الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 5الرجوع إلى "الفكر"

خواطر اجتماعيه حول اللغه العربيه

Share

سأتتناول فى حديثى الى قراء مجلة الفكر الغراء البحث فى اللغة العربية ازاء علم الاجتماع الحديث . وانى اعتذر اليهم لما يكون قد وقع فيه من الخطا والانحراف نظرا لعدم اختصاصى باللغة وعلومها . غير انى سأقدم حولها بعض الاقتراحات التى تعرض عادة لفكر الاجتماعى ، او التى تفرض نفسها فرضا عليه .

ولابد لى فى هذه العجالة التى ارجو لها ان تحوز عطف الفكر التونسي العزيز ، ان انوه بشأن الثقافة العربية فى مختلف اطوارها . لقد عرفت هذه الثقافة ما عرفته من الاشراق والاشعاع ، والركود والهجوع ، حتى اختلفت حالتها بين هذين الوجهين كما يختلف النهار عن الليل . فمن وجه ثقافة عمت الدنيا حتى وسعتها ، الى وجه ثقافة اضرت بها الدنيا حتى اجهدتها

فذاقت طعم الوجاهة والعزة والمناعة ، طعم الحياة والربيع ، كما ذاقت من احداث الزمان ما يذوقه الانسان وحضارة الانسان ، من ضعف بعد قوة ، ونسيان بعد ذكر ، وانزواء بعد سلطان وجاه ومنعة ، وشيخوخة بعد شباب

عراك شهدته العصور وسجلته الايام ، بين طبيعة حياة لا تقبل الهوادة وطبيعة ثقافة لا تقبل الموت . وكيف يكون للحياة على هذه الثقافة سبيل الى الغلبة والفوز ، وعنصر هذه الثقافة دفقة من حياة ، وشعاع من نور ، وفيض من عبقرية ! . . .

فلابد ، والحالة هذه ، من ان تكون الغلبة فى الصراع بين الحياة في معناها الشامل العام ، والحياة فى قالب الروح والفكر ، اقول ، لابد من ان تكون الغلبة فى هذا الصراع ، لاشد وجهى هذه الحياة قوة ، واجدرهما بالبقاء والخلود .

وهكذا ، خاضت الثقافة العربية معركة العصور وخرجت منها ظافرة بفضل اللغة العربية الفصحى ، ركنها الركين وحصنها الحصين . وكانت النهضة الحديثة وما نعرفه من شأن ازدهارها حتى يومنا الحاضر

وكيف لا تخلد الفصحى وتخلد ، وحرزها المكنون القرآن الكريم . . كتاب صبغ بجلاله لون الحياة ، فبات ناموسا للتربية وروحا للحياة ، عزت به الانفس ، وتهافتت عليه الارواح ، فلاقت فى كلماته روحا لها وريحانا فانتهجته ثم رضعت الكيان منه . احدث فى نفس الفرد والمجتمع ما يحدثه من المعرفة والعواطف فهيأ الذات ، ثم شفعها بالمشاعر والذكريات ، واحياها بالحنين في اعمق اعماقها الى ما يحن اليه المرء فى عائلته ومجتمعه وماضية ثم انجلى ، تحتكم اليه فى النفوس قيم الاشياء والامور والتجارب

مشاعر من الماضى المجيد تلجأ اليها النفوس تحت وطأة الحاضر المؤلم كما تلجأ الى واحة فى صحراء . ذكريات فردوس مفقود ، عصفت به احداث الايام وجحافل التاريخ .

ومهما كانت المقارنة بين نضارة الطفولة وسحرها وتجهم الساعة وشقائها غريزية في الانفس ولاشعورية ، فانها لاشك واقعة كائنة . وما يضير هذه الانفس المتعطشة ان تكون العامية هي لغة التداول بين الناس ، وان تقتصر نصوص الادب مرارا عند الادباء على منتخبات نثرية او شعرية وان تطغي حينئذ طرائف " المستطرف " على سواها في النثر . والقصيدة الطويلة على شتى فنون الشعر ، ما دامت لغة القرآن الكريم بسحر جمالها وعظمتها تهز المشاعر وتنفذ الى الافئدة وتهذب الارواح وتنقل الفصحى مصونة بجميع قيمها وتحمل الرسالة طيلة القرون المظلمة والمراحل التاريخية الشاقة

