الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 4الرجوع إلى "الفكر"

حول الجوائز العلمية والادبية

Share

فى اواخر كل سنة تقوم ضجة فى العالم حول تخويل جائزة نويل Nobel التى اسست بفروعها الخمسة من اجل منح النبوغ والعبقرية فى مختلف ميادين الفكر ما يتشوفان اليه بطبيعتهما من التمجيد والاكرام المطبق آفاق الارض حتى يصبح صيتهما مصداق قول الشاعر المعروف

فسار به من لا يسير مشمرا    وغنى به من لا يغنى مغردا

ولجائزة نوبل Nobl قصتها الطريفة الحرية بالذكر بما حوته من مجال للعبره . فهى من ابتكار وتاسيس وتمويل العلامة الكيميائى السويدى الفريد نوبل اAlfred Nobe ( ولد سنة 1833 وتوفى سنة 1896 ) . وهو أول مخترع لماده مفرقعة مبيدة اطبق صداها الخافقين ، وتلك هي مادة النيتورغليسيرين التى صنع منها الديناميت . وهي التى مهدت السبل للمجازر الهائلة التى تضخمت بها قائمة الضحايا طيلة الحروب العالمية وما اشبهها ، الى ان وفق العلم الى استخدام القوى الذرية وتسخيرها لعين الغرض الفتاك ، فاصبحت من يومئذ مخترعات نوبل الاعيب صبيان ، وانقلب جحيمها الى فردوس نسبى

واحرز المخترع المحظوظ ثروة طائلة نتيجة لرواج مخترعه ، وكأنما خامره بعض الندم من جراء ما جناه مخترعه من الويلات ، فاراد ان يكفر عن ذلك بعض الشئ . فخصص قبيل موته بمقتضى وصية له معظم ثروته لانشاء جائزة نوبل العالمية ذات الفروع الخمسة . اذ هي عبارة عن خمس جوائز سنوية تمنحها المجامع العلميه السويدية احداها مخصصة للطب والعلوم الحيوية ، وثانية للعلوم الطبيعية ، وثالثة للفلسفة ، و رابعة للأمن وما اليه , وخامسة تخول من طرف مجلس النواب السويدى تسدى لمن قدم اجل خدمات لقضية السلم والتاخى بين سائر الشعوب . ولا ينظر في تخويل هذه الجوائز إلى معتقد او جنس . ففي كل سنة تقريبا يتوج اكليل هذه الجائزة السنية قدرا ومقدارا مفرق نابغة فى الأدب ، ومفرق نابغة فى الفيزيا وما اليها الخ .

اما المحرز لهذه الجائزة فى مضمار الآداب عن سنة 1962 فهو الكاتب القصصى الأمريكى جوهن ستاينبك John Steinbek  وهو من مواليد اوائل القرن العشرين ، وفى طليعة من ذاع صيتهم من كتاب الولايات المتحدة حوالى منتصف القرن العشرين فما بعد ذاك التاريخ . نخص بالذكر منهم Hemingway             Faulkner  وDos Passos  ولربما كان هذا الاخير هو الذي كان يبدو

المتأهل لنيل ذاك الفخر ، لكن المقادير او اغلبية الأصوات بالمجمع العلمي السويدي قد رجحت كفة ستاينبك المحظوظ .

نشأ ستاينبك فى وسط متواضع شعبى بولاية كاليفورنيا التى اتخذ من مدنها وقراها فيما بعد اطارا لقصصه . وقد قضى طفولة هادئة بين والد موظف وأم معلمة ، واضطر وقد بلغ اشدة الى احتراف مهنة البناء كيما يسدد نفقات دراساته بجامعة سطانفرد stanford

ويمتاز قصص اديبنا باتجاهه الى تصوير واقع رجل الشعب وتمجيد ما يبذله من الجهود المضنية بغية الحصول على عيش افضل واقرار قدمه فى الارض . فابطال رواياته كلهم متواضعو المرتبة فى سلم المجتمع ، الا ان الكاتب يشملهم بعطفه ويغدق عليهم من اصباغ فنه ما ينفخ فى افرادهم ومجموعهم حياة تطفح بالقوة وتدفع بنا الى مزيد الغبطة والارتياح لتتبع آثار الكاتب القدير المتحرى صدق الوصف ونصاعة التعبير . وتتراوح تآليفه بين لهجتى المهزلة والمأساة ، مفصحة فى تعدد مناحيها عن شخصية قوية وعبقرية جبارة عديدة نواحى الابتكار . ومما خلد اسمه روايته المشهورة " اعناب النقمه "Les raisins de la cuie're  وقصته الاخرى " جرذان واوادم ) 1 ( " الخ ....

