) الزراعة حياة الأمم . وتقدمها عنوان تقدمها ، وتأخرها عنوان تأخرها وقد كانت هذه البلاد بلاد أزراعية ففيما قبل التاريخ كانت تموج بالمزارع الخضر الفيح ، وبعد التاريخ حينما بدأ عصر الجفاف يشمل اكثر مناطقها قاوم السكان الجفاف فاستنبطوا المياه وبنوا السدود للمحافظة على مياه الامطار واستعمالها فى الرى والسقى ، واستمر الحال على ذلك حتى صدر الاسلام ، حيث شاهدنا نهضة زراعية جبارة فكانت المدية المنورة تمون بفائض حبوبها الشام فى كل عام ، بعد ان كانت قبل نحو ثلاثين عاما تصل اليها مؤونتها من هذا الطعام من مصر ومن الشام ؛ واليوم بعد الف وثلاثمائة عام تبدأ حركة زراعية جديدة فى البلاد تغذيها جهود الحكومة الموفقة ويستبشر بمطالعها السكان . . وقد تركزت هذه الحركة الآن فى مديرية الزراعة العامة وعلى رأسها سعادة المشرف العام عليها الشيخ محمد سرور الصبان فرمقتها العيون تريد شيئا جديدا وشمولا للازدراع واستكفاءا من المزارع والمقامح والمتاين والمتايت والفواكه وغيرها ) ومديرية الزراعة حديثة العهد بالانشاء ولها مشروعات وتجارب واجراءات مبدئية محجب اغلبها عن انظار الجمهور . . لهذا رأينا ان نتوجه بالحديث الى سعادة مديرها العام الاستاذ السيد أحمد عبيد ، وقد سألناه اسئلة فى صميم المشروعات الزراعية والاحياء الزراعي المرتقب فأجاب على كل سؤال ، بما يراه القراء فيما يلى : (
قلت لمدير الزراعة العام :
، - قبل كل شئ يهمنى ان اتقدم بالشكر والتقدير لمديرية الزراعة العامة حيال ما بدأت تقوم به من تجارب زراعية فى اراضى المملكة الواسعة ، وما قامت به من توزيع الاف الاشجار على المزارعين خاصة ، وقد فهمت من بعض رجال هذه المديرية ان اكثر
هذه الاشجار من الفواكه قد اثمرت ثمارا جيدة وخاصة فى منطقة الرس . . ويشاهد ضمن تجاربكم الزراعية الحقول التى انشأتموها فى حدة بين مكة وجدة ، وفى ضاحية جدة الشرقية قريبا من الكيلو العاشر . . هي حدائق نموذجية مبشرة بالمستقبل الطيب ان شاء الله . ولكننى لا اكتمكم انني لاحظت على ) اولاها ( كثرة غراس النخيل ، والنخيل - كما تعلمون - مادة غذائية اصيلة فى جزيرة العرب ، ولكن يوجد منها لدينا الكثير ، فى الوقت الذى نحتاج الى غيره من الحبوب والقطن والفواكه ، لنسد حاجاتنا من كل ذلك حصوصا فى اوقات الحروب والمجاعات العالمية المرتقبة بين كل حين وآخر . . كما ان المزرعة ) الاخرى ( الواقعة قريب جدة بها اشجار باسقة ظليلة ولكنها غير مثمرة وبها نباتات الزينة الرائعة ولكنها ليس لها ثمار تؤكل ، ونحن فى حاجة قصوى الى ايجاد المزارع الضرورية للمعيشة قبل كل شئ افلا ترون اذن ان النهضة الزراعية المنشودة والمأمولة من مديريتكم العامة ينبغى ان تنصب جهودها قبل كل شئ على ايجاد هذه النواحي الحيوية الهامة ؟ .
وقد اجاب العالم للزراعة قائلا :
- حقيقة إن واجبنا نحو انهاض الزراعة كبير وعظيم ، ونحن عاملون على الوصول الى اهدافنا بالتدريج ، والآن فان اجراءنا للتجارب الفنية على الاراضى قائم على قدم وساق ولا يخفاكم ان هذه التجارب لا يمكن ان يظهر اثرها مباشرة ، بل لا بد لها من مرور الوقت الكافى ، وهو ثلاث سنوات لكل تجربة .
