كثر الاهتمام بدراسة العهد الحسينى فى السنوات الاخيرة بعد أن كان (( نسيا منسيا )) رغم امتداده التاريخى طيلة قرنين ونصف ( 1705-1957 ) وأهميته من حيث تكون الأمة التونسية واشعاع النهضة الحديثة فى هذه البلاد ، وحدوث تغييرات جذرية لعل من أهمها : الاحتلال الفرنسى . ولقد ساعد صدور عدد من الوثائق التاريخية حول هذه الفترة على انكباب الباحثين عليها وشغفهم بتقصى شواردها ، ومن أهم هذه الوثائق اتحاف أهل الزمان لابن أبى الضياف .
وتبعا لهذه الحركة برزت الى الوجود أسماء عدد من الشعراء والأدباء عاشوا فى ذلك العهد ، وكانت آثارهم مخطوطة فلم يحتلوا مكانهم الحقيقى فى التاريخ الادبى لتونس واستبشرنا خيرا بالاعلان عن قرب صدور ديوانين لعلهما من أهم الدواوين الشعرية التونسية فى القرن الثامن عشر هما ديوانا الغراب والورغي ( 1 ) وانتظرنا طويلا ، فاذا بالدار التونسية للنشر تفاجئنا بكتيب من القطع المتوسط ، عدد صفحاته 68 ، أنيق الطبع واضحه ، يحمل عنوان : مقامات الورغى ورسائله ، فتصفحناه راجين خيرا ، فوجدناه ينقسم الى مقدمة حول حياة الورغى ثم مقامات ثلاث : الخمرية ، والباهية ، والختانية ، وأخيرا تطريز وأربع رسائل
1 - المقدمة :
اكتفى المحقق فى هذه المقدمة بالتلميح الى الخطوط العريضة لترجمة الورغى ، مرجعا القارىء الى الديوان - الذى لم يصدر بعد - ونحن ، رغم معارضتنا لهذه الطريقة فى الاحالة وهى تجعل الكتاب محدود الفائدة حتى ليتساءل الانسان لما لم تصدر هذه المقامات ذيلا للديوان ، رغم هذا ، حاولنا النظر فى هذه المقدمة ، فوجدناها تبدأ بقدوم الورغى الى تونس في تاريخ غير محدد ، ولا نزعم أننا نملك من المصادر ما يعطينا معلومات مضبوطة حول ما سبق هذه الفترة أو يحدد لنا هذا التاريخ ، لكن الاستنتاج هنا ممكن فالورغى اتصل بعلى باشا الاول الذى تولى الحكم سنة 1735/1148 . اثر انتصابه للتدريس ، وبما أننا نعرف تاريخ وفاة شيخه السويسي ( 1145 / 1732 ) فيمكننا أن نضبط تاريخا تقريبيا لانهائه للدراسة فيكون ذلك حوالى سنة 1727/1140 ، ونعلم من جهة اخرى انه قدم لتونس للالتحاق بجامع الزيتونة أى للدراسة التى تستغرق عادة بين السبع والعشر سنوات ، فيكون مجيئه الى تونس حوالى سنة 1717/1130 ، وليس فى مطلع القرن كما أشار الى ذلك المحقق وتكون ولادته سنة 1703/1115 على أقصر تقدير (2) .
ثم نجد المحقق يؤكد نسبته الى قرية ( ورغة ) بجهة ملالة قرب الكاف ويرد على من ادعى غير ذلك ولا نعلم مرجعه فى ذلك اللهم الا ان يكون كتاب المجمل الذى يذكر تخييم قبيلة ورغة بجهة الكاف ( 3 ) ويتعرض المحقق بعد ذلك فى فقرتين الى بقية حياته ، فلا يزيد شيئا عن مرجعين رئيسيين معتمدين عنده معنى وحتى لفظا . وقد أشار الى احدهما وهو عنوان الاريب أما الثاني فكتيب الورغى من تقديم الدكتور بلخوجة ( 4 )
ويمكننا فيما يخص ثقافة الورغى أن نشير الى برنامج وضعه المؤلف بنفسه على لسان بطل المقامة الباهية ويشير فيه الى أمهات الكتب التى درسها وهى :
البيان والتبيين للجاحظ ( 255 ه ) ، والأغانى للاصفهانى ( 356 ه ) ، وقلائد العقيان لابن خاقان (535 ه ) ، وصبح الاعشى للقلقشندى ( 821 )، والمثل السائر لابن الاثير ( 946 ه ) ، ونفح الطيب للمقرى ( 1041 ه ) ( 5 ) .
