إنه من المعلوم ان للغة العربية الفصحى لهجات كثيرة وأن أفصحها واصفاها لغة قريش عند جمهور العلماء وهى التى نزل بها القرآن الكريم على النبى القرشى محمد بن عبد الله عليه السلام والقرآن الكريم اشتمل على كثير من المفردات ببعض لهجات العربية الاخرى كما بين ذلك الامام ابو القاسم بن سلام فى رسالته فيما ورد فى القرآن من لغات القبائل والذى نقل عن ذلك الامام جلال الدين السيوطى فى كتابه الاتقان فى علوم القرآن . فقد كان من مفردات القرآن بعض بلغة قريش وهوازن وثقيت وكنانة وهذيل ولغة نجد من تميم وأسد وقيس لغة أهل جنوب الحزيرة العربية كاليمن واليمامة وحضرموت وعمان ولغة الشمال كلغة غسان ومدين ولخم وغيرها . فهذه اللهجات انتشرت وغيرها فى بعض جهات العالم الاسلامى منذ فتحها العرب وسكنوها وتكلموا بها وكذلك كان شأن البلاد التونسية .
حلت بالقطر التونسى منذ ايام الفتح الاسلامى دفعات من العرب الفاتحين من مختلف القبائل العربية والجهات فكانت لذلك لهجات الجنوب التونسى الغربى عراقية ولهجات الشمال الشرقى شامية ولهجات جبال الشمال الغربى يمنية ولهجات الوسط تميمية ( 1 ) . وكانت مناطق الجبال العالية والصحارى والجزر التونسية يغلب فيها العنصر البربرى ولغتها بربرية شيئا قليلا . وكانت بمناطق الجبال المتوسطة الغربية ومناطق الظهرية التونسية قبائل يمنية . اما
أما مناطق السهول الشمالية على ضفاف نهر مجردة او بين سلاسل الجبال فمعظم سكانها من الشاميين . ومناطق القيروان كان بها بنو تميم والمعافر والبلويون ثم الخراسانيون والفرس والبغداديون ( 2 ) .
ولما زحفت قبائل بنى هلال وسليم على البلاد التونسية منذ أواسط القرن الحادى عشر الميلادى فى موجات متعددة - غلبت لهجاتها - وهى الموجودة اليوم ، اللهجات العربية السابقة - وطغت على اللغة البربرية المتبقية فى جهات الجنوب التونسي وبعض البلدان التونسية القليلة الاخرى وبذلك صارت لغة البلاد التونسية كلها عربية خالصة لكنها غير معربة - بسكون العين - كبقية لهجات البلاد العربية اليوم وهى من أفصحها وأصفاها على الاطلاق رغم ما بقى فيها من مفردات قليلة نسبيا من اللغات اللاتينية منذ الحكم الرومانى على تونس ومن اللغة البربرية ثم التركية والفارسية وما دخل اخيرا من الفرنسية والايطالية .
فمن اللاتينية نجد اليوم نحو عشرين مفردة متداولة بتونس مثل : البرشنى وهو ذكر المعز وفرتول وهو العجل والشبرلة وهو نوع من الاحذية والبرقوق وقنارو وفلوس الخ ، ومن البربرية يتكلم التونسيون نحو الثلاثين مفردة مثل : قرجومة وهى الحنجرة وكرومة وهى اسفل الرقبة والفكرون وهو السلحفاة ودادة اى مربية وللا اى سيدة وقوما ومنها جند القومية وطبس اى انحنى وبش وهو القط وتافغة ونيفازا الخ . (3) وسوى هذا ما يذكر من البربرية عند بعض جهات الجنوب التونسى كاهل مطماطة والدويرات .
