الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 2الرجوع إلى "المنهل"

جبل ثور بالمدينة، (المدينة حرم ما بين عبر الى ثور )

Share

هذا الحديث النبوى الشريف أخرجه الامام البخارى فى صحيحه فى : ٨٥ - كتاب الفرائض ٢١ - باب اثم من تبرأ من مواليه ، وأخرجه مسلم فى : ١٥ - كتاب الحج حديث ٣٦٧ - فهو من الاحاديث المتفق عليها بين الشيخين ، ورواته لا يمكن ان يتطرق الوهن او الشك الى روايتهم ، والحديث قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة ، وسمعه منه أهل المدينة ، ومنهم الامام على ابن ابي طالب وقد حرص عليه ايما حرص ، فكتبه فى صحيفته المشهورة المعلقة في قراب سيفه .

ومع كل هذا فقد ظهر بين المتقدمين من يدعى مصعبا الزبيرى ، فأقى بها كلمة طاعنة فى متن الحديث ، حيث قال : ليس في المدينة عير ولا ثور .

وتبعه أبو عبيد فقال : ما بين عير وثور ، هذه رواية اهل العراق ، وأما أهل المدينة فلا يعرفون جبلا عندهم يقال له ثور ، وانما ثور بمكة ، وأقول انا . وجود جبل بمكة اسمه ثور لا ينفي وجود جبل بالمدينة بهذا الاسم .

ولقد روى الامام البخاري في صحيحه فى : ٦٥ - كتاب التفسير ، ٣٨ سورة ص ، ٣ - باب وما انا من المتكلفين : عن مسروق قال : دخلنا على عبد الله بن مسعود . قال : يا أيها الناس ! من علم شيئا فليقل به . ومن لم يعلم

فليقل : الله أعلم ، فان من العلم ان يقول لمالا يعلم : الله اعلم .

وقد أخذ العلماء قول مصعب وابى عبيد حجة بدون تمحيص ولا تحقيق :

يقولون اقوالا ولا يعلمونها ولو قيل : هاتوا حققوا لم يحققوا

ثم تناولوا الحديث بالتخريج والتأويل ، ووقع بسبب هذا القول فى الخطأ الشنيع ثلاثة من كبار المؤلفين :

أولهم أبو عبيد البكرى ، المتوفى عام ٤٨٧ ه ، فى كتابه معجم ما استعجم .

والثاني ابن الأثير ، المتوفى عام ٦٠٦ ه ، فى كتابه النهاية فى غريب الحديث والاثر

والثالث يافوت الحموى ، المتوفى عام ٦٢٦ ، فى كتابه معجم البلدان قال فى معجم ما استعجم :

وذكر أبو عبيد ( هو القاسم بن سلام ، بتشديد اللام . كما حرر ذلك ابن خلكان فى الوفيات ، وكما جاء فى نزهة الالبانى طبقات الادبا لابن الانبارى ، اذ قال : وقد رثاه عبد الله بن طاهر بقوله :

يا طالب العلم قد اودي ابن سلام

وكان فارس علم غير محجام

لا بالتخفيف كما نص عليه صاحب التاج ، وتبعه الاستاذ مصطفى السقا في تعليقه على هذا الحديث ، وقال : عير وثور جبلان بالمدينة . قال : وهذا

حديث أهل العراق . وأهل المدينة لا يعرفون بالمدينة جبلا يقال له ثور ، وانما ثور بمكة . فيرى ان الحديث انما اصله " ما بين عبر الى أحد " !

وقال ابن الأثير : وفيه أنه حرم المدينة ما بين عير الى ثور . هما جبلان اما عير فجبل معروف بالمدينة . واما ثور فالمعروف انه بمكة ، وفيه الغار الذى بات به النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر ، وفي رواية قليلة : ما بين عير واحد ، واحد بالمدينة ، فيكون ثور غلطا من الراوى ، وان كان هو الاشهر فى الرواية والاكثر . وقيل : ان عيرا جبل بمكة ، ويكون المراد انه حرم من المدينة قدر ما بين وثور فى مكة ، او حرم المدينة تحريما مثل تحريم ما بين عير وثور بمكة ، على حذف المضاف ، ووصف المصدر بالمحذوف .