من اجل هذا كانت النهضة فى التاريخ العربى منذ ثلاثة اجيال نهضة لغوية قبل كل شئ . ففي هذه الفترة من الزمن خرجت اللغة بموكب جلالها من محرابها الروحى الى معترك الواقع ، تجابه الحديث وتطاول كل لفظ عامى او اعجمي في أداء الفكرة . كما ان المجتمع والفرد شرعا يعملان على توفيق هذه العبارات مع الحياة . فيصح هذا عن الفرد كما يصح عن المجتمع . يعود الفرد على نفسه ويعود المجتمع على حقيقته فيحاول كلاهما ان يتفادى من كل تغير واغراق ولا نتعدى الواقع اذا قلنا ان هذه التيارات التوجيهية تكاد تكون غاية غانات الخهود العربية ونمطها الاجتماعي الاعلى منذ بدء النهضة . تظهر لنا في المجتمع في اجتهاد علمائه وتجديد مجددية ، فى توتراته الداخلية او في سلوك الفرد يعمل جاهدا على صون نفسه من كل ما من شأنه تحطيمها

ومن البديهي الا يتم احتكاك ما تبعثه اللغة من قديم بكل حديث فى العصر الجديد دون تصادم وتفاعل . والا يكون النضال فى جزيرة مقفرة كما حدث لحيي بن يقظان لابن طفيل الاندلسي . ولا بد لموقف العرب ، والحاله هذه ، ان يكون موقفا دفاعيا في الغالب . فيؤدى ذلك الى حدوث ظاهرة اجتماعية خطيرة الشأن ، بانتعاش انسانية بكاملها حول بعث لغة . وماتزال هذه الظاهرة مستمرة حتى اليوم

وما قوة الصحافة والاذاعة ودور الطباعة والنشر واتجاهات التعليم والكثير من المنظمات بذاتها والمؤتمرات والمحافل والمعاهد بطابعها اللغوي وما بلاغه القول ، وسياق المقالة ورنة الخطاب فى الادب والسياسة ، وما هذه اللفظية التى يعيبها العائبون من المشارقة انفسهم على الشرق ، الا دليلا واضحا على تغلب عنصر اللغة فى التاريخ العربى الحديث بما فيه من الخير والخطر

ولا تقتصر هذه الاية الاجتماعية على احياء تراث مجيد ، في ميادين متراميه ولا على استمرار القديم ضمن الجديد فحسب بل تتعداهما الى مميزات هذه اللغة . هذه المميزات التى صدرت عنها نتائج هامة في نفسية المجتمع وهناك مجال واسع لبحوث جديدة ، ومع الاسف لم تستفد حركة الاستشراق كما كان ينبغى لها من التقدم الذى حظى به علم اللغة اخيرا خارج نطاقها . وفى ميادين اخرى من بحوث واساليب ، مما يدل على ان حركة الاستشراق هذه لم تبلغ بعد غاية تطورها وكما تعرفون لقد تحدد علم اللغة تجددا عميقا فى الفترة الحالية متأثرا بأراء العالم السويسرى واللغوى الكبير ( دى سوسور ) فحدث فى شتى ميادين هذا العلم ما نستطيع ان نسميه الثورة السوسورية بل اجتاز هذه الثورة . ويزداد استغرابا لضعف هذا التجدد فى الاستشراق اذا نحن عرفنا ان اللغة عند العرب هى عنصر احتماعي يكاد يكون شاملا الى أبعد غاية . فلا تقتصر فى غايتها على التعبير والايحاء ، بل تتعدى ذلك الى التوجية والفرض . وتقديم انماط تتحتم على الافراد وللجماعات .

غير ان جهود اللغويين العرب فى اواخر القرن الثاني الى القرن الرابع - هذا اذا لم نخص بالذكر الا اشهرهم - ما تزال تطغي بطابعها القوى على كل البحوث الحديثة وليس ذلك بما احدثته هذه الجهود من قوة عديمة النظد في نوعها فحسب ، ولكن بما بعثه هؤلاء اللغويون من خالص افكارهم في صلب اللغة ذاتها . فقد ساقهم الغلاب مع الفلسفة اليونانية تحت تاثير المستلزمات الخاصه لهم وبيئتهم الخاصة الى صياغة عمل اصيل . نفس الظاهرة التى وقعت فى نمو الفقه الاسلامى من التفريع والتكييف والاجتهاد . حتى يجوز القول ان علمي اللغة والفقة هما البابان الرئيسيان لتفهم العبقرية العربية في كيانها الذاتى وفى تكوينها التاريخي . غير ان الفقه رغما عن نضوجه الباكر ممكن ان تتبين اصوله النقلية والعقلية وتسلسلها المستمر منذ الكتاب والسنة الي اقوال الائمة واحكام الفقهاء ، مع ان اللغة مثلما خرجت من ايدى اللغويين كلا كاملا منتظما ذا قواعد راسخة فى صور شامخة فأضيف ذلك الى اصلها الآلهي وجمالها الانسانى والى ما انطوت عليه من بديع القيم ورفيع الحكم وان كانت رسالة القرآن الكريم قد ارتفعت بها الى اعظم الدرجات فما زادها عمل اللغويين الا هندسة وغنى ما بعده غنى

