الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 3الرجوع إلى "الفكر"

حركات الاصلاح الاجتماعي في العالم الاسلامي،

Share

- 2 -  (*)

ب - عوائق داخلية :

ولكن اكانت هذه القوى الخارجية وحدها وراء تعويق حركات الاصلاح والنهضة وقطع الطريق عليها ؟

الحق ان حركات الاصلاح هذه لم تؤت من خصوم العرب والاسلام فحسب ولم تؤت من هذه الدول الاجنبية وحدها وان كانت هذه الدول صنعت كل ما فى وسعها لعرقلة الحركات الاسلامية وتفتيت الجهد العربى . . وانما اتيت هذه الحركات كذلك من بعض النقص الذاتى الذى داخلها .

I - واول ذلك انها يمكن ان تقسم بنوع من القسمة الى نوعين من الحركات : حركات فردية تنهض بها دعاة او تجمع حولها انصار وكانت لها مواقف .

وحركات حكومية قامت بها بعض الحكومات او الدول فعملت على الاصلاح ووضعت مناهجه واتخذت له بعض اسبابه ووسائله وقد يتداخل الوصف فتتخذ بعض الحركات الفردية شكل الدولة او الحكومة كما فى الحركة الوهابية .

وقد كان التكامل والالتقاء بين هذين النوعين ضرورة لاغنى عنها لتحقيق النهضة باكمل معانيها وفى افضل صورها .. ولكننا نلاحظ ان الحركات الحكومية انصرفت عن كتلة الشعب الكبرى او انها لم توله اهتمامها .. على حين لم تحسن الحركات الشعبية أن تؤسس حكما سليما لانها استنفذت جهودها فى المقاومة وصراع الاعداء الداخليين ، والخارجيين على السواء .

ففى حركة محمد على باشا كان هنالك نوع من التركيز على الطبقة العسكرية فى البلاد بل ان الرتب نفسها والالقاب كانت رتبا عسكرية . . وحين كانوا يختارون للاعمال الكبيرة كان الاختيار غالبا مرتبطا بهذه الطبقة او بمن تسرب اليها منسربا من الطبقات الأخرى . . . بل ان المدارس التى هى عماد النهضات كما مدارس مقتصرة - بادئ الامر - على أولاد الامراء والوزراء ..  وما يقال عن المدارس يقال شئ منه او مثله عن اصلاح الارض .. وان كان خير المشاريع المائية يطال الأرض كلها . ولكن الاقطاع لناس باعيانهم كان يحول بين هذا الخير وبين شموله لجمهرة الناس .

الم يكن هذا التفريق بين كتلة الشعب وبين هذه الطبقات العليا فى المجتمع هو الذى قاد فيما بعد إلى حركة عرابى . ؟ ثم كانت حركة عرابى سبيلا الى الاحتلال الانكليزى ثم كان الاحتلال الانكليزى سببا لتأخير النهضة فى مصر عقودا ثم كان تاخير النهضة المصرية وبلبلتها سبيلا الى تأخر الشرف العربى كله .

و فى حركة المهدية فى السودان كان هنالك عناية كبيرة بالجانب الشعبى لان الحركة ذاتها قامت فى صفوف الشعب وبين ابنائه . . ولذلك عمدت هذه الحركة الى جملة من التدابير والاعمال رعت فيها كتلة الشعب ، منها مثلا : هذا الحرص على المساواة بين الفقير والغنى فى مظاهر من مظاهر السلوك المادى والمعنوى " فقد علم المهدى اتباعه الزهد فى الدنيا وملذاتها ونبذ المجد الدنيوى ، وابطل الرتب والالقاب الرسمية وغير الرسمية وفرض عليهم اللباس الواحد الذى يدل على تزهدهم والذى يتميزون به ، لا يتجاوزونه ولا ويتخذون منه سبيلا للفخر ومنها تحريم الاحتفالات الفخمة بالاعراس ذات النفقة الكبيرة وتخفيض المهور والاقتصار فى الولائم على التمر واللبن ، وما الى ذلك مما يربط بين الفكرة وبين الناس هذا الرباط القوى " .