اما مفردات اللغة التركية الموجودة اليوم بتونس فقد دخلت مع دخول الاتراك تونس منذ سنة 1574 عند تحريرهم اياها من الاسبان وصارت بعد ذلك التركية اللغة الرسمية فى الادارة التونسية الى سنة 1881 يوم احتلت فرنسا تونس . وكانت اللغة التركية مشتملة على كثير من المفردات الفارسية الى ان صفاها منها كمال أتاتورك فى العشرينات ولذلك انتشرت اللغة الفارسية بتونس مع التركية ، فمن التركية توجد اليوم فى العامية التونسية نحو مائة مفردة مثل : برشة وفمرك وزوالى اى فقير ويساق وكراكة وشيشمة وبشكير وبقراج وكليم وخازوق وكاراكوز وهيدوك وفوطه وورغان اى غطاء الفرش وقفطان وجزمة
وقازان وطباشير وكرباج اى السوط وداما وزنبرك وكرويط اى كريطه وبوغاز وطابية وفنبور وتبسى وهو صحن معين وكلباك وشيشه وبورى نوع من الحوت جمك وجامكيه وكثير من اسماء الرتب العسكرية والسلاح وما الى ذلك (4) .
ومن الفارسية نجد فى لغة أهل تونس اكثر من خمسين مفردة مثل : خردة وطفطة وبيجامة وبشماط وبلكون ودردى اى رسوب الزيت ووسخه ورزة ورشته وزنزير وجولق وزندالة وليان وصارميه اى رأس مال وفلفل طرشى وغير ذلك (5) .
وبسبب اختلاط الطليان بالتونسيين كثيرا انتشرت بعض مفردات ايطالية بتونس وخاصة فى اسماء ادوات الصيد البحرى وبعض الفاظ المعاملات المالية التجارية مثل كمبيال وبانكة ومر كانتى اى تاجر وانتريس اى الربا وكروسة وهى العربة وبباصة اى الراهبة وسانسة وكريمة وتنتورة الخ . اما الفرنسية فقد انتشرت كثيرا جدا فى كل شئ بيد ان وطأتها خفت الان كثيرا بسبب الثقافة العربية بين الجيل الناشئ وزوال الاستعمار الفرنسى ووجود جانب من التونسين الذين يتحمسون لاحتلال العربية الاصيلة محل الفرنسية الدخيلة .
فى اللهجة العربية التونسية مفردات كثيرة جدا صحيحة وفصيحة يحسبها الكثير محرفة مثل السكات بمعنى السكوت ويبات اى يبيت والوكس ويبوعق ومثل كلمة بكسر الكاف وهى فصيحة وجمعها كلم وهى لهجة تميم التى اثرت كثيرا فى تونس ومثل الحج والفهم وكبدة وكرش بالكسر ايضا ومثل الحصاد بالفتح وهى لغة نجد والوتر وعند كليهما بالفتح ايضا ومثل الضعف بالضم وهى لغة النبى عليه السلام
لسان اهل تونس طليق ولين ومطاوع بحيث ينطق التونسيون الحروف العربية نطقا صحيحا جميلا بأتم الوضوح والصفاء فتخرج من مخارجها الاصلية كذلك غير ان اهل تونس يبدلون مع بقية الدول العربية الضاء بالضاء المشالة اللهم الا فى مفردات معدودات فقد ابدل اهل تونس الضاد الساقطة دالا مهملة خالصة وذلك لتشابه الضاد بالدال اذ هى دال مهملة مغلظة والظاء المشالة ذال معجمة مغلظة عكس الضاد ولهذا ينطق التونسيون القضم ويقضم ومضرغم من ( ضرغام ) وينهض بالدال الخالصة فيقولون : يقدم والقدم ومدرغم وينده ( مقلوبة ) . فليس عند اهل تونس ابدال سوى ما ذكرنا خلافا لاهل مصر مثلا الذين يبدلون الذال والضاد والظاء زايا والثاء المثلثة سينا والقاف همزة .