هذا من جهة ، ومن جهة ملاحظتكم على مزارع جدة ، فيسرني ان أبدى لكم ان تلك المزارع لم نقم بزراعة النخيل فيها اعتباطا ، بل انما قمنا اولا باجراء التجارب الفنية على الارض نفسها ، وقد ظهر من نتيجة الاختبارات الفنية انها ارض تغلب عليها الملوحة ، ومياهها كذلك لا تخلو من ملوحة ، ولذلك قرر الخبراء عدم زراعة شئ فيها ما عدا النخيل وبعض الاشجار القريبة من طبيعة النخيل ، ولذلك قمنا
بزراعته ، والنخيل يثمر التمر ، والتمر كما لا يخفاكم هو طعام مفضل ووحيد لدى سكان البادية فى هذه المملكة وهم ليسوا بالقلة التى لا تجب العناية بغذائهم ، وحقيقة إن الحاضرة أكلهم للتمر محدود ، ولكن هذا لا ينفى انه طعام اصيل لدى كثير من سكان البادية الكثيرين
اما مزرعة الكيلو العاشر قرب جدة فلبست مخصصة لاشجار الزينة والتظليل ، هى مزرعة نموذجية للتجارب ، وفيها مشاتل زرعنا بها مختلف انواع الفواكه ، وخبراء الزراعة عندنا يقومون دواما باجراء التجارب اولا ثم فحص النتائج ثانيا والعمل بما توجبه ثالثا
قلت :
- اني اشكر لكم تبيان هذه المعلومات القيمة عن اعمال ادارتكم التى هى من اهم الادارات لحياة البلاد وضمان استقرارها ، فنجاحها معناه نجاح البلاد كافة . ولكن ياسيدى الفاضل الا ترون معي ان المناطق الموجودة فيما بين جدة وذهبان ، وذهبان وعسفان ، ومر الظهران ، ) وادى فاطمة ( الى رابغ ، ثم الى المدينة قريبا من الساحل ، هي مناطق خصبة التربة قريبة المياه ، وتصلح لزراعة كميات من الحبوب والفواكه تغنى بلادنا وتقيها شر الازمات ، فيما إذا وجهت العزائم الصادقة لذلك واجريت التجارب الفنية الدقيقة وصرفت الاموال الطائلة ، افلا يكون اذن من العمل الصالح قيامكم باجراء التجارب التمهيدية على هذه المناطق الفيح الواسعات ، تمهيدا للاستكفاء الذاتى ، لنا من الاقوات ، ثم تمهيدا للتصدير فيما بعد ذاك ؟
وهنا قال المدير العالم للزراعة :
- لا شك ان اغلب هذه المناطق خصب كما قلتم ، غير ان كمية المياه الجوفية فى اغلبها قليلة وشحيحة ، ولا تفي بزراعة شاملة لها . ثم لا يخفى عليكم ان بلادنا لا تنعم بما ينعم به غيره من البلدان الزراعية فى العالم . فليس . لدينا انهار جارية ،
ولا ينابيع وشلالات متدفقة ، ولكن كل هذا لا ينبغي ان يقف حجر عثرة امام مشروعاتنا وامام النهضة الزراعية الحديثة . . علينا ان نذلل الصعاب ، وان نسير قدما الى الامام ، وهكذا فان البحوث التمهيدية للاستفادة من مياه الامطار عن طريق اصلاح ) السدود القديمة ( واقامة سدود حديثة ، والاستفادة من استنباط المياه الجوفية سائرة على قدم وساق .
وقد قلت له عندها : - هذا كله حسن ومفيد ، ولكن من هم الموكل اليهم امر هذه المباحث الفنية ؟
. ٠ فاجاب قائلا : - تقوم بهذه الابحاث ) مديرية الزراعة ( بالتعاون مع بعثة منظمة التغذية والزراعة العالمية وبعثة النقطة الرابعة الجيولوجية .