ولكن هذه الحركة لم تستطع ان تنشئ دولة سواء اكان ذلك اثرا لقصور ذاتى ، لتدخلات غريبة فان الامر آل الى اجهاض هذه الثورة وعودة الامور الى ما كانت عليه دون ان يكون لنا هنا رأى فى النظر الى هذا الذى كانت عليه .

2 - ولعل من ملامح النقص الذاتى فى هذه الحركات فى الوطن العربى وفى الشوب الاسلامية انها كانت تتناقض فيما بينها ..  لم تؤل الى ولاء واحد ولم

يكن يجمع بينها هذا التناغم والتناسق الذى يساعدها على ان تتلاقى فى اتجاه مشترك .

وابرز ذلك ما كان بين الترك والفرس اولا ثم ما كان بين العرب والترك . . ولعله لم يصب المسلمون من نحو كما اصيبوا من هذا الخلاف بين هذين الشعبين الكبيرين : الاتراك والفرس فقد استنزفت الخلافات والحروب قوى الفريقين وأورثت العداءات والاحقاد بينهما فأتاح ذلك للدول الاجنبية ان تنفذ لافساد ما بينهما على حين كانت الدولتان مؤملتين ليتألف منهما ومن الشعوب الاسلامية الاخرى نسيج الوحدة الاسلامية .

3 - وفى حركات الاصلاح التى نادى بها افراد من رواد النهضة كان هنالك ما يشبه التناقض فى مواقف بعض هؤلاء المصلحين جاءهم ذلك من تطور ارائهم نتيجة تجربتهم او نتيجة لظروف جديدة وجدوا انفسهم فيها فكان لا غنى لهم من مسايرتها . . فالمصلح التونسى محمد بيرم 1256-1307 ه جاهد اشرف جهاد فى بلده وقارع الفرنسيين ومن والاهم وامتد افقه السياسى الى بعيد وطالب بالشورى والحرية ووقف بوجه الحكام والمستبدين ، وسافر الى باريس وشكا الى الحكومة الفرنسية هناك ما كان من تصرفات القنصل الفرنسى فى تونس . . ولكنه اضطر اخر الامر الى ان يترك تونس وان يعيش بعيدا عنها حتى اذا ادركه اليأس من انقاذ بلاده وعزم على الخروج لم تأذن له الحكومة بسفره فاحتال بطلب رخصة للحج فأذن له فخرج وجاء مصر وسافر الى الحجاز ثم الى سورية فى طريقه الى " القسطنطينية " ولم يطب له فيها مقام فآثر مصر ووصلها بعد الثورة العرابية 1884 وانشأ فيها جريدة اسمها الاعلام كانت تصدر ثلاث مرات فى الاسبوع ثم صارت اسبوعية ..

وفى هذه الجريدة كتب بيرم كثيرا من المقالات ولكنه كانما فقد حماسه الاول وكأن فشل الثورة العرابية قاده الى شئ من الاعتدال فكان فى مقالاته يحاسن الانكليز ويلاينهم على غير ما كان عرف عنه قبل مع الفرنسيين .

هذه الخطة الجديدة دعت الى انتقاده ، لانها تخالف ما كان عليه فى تونس وهو انما هجر تونس وجاء مصر فرارا من الحكم الاجنبى فكيف يكلف المصريين عكس ذلك

لقد احتمل له المصريون أو بعضهم هذا العمل وفسروه بانه انما حث على محاسنة الانكليز والاستفادة منهم لان معاكستهم ، وامر البلاد فى ايديهم

لا يجدى نفعا وان مجافاة الفرنسيين اوجدت اسبابا ساعدتهم على ضم نونس لبلادهم .

مثل هذا التطور الذى عاناه بعض رجال النهضة ومثل هذه الظروف التى وجدوا فيها كانت مصدرا لتشكيك كبير لا فى تلك الفترة فحسب بل وفى عصرنا الحاضر . فمن المعروف مثلا ان الافغانى كان يحمل اشد الحملات على الانكليز وكان يرى انهم بلاء العالم . . ولكن بعض الباحثين من المحدثين لا يرى فيه عدوا لانكلترا بقدر ما يرى فيه انه كان صديقا لروسيا .. والشيخ محمد عبده نفسه لم ينزه عن مثل هذه الاتهامات فى حركته الاصلاحية العريضة ..  ولابد من دراسة حركات النهضة من ان يوضع حد لهذا التشكيك الكبير الذى اصاب اعلاما من اعلام الحياة العربية والاسلامية .