لقد تسبب انتشار الجهل بالقراءة والكتابة سابقا وشيوع الامية فى الارياف على الخصوص فى ادخال اللحن والخطأ فى اللغة العربية العامية التونسية فأبدلت احيانا بعض الحروف فى بعض المفردات بما يقاربها فى المخرج وقلبت الى ضدها احيانا اخرى وزيدت بعض الحروف وقلبت من مكانها الى ما قبله او بعده حتى بدت كثير من الكلمات محرفة ومغيرة الدلالة عن اصلها الفصيح وبذلك بعدت الشقة شيئا بينها وبين الفصحى وسنحاول اعطاء القارىء بعض القواعد فيما يأتى يستطيع بها فى الغالب ان يهتدى الى معرفة اغلب ما يشكل عليه فهمه من ألفاظ اللهجة التونسية واصله الفصيح .
تختص اللهجة التونسية بنمط من الكشكشة لقبيلة ربيعة التى تقول فى نحو انك ورأيتك : إنكش ورأيتكش . والكشكشة فى اللهجة التونسية لا تكون الا فى النفى والنهى والاستفهام فقط . ففى النفى فى نحو : ما قال وما كتب وما يتكلم وما هو وما هى وما هم . يقول التونسيون ما قالش وما كتبش وما يتكلمش وما هوش وما هيش وما همش . وفى النهى فى نحو : ما تاخذ وما يقولون تصير ما تاخذش وما يقولوش . واما فى فى الاستفهام فى نحو : عملت ؟ وتكتب ؛ فيصير عملتشى وتكتبشى واما الاستفهام بحروف الجر فيكون هكذا من آش وعلى آش ومن آش وبآش ولآش وذلك فى مم وعلام ومم وبم ولم .
فى اللهجة التونسية يجرى ما لا يعقل مجرى من يعقل - مثل الاقطار العربية الاخرى - وهى لغة صحيحة جرى عليها القرآن الكريم فى بعض الآيات مثل قوله تعالى : فظلت اعناقهم لها خاضعين ( 6 ) وقوله احد عشر كوكبا والشمس
والقمر رأيتهم لى ساجدين ( 7 ) . وقوله لا الشمس ينبغى لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل فى فلك يسبحون ( 8 ) ، ومثل العالمين جمع عالم بالفتح
والفعل يتبع الفاعل فى جمعه على لغة أكلونى البراغيث فيقال كتبوا التلامذة ويخدموا العمال ونحو ذلك . ويخاطب اهل الارياف والبدو المؤنثة على الاصل فى جميع تصاريف الافعال فيقولون كتبت وكتبته وتكتبى وتكتبيهم وعملته واعملى وهاتى وهاتيه وعليك وضربك ومعك بالكسر فى كل ذلك ونحوه كما يختصون بنطق القاف قافا معقدة ( ف ) خلافا لاهل المدن والحضر الذين يخاطبون المؤنثة كالمذكر تماما ولا ينطقون بالقاف المعقدة الا بعض الالفاظ القليلة المعدودة بصفة شاذة لا اطرادا .
و تصرف الافعال المعتلة اللام عند اهل الارياف والبدو على الاصل كالفصيح ويختص اهل المدن والحضر باثبات حرف العلة فى التصريف فى المضارع والماضى والامر فيقال فى : قضى وشكا ودعا ومشى : قضات وقضاوا وشكات ودعاوا ويمشيوا ويقضيوهم وادعيوا وادعى . ويعاملون الناقص الواوى معاملة اليائى كما رأينا فى دعا وشكا فيقولون فى المفرد يدعى ويشكى الخ ، ويفتح هل الارياف الحرف الاخير من الكلمة التى اتصل بها ضمير الغائب وهو الهاء أما أهل المدن فيضمون ذلك الحرف فى هذه الكلمات : ضربه واكتبه ويشده وكتابه واوراقه . ويكثر فى اللهجة التونسية عامة كسر حرف المضارع فى غالب الافعال وهى لغة اهل نجد من تميم واسد وقيس وخاصة الاخريين وذلك فى نحو يكتب ونمشى وتخدموا الخ . .