وقال ياقوت : وفي حديث المدينة انه صلى الله عليه وسلم حرم ما بين عير الى ثور . . قال أبو عبيد : أهل المدينة لا يعرفون بالمدينة جبلا يقال له ثور وانما ثور بمكة . فيرى اهل الحديث انه حرم ما بين عير الى احد وقال غيره : الى بمعنى مع . كأنه جعل المدينة مضافة الى مكة فى التحريم

وقد ترك بعض الرواة موضع ثور بياضا ليبين الوهم . وضرب آخرون عليه . وقال بعض الرواة : من عير الى كدى . وفي رواية ابن سلام : من عير الى احد . والأول اشهر وأشد . ورضى الله سبحانه وتعالى عن استاذ الدنيا في علم الحديث : الحافظ ابن حجر العسقلاني حيث قال في

كتابه ، قاموس السنة المحيط ( فتح البارى ) فى : ٢٩ - كتاب فضائل المدينة ١ - باب حرم المدينة ، ما نصه : " وقال المحب الطبرى فى الاحكام

بعد حكاية كلام أبي عبيد وهن تبعه : قد اخبرنى الثقة العالم ابو محمد عبد السلام البصرى أن حذاء احد عن يساره ، جانحا الى ورائه ، جبلا صغيرا يقال له : ثور . واخبر انه تكرر سؤاله عنه لطوائف من العرب العارفين بتلك الارض وما فيها من الجبال ، فكل اخبر ان ذلك الجبل اسمه نور . وتواردوا على ذلك .

فعلمنا أن ذكر ثور فى الحديث صحيح ، وأن عدم علم اكابر العلماء به لعدم شهرته ، وعدم بحثهم عنه . قال : وهذه فائدة جليلة . انتهى

ثم قال الحافظ : وقرأت بخط شيخ شيوخنا الحلب في شرحه حكى لنا شيخنا ابو محمد عبد السلام بن مزروع البصرى انه خرج رسولا الى العراق . فلما رجع الى المدينة كان معه دليل ، وكان يذكر له الاماكن والجبال . قال : فلما وصلنا إلى احد إذا بقربه جبل صغير ، فسألته عنه ؟ فقال . هذا يسمى ثورا . قال : فعلمت صحة الرواية .

(قلت ) وكان هذا مبدأ سؤاله عن ذلك .

وذكر شيخنا ابو بكر بن حسين المراعي نزيل المدينة ، فى مختصره لاخبار المدينة ، ان خلف اهل المدينة ينقنون عن سلفهم ، ان خلف احد ، من جهة الشمال . جبل صغيرا الى الحمرة بتدوير . يسمى ثورا . قال :

وقد تحققته بالمشاهد أهدء من الفتح

وقال الفيروز ابادى ، فى القاموس المحيط ، الذي هو اكثر كتب اللغة تداولا بين الايدى : ( ثور ) جبل بالمدينة . ومنه الحديث الصحيح المدينة حرم ما بين عير الى ثور " .

وأما قول ابى عبيد بن سلام ، وغيره من الاكابر الاعلام : ان هذا تصحيف . والصواب : الى احد ، لان نورا انما هو بمكة - فغير جيد ، لما اخبرني الشجاع البعلى ، الشيخ الزاهد ، عن الحافظ ابى محمد عبد السلام البصري ان حذاء احد ، جانحا الى ورائه ، جبلا صغيرا يقال له : ثور وتكرر سؤالي عنه طوائف من العرب العارفين بتلك الارض . فكل اخبرنى أن اسمه ثور .

ولما كتب الى الشيخ عفيف الدين المطرى ، عن والده الحافظ الثقة ، قال : ان خلف احد ، عن شماليه ، جبلا صغيرا مدورا يعرفه اهل المدينة خلفا عن سلف .

وقد ايد العلماء المعاصرون ما أورده الحافظ في الفتح والمجد فى القاموس ، وأكدوه تمام التأكيد .