والحق ان الامر فى حياة امثال هؤلاء الرجال سواء اكانوا من العسكريين ام من المدنيين من الملوك او من القواد من المفكرين او من اصحاب السياسية لا يرتد الى التناقض ولا يفسر به ، وانما يرتد الى ظروف ملجئة كانت تضطرهم الى مثل هذه المواقف . . فحين كان الامير الافغانى عاجزا عن مقاومة الانكليز كان يضطر إلى الاستعانة بالروس وكان يحتمى بهم  .. وكان الروس - وهم وغيرهم فى ذلك سواء - يقدمون له الحماية والرعاية ويفسحون له فى العيش وينهضون بنفقاته . . وفى نطاق التفكير كان يحدث شئ يشبه ذلك ، فحين يطارد مفكر الاستعمار يطارده الانكليزى مثلا ، كان لابد له ان يجد عند خصوم الانكليز معتصما له .

هذا إلا ان التحريرية والمعاناة وارتفاع السن وتقدم العمر بالانسان ، تحمل اصحابها عل الاعتدال فى الرأى او المهادنة فى العمل فيفسر مثلا هذا الاعتدال أو المهادنة بأنه تراجع أو تناقض وما هو من ذينك فى شئ .. وانما هو التطور الداخلى الذاتى الذى يقود الانسان الى اتجاهات جديدة ومسالك لم يكن لها بها عهد .

4 - والحركات الاصلاحية الحكومية تمزيت بانها كانت تبدأ دائما من الجيش وتنتهى اليه . . كان هدفها اعتماد القوة والتمكين للنفوذ . ودراسة حركة محمد على وابنه ابراهيم باشا تشير الى ذلك . . فقد كان الجيش بكل ما يتوصل به ،

هو العمود الفقرى فى الاصلاح وما تأتى للناس من هذا الاصلاح فانما تأتى عن طريق الجبش ..

والمعاهد والمدارس والكليات مدينة فى نشأتها الاولى الى دعم القوة العسكرية وضمان بقائها وتقدمها والبعثات وما اورثت من احتكاك حضارى كانت لخدمة الجيش وحركة الترجمة والتأليف والطباعة كانت فرعا عن هذه الاصول .. ولم يكن هنالك ما يمنع من ذلك لو أن هذه المظاهر الحضارية امتدت بعد ذلك فتجاوزت دائرة الجيش الى دائرة الحياة العامة ولم يترتب عليها امتيازات معيةن ذلك لان القوة تظل الاساس فى حياة الشعوب . . ولكن القوة يجب ان تكون فى الافراد والجماعات على السواء . وان تظل خالصة لخدمة الاهداف القومية والوطنية الكبرى ، لا لخدمة اسرة كالاسرة الخديوية ، والولاء الاول انما هو للوطن وليس للاسر الحاكمة كما كان الامر فى نهضة الفرس ايام ناصر الدين شاه او فى نهضة الافغان ايام الامير عبد الرحمن 1830 الا حين تدوب هذه الاسر الحاكمة فى جمهرة الناس فتكون احدى خلاياهم .

هذا الاعتماد على الجيش والتجمع حوله لا نواجهه فى مصر وحدها وانما نواجه مثله فى ايران حتى ليوشك ان يكون التماثل واضحا من هذا النحو بين النهضتين .. كلتاهما انطلق من الجيش وما دفع اليه الجيش من البعثات والمدارس والترجمة والعناية باللغة القومية فقد استقدم فتح على شاه احد مشاهير القواد الفرنسيين - وكان سمع بنظام الجند الفرنسى على ما وضعه بونابرت ومن معه - عشرون ضابطا جعلهم جميعا تحت قيادة ابنه وولى عهده عباس ميرزا وكان يومئذ واليا على اذربيجان فتولوا تدريب الجيش وان ذلك ليذكرنا بما كان من محمد على واستعانته بسليمان باشا الفرنساوى على تنظيم الجيش المصرى .