تبنى الاسماء الخمسة فى العامية التونسية على الواو وهى لغة فصيحة فيها ولا تستعمل منها الا ابوك وأخوك وحموك لان فوك وذو تعوض بفمك وصاحب . أما المثنى فيبنى على الياء الساكنة سكونا ميتا نحو ورقتين وكتابين . ويبنى جمع المذكر السالم على الياء كذلك فيقال مجاهدين وصالحين ونحوهما . أما جمع التكسير فله صيغ كثيرة لكنه يكون فى الغالب على وزن مفاعيل عند اهل الارياف وعلى وزن مفاعل عند اهل المدن الذين لا يوجد عندهم بالمرة وزن مفاعيل بالياء .
أسماء الاشارة فى اللهجة التونسية كلها متصرفة من كلمة " هذا " فهى كما يلى : هذا للمفرد وهذى للمفردة . وهذم بمعنى هؤلاء ، وهذاك ، بمعنى ذلك وهذيك بمعنى تلك وهذكم بمعنى اولئك . وقد تسعمل هذما وهذكما مثل هذم وهذكم للمثنى والجمع للجنسين وكلها بضم الذال . اما هذاك وهذيك فبفتح الكاف فى كليهما وتستعمل ثم بالفتح عوضا عن هناك وثمك عوضا عن هنالك .
أما اسماء الضمائر فلا توجد منها فى اللهجة التونسية الا الضمائر التالية : نا ونحن وانت وانتم وهو وهى وهم واياى وايانا واياك واياكم واياه واياها واياهم . وتبنى نحن وانت على الفتح عند اهل الارياف واما عند اهل المدن فتبنى أحن على الفتح مع ابدال النون الاولى الفا وتبنى انت على الكسر ولا فرق بين المذكر والمؤنث فى مخاطبتهما بكلمة انت ولا فرق ايضا بين المثنى والجمع من الجنسين فى مخاطبتهم بضمائر انتم وهم واياهم اذ لا يوجد ضمير للمثنى فى اللهجة الثونسية اللهم الا ما يوجد عند اهل المدن خاصة من لفظتى انتما وهما اللتين تستعملان للمثنى والجمع من الجنسين ايضا . كما لا يوجد جمع للنسوة ولا نون لهن ولا نون للتوكيد ولا للوقاية . وتتصرف الافعال مع هذه الضمائر كما يلى :
كتبت ونكتب انا ، وكتبنا ونكتبوا نحن . وكتبت وتكتب أنت للمذكر وللمؤنث ، وكتبتوا وتكتبوا انتم . وكتب ويكتب هو . و كتبت و تكتب هى . و كتبوا و يكتبوا هم . والكتاب مثلا يضاف لنفس الضمائر المذكورة فيقال كتابى وكتابنا وكتابك وكتابكم وكتابه وكتابها وكتابهم . ونلاحظ سكون الحرف الاخير من الفعل المفرد كله فيها .
اما الفعل المجرد المضعف او المهموزاللام نحو شد وقرأ فتبدل لامه ياءويصرف هكذا مع الضمائر السابقة شديت وشدينا وشديت وشديتوا وشد وشدت وشدوا وقريت وقرينا وقريت وقريتوا وقرا وقرات وقراوا . واما المثال والناقص من الافعال فيصرفان كما فى الفصيح سوى ما نلاحظ من ختم جمع المخاطبين بواو الجمع عوضا عن ميم الجمع . ومن معاملة الناقص الواوى ومعاملة الناقص اليائى وذلك فى نحو باع وقال ورمى ودعا فيقال بعتوا وقلتوا ورميتوا وادعيتوا . وقد روى عن العرب ابدال الحرف المضعف ياء كما رأينا فى شد وشديت وروى عنهم ايثار الياء على الواو فى الفعل الواوى فى نحو دعيت عوضا عن دعوت الخ .