لقد قدرت مصادرها الثلاثية بسبعة عشر الف مصدر . ومن الامكان ان يشتق من كل منها ما يقارب المائة كلمة فهناك خلاف عظيم بين اللغة العربية وحيرها اذ اننا لانعرف الا من اللغويين انفسهم غالبا حالة اللغة في الفترة السابقة للتنزيل وقد ساق هؤلاء اللغة الى قوانينها حتى اننا لو اردنا ان نطبق عليها الاسئلة التى تهم المؤرخين فى مختلف العلوم الاخرى نعجز عن الاجابة . كيف تكونت اللهجات مثلا فى الجزيرة العربية قبل الاسلام ؟ وكيف كان التفاعل بين التيارات الشعبية الخالصة والتيارات الادبية فى البداوة والحضر . ومالى فى ذلك رأى ولا اجتهاد . غير انى اقارن بين هذه الحالة وما وصلت اليه معرفتنا اللغات ( الاندو اوروبية ) من يونانية وسانسكرية ولاتينية الخ . . . ما وصلت اليه معرفتنا من التمييز بين الفترات وتمحيص العوامل المتفاعلة وتسلسل العلل والنتائج فى تطور لفظة ما او لهجة ما ؟ فاذا اردنا مثلا ان نفسر فرجيل او هوميروس ، او راسين فى عصرنا الحاضر ، وجدنا تحت متناولنا كثيرا من المصادر المتنوعة فى الزمان والمكان . وهذه المصادر تمكننا من شرح اية ظاهره بما سبقها وما رافقها . وهل من الممكن او من المستحسن ان نتجه مستشرقين كنا ام علماء شرقيين ، الى مثل هذه البحوث ؟ والواقع اننا مع عجزنا الحالى وتساؤلنا القلق ، وصلنا الى حقيقة تشمل الكثير من مميزات هذه الحضارة لاشك ان اقواها فى وجهيها الرئيسيين اعنى اللغة والفقه هي نضوجهما منذ حداثتهما وسر تكاملهما الباكر . وليس هذا الا الجانب العلمى الوضعى لما يقره الفقهاء ويسمونه الاعجاز

لنعبر التاريخ ولنقفز اربعة عشر قرنا فماذا نلاحظ ؟ وان تصل العربية الفصحى الى الذين يتلونها ويتكلمونها ويقرؤونها فى القرن العشرين كتراث من الفردوس المفقود ومتمركزة على هامش الزمن ، مستعصية على التعلييل البشرى ، ففي ذلك ما يكفى على بعث بعض النتائج النفسية فردية كانت ام جماعية . واذا ذكرت هذه العقبات ردا على الاستقصاء التاريخي ، وحلت بذلك مشكلة من مشاكل اللغة ، تبقت مشاكل اخرى احب ان اعرض لبعضها الآن

لقد اشار saussureالى اهمية ما يسميه فى اللغة بالسمة الاعتباطية ويقصد بذلك صفتها العفوية المتحررة من كل مسبب ككلمة عصفور مثلا فليس فيها اية رابطة منطقية تربط الاصوات بمدلولها . والحالة هذه وخلافا لما عليه اللغات الاوروبية ، تشتق الكلمات العربية فى الغالب وبصفة اكيدة من المصدر . فنقول مثلا : مكتوب - مكتب - مكتبة - كاتب - كتاب جميعها كلمات صادرة عن جذرها : كتب . بينما نلجأ بالفرنسية للدلالة عن خمسة اشياء الى خمس كلمات لا صلة صوتية لبعضها بالبعض الآخر

فبينما كل كلمة من هذه الكلمات الخمس فى الفرنسية هي كلمة اعتباطية بداتها ، نجد الكلمات العربية مرتبطة بعضها ببعض حسب منطق بين . وما فيها غير ( الجذر ) اعتباطيا arbitraire هنا نطلب الصفاوة والبيان والمنطق

وكم كانت تسهل العربية وتصفو لولا المترادفات الهائلة . وكانها تريد ان تعوض عن تلك البساطة المنطقية الاصلية بكثرة المفردات . ومن هنا نتائج كثيرة فى اتجاه عقلية الفرد والمجتمع .

