٥ فقد حسب ان مقدار الطاقة المختزنة فى بواطن ذرات كيلو جرام واحد من الماده بساوى ٢٥ وحدة من وحدات الطاقة . . ومن المهم ان يفهم القارىء ان هذه الطاقة المختزنة فى بواطن الذرات ليست شيئا يضاف الى المادة بل انما هي المادة ذاتها .
تحويل المادة الى طاقة :
ومن الأمثلة على تحول المادة الى طاقة ما يحدث فى الاشعاع الصادر من الشمس ، فمن المعلوم ان الشمس تشع كميات هائلة من الطاقة فى كل لحظة ولا يمكن تفسير هذه الطاقة على انها ناشئة من عملية احتراق وانما التفسير الصحيح فيما نعلم لمصدر حرارة الشمس انه تحويل جزء من مادتها الى طاقة وفي النشاط الأشعاعي لذرة اليورانيوم والراديوم ومثالها تتحول مادة الذرة
الى طاقة ، فالجرام الواحد من الراديوم تنبعت منه فى السنة من الطاقة ما يعادل ٤ و ١ كيلوواط ساعة وبذلك يبلغ ما يفقده الكيلوجرام الواحد بسبب انبعاث هذه الطاقة نحو ٥٣ % من المليجرام فى السنة .
مفتاح الطاقة الذرية :
وما ان وصل العلم الى هذه النقطة حتى تجلت اهمية الموضوع من ناحية الحصول على الطاقة الذرية بمقياس واسع ، فانقسام عدد محدود من الذرات وانطلاق الطاقة منها قد يكون له اهميته من الناحيتين العلمية والفلسفية ، أما من الناحية العمرانية والصناعية ، فماذا تفيدنا طاقة بضع ذرات ؟ بل ماذا تجدى طاقة مليون مليون من الذرات ؟ !
ان الجرام الواحد من اليورانيوم يحتوي على آلاف ملايين ملايين الملايين من الذرات ! ! أما إذا كان انقسام ذرة يتبعه انقسام جارتها ثم جارة جارتها بطريقة متسلسلة وحتمية فان ذلك يكون المفتاح الذهبى لذلك الكنزر الهائل من الطاقة المختزنة بين ثنايا المادة ، فانبعاث النيوترونات من فلقتى ذرة اليورانيوم يكون امرا فى منتهى الخطورة اذا أصابت هذه النيوترونات ذرة اخرى من ذرات اليوراتيوم ففلقتها واظلقت طاقتها من عقالها . . ثم انبعث عن الفلقتين الجديدتين نيوترونات جديدة وهكذا .
التفاعلات المتسلسلة :
ويطلق على هذا النوع من التفاعلات اسم التفاعلات المتسلسلة وهي عبارة عن سلسلة من التفاعلات تلى الواحدة منها الاخرى بحيث يكفى ان يحدث التفاعل الاول لحدوث جميع التفاعلات الاخرى الواحد منها تلو الاخر .
ومن التفاعلات المتسلسلة عملية الاحتراق ، اذ من المعلوم انه يكفى اشعال عود من الثقاب لكي تنتشر النار ، ونحن اذا فكرنا مليا فى عملية الاحتراق على انها تفاعل بين ذرات مادة الوقود وذرات الأوكسجين فهمنا السبب في ان
معظم النار من مستصغر الشرر . فمادة الوقود ولتكن الكربون مثلا تتحد مع الاوكسجين في درجة حرارة معينة تسمى درجة حرارة الاشتعال . وعود من الثقاب كفيل برفع درجة حرارة الملايين من الجزيئات الى درجة حرارة الاشتعال .
ولما كانت عملية الاحتراق هى نفسها مصدرا للحرارة فان احتراق الجزيئات الاولية من المادة برفع درجة حرارة الجزيئات التي تليها فتصل الى درجة حرارة الاشتعال فتحترق فتنبعث منها حرارة فترفع حرارة الجزيئات المجاورة الى درجة الاشتعال فتحترق وهكذا الى ان تلتهم النيران ما حولها فالتفاعلات المتسلسلة تفاعلات لها خطرها . . من اجل ذلك كان لخبر انبعاث النيوترونات من فلقتى نواة اليورانيوم مغزى خاص عند الذين يعلمون .
[ تم البحث ]