وفى اللهجة التونسية لا ينطق بالهمزة فى النبى والانبياء والنبيئون والنبوءة والبريئة والرئاء ونحو ذلك على لغة أهل اليمن وحمير وقد قرأ بذلك حفص عن
عاصم فى القرآن الكريم كما تبدل الهمزة حرفا من جنس حركة ما قبلها فى مثل المؤمنين وياخذ وماكول وفى رأس بئر وجئت ونحوه وذلك تأثرا برواية ورش عن نافع المدنى ورواية السوسى عن ابى عمر بن العلاء البصرى اللذين قرءا كذلك فى القرآن . كما تنقل حركة الهمز الى الساكن قبله وتحذف الهمزة وذلك فى مثل : الأرض والاخرة والايمان وفى من اين وفى أين . فيقال : الاخرة ومنين وفين الخ وذلك تأثرا برواية ورش الذى يقرأ كذلك فى القرآن .
وكل همزة كانت آخر الكلمة تحذف فى اللهجة التونسية سواء تطرفت او اتصل بها ضمير نحو الصحرا والسما وجا وبدا وقرا وسماهم وجاها وجاتهم وجاوهم وجاوا وبداه وقراها كل ذلك بلا همز وقد قرأ مثل هذه الكلمات كذلك حمزة الزيات وهشام عن ابن عامر الشامى ( 9 ) فى الوقف على مثل تلك المفردات فى القرآن . وابدال الهمز حرف علة او تخفيفه او تسهيله او ابداله ياء فى مثل بايع و بهايم وبديت فى بدأت كل ذلك له أصل عربى صحيح ومثله ايضا يؤيد ويؤلف بلا همز .
وزيدت فى اللهجة التونسية بعض الحروف فى الفعل على وزن فعل بتشديد العين فى الماضى والمضارع والامر وفى المصدر وذلك بعد فاء الكلمه مباشرة فتصير على وزن بعثر او دحرج الرباعى ومن ذلك زيادة حرف اللام قبل الواو او الياء الموحدة الواقعتين عينا للفعل فى مثل الكلمات التالية : ( هوس ويدوح وجول وتخوض وحوس وشوش ( من كلمة الشاوش ) فتصير هذا : هلوس ويدلوح وجلول وتخلوض وحلوس وشلوش . ومثل خبط وخبص ويحبذ ويتزبد فتصير هكذا : يخلبط ويخلبص او يخلبز ويحلبد ( بابدال الذال دالا ) وايتزلبط ( بابدال الدال طاء ) . وزيدت اللام ايضا مع حروف اخرى مختلفة فى مثل : يطفح ودهم وشهب وقزح فصارت : يطلفح ودلهم وشلهب وقلزح .
وزيدت الواو فى كثير من الافعال مثل : نثرو ويغلط وقسل ونشرو يخلط وتخرط ورهج وتلهث وسلس فتصير هكذا : نثور ويغلوط وقسول الخ . وزيدت الراء فى افعال اخرى كثيرة ايضا مثل : هشم ويصهد وخطف ومكس ويخبش وفطس وحدب وشول وشبك وكسع وقطف ءوكبس وتصفق وخمد فتصير كما يلى : هرشم ويصرهد ويخربش وهلم جرا الخ .