فبينما تصب اللغات الاوروبية وخاصة الفرنسية الكلمة وتجمدها في قالب الشىء حتى تختفى معالم جذرها ، وتصبح بدورها شيئا معبرا عن شئ تبقى الكلمة العربية الفصحى قريبة من مصادرها العقلية تعتز بها ، وتلجا الي الاصطلاح فى كل ما يمت الى الجديد بصلة . اصطلاح بين علمائها واجماع صادر فى معناه عن استعمال جديد للمصادر القديمة .

غير ان المصادر او الجذور فى بعض الاحيان ، تغذى الالتباس والتلاعب والالتواء . كما ان المشتقات الدالة على شىء تتكاثر فيها المعنيات الى لا نهاية فالخلمة الواحدة كانت تفيد احيانا اشياء متضادة فى ذاتها : كالاسود والابيض والبارد والحار الخ . . من هنا ترداد المعنى وغموضه فهو لا يتضح الا بحسب روح الجمله والموقف . هل تطورت اللغة وستتطور وتكيفت وستتكيف بروح المعاملات الحديثة والتمدن الصناعى غير انها ما تزال الفصحى حتى اليوم لغة الخطاب به والاصدار ، والهجاء اللاذع ، اكثر منها لغة البيان والتعليل . فهي اقرب ما تكون الى الشمول والتعميم . فكيف نعجب والحالة هذه ، اذا هزئت هذه اللغة بالحدود والامكنة والعصور فهي تستمد قوتها من ذلك وبذلك تحتضن كل من تكلمها من السنغال الى الهندوس ، سعة دافئة تبعث علي الابفاع والحماس ، يقدر دفئها الخير الكريم هذا كل غريب معرب . كما احس به انا اليوم .

غير ان هذه الخاصة تبدو لبعض المفكرين من العرب كانها تستر مواضع ضعف فى عالمنا المقسم المبوب . فبعد جهود متواصلة مدة خمسين سنة ، لم نستطيع الفصحى ان تطغى على الحياة اليومية التى كانت وما تزال ميدانا للعامية . لذلك نرى من ناحية الوقار الديني والقيم الروحية والفعالية السياسية والخطابة البليغة ومن ناحية اخرى نرى الوحى القروى والشعبى ، ماء حياة الواقع الملموس . فهذا مما يثير مناظرة خطيرة بين بعض الادباء . 412 12

وقد يحدث ان يتساءل العرب من آونة لاخرى فهم مدينون حقا فى انتصاراتهم الحديثة والى مدى بعيد ، للعربية الفصحى التى تسمح بانتشار القول انتشارا واسعا وترتفع به الى آفاق السمو والعظمة . فيتساءلون هل ستقوم هذه اللغة الكبرى بأعباء المستقبل كما هى قائمة اليوم بأعباء الحاضر ؟ . ام هل ستتحجر بدورها فتتنازل فى بحث كل ما هو شعبى ملموس عن بعض خصائصها الرفيعة ، ام انها ستفضل البرج العاجى ؟

حقا انها لتراث عظيم . دفعت به القرون فى اعماق الماضى البعيد حتى بدا للمعاصر ، شرقيا كان ام مستشرقا ، صافيا لا تشوبه اخلاط الواقع وقد نقاه القوم . فهو لا يعود الينا خاما قذرا ولا معدنا يحمل الادران كالذى تعود به ابحاث الغربى من زوايا تاريخه ولكنه يعود درا وياقوتا ويجلله سحر ما كان ولن يكون . حتى هذه الخمسماية سنة من الركود والسكوت فانها اعانت على بعث الماضى برمته ، واحيائه واجلاله . لذلك يتراءى للعرب اليوم كلا لا يمكن انفصامه ، يثير الاعجاب بما ينتج عنه من امجاد الجمال والدين . ففيا بتكامل هوميروس بالتوراة وقوى القدم بطراوة التجديد

هنا يتحتم على الاجتماعي تجنب علم اللغة ، لاننا لا نستطيع دراسة الماضى ككل بذاته الا على ضوء الحاضر ، هذا الحاضر الذي يهبط فيه هبوطا لا يعرف التدرج . وكلما اغرق هذا الماضى فى قدمه ، زاد انتعاشه وزادت حياته فقيمته الوجودية تتباين بحسب اقترابه بنسبة معكوسة ،