وتتجلى فى حياة الورغى مشاكل لم يشر اليها المحقق ونخص بالذكر منها مشكلتين :
1 - هل كان الورغى متقلدا لمنصب ( الكتابة ) كما يقول المحقق ؟ 2 - هل أن تاريخ وفاته مضبوط بسنة 1776/1190 ؟
ولسنا ندعى فى هذه العجالة ايجاد حل لهذا ، الا أننا نشير بالاعتماد على ما لدينا من مصادر أن البايات بصفه عامة كانوا يفضلون تولى الادباء تحرير رسائلهم ، وترك العمل الادارى : ( الاشراف على توجيه المراسلات وحساب الجبابة ) (( للباشكاتب )) ، فالورغى والغراب ، وقلالة ، وربما ابن أبى الضياف تولوا الكتابة من غير منصب رسمى ( 6 ) أما بالنسبة لتاريخ الوفاة فنحيل على ما ذكره الدكتور بلخوجة من وجود قصائد بالديوان مؤرخة ب 1191 و 1193 ( 7) .
ويتعرض المحقق اثر ذلك الى ذكر الشيوخ ، ولا يستحسن عندنا فصل هذا عن تكون الورغى وثقافته فيكون ذكرهم منطقيا أثناء الحديث عن حياته ، كما لا نستحسن مرور المحقق مرور الكرام عليهم من غير ذكر لمواضع ترجمتهم مثلا ، أو انعدام ذلك (8 ) .
كما نتساءل عن قاسم بن منصور المعدود بين شيوخ الورغى أهو نفس أبى
القاسم ابن عاشور المذكور فى كتاب بلخوجة ؟ والملاحظ أننا لم نعثر على ترجمه له . أما بقية المقدمة فاستعراض لشعر الورغى ونثره ، وبعض الاستنتاجات الشخصية التى لا نقف عليها ، الا أننا نضيف الى جوانب شعره التى عددها المحقق وحاول استيفاءها حتى أنه ذكر مدائحه فى الرسول ، نضيف الى هذا القصائد الاستعطافية وهى كثيرة منها : ( 9 )
لمبشرى بتمام عفوك ما طلب ما بعده لى فى الأمانى من أرب
( الكامل )
وقصيدة أخرى مطلعها : ( 10 )
يا سعد باسمك قال من يستنطق حيا ديارك صيب يتدفق
( الكامل )
وأشهرها : (11 ) (مجزوء الرجز )
زين صدور المحفل بنو حسين بن على
أهل الوفاء و النهى من الطراز الأول .....
2 - المقامات : 1- المقامة الخمرية :
نشير فى البداية الى أن هذه المقامة نشرت بصفة تامة فى الكتاب الباشى ص 400 ، وقبل ذلك فى كتاب بلخوجة المذكور ص 88 ، ولن نتوقف عندها كثيرا لهذا السبب ، لكننا نشير الى انعدام ذكر المخطوطات التى اعتمد عليها المحقق ورغم وجود اشارات فى التعاليق الى أصل ونسخ فرعية ، وانعدام ترقيم الصفحات المخطوطة .
ومعلوم أن هذه المقامة كتبت بمناسبة ابطال على باشا للخمر وقد كتب كثير من الادباء فى تمجيد هذه المناسبة : ومنهم حمودة بن عبد العزيز ( 12 ) .