فقلت له : - فما الذى توصلتم اليه من كل ذلك ؟
فاجاب : - لقد انتهت الابحاث فى جميع مناطق جنوب المملكة وصارت عندنا ذخيرة عن فهم طبيعة تلك الارضين الخصبة وماذا يجب ان يقام به من المشروعات الزراعية فى انحائها . وسيبدأ دور التنفيذ قريبا ان شاء الله
: قلت : - فما هي المشروعات الهامة التي اننويتم القيام بها مبدئيا ؟
قال : - لا شك ان لدينا مشروعات زراعية هامة وافية ، وسنقوم بها تدريجيا نتيجة لما تجمع لدينا من دراسات ، واننا نعلق عليها الامل الكبير ، ان سوف تقوم بسد
حاجة البلاد من المواد الغذائية والحبوب منها على الاخص . - والسدود ؟ اين هى التى ازمعتم القيام بإصلاحها ؟
: قال - هناك ابحاث تجرى للبدء فى اقامة سد عكرمة وسد ثمالة بالطائف ، قبل كل شئ . . والبقية تاتى . وتقوم مديرية الزراعة بالتفاوض الآن مع مهندس عالمى فى مصر للتعاقد معه كيما يشرف على تنفيذ هذه المشروعات وامثالها
قلت : - فما هى اذن اهداف مديرية الزراعة الآن ؟
قال : - اهدافها الآن تنمثل فى مساعدة الفلاح بشتى طرق المساعدة حتى ينهض بزراعة حقله لخير البلاد وخير نفسه واسرته ، وتقديم قروض للمزارعين فى شكل الآت ميكانيكية زراعية . وقد سبق ان قدمت الحكومة روافع المياه الحديثة للمزارعين ، ووزعت بذورا واشجارا من مصروسوريا وايطاليا على آلاف المزارعين فى الحجاز ونجد والجنوب حتى ابها ، وقد شحنت لهم هذه الأشجار فى سيارات .
وتفكر مديرية الزراعة الآن فى التوسع فى استيراد التراكترات والحراثات وسائر الآلات الزراعية الميكانيكية الحديثة كالحاصدات وغيرها ، وذلك لسد نقص الأيدى العاملة ، وللقيام باعباء الزراعة بابسط الاجور واقل التكاليف ، وعلى احدث الطرق ان شاء الله .
ولا ريب فى ان ذلك خير مدعاة لتقوية المزارع ماديا وامكانه من ان ينتج باكبر عدد ممكن وان يتوسع فى زراعته باطمئنان .
كما ان المديرية تدرس الآن استصلاح الاراضى البور ، وهو مشروع مهم جدا ، وقد تستغرق دراسته مدة طويلة ، ولكنه من ضمن برامج المديرية .
وتفكر المديرية كذلك فى التوجيه الى تأسيس ) جمعيات تعاونية زراعية (
تقوم لمصلحة الفلاحين الى جانب مديرية الزراعة ، فى توجيه المزارع واصلاح حاله وتعضيده ماديا .
وكخطوة مبدئية لهذا فكرت المديرية فى ان تنشئ علاقاتها القوية مع الهيئات الزراعية القائمة قديما فى انحاء البلاد توحيدا لجهودها فى الاصلاح الزراعي العام .
ومما تهدف اليه المديرية انشاء محطات تجارب زراعية ، وستبدؤها بمزرعتين مهمتين اولاهما فى ) هدة الشام ( بوادى فاطمة والاخرى فى ) بئر عثمان ( بالمدينة المنورة .
وهذا الى جانب مزرعة الكيلو العاشر النموذجية الواقعة بطريق جدة الى مكة . وبالاضافة الى مزرعة بحرة الجديدة والمزارع الاخرى المماثلة .
وقد تعاقدت المديرية على استقدام آلات ) ارتوازية ( للاعماق ، وطلبت مبدئيا ثلاثا منها امريكية من علامة ) اسبيداستار ( رقم ٧٢ ، وهذى مجهزة بسياراتها وبجراراتها وبلوازمها كاملة تأمينا لتنقلها فى أى مكان يلزم . وقد تعاقدت المديرية ايضا مع وكلاء مضخات المياه : وكلاء مكائن رستن ، وتانجي ، وناشيونال ، وبيتر ، على توريد كميات كبيرة منها توزع بوساطة مديرية الزراعة وبضمانها وكفالتها وبشروط يحفظ فيها حق المزارع وصيانة ماكنته ، ومن ضمن ما شرط على الوكلاء تأسيس معامل ) ورش ( فى كل منطقة يبلغ عدد ما بها من المضخات خمسين ، وايجاد مهندسين ثابتين ومتجولين فى كافة المناطق على نفقة الشركة نفسها ، وتوفير قطع الغيار بما لا يقل عن ) ٢٥ ( بالمائة من قيمة المكائن الموجودة ، على ان تباع قطع الغيار هذه على المزارعين باسعار محدودة تحت رقابة هذه المديرية .
والمديرية فى سبيل عقد اتفاقيات مماثلة مع الوكلاء الآخرين الذين يتعهدون بالقيام بمثل هذه الالتزامات
والمهم بعد هذا كله ان المديرية تفكر فى اعادة تنظيم نفسها بما يكفل لها مسايرة التطور المرتقب ، ويجعلها قادرة عل الاشراف والتوجيه والانتاج