وبصرف النظر عن الاتراك والمماليك وعن القرون الوسطى جميعا تستوعى روح العصر قوى الشباب والحداثة عابرة عن عصور الانحطاط وعصور البذخ والافراط . ثم تلحق ببغداد والشام وتتعداهما الى العصر النبوى بعين الاقتباس والتمجيد . ثم الى الجاهلية بعين اللذة والاعجاب فننظر مثالا الى شعراء ذلك العهد وهم غالبا من هؤلاء الاعراب النهابين الوهابين الذين يشير اليهم الدكتور على الوردى تحت شعار البداوة . كم لهم من الجاذبية الخلابة ومن الجاه المستمر . وقد راينا ذلك فيما احدثته شكوك طه حسين بهم من رد فعل عند المفكرين . ذلك ان القدم ، فى هذا الماضى المعكوس المقلوب ، يحسب له حساب واى حساب فتبرز اقدم طبقاته وكأنها تندفع لاكتساح الحاضر بعنف لم تستطع الانماط الاوروبية مدة نصف قرن استنفاده . فلزام علينا اذن ان ندرس هذا الماضي لا فى حقيقته الاثرية فحسب بل فى استعداده وقبوله للنضال الحديث كعنصر من عناصر الحاضر . لا ك archeologie        بل ك Phenomenologie 413 13

وليسست المشكلة الكبرى فى نظرنا اعادة هذا الماضى واحياءه بل هي وصف طوره الحاضر وصراعه مع الواقع الراهن . كما ان اختلاف القدماء والمحدثين ليس اختلافا بين اتجاهين جماليين فى الانتاج الادبي والفني فحسب  بل هو فى الحقيقة اختلاف بين تاريخ وضعى وماض روحي

عظمة محيرة تحمل الامتعاض والحض . فيثور عربي القرن العشرين علي الخارج وعلى عالم معتوه متحجر . مدففوعا بماض يعطيه اضافة على ما يعطيه من العقيدة النمط اللغوى والاخلاقى والثقافى . فيروح يستمد من اعمق اعماق نفسه الرموز التى تعينه على نفض غبار العصور المتراكم . ويروح يحاول التوفيق بين الهام الماضي و ظروف الحاضر ، توفيقا يمكنه من التعويض عن تقصره .

غير ان مايناله من فوز فى الجيل الحاضر ، يصل اليه تبعا لانتظام يخالف مخالفه عظيمة مالوحظ فى تاريخ الشعوب الاخرى اذ انه يصله التحرر السياسي قبل انشار التعليم ، ويصله التعليم قبل التجهيز الاقتصادى ويصله التجهيز الاقتصادى قبل التجدد الاجتماعى فى اغلب الاحيان فمن هنا تفرض المشاكل  نفسها فرضا على كل مصلح عاقل وكل ثائر متحمس . فشعوب حديثة العهد بالحرية ، لابد من اعادة تكوينها وتربيتها . ولكن اى تكوين ؛ واية تربية

ومن هناك القلق والاضطراب فى جميع المجتمعات العربية الحالية . فيجوز ان نستشهد على هذه الظاهرة الادباء والكتاب كما كنا نستشهد على الفترات الاولى النحاة واللغويين والفقهاء . لان خير الشهود هم اولائك الذين يحملهم العصر الحديث بانفسهم على القلق والاضطراب . فلنعرض لهم الآن دون ان نتوقف عند فوارق البيئة والمستوى والنوع

والادباء بصفة عامة ذوو الحس المرهف هم الذين يعبرون ويعللون بقوة وفعالية اسباب اضطراب العامة ودافع هياجهم . فهم يعبرون بنظرنا عن مجتمعهم ويمثلونه اكثر مما يعبر ويمثل ادباءنا في مجتمعنا . لان دورهم التوجيهى فى مجتمعهم اكبر من دور ادبائنا فى مجتمعنا . هذا من ناحية ومن ناحية اخرى ، ان هؤلاء الادباء العرب ، وقد نهشتهم فكرة المعارف العامة واستهواهم عراك الزمن الحاضر ، وانتزاع عميق لفرديتهم ، واشتباه القيم المعنويه هذا الاشتباه الذى نشهده اليوم ، ان هؤلاء الادباء يظهرون لنا في حالة قوة وضعف ، وصحة ومرض . وليسوا الا دليلا جديدا على حيوية اللغة ودورها الاعظم فى المجتمع.

اشترك في نشرتنا البريدية