فقد ذكر العلامة المؤرخ الدكتور محمد حسين هيكل . فى كتابه " فى منزل الوحى " ص ٥٨١ عند ذكر الحديث " اني احرم ما بين جبليها مثل ما حرم ابراهيم مكة " قال : وجبلا المدينة المقصودان هما عير وأحد

أو عير وثور الواقع وراء أحد ، ليدخل أحد فى الحرم . ولابتا المدينة هما الحرتان واقم والوبرة ، أولاهما في شرق المدينة والثانية فى غربها ، والجبلان عير فى جنوبها ، وثور فى شمالها . وهذه هي حدود المدينة الاربعة

ونشر امام الصفحة ٥١٢ خريطة أثرية تقريبا للمدينة المنورة . وهنا فى رأس الخريطة من جهة الشمال ، وراء جبل أحد ، يقع جبل ثور .

وقد أرشدني الدكتور هيكل الى كتاب " آثار المدينة المنورة " لمؤلفه الاستاذ عبد القدوس الانصارى الذى اتصل به منذ نزل المدينة ، وقد ذكر له فضله وشكره اجمل شكر على ارشاده ومعاونته ص ٤٤٠ .

وهذا الكتاب مطبوع عام ١٣٥٣ ه - ١٩٣٥ م وقد نشر به الخريطة الاثرية التقريبية للمدينة المنورة . وهي خريطة مطابقة تمام المطابقة للخريطة المنشورة في كتاب " في منزل الوحى ، وكان احداهما صورة من الاخرى . وقد قال صاحب هذا الكتاب ص ١٣٩ تحت عنوان :

عير وثور

اسما جبلين من جبال المدينة ، أولهما عظيم شامخ ، يقع بجنوب المدينة على مسافة ساعتين عنها تقريبا وثانيهما احمر صغير يقع شمال احد . ويحدان حرم المدينة جنوبا

وشمالا

فليرمج ما بالنهاية وما بمعجم البلدان ، وليوضع بدله هذا العلم النير الواضح .

أما معجم ما استعجم فقد تولى تصحيح ما ارتطم به صاحبه من الخطأ محققه الاستاذ مصطفى السقا ، فنقل ما جاء في الزبيدى شارح القاموس ولكنه لم يفصل بين قول المجد وقول الشارح .

وقد امدني حضرة صاحب ( الاعلام ) بكتاب اسمه ( كتاب عمدة الاخبار فى مدينة المختار ) للمحقق العلامة الشيخ احمد عبد الحميد ، نشره السيد أسعد طرابزوني الحسيني جاء فيه ص ٢٤٩ ما يأتي :

" ثور جبل صغير جدا وراء أحد ، وقال بعض الحفاظ : ان خلف أحد من شماله جبلا صغيرا مدورا يسمى ثورا ، يعرفه اهل المدينة .

قلت : وانا منهم ان شاء الله . ورأيته وعاينته . وليس الخبر كالعيان " .

ثم نقل ما قاله ابو عبيد ، وما تأوله

المتأولون

ثم قال : وقد قال العلامة مجد الدين الفيروزابادى : لا أدرى كيف وقعت المسارعة من هؤلاء الاعلام الى اثبات وهم فى الحديث الصحيح المتفق على صحته ، بمجرد دعوى أن أهل المدينة لا يعرفون جبلا يسمى ثورا ، .

وللصديق المؤرخ المحقق السيد خير الدين الزركلي شكرى الجزيل على اهتمامه بهذا الموضوع وجليل عنايته به ، ثم امدادى بهذا الكتاب وكتاب " آثار المدينة المنورة " .

وجاء في كتاب : " وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى صلى الله عليه وسلم " للعلامة السمهودى نزيل طيبة المشرفة بالجزء الاول ص ٦٦ :

" وثور جبل فى ناحية احد ، وهو غير جبل ثور الذى بمكة " . ثم قال : وقد صح بما قدمناه أن أحدا من الحرم . لان ثورا حده من جهة الشام . . .

مجلة ( الازهر)

اشترك في نشرتنا البريدية