الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 8الرجوع إلى "المنهل"

ثقافيات، لعبة الأمم

Share

القاء الاضواء على الاحداث - فذلك لأنهم نادرا ما يعلمون عن خفاياها شيئا ( واذا كان ما يقوله ) مايلز كوبلاند ( عن جهل المؤرخ العادى بما يدور في الخفاء لا يبعد عن الواقع - فان الأعاصير التى مرت بأزمة الشرق الادنى - كشفت الستار عما يبرم خلف الكواليس - والذى انكشف للمؤرخ العادى - أظهر : ان أمريكا لم تكن الاولى التى فكرت فى انشاء دولة يهودية على أرض عربية ، فبريطانيا هى التى وعدت اليهود بالوطن القومى ، وهى التى مهدت لقيام اسرائيل فى فلسطين التى كانت مستعمرة من مستعمراتها ، وان أمريكا لم تكن الاولى التى أمدت اسرائيل بأيسلاح ، فلقد كانت روسيا أول دولة أمدت اسرائيل بالسلاح فى أعسر مواقفها ، ثم فرنسا التى أغدقت عليها طائرات الميراج ، وان روسيا اليوم تحاول مد اسرائيل بما ليس في قدرة أمريكا مدهم به - فهى تمهد لتهجير يهود روسيا الى اسرائيل ، بينما هى التى بنت جدار برلين في وجه المهاجرين إلى ألمانيا الغربية

وان أمريكا نزلت الى الملعب السياسى ضد روســــيا بمثل الاوراق التى كانت تحملها روسيا . فكل من الدولتين استغلتا النزاع العربى - الاسرائيلى لكسب اللعبة ،

وكل منهما بذل ما في وسعه بذله لنيل ثقة العرب واليهود معا ، فلقد تسابقتا للاعتراف باسرائيل في الوقت الذى كانت كل واحدة منهما تتبسم للعــــرب ، فسبقت أمريكــا روسيا بساعات في هذا الشوط ، ولقــــد تسابقتا لمد اسرائيل بالسلاح في الوقــــت الذى كانت كل واحدة منهما تذرف الدمــع عطفا على ما نال الفلسطينيين من تشريــد وفقر . فسبقت روسيا أمريكا فترة مـــن الزمن ، وما زالت الدولتان في سباق .

وبينما كانت المباراة بين روسيا وأمريكا على أشدها - كانت الدول العربية المتاخمة لاسرائيل يشد أزرها العرب جمعاء في مباراة دامية مع اسرائيل التى شد أزرها صهاينة العالم جميعهم ومن ورائهم الدول الخاضعة للضغط الصهيونى .

وفي ناحية قاتمة من الملعب ربض الاسد البريطاني يهز ذيله متحينا الفرص للانقضاض على الغنائم في جنح الاحداث ، وأخذ النسر الفرنسى يحلق لاكتشاف النتائج ، ولقــد استطاعت بريطانيا بدهائها أن تلقي تبعات قيام اسرائيل على أمريكا ، وأن لا تقــــف علانية في صف اسرائيل - رغم انها صاحبة وعد بلفور ، والمحرك الاول للاعتداء الثلاثى ، ولقد فضلت فرنسا بذكائها : سياسة عدم الانحياز الى أمريكا واسرائيل ، فطفـــــق ( ديجول ) يتقرب من روسيا وينتقد التدخل الامريكى في حرب ( فيتنام ) رغم ما منيت به فرنسا في فيتنام . ويجامل العرب ويوقف مد اسرائيل بالطائرات - رغم الروابــط الوثيقة التى تربط اسرائيل بفرنسا .

وهذا الذى كشفته أعاصير الاحــداث جعل المؤرخين يتساءلون : هل كان الروس

أكثر مكرا من الامريكان لأنهم استطاعوا أن يكسبوا الثورات دون أن يخسروا اسرائيل ؟ ! أم ان اسرائيل كانت أكثر مرونة مـــــن التورات لأنها كسبت أمريكا وروســــيا معا ؟ ! !

ان الجواب على هذه الأسئلة ســــــابق لأوانه ، فاللعبة ما زالت مستمرة ، فالى الآن لم يكسب الروس الثورات نهائيا ، والى الآن لم يخسر العرب أمريكا نهائيا .

فروسيا حرصت حتى الآن على أن لا تمد العرب بما يقضى على العدوان الاسرائيلى ، وأمريكا لم تقطع الأمل حتى الآن في مصادقة العرب والتعاون معهم في الاستفادة مــــن ثرواتهم الطبيعية ، ومواقعهم الاستراتيجية . والاشواط التى قطعتهــــا اللعبــــــة علمــت اللاعبين أشياء كثيرة ، فلقد علمت أمريكا : ان حذر العرب البالغ من الشيوعية لا يكفي وحده لتحقيق تعاونهم مع المصالح الامريكية ، فالأسنة تكون مركبا لينا للمضطر . ولقد علم العرب ان الاندفاع مــع الحمــــــــاس ،

والمبالغة في التصريحات ، والامعــــــان في التشهير والسلبية - كان كل ذلك في صالح اسرائيل التى كانت الى ما قبل عام ١٩٦٧ تستغيث بالعالم لينقذها من العرب الـــذين يزمعون تقديمها طعاما لحوت البحر الابيض المتوسط ! !

وعلم العرب : ان السياسة الحكيمة التى سارت عليها دعوة التضامن الاســــــلامي ، والخطوات الموفقة التى نقدم بها دعاتها - على الرغـــم مــــن تطويق أمريــــــكا للـــــــدعوة

( لبعث الشـــــــعور الدينى ) عــــلى مـــــــا يقول ( مايلز كوبلاند ) عـــــلم العرب : ان هذه السياسة الحكيمة خير مثل يحتذى به وخير تجربة يستفاد منها .

أجل ، لقد ظهر أمام المؤرخين هـــدف أمريكا ، فأمريكا لم تول اسرائيل كل هذا العون والتأييد الا لتتخذ منها جسرا لتقف عليه في وجه الزحف الشيوعى - كما انها لم تول فيتنام الجنوبية كل تأييد وعــون الا لتكون سدا أمام المد الشيوعى في الشـــــرق الصينى . وأمريكا لا تعادى أى مبدأ تعتنقه أية دولة - ما دام ذلك المبدأ لا يجر الشيوعية ولا يعادى مصالحها .

وظهر أمام المؤرخين - الفرق الكبير بين وضع اليابان وألمانيا الغربية اللتين انتصرت عليهما أمريكا - وبين وضع أوربا الشرقية التى انتصرت عليها روسيا .

والسؤال الاخير الذى ينتظر المؤرخون ما يتمخض به المستقبل للاجابة عليه - هو : هل استفاد العرب من هذه التجارب ؟ وهل في قدرة الثورات أن تتخلص من السلبية فتعالج مشاكلها برحابة صدر ، وعلى ضوء النتائج ، فتقطع الطريق على اسرائيل التى تحاول أن تجعلها عدوة للمعسكر الغربى ؟؟

ولا يبعد أن يتطوع في سبيل التاريخ سياسى مطلع فيرفع جزءا من الستار الذى بخطط خلفه للأهداف - كما فعل ( مايلز كوبلاند ) في كتابه (( لعبة الامم )) ، وان لم يكن - كل ما دونه ( مايلز كوبلاند ) نزيها من الغرض ، بعيدا عن الشبهات .

اشترك في نشرتنا البريدية