الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 3الرجوع إلى "المنهل"

جغرافية الاندلس واوروبا من كتاب " المسالك والممالك "

Share

ما أجمل الرجوع الى آثار اسلاف الامة الماهدين في بحوث التاريخ والجغرافية والعلم ، لمعرفة روافد حضارة العصر . . وقد أسهم فى هذا الصنيع البناء . الدكتور عبد الرحمن على الحجى باخراجه وتحقيقه

لجفرافية الاندلس واوروبا من كتاب " المسالك والممالك " لابى عبيد البكرى . . ذلك الكتاب الذى فقد اصله وبقيت منه قطع هنا وهناك جمع الدكتور اشلاءها ، وكون منها هذا السفر النفيس المرتب المفدى .

ولاهمية الكتاب العلمية واهمية مؤلف أصله واهمية مؤلف فرعه . . عنيت بتتبع ما ورد في تحقيقات الدكتور معترفا بانه حائز قصب السبق ، وحائز تفضيلا . . فى مهمته . . فله الثناء العاطر ، وليت علماءنا الذين استقوا جل معلوماتهم الدراسية من من منابع الحضارة الغربية والعلم الغربى سلكوا هذا المنهج ، اذن لافادوا بلادهم واعتهم والعالم خير افادة واقواها وانضرها . .

فاولا - فى الصفحة ٤٠ لخص الدكتور بحوث الكتاب الاصلى عن عمر الارض وابتداء الخلق وقال : ثم تكلم - ابى البكرى - عن الانبياء . . وادخل بينهم جالوت . . فهل جالوت من الأنبياء حقا ؟

و " المحقق " هنا ينقل ذلك عن الدكتور صالح أحمد العلى رئيس دائرة التاريخ والآثار بجامعة بغداد وعميد معهد الدراسات الاسلامية العليا . . فاليه يوجه السؤال .

وثانيا - جاءت فى أصل الكتاب صيغة " العجم " مرارا فيقول أبو عبيد البكرى مثلاكما نقله المحقق في ص ٦٠ : ولولها يوم ترده العجم " . ويقول فى ص ١٠٨ عن رومية : " ولم تزل معظمة عند العجم من ذلك الوقت " . ويقول فى ص ١١ : " وكان من مضى من ملوك الاعاجم يتداولون بمسكنهم اربعة من مدن الاندلس : اشبيلية وماردة وقرطية وطليطلة " .

وموضوع المناقشة هنا هو ان " المحقق الدكتور الحجى " فسر كلمة " العجم " الواردة فى أصل كتاب البكرى ب " النصارى " هامش ص ٦٠ وانا اخالف عن رأيه وارى أن مراد البكرى بالعجم فى كتاب المسالك والممالك حقيقة معنى صيغة " العجم " لغويا . . وهم الناس المقابلون للعرب . . أيا كانوا . . وبهذا المعنى وردت صيغة العجم فى القرآن المجيد ، فالعجمة معناها عبر العربية من اللغات . . والعجم غير العرب من البشر ، وليست العجمة دينا والعربية دينا حتى يصح ان نقول ان مراد البكرى بها فى كتابه هو " النصرانية " وان مراده بالعجم هم النصارى وحدهم . . ويتضح هذا المعنى الذى يقصده البكرى تماما من مراجعة نصوص كتابه نفسه . . ففى الصفحة ١٠٧ و ١٠٨

يقول البكرى ما نصه : اشبيلية بناها يوليش - يوليوس القيصر - سنة ١٣٠ ق . م ، وانه اشتق لها اسما من اسمه ومن اسم رومية فسماها " رومية بوليش " . واضاف البكرى الى ذلك قوله : " ولم تزل معظمة عند العجم من ذلك الوقت وقد كان منهم رجال ولواء قيادة العجم العظمى والمملكة بمدينة رومية " . فمن هذا النص يتجلى ان العجم كانوا يعظمون اشبيلية منذ بنائها قبل الميلاد بمائة وثلاثين عاما . . واذن فالعجم فى اصطلاح كتاب المسالك والممالك هم غير العرب مطلقا لا النصارى وحدهم . . فقد يكون من النصارى عرب . . والنصرانية دين وليست جنسا .