ولنا عليها بعض الملاحظات خاصة فيما يتعلق بالشرح . فالمحقق التزم حسب عبارة الناشر (( بأن يترك فرصة التحليل والبحث متاحة للدارسين دون تقحم منه )) (13 ) ولهذا السبب لم يشرح ما غمضت عبارته أو بعدت اشارته : لكنه لم يلتزم بذلك دائما بل علق على بعض ما لا يحتاج الى تعليق : انظر على سبيل المثال التعليق 8 من الصفحة 17 ، (( فرغانه وغانه : مكانان اشارة الى بعد المسافة )) مهملا فى نفس الصفحات ، ألفاظا كالأرقال - وأخصفها - وذات الدسار - وقاموس وغير ذلك من العبارات المحتاجة أشد الاحتياج الى الشرح والتعليق خصوصا والكتاب معد حسب عبارة الناشر((فى نطاق العناية بالادب التونسى ومد التلاميذ والاساتذة بالنصوص المقررة فى البرامج )) (14 ) . وتزداد الحاجة الى التعليق لما نعرفه عند الورغى من ميل للمحسنات البديعية من اقتباس ، وتورية ، وجناس ...
ويبدو أن المحقق اكتفى بذكر التعاليق الموجودة على هوامش النسخ المخطوطة دون الاشارة الى ذلك ، الا انه كاد يغطى هذا النقص بشكل الابيات الشعرية التى تضمنتها هذه المقامة وضبط وزنها وهى كثيرة ( 135 بيتا للورغى + بيت واحد لغيره ) متنوعة . وهنا تسربت بعض الاخطاء كالمقطوعة المذكورة ص 16 :
(( ما للشباب و للاقامة والشيب منتظر أمامه ؟ ))
وقد اعتبرها المؤلف من مجزوء الرجز اعتمادا على البيت الاول بينما لو نظرنا فى عجز البيت الثاني أو صدر البيت الاخير للاحظنا وجود متحركين متتابعين فى البداية تتبعهما حركة طويلة وهى تفعيلة مجزوء الكامل ( متفاعلن متفاعلن ) ، أما المقطوعتان ص 20-21 فقد كمنت طرافتهما فى تغيير القافية فقط مع عدم تغيير المعنى ، ومثل هذا كثير فى الادب العربى كالمقطوعة المعروفة فى قصص العرب : قولى لطيفك ينثنى عن مضجعى وقت الرقاد ، أو ( الوسن ) أو ( المنام ) ( 15 )، وهى طريقة محبذة لابراز البراعة ، فلم نفهم
اذن سببا لوضع قافيتين فى كل بيت(حاسد وأمامها ماكر ) ( المكائد وأمامها المناكر ) ، والقصيدة تكتسب جمالها من تكرارها مرتين ، مرة بقافية : حاسد ، وأخرى : ماكر .
2 - المقامة الباهية :
وتعتبر هذه المقامة أهم مقامات الورغى لا للمناسبة التى قيلت فيها وهى بناء المدرسة الباهية سنة 1717/1160 ، والحديث عن مناقب سيدى احمد الباهى وابنه اسماعيل ، رغم ما كان لهذه المناسبة من صدى عند جميع الادباء حتى أن مدائحهم جمعت بديوان كان معروفا فى عهد ابن أبى الضياف ، يضم مقامة الورغى ، وأخرى للغراب ومقامات لادباء مصريين منهم أحمد هويدى ( 16 ) والورغى لا يشير الى هذا الحدث الا فى بعض الابيات ، بل لمحاولته اظهار براعته النثرية وخصوصا الشعرية ، وما تضمنته المقامة من اشارة الى تكوينه الادبى ، وقصائده الشهيرة خصوصا :
باكر سعودك ليس الوقت بالدون
واجعل صبوحك عند (باب سعدون ) (؟
فى ذكر معالم تونس :
ونلاحظ بالنسبة اليها ما لاحظناه فى سابقتها من نشر هذه القصيدة الشهيرة مرات كثيرة وبروايات مختلفة وتأويلات مختلفة فى أماكن عديدة ( 17 ) وسبب شهرتها يعود الى أنها معارضة للقصيدة الاندلسية ( كنز الادب ) : (( يا هبة باكرت من نحو دارين )) . وقد علق المحقق على ذلك تعليقا اكتفى
فيه بنقل ما ورد فى الباشى ( ص 320 ) ، ويبدو حسب تعليق الشيخ ماضور أنه مأخوذ عن نفح الطيب ، ونضيف الى ما ذكره المعلق وجود معارضات تونسية عديدة لنفس القصيدة من أشهرها معارضة الباجى المسعودى :
حيا نسيمك حتى كاد يحييني يا تونس الأنس يا خضرا الميادين ( 18 )
وابن أبى الضياف :
نسيم تونس حيانى ويحيينى والطيب منه اذا ما تهت يهدينى ( 19 )
وقصيدة الورغى هذه ، بالاضافة الى قيمتها الادبية تحوى اشارات حضارية هامة الى مجتمع ذلك العهد ، نذكر منها خروجهم الى أماكن معينة للنزهة ، أو للهو ، واقتناص الغيد :
فصد سوانحها إن أمكنتك وإن
تعسرت فاستعن بمثل فركون
ولا تصد غير ساجى اللحظ ذاحور
فأنت فى غير هذا غير مأذون ....
