الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 8الرجوع إلى "المنهل"

حديث وصراحة, حديث الروح

Share

كائنات الغابة :

عندما تسقط أوراق الغابة في فصـــــل الخريف الواحدة بعد الاخرى يكون ذلــك معقولا وطبيعيا - انها تسقط في عملية تجديد للشجرة نفسها ، لان الفصـــــــول الثلاثة كافية لعمر الورق وضعف نضارته وما دام لكل الكائنات الحيـــــــة موعد للنهاية فنهاية الورق في الخريــف ، وهذه النهاية هى الخـــــــلاص مــــــن ورق ثقيل ذوى ومات ، ليبدأ بعده ورق جديــد فيه خفة الحمل وجمال المنظر وقابليـــــة التغذى ليعيش فترة أخرى تماثل الفتــــرة الماضية . .

ان فترة الخلاص من هذه الاوراق هى معنى التجدد واكتمال العمر ، عمر الشـــــــجرة وأغصانها التى لن تكون بعد هذا الاكتمال الا هشيما يؤول الى ذرات من تراب ، هى ذلك الذى  نمشى عليه ونطؤه بأقدامنا ليكون بعد عشرات السنين وحـــــــدات من تلـــــك الجزيئات التى تتدفق لتشارك في تــــكوين الطبقات المتراكمة للارض ، انهـــــا بالمعنى الواضح طبيعة الحياة في جزئياتها ومكوناتها : وجود وتجدد ، ثم تآكل وفناء ، مع اختلاف كينونة هذه العناصر وأيلولتها بعد هـــــذا الفنـــــــاء أو نهايتهـــــــــــا ، ولـــــــكن أوراق الشجر في الغابة ليست كلها ذلك القائم على هذا الترتيب المتدرج في عملية آلية متكررة ، قد يكون هو ذلك وقد يكون ذاك الذى نما ولكنه انتهى قبل اكتمال مدته الطبيعيـــــة فقد تسقط الاوراق قبل حلول الخريف ، في الشتاء ، فى الصيف في الربيع ، وقـــد تموت الشجرة الام بأكملها قبل اكتمـــــــال حياتها المعتادة ، اما بفعل عوامل طبيعيـــــة معينة كفقدان الماء أو وجوده أو تغير التربة

يمتد اليها من شــــــــــلال أو

في الغابــــــة . ومسمياتــــــه الحية فيها .  أو اضطرابها كل والتكوين القوى المقدم ديئة . . فيه . فيه التضاد ان الغابـــــــة خــــــــــلاص )) قوياء اشباعا ــادة تطبيقا في جانـــــــب يتفق الضعفاء ـــاع الكثــــــــرة خلاص منها .

ذلك هـــــــو الغابة موزعة لكل فصيله ســــــــالمة لا هى الأخرى الاليفة لا لأن في ذلك ور النافرة لها التلقائى

حيوان ؟ ساقط في ذاك الشرس

ــان تماثل تماثلهــــــا

في هذا التساقط اللامعين . وفق الحكمــــــة الربانية المحكمة . . وتماثلها في وجود هذه الاصناف المتنافرة من البشر فى طبائعها . . في تقاليدها . في طقوسها ، في تباين مصالحها والادوات التى تمثلها على هذا المسرح وفق ظروفها وواقعها ، واذا كان الفـــارق الاول بين سكان هذه الغابة وتلك ، هو وجـــــود العقل في هذا الصنف وفقدانه فى ذلــــك الآخر ، فان الاول لا يعنى بالضرورة أنــــــه ملتزم به تطبيقا وتحكيما . . قد يتجرد منه مدفوعا بأنانية الذات ومصلحة الانانية دافعة ابتغاء الانفراد بالسيادة ليحكم في النتيجة سيادة القوة ، ومن واقع الحال يعـــرف أن العقل ما كان في كثير من الاحوال هو الحكم بل ما أكثر ما كان خاضعا للمصادرة والمجافاة واذا كان الفارق الثاني هو النظام وتحكمـــــه بوجوده في غابة الانسان وفقدانه في غابـــة الحيوان فان النظام ليس الا صورة غـــــــير حقيقية لتصرفات الانسان ، فما يطبقـــــــه ويلتزم به واجبا وأداء قد يخالف به ما هو مكتوب نظرية ومثالا . . فأى فارق بـــــين الحيوان والانسان حين يعتدى هذا على الآخر دون حق وينهى وجوده ؟ !

قد يقال ذلك هو النادر في تصرفاتـــــــــه وليس هو غالب سلوكه ولا سلوك كله . . ذلك نادر ولا عبرة بالنادر ولكنه على أى حال موجود في تصرفاته مع فارق الازمنة ومقاييس تحضره .

وأى فــــــارق بــــين كائنات الغابة وبـــين تصرف رئيس دولة حين يسن قانونا يقضى بحق رجال سلطته في اغتصاب من يشاء من الفتيات في بلاده ؟ وأى فارق بــــــين هــــــذه الكائنات وبين عصابات تبيد شعبا بقـــــــوة المال والسلاح ؟

الفارق كبـــــــير جـــــــدا ومـــــــا دامـــــــــت مقاييس التعقل ومفاهيم النظام لا يأخـــذان

دورهما في تصرفات الانسان ، وما دامـــــــت القوة هى وسيلة في حياته فهو مثيل الحيوان في غابته ، المفاهيم واحدة والوسيلة واحدة واذن لا قيمة لشكليات العقل والنظام مـــــا دامت النتيجة متماثلة . وما غفل عن ادراك الحقيقة أولئك الذين يعتقدون أن وجـــــــود الانسان يكمن في امتلاكه قوة السيادة ليوجد له بالتالى سيادة القوة في هذه الغابة المؤدبة وعلى أي حال تقلبت فيها المقاييس وانعكست المفاهيم في تصرفات الانسان يبقى - ما دام مرتكزه العقل وسنده النظــــــــام - الاولى بالتكريم : ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبــــــــات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ) . صدق الله العظيم .

الطائر الأســــير :

كنت دائما فوق الأفنان ، تغرد ، وكنت دائما ذلك المهاجر الذى يقطع المئات والالوف من الاميال .

كنت أيها الطائر الجميل تهزأ بالصيـــــــاد

أينما رأيته ، تغنى ، تغرد ، تطير . تهاجر ، تســـــــافر . .

في صوتك عذوبة ، وفي ريشك جمال ، وفي جسمك خفة ، وفي تلفتك حذر وترقب .

ثم أصبحت أسيرا في القفص . في شاكه . ذلك الفضاء الأرحب تحول الى قفص صغير أصبحت فيه ترى الاشجار ولا تقدر عــــلى الصعود اليها . .

تمد رأسك الصغير عن خلال شيابيــــــك القفص تستنشق من ورائها الهواء فلا ترى الا بخيلا عليك ، وتتلفت الى الفضاء فلا تراه الا ضيقا عليك .

تتمنى الطيران والتغريد فلا تجدهمـــــا الا حزنا في جنبيك . .

وأنت طائر لا تقبل الاسر ، ولا تعــــرف الضيق ولكنه حظك التعيس حين اصطادك الصياد ووضعك في قفصه لتكون تباع يتندر بها الاطفال ، يضحك عليها الاولاد ، انه شقاؤك الابدى وحظك التعيس وكفى .

( الرياض )

اشترك في نشرتنا البريدية