وثالثا ورد فى المنقول من اصل الكتاب : " وجعل لها اثنى عشر مدينة " ص ٦١ فان لم تخفى الذاكرة فان الصحة : " اثنتى عشرة مدينة " . وفى القرآن المجيد ما يؤيد هذه الصحة فى التعبير . . " فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا " ( سورة البقرة ) .

ورابعا - مما افادنابه البكرى انه كان للبحر الابيض المتوسط لديهم اسمان هما : البحر الشامى ، وبحر نيران . وفسر ذلك بان " معناه الذى يشق دائرة الارض " ص ٦٨ .

وخامسا وبين مدن جليقية ذكر المؤلف البكرى مدينة " براقرة " واطنب فى وصفها وقال : " وهى اليوم مهدومة الأكثر خالية ، هدمها المسلمون واجلوا أهلها " ص ٧٢ . . وحينما علق " المحقق " على هذا لم يفدنا بنتائج تحقيقاته عن هذه المدينة وهل اعيد بناؤها ام لا ؟ وكل ما قاله عنها : " ولعل ذلك كان اثناء عمليات الفتح الاسلامي للاندلس او فى المعارك التى تلته " . هاهش رقم ٢ بالصفحة ٧٢ .

وسادسا وفى الكتاب الاصلى للبكرى : " المسالك والممالك " يورد لنا البكرى أول انشقاق اسلامى حدث فى الاندلس . . وذلك بالتجاء أمية بن اسحق الاموى أخى عبد الرحمن وزير عبد الرحمن الاموى - المسمى أحمد بن اسحق - الى " رودمير " ، يدله على عورات

المسلمين ص ٧٦ وقد جعله رودمير وزيرا فى بلاطه ولا بد انه كان وزيرا للشئون الاسلامية فى الاندلس على نحو ما سمعناه في عهد استعمار الغرب الاخير لديار الشرق الاسلامى من الألقاب المضللة لمن يسمعها فيخال لاول وهلة انها وضعت لصالح المسلمين المحتلة ديارهم ، وانما هي قد جعلت للتضليل المتقن . . كان هذا اول الوهن فى الاسلام بالقرن الرابع الهجرى . . وقد انتصر الاسلام آنذاك على اعدائه وعاد أمية الى حظيرة الدولة الاسلامية .

سابعا ومن مميزات تحقيقات المحقق " الدكتور الحجى " تفليته لكتاب المسالك والممالك للبكرى ووصوله بدراساته العميقة الى حقيقة العبارات التى نقلها حرفيا وبالمسطرة ، من سلفه المسعودى المؤرخ الجغرافى الذى عاش قبله . . مما كان مثار ارتباك في كتاب المسالك والممالك ، كشف عن مواقعه الدكتور فكان له فضل التحقيق الهادف . . انظر مثلا هامشه ذا الرقم ( ٣ ) بالصفحة ٧٩ .

ثانينا وقد اعجبنى ذلك الوصف الذى نقله البكرى عن ابراهيم بن يعقوب الاسرائيل الطرطوشى لبلد الجليقيين واهله . وها انذا انقل لادلل على حالة الافرنج الحلقية والاجتماعية ومأكلهم قبل اتصالهم بحضارة الاسلام . قال ابراهيم بن يعقوب الاسرائيلى الطرطوشى : ( بلد الجليقيين سهل جميعه ، والغالب على أرضهم الرمل ، وأكثر قوتهم الدخن والذرة ، ومعولهم فى الاشربة على شراب التفاح ( البشكة ) وهو شراب يتخذ من الدقيق ، واهله اهل غدر ودناءة اخلاق لا يتنظفون ولا يغتسلون فى العام الا مرة او مرتين بالماء البارد ، ولا يغسلون ثيابهم منذ يلبسونها الى أن تنقطع عليهم ، ويزعمون ان الوسخ الذى يعلوها من عرقهم تنعم به اجسامهم وتصح ابدانهم . وثيابهم أضيق الثياب ، وهى مفرجة يبدو من تفاريجها اكثر ابدانهم ، ولهم بأس شديد لا يرون الفرار عند اللقاء فى الحرب ويرون الموت دونه ) ص ٨٠ و ٨١ .