تتقلص نسمات الحزن الدافئة خجلا . . تفزع الريح . . تصرخ حنقا وغضبا تعول الريح ، والحبل الممتد من مغاور التاريخ يلتف حولك . فتقيدين الى كرسى جدودك الحديدى . . وخمس أظافر معقوفة سوداء ، عملاقة ، كمخالب نمر متوحش تقترب من العينين . . تقترب تعصف الريح قوية . . تصطرع الغيوم . . يرعد الرعد . . يبرق البرق . . تصرخ السماء صرخة تزلزل الارض البوار . . تزلزلها . تمزق الحبال القديمة ، تحطم الاحجار والقشرة الارضية العقيمة . . وتنقلب السماء برقا ومطرا ورعدا وحريقا صارخا . نسقط الطفلة فى أحضاني ، باكية دموعها لا تتوقف . . دموعها نار تلهب وجهى ، تحرق خدى . . أرفع يدى المرتعشة أمسح دمعها المنساب ، واذا يدى على خدى النارى ، والقناع ساقط على الارض . . وإذا كل ما بين يدى حقيقي , موجع بصدقه ، محرق بصراحته ، حين تنام المدينة ، فتكسر جبال الثلج , وتتعرى الارض العطشى ، ويعود وجهى الى .
وهناك زيادتان أخريان فى الفعل المذكور احداهما زيادة النون فى مثل الافعال التالية : زهر وهدل ويتعكش وتخشب وشندق فتصير كما يلى : ززهر وهندل ويتعنكش وتخشنب ( مع القلب ) وشندق ، وثانيتهما هى تكرار فاء الفعل بعد عينه فيصر على وزن فعلل كبعثر أيضا مثل بقية الانواع السابقة وذلك فى مثل الكلمات التالية : خرط وفرش ويبهر ويشغب ودهس ودغس وتسكب وسرب وكرش ودرس فتصير هكذا : فرفش ويبهبر ويشغشب ودهدس ودغدس وتسكسب وسرسب ودردس الخ . وهناك افعال واسماء مشتقة من الاصوات الناتجة عن الحركة فى نحو يقزقز ويشلفط وخروش زيدت فيها اللام والراء والواو فى انواع شتى نكتفى بالاشارة اليها الان .
يكثر فى اللهجة التونسية القلب والابدال فاما الابدال فهو جعل حرف مكان حرف آخر مثل ابدال السين شينا او العكس وابدال اللام نونا والعكس وابدال الدال ذالا والعكس . واما القلب فهو التقديم والتأخير فى حروف الكلمة مثل : درج وطلاسم ويبهرج وسفنج وسفناج ومنفوش ويمضغ وتتزغرد وزغرودة وترجيب وصاعقة ويفتفت ويجمجم فتصير هكذا : طلامس ودرجح ويبرهج وسنفاج ومنشوف ويمغض وتتزغدر وتربيج ويتفتف ويمجمج .
والقلب يقع احيانا مع ابدال حرف بآخر فى نحو : سلخ سلخة ونهض ينهض وحملق يحملق ويحشرج وفلسف وصعلوك فتصير كما يلى : لشخ لشخة ونده ينده ( بابدال الضاد دالا ) وبحلق يبلحق ويسحرج وفلفز وعزلوك . وقد يقع قلب الحرف الزائد الذى يكون غالبا راء او لاما او تكرارا للحرف الاول من الكلمة مثل : حشلف وعظرود أو عضروط وشخموش وقرفط اذ اصلها حشف وقطف وعضود ( اى قوى العضد ) وشموخ ( اى كثير الشموخ ) ومثل محشرد وعكرش اللذين أصلها محشد وعكس بالتشديد ونلاحظ ان اصل الزيادة تكون بعد فاء الكلمة فى مثل هذه الكلمات واما فى شموخ فيكرر الحرف الاول بعد عين الكلمة .
ويميل أهل المدن بتونس سوى العاصمة الالف نحو الياء امالة كبرى خالصة فتنطق بالامالة فى نحن السما والما وهدى والضحى وشرى فتصير السمى والمى وهدى والضحى وشرى بياء خالصة والامالة لغة اهل نجد من تميم وقيس واسد أما النطق بالفتح وهو الاصل فانها لغة اهل الحجاز . والامالة هى رواية ورش من قراءة نافع للقرآن وقراءة ابى عمرو بن العلاء البصرى وحمزة الزيات النحوى الشهير وغيرهم .