ونذكر كذلك ما تثيره هذه المقامة من وجود علاقات ثقافية وطيدة بين أدباء تونس ومصر ، ويتجلى ذلك فى سفر علماء تونس لمصر وتوجيه انتاج اولئك الى هؤلاء وهنا كان لا بد للمحقق من أن يتعرض على الاقل الى ترجمة المذكورين كأحمد هويدى ، ومحمد بن سالم الحفنى ( 20)، وعبد الوهاب بن يوسف . وتاريخ مقديش (21) حافل بهذه الاتصالات والروابط .
واذا ما تركنا جانبا بعض الهفوات مثل سقوط التعليقين 3 و 5 ص 49 - 50 ، وعدم الاشارة الى بداية أسطر المخطوط التى لا توافق اطلاقا الاسطر المطبوعة ، واعتبار القصيدة ص 48 (( هب النسيم مع العشى عليلا )) من الرجز وهى فى الحقيقة من الكامل . اما اذا تركنا كل هذا ، تبقى لنا دائما مشكلة طريقة المحقق فى تحقيقه فهو اعتمد الاصل اعتمادا كليا حسب ما يبدو وأثبت الاختلافات بالهوامش ، وكان دقيقا الى حد التفريق بين ابتزاز وابتزاز ص ( 49 ) . وبين الحلمد والجلمد ص (52 ) ، الا أنه لسبب نجهله غير بعض الكلمات فى الاصل ( النسخة رقم 18603 بدار الكتب الوطنية ) ، وهاك بعض ما أحصينا من ذلك ، وغيره كثير :
الصفحات 41 42 43 44 45 47 48 49 50 53
الأسطر أو الأبيات 1 2 5 11 17 1 6 5 9 10 3 6 7 12 8 16 10
الكلمة المطبوعة الله المنادى مذ متاجرها الصفيح الخطوب بالعرا سينكشف بزيون جيرون نضجها معشوقة والنور زمن جادعا ولا قالت والحقتك ولك
الكلمة بالأصل المخطوط غير موجودة النادى منذ متاجرة الصبيح القطوب بالقرا لينكشف الصواب ( وهو الصواب ) بذيون جيدون نضحها ( وهو الصواب) معشوقه ( وهو الصواب ) والصور أمن قاذعا ولا كانت والحفتك وله ( وهو الصواب )
والملاحظ أنه لم يشر الى هذا التغيير ولا الى أسبابه .
ويبدو أن المحقق لم يستعمل بعض النسخ الاخرى للمخطوط ، اذ أن هناك روايات لم يثبتها وهاك أمثلة على ذلك :
الصفحات 44 46 47 48 54
الأسطر والأبيات 10 3 4 7 3 5 8 2 5
المثبت بالمطبوع ما ردد فى ( تصنعها ) القلالية تناظره نفس ( محزون ) وادفع روض ( السعود ) كنز ( قارون ) الكون
الرواية الاخرى ما ورد من القلابية تنافره قلب وارفع أرض مال العالم
وهذا يتنافى مع الدقة التى أرادها المحقق لنفسه ، وكنا نود كذلك لو أشار الى صواب بعض الروايات المثبتة فى الهامش كلفظ يهدى ( ص 49 - البيت 5 ) وهو أصح بالنسبة للابل من يهوى ، وصرفت ( ص 50 - السطر 7 ) عوض صرفته وتستقيم بها الجملة فلا يحتاج المحقق لشكل الكلمة السابقة خطابها ( صيغة مبالغة ، لاسم الفاعل المفرد من خطب ) ، والصواب صيغة الجمع خطابها ، وكذلك سوق الكساد ( ص 50 - السطر 8 ) عوض الفساد ، ومستمرا ( ص 54 - السطر 1 ) عوض مستمر لانها حال منصوبة .