هذا ولا ننس . . في ميدان النتاج الادبى ، ان نذكر الدور اللامع الذى لعبته وما فتئت تلعبه حائزة غونكور Prix Goncourt الادبية الفرنسية . ولا يخفي ما لهذه الجائزة من اياد بيضاء فى توجيه الانتاج الادبى نحو الابداع والطرافة والتجديد . ولهذه الجائزة التى اصبحت تقليدية تاريخها وقصتها . فقد انشئت تبعا لوصية الكاتب القصصى الفرنسى ادمون دى غونكور dmond de Concourt ولد سنة 1822 وتوفى سنة 1896 .  

وقد عرف دى غونكور ، الذى كان يكتب بمعية اخيه الاصغر جول دى غونكور Jules de Concourt بمنحاه التجديدى واتجاهه الواقعى فى كتابة القصص فكان من مؤسسي المدرسة التى نبغ ضمنها اميل زولا Zola Emile وكان يقصد بتاسيس تلك الجائزة الى تشجيع الكتاب الابداعيين ، المناهضين للنزعة الرجعية التقليدية التى يمثلها المجمع العلمى Academie Froncaise فى تخويله جوائزه السنوية لمن دانوا بتلك النظريات التى كان يراها دى غونكور معرقلة لسير الفكر الحر المتجه نحو الابداع . ولا غرو فالرجل قد عمد الى تأسيس مجمع ادبي على حدة منحه اسم غونكور فدعى مجمع غونكور

الأدبى اAcademie Goncor واهم وظائف هذا المجمع هو ان يعمد في اواخر كل سنه الى التصويت من اجل تخويل جائزة غونكور لأبرز كتاب يمتاز بطرافته ومنحاه فى التفنن والابتكار . وتعد اكاديمية غونكور عشرة اعضاء من رجالات الادب ، وذلك بمقتضى ما جاء فى وصية مؤسسها الذي وقف امواله من أجل تخويل الجائزة وتسديد مرتبات الاعضاء وكان المبلغ المقرر فى ذاك العهد يبلغ خمسة آلاف فرنك من فرنكات اواخر القرن المنصرم ، ولكن المقدار المثلى لجائزة غونكور قد تضاءل واصبح عدما من الاعدام بتضاؤل العملة وتماحقها . لكن ذلك لم يحط من مقدار جائزة غونكور التى هى اليوم اسنى جائزه ادييه اوروبيه ، فلا مراء ان من تسلم جائزة غونكور فقد اصبح علما من اعلام الأدب ، واخذ القراء يتهافتون على قراءة قصصه ، وحصل له ولناشر كتبه موفور الربح .

واجتمع اعضاء مجمع غونكور على عادتهم هذه السنة ، وتناولوا الغداء فى مطعمهم المألوف ، واقترعوا فى شأن من تخول اليه جائزتهم . فكانت الظافرة بالجائزة كاتبة حديثه العهد بالفرنسية اذ كانت من اصل بولوني واسرة يهودية كانت تقطن فرسوفيا ، فانتابها ما انتابها من جراء الاضطهاد النازي الذى سلط نقمته على سكان الحارة اليهودية بفرسوفيا واذاقهم سوء العذاب . ولم تخرج الكاتبة المذكورة وهي أنا لانغفوس   Anna Langfus  عن موضوع اضطهاد وتعذيب بنى جنسها فى قصتها "حقائب الرمال "  Les bagages de sable   التى نالت جائزة غونكور . فلا ريب ان الكاتبة المتجنسة حديثا بالجنسية الفرنسية قد عبرت فيها عن تجربتها الخاصة وما لقيته بنفسها من معاملة الجستابو  Gestapo  الالمانية . وانها لنفس التجربة التى استغلتها فى قصتها المتقدمة المعنونة " ملح وكبريت " Du Sel et du Soufre

ومما يلاحظ ان هذه هى المرة الثالثة التى تخول فيها جائزة غونكور لأجنبى يهودى شرد عن اقطار اوروبا الشرقية ، مما جعل بعضهم يتندر بهذه الظاهرة الطريفة فى حد ذاتها . ومعلوم ان بعض التصانيف التى اجيزت ف احدىى هذه السنوات الاخيرة كان موضوعه مشابها على طول الخط لما حكته أنا لانغفوس عن تعذيب بني جلدتها . ومهما كان من امر فأعضاء اكاديميا غونكور ليسوا ممن يشك فى حسن ذوقهم ، ولا ممن يرتاب فى حصافة آرائهم . ولئن اخطأوا المرمى احيانا ولم يكللوا بعض الآثار التى ظهرت فيما بعد قيمتها ، فالفضل يرجع الى مجمع غونكور فى التعريف بكتاب مشاهير من امثال مرسيل بروست Marcel Proust والاخوين طارو Tharaud وغير هؤلاء

اشترك في نشرتنا البريدية