ان مثل هذا الاصلاح الحكومى الذى يتمحور حول الجيش يجعل كتلة الشعب كأنها بمنأى عن ذلك . . وهو امر قد يقود احيانا الى نوع من التمايز الطبقى والى نوع من الانانية فى اوجه الحياة العامة ولعل التهديد الخارجى المستمر لهذه الشعوب هو الذى اضطر قادتها الى هذا السلوك وهو على كل حال سلوك لا نبحث عن دوافعه او مبراراته وانما نشير الى خصائصه وصفاته لتجنب ما كان من اثاره .

القسم الثالث :

هوامش ونتائج استبعاد واستصحاب أو : تخليته وتجليته .

ان هذا العرض لجملة حركات الاصلاح والتجديد فى الوطن العربى وفى البلاد الاسلامية يضعنا أمام الحاجة الملحة الى دراسة دقيقة لهذه الحركات ، تستكمل فيها وقائعها ، ويجدد تقييمها ، وذلك فى نطاق الهدف البعيد التاريخ السليم لهذه الحركات والافادة من دروسها وتجاربها لا فى حياتنا المعاصرة فحسب بل فى حياة الشعوب الاخرى قد تكون بعض الشعوب العربية تجاوزت هذه المراحل ولاقت ظروفا اخرى جديدة اشد تعقيدا ومع ذلك تظل الحاجة الى فقه هذه الحركات حاجة اساسية فيما كنت أشرت اليه من تبرئة رجالها ، وتحديد ظروفهم ودراسة سلوكهم وفاق هذه الطروف التى احاطت بهم على ان ابرز ما يقودنا اليه هذا العرض ان مجتمعاتنا العربية الاسلامية اذا هى ارادت ان يستمر تحركها وان تتحقق نهضتها ، وان يسلم لها وجودها ، وان تتمكن فى طريق هذا الوجود السليم من عمل مشترك فى نطاق التقدم الحضارى وان يكون القرن الخامس عشر تحركا جديدا وجديا لها ، وان تودع مع القرن السابق حالات التخاذل والتردد وان نستقبل عهد التضامن وتجديد الاخوة ومعاودة الوجود الحضارى - فى حاجة الى ان تستبعد على نحو حازم ونهائى الامور التالية وان تتخلى عنها .

أولا : ان تستبعد كل ما يؤدى أو يشير الى ما يسمى بالتناقضات بين العروبة والاسلام وان يمكن لنا فى قلوبنا وعقولنا جميعا ان هاتين القيمتين الكبريين فى حياة الجماعات العربية والاسلامية معا ليستا بالقيمتين المتناقضتين أو المتخالفتين ،وانما هما قيمتان متكاملتان بينهما هذه الحركة الدائمة وهذا التفاعل الايجابى الكامل - وان تاريخنا لم يداخله الوهن وحركتنا الحضارية لم تعرف التقهقر الا حين نزغ الشيطان بين هؤلاء الاخوة العرب والمسلمين واننا إذا لم ننظر الى أنفسنا كذلك فان خصومنا على مدى التاريخ لم ينظروا الينا الا كذلك وان اية محاولة للتعرى عن هاتين القيمتين فى الحياة العربية او فى الحياة الاسلامية محاولة فاشلة ضارة لا تقود الى شئ قدر ما تقود الى فناء هذه الاجيال من الناس وذوبانها وفناء هذه الاجيال من الناس ليس خسارة لها

وانما هو خسارة للانسانية كلها فالانسانية فى نهاية المطاف أسرة واحدة لابد ان يتلاقى أبناؤها على الخير المشترك وعلى مستقبل الانسان على الارض .. التجارب المريرة التى تعرضت لها الانسانية خلال كل هذه القرون كافية لتفتح البصائر وتلين القلوب وتعود ببنى الانسان جميعا الى قيم مشتركة .