ولا نستطيع أن ننتقل من هذه المقامة قبل الاشارة الى كثرة التوريات ومنها ما لا مفر من الاشارة اليه لانه يخص أعلاما كمحيى الدين بن العربى المتصوف الشهير ( 638 ه )، اذ يشير الورغى اليه بقوله ( ص 51 ) : (( محى الدين الآخر )) ، والهمذانى ( 398 ه ) فى قوله ( نفس الصفحة ):فغير بديع ( 22 ) ، أن تسبق البديع . وعبد الوهاب بن يوسف العالم المصرى فى قوله ( ص 52 ) : مدد من (الوهاب ) كان ( لعبده ) يتجدد .
وعلى كل ، فالمقامة ثرية جدا ، بحيث لا يمكننا التعرض اليها بصفة شاملة كافية .
3 - المقامة الختانية :
وهى مقامة للورغى كادت تغرق فى المجال المدحى ، اذ كتبت بمناسبة ختان ابني على باشا سنة 1764/1178 . ولم يكسبها طرافتها وقيمتها سوى الجانب النقدى المضمن فيها ، وآراء الورغى فى النظم الشعرى ، فهو يفاضل بين قصيدتين اعتمادا على جوانب أربعة وهى :
1 - الاعتناء بالمطلع . 2 - استعمال معان متفق عليها ، وحسن تنظيمها . 3 - انسجام الاصوات . 4 - سلامة اللفظ وقوته ( 23 ) .
وهى نفس القواعد التى نجدها فى المقاييس النقدية القديمة (24 ) . وتشير بعض المخطوطات الى ان القصيدة المحكوم عليها هى للشاعر المعروف الطوير ( 25 ) . وقد حاولنا احصاء الشعر المقول فى هذه المناسبة التافهة تاريخيا الهامة أدبيا ، فوجدنا خمسمائة بيت ( 26 ) منها : 112 للطوير ، 76 للورغى ( غير المذكور لهما فى المقامة ) ، وهذا يبدو لنا عجيبا اذا ما عرفنا قيمة الورغى الرسمية فى البلاط . فمن هنا نستخلص هذا التنافس
والتعريض الذى تضمنته المقامة بالطوير ( 27 ) . وملاحظاتنا المنهاجية على المقامة هى نفس الملاحظات السابقة من انعدام الترقيم الدقيق للصفحات . وعدم الاشارة الى الروايات وعدم التعليق والالمام بالاشارات البعيدة الهامة ، كالبيت التالي :
فان فاقت فقد هذبت قبلا مهذبها الى أن صار شفنا
والكلمة الاخيرة التى شرحها المحقق بالكيس وسياق البيت يشيران دون أى التباس الى حادثة سجن الورغى ابان حكم على باشا لاسباب لا نعرفها بدقة ( 28 ) . ويبقى نقص الفهارس العلمية الدقيقة ثغرة لا يمكن سدها فى نهاية هذه المقامات .
التطريز والرسائل :
وتكون خاتمة طوافنا بالقطع النثرية الخمس التى أثبتها المحقق ولا تتجاوز الخمسين سطرا . ولا نشك فى أن للورغى من الرسائل ما يفوق هذا بكثير ( 29 ) ، وهذه القطع رغم قلة قيمتها تدعم الصورة التى عرفناها عن نثر الورغى في مقاماته ، وتؤكد لنا اشتغاله بشكل من الاشكال فى كتابة على باشا .
وختاما ، لسنا من الذين يهدمون ما يبنى غيرهم ، لكننا لسنا من الذين نرضى بالدون فى حين أن الاحسن ممكن ، وبودنا لو انطلقت دراساتنا للادب التونسى (( المجهول )) بحذر ، وتدقيق ، وخاصة بأمانة علمية .