انه وصف وائع ودقيق من يهودى للنصارى قبل نحو الف عام

تاسعا - فى الصفحة ٨٣ يقول البكرى : ومن البرتونيين والجليقيين والبشاكسة كان حشد طيطش الى الشام حين خرج يريد بيت المقدس " وفى الصفحة ١٠٩ و ١١٠ و ١١١ تفصيل لحملة طيطش أو ابن طيطش على بيت المقدس . . فيقول البكرى : " ومدينة اشبيلية موفية على النهر وهو فى غربيها . . ويذكر فى بعض الاخبار ان اشبان بن طيطش من ذرية طويل بن يافث ابن نوح عليه السلام كان أحد الاملاك الاشبانين ، خص بملك اكثر الدنيا - الى أن يقول : " فلما ملك نواحى الاندلس وطاعت له أقاصى البلاد خرج فى السفن الى ايلياء - القدس - من اشبيلية فغنمها وهدمها وقتل بها من اليهود مئة الف ، وسبى مئة الف ، وفرت فى الارض مئة الف . وانتقل رخامها الى اشبيلية وماردة الى ان يقول عن اشبان بن طيطش : " وانه حضر خراب بيت المقدس الاول مع بخت نصر "

عاشرا - ويعبر البكرى بصيغة " بنات " ولعله بقصد بها " المدن الصغيرة أو القرى الريفية التابعة لعاصمة المنطقة . . فيقول : " والتطيلة مدن وبنات منها طرسونة " ص ١٩

كما يعبر بصيغة " الاقاليم " وربما تعطى عنده معنى " الملحقات " في اصطلاحنا بالمملكة العربية السعودية حاليا . . قال : " ولاشبيلية من الاقاليم اقليم المدينة ، اقليم الية ، اقليم السهل ، اقليم الشعراء " الخ . . وقد لفت نظرى صيغة " الشعراء " التى هى الارض الشجراء ، وربما اطلق على مدينة شعراء بنجد هذا الاسم ، لما لوحظ من وجود الشجر بها قديما او حديثا او هما معا كما اشار اليه الاستاذ البحاثة الطلعة الشيخ أحمد بن ابراهيم الغزاوى فى احدى " شذراته الذهبية " المنشورة بهذه المجلة والبكرى يسمى " العاصمة الكبرى ، باسم " ام قواعد الاندلس " وهى اشبيلية . . وان ثم تخنى الذاكرة فان المتنب سمى " حلب . فيى عهد سيف الدولة - " أم العواصم "

حادى عشر - وحينها ذكر المؤلف البكرى كلمة " الاشنان " قال " المحقق " عنها انها كلمة يونانية

وهى مادة كيماوية للتنظيف " هامش ص ١٢٦ ، والذى اعرفه ان الاشنان هو نبت يجفف ورقه ويسحق وتغسل به الملابس والابدان والايدى . . والتعبير عنه بانه " مادة كيماوية للتنظيف ، فيه فظ فغفضة التعريف به وعدم تحديد المعرف تحديدا دقيقا بينا .

ثانى عشر - يعبر المؤلف البكرى دائما كعادة الاندلسيين بصيغة " القبلة " ويريد الجهة التى فيها الكعبة المعظمة بالنسبة للبلد او البلاد او الجهة التى يتحدث عنهما . هى عبارة اسلامية محض ، واصطلاح اسلامى معروف . . ولكن المحقق لم يعن بالتعريف بهذا المصطلح برغم وروده في الكتاب الاصل الذى قام بتحقيقه . . راجع ص ١٧٩

ثالث عشر - وحينما ذكر البكرى جزيرة قبرس كتبها بالسين لا بالصاد ، وهو نطق عربى لها مطابق المنطق الافرنجى وقد أورده المحقق هكذا فى الهامش رقم " ٢ " ص ٢١٠ كما ساقه المؤلف الا انه اضاف اليه تصحيحا خاطئا هو قبرص " .

هذا وقد احسن " المحقق " اذ وضع فهارس كشافة المكتاب ، والكتاب مصحح وما فيه من اغلاط مطبعية طفيف لا يخلو منه اى كتاب مهما يحقق او يدققق فى تصحيحه وبالجملة والتفصيل فشكرا جزيلا نزجى للدكتور الحجى ازاء اخراجه وتحقيقه لاثر علمى مفقود من آثار اسلافنا المهمة ، على المنهج العلمى الحديث

اشترك في نشرتنا البريدية