ان تحقيق استبعاد هذا التناقض قد يتراءى لبعض الناس أمرا عسيرا ولكن الذين يفكرون بتعذره انما يفكرون ويحكمون وهم يعيشون اجواء القرون المتخلفة ، ولا بد لنا لكى نعيش قرننا الجديد بكل آماله وتطلعاته وخيره من ان ننتزع أنفسنا من هذا الذى كان معلقا بها ، وان نفكر فى مناى عنه .

لقد استطاعت اوربا ان تنسى خصوماتها وحروبها ورغم حربين عالميتين كبيرتين وحروبا مثل ذلك كثيرا اخمد الشعور بالعداوة بين هذه الشعوب . . وعلى حين كان لا يخلو بيت هنا او هناك من صورة جندى قتل فى المعارك فان أفواجا لا تحصى تخترق الحدود من هنا وهناك ، تتزاور وتتبادل البعثات والمنح والبحث والزيارات وتحيا فى بيوت الشباب حياة مشتركه وتتطلع الى مثل الهدف الواحد ، وتجمعها سوق مشتركة وتؤثر فيها وتدفعها لفافات وافكار متلاقية ويتناغم وقع اقدامها على طرق السعادة والخير.

ثانيا :ويجب ان يقدم ذلك أو أن يصاحبه استبعاد كل التناقضات الداخلية فى الوطن العربى ايا كان مرجع هذه التناقضات .

ان العربية لساننا والاسلام هو الرسالة التى حملها الله العرب الى الناس . . خرجوا به من دائرتهم وارتفعوا به الى دائرة المجتمعات الكبرى وهو دعوة للعرب بقدر ما هو دعوة للانسانية جميعا . . اطللنا من خلاله على العالم ، واسهمنا من خلاله فى الحضارة الاسلامية وفى تجربة تكوين المجتمع العالمى . . وايا كان تباين المعتقدات فى الحياة العربية فانها ملتقية لاشك على قيم مشتركه تجعل من العمل العربى كله وحدة ومن المجتمع العربى وحدة  ومن الطموح العربى طموحا يتعاون عليه الفكر واللغة والتقدم المنشود والمهمات الحضارية المرتقبة .

ان سمة أساسية تطبع هذا العصر وتكاد تكون نزوعه المشترك .. تلك هى المواءمة والملائمة بين التفريع والتوحيد أو بين التنويع والتجميع .. هناك تحرك واضح فى حياة الشعوب للوصل بين هاتين القيمتين فى الحياة الانسانية :

التنويع والتجميع ، عن طريق التقريب والتعارف والتآلف وهدم الحدود والسدود ، وتحويلها من ان تكون نقاطا عازلة شائكة الى ان تكون نقاط التقاء وتواصل واطلالات مستمرة متبادلة بين طرفيها من هنا وهناك . . وذلك هو الذى عبر عنه القرآن الكريم احكم تعبير واوجزه حين قال :" وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا"  . انه اثبت التنويع شعوبا وقبائل ولكنه اثبت في ذات الوقت التجميع " لتعارفوا " ولعل عمله فى تاريخ الانسانية الكبير انما هو محاولة لاقامة هذه النظرة وتجسيد هذه الافكار.

ان ما يصح على المجتمعات الكبيرة يصح كذلك على المجتمعات الصغيرة ، بل انه ليصبح على نحو اشد واقوى ان تدعو اليه الحياة اليومية المشتركة والمواطنة الشريفة والواقع المعاش والظروف القاهرة التى تحاول ان تتغلب على قهرها ، والحياة القلقة التى نعانيها من جراء هذه التناقضات .

ومن المؤكد ان الحياة العربية قطعت فى ذلك اشواطا ، ولكن لا يزال امامها كثير مما يجب ان تنهض به فى هذا السبيل لاستكمال صيغ تساندها فيما بينها أو اقترابها من درجة الانصهار وبروزها كتلة واحدة كما تبرز ثمرة البرتقال : فروق ما بين فصوصها لا ينفى بحال من الاحوال وحدتها كثمرة طيبة .

( يتبع )

اشترك في نشرتنا البريدية