ان اللهجة التونسية تختص بخصائص كثيرة من العربية الصحيحة ومن ذلك تشديد الحرف الاخير فى كلمات : اخ واب ويد وفم ودم وهو وهى وذلك كله محكى عن العرب . ويكسر اهل البلاد التونسية لام الجر مع الضمائر نحو : لى ولنا ولك ولكم وله ولها ولهم وهى لغة قضاعة . وتحذف النون فى نحو : من من الكلمة وعلى الورقة فيقال : م الكلمة و ع الورقة بحذف اللام وهو نطق محكى عن العرب ايضا مع حذف النون لغير ناصب او جازم فى نحو : انتم تكتبوا وهم يقعدوا ، وتكتب الياء فى مثل : والى وقاضى فى كل حال وهى محكى عن العرب أيضا ، وتجرى اللهجة التونسية الاثنين مجرى الجمع فيقال فيها محمد وعلى كلمونى وفهمونى ونحوه . وتطلق الاثنين وتريد الجمع فيقال : اعطيته حبتين وخبزتين وكل ذلك صحيح فى لهجات العرب
عند أهل الارياف يكسر الحرف الاول من الكلمة فى مثل : بعيد وسعيد وكبير وشعير وقد قرأ قالون عن نافع المدنى بيوت بكسر اوله فى جميع القرآن واجاز النحاة ذلك وان قيدوه بان تكون عين الكلمة حرف حلق . ويكثر عند اهل الريف ضم آخر فعل الامر للمخاطبين فى نحو : تعالوا بضم اللام وقد قرىء فى سورة آل عمران كذلك قوله تعالى " يا أهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء " . ويشبع اهل الريف ايضا كسرة فعل المؤنثة المخاطبة فيقال : شربتيه كتبتيه وعرفتيهم ونحو ذلك .
اللهجة التونسية غير معربة وذلك صحيح فقد حكى النحاة ترك الاعراب عن تميم . وعند ربيعة يكون الوقف بالسكون على الاسماء فى حالة النصب فيقال شربت كاس وضربت طير الخ . كما صح عن العرب اسكان آخر الفعل المضارع فى الوصل فى نحو : اخى يكتب ومحمد يسافر . هذا ويبدو التشابه كبيرا جدا بين خصائص اللهجة التونسية واللهجة المصرية . (10) من خلال هذه الدراسة ولا عجب فى ذلك اذ قد سادت لغة عرب بنى هلال وبنى سليم البلاد التونسية منذ الزحفة الهلالية عليها اواسط القرن الحادى عشر الميلادى وقد أتوها من صعيد مصر يومئذ . وأخيرا تبدو لغة أهل الريف التونسى فى كثير من التصاريف أصح من لغة اهل المدن وان كانت هذه أرق واجمل كما ان لغة
الشعراء فى الشعر الشعبى الملحون ارقى من غيرها وافصح وتستعمل مفردات لا تستعمل فى العامية ولها تصاريف وتراكيب اكثر واسمى فهى ذات ثراء لغوى كبير واستعمالات شائقة رائعة جدا . وليست هذه الجوانب الهامة هى كل خصائص اللهجة التونسية واننا لذلك سنقفى بحول الله هذا البحث ببقية هامة اخرى .
ان الكلمات الفصيحة فى الهجة التونسية تعد بالالوف فيجب ان نالف منها ما يسوغ ويصح تفصيحه او توجيهه وهذا ما قصدناه من تحقيقنا هذا لأصولها ومن بيان ما طرأ عليها من تحريف ولم نكن ابدا نريد الابتذال والتسفل للفصحى ولا كنا من المؤمنين قط باحلال العامية محل الفصحى وانما نريد للعامية السمو والبعد عن الانحراف وتقريبها من الفصحى بقدر الامكان وبذلك نسعين على ان نعبر عن الحياة العامة اليومية ، بيسر اكثر ونخفف من التباين والفروق بين العامية والفصحى ونؤكد القربى بينهما .
