منافسة وهجاء
صاحب العمل يطمح دائما في ازدياد وتوسع عندما يكون ذا قلب طموح . وهمة عالية . . ولعل عنصر المنافسة يولد بين الشخصين في مجال تجانس العمل . وتوافق المطامع وتساوي الرتب . . وقد قيل : عدو المرء من يعمل عمله .
وفي تبادل البضائع وتداول السلع لا يستغرب تنابز اصحابها بالالقاب . . وافتعال عنصر الضعف فى سلعة الآخر . . ولكن في العلم . وفي الادب رغم وقار اصحابهما ، ومرونة اخلاقهما نرى المنافسة بينهما ترتفع الى درجة الهجاء . . وقد رأيت من هذا النوع ما قراته في مطالعة عابرة . . وذلك حول تهجم نفطويه ( ٢٤٤-٣٢٣ ) على ابن دريد ( ٢٢٣-٣٢١ ) مؤلف كتاب " الجمهرة " في قوله :
ابن دريد بقره
وفيه لؤم وشره
قد ادعى من جهله
وضع كتاب الجمهره
ودواعي هذا القول واضحة . . فلا شك ان نفطويه حسد ابن دريد على ذلك الكتاب فادعى أنه أعلى من مستوى ابن دريد : . ولكن ابن دريد اسف على هذه المنافسة التي لم تأت بطائل . فقيل انه رد عليه بالقول الآتي :
أف لذا النحو واصحابه
قد صار من اصحابه نفطويه
أحرقه الله بنصف اسمه
وصير الباقي صراخا عليه
ثعلب . . والمبرد
ولعل من غريب المصادف ان اطالع في نفس اليوم هجوا او منافسة . . تماثل ما جرى بين نفطويه وابن دريد . وهذه المنافسة بين علمين أخرين برزا في نفس الفن - اللغة العربية - وكان لهما فيها باع طويل . فقد كان ثعلب يتولى زعامة اهل الكوفة ( ٢٠٠-٢٩١ ) على حين كان المبرد ( ٢١٠-٢٨٦ ) يتزعم أهل البصرة وكل منهما كان عالما واماما في صناعة العربية . . واحدث ذلك بينهما من المنافسة ، ما حفظه التاريخ سجله الشعر
فقد جاء في مقدمة كتاب " مجالس ثعلب " بالصفحة ١٣ - النشرة الثانية دار المعارف بمصر - ان رجلا جاء الى ثعلب : فقال يا ابا العباس قد هجاك المبرد . . فقال بماذا ؟ فأنشده
أقسم بالمبتسم العذب
ومشتكى الصب الى الصب
لو اخذ النحو عن الرب
ما زاده الا عمى القلب
فقال انشدني من انشده : . . ابو عمرو ابن العلاء :
يشتملني عبد بني مسمع
فصنت عنه النفس والعرضا
ولم اجبه لاحتقاري له
من ذا بعض الكلب ان عضا
ورحم الله علماءنا الافاضل . . فقد كانت بضاعة المعلم والادب عندهم اغلى بضاعة واعز متاع ، ولا غرو ان تبدو ملامح المنافسة ، وروح الغيرة ، وعنصر الحسد بين ارباب القلم واصحاب الفكر خاصة فيمن
تساووا في نوعية المادة . . وسلكوا منهجا واحدا تحت ظلال دوحة العلم . . وروضة الادب
ولعل هذه المنافسة حصلت لاولئك الاعلام المتعاصرين . . عندما حصلت الزعامة لهم في بلدتي البصرة والكوفة . وكلهم عاش في القرن الثالث الهجري . ولنا ان نتساءل عن عوامل ودوافع هذه المنافسة بين اولئك الافذاذ . . وهل هي عوامل نمتها روح المنافسة العلمية البحتة التي قوامها البحث والانتاج في ذلك العصر الزاهر . . فانبعثت في مدرستي الكوفة والبصرة لما لهما من مكانة علمية . ام هي عوامل . . ودوافع نفسية شخصية ؟ لا اعتقد ذلك الا انها نضج المدرستين . فحبذا في العلم والانتاج مثافسة . . ويحبذا العلماء المتنافسون المتسابقون الى مجال الانتاج والابداع وخاصة فيما يخدم الانسانية في شتى المجالات . . ويعمر المعمورة . ويحيي الاثار الاسلامية الخالدة . . ويميط اللثام عن الذكاء العربى . . والفطرة العربية الاسلامية .
أمطقه بين العامية والفصحى
كثيرا ما درجت على ألسن العامة ، وفي منتدياتها وخصوصياتها كلمة ( أمطقه ) أي تذوقه . . او حبا يكون بتحريك الشفتين واللسان حتى يخرج صوت يوحي بان الشخص قد استساغ القبلة . . او تذوق الشيء .
وكثرا ما تنطق هذه الكلمة في حالة تدلل الاب والام على طفلها الصغير . . فيقول
احدهم : انني أمطقه مطقا . . كما جرت العادة بأن تقال في حالة القسم او اليمين على الشئ فمثلا شخص يقسم على اخر ان لا يصل اليه ذلك الشئ ، ويؤكده تصميمه على ذلك بقوله مثلا : ( والله ما تمطق به ) أى ما تتذوقه او تستسيغه او يصل اليك . .
وفي اثناء مطالعة عابرة عثرت على نص لهذه الكلمة في لفظها ومعناها . . في بيت للاعشى ، ضمن قصيدة له في الخمر ونص البيت كالآتي :
تريك القذى من دونها وهي دونه
اذا ذاقها من ذاقها يتمطق
فعرفت ان هذه الكلمة فصيحة اللفظ والمعنى . . وانها من الكلمات التي هجرتها اللغة الفصحى اليوم . . واستتأثرت لغة العامة .
اتفاق . . وتسمية
طالعت منهلنا العذب لشهر المحرم لهذا العام ١٣٨٨ هـ . . وقد الفيته كعادته . . قد حوى ووعى من العلوم ما لذ وطاب . . وبدا بثوب قشيب . . مثبتا جهود استاذنا الكريم عبد القدوس الانصاري . . الذي سار به من حسن الى احسن طيلة اربعة وثلاثين عاما . . وهو ينمي غرسه ليؤتي ثماره جنية عذبة . . فجزاه الله خيرا وبارك في جهوده
ومن ضمن محتويات هذا العدد ، . بحث قيم بقلم رئيس التحرير وبعنوان ( سد وعاصم وقصره ) وكما يبدو انه فصل
مستل من مخطوطة جديدة ليراعة الاستاذ عبد القدوس . . ليسد بها نقصا في المكتبة العربية . . وفي حقل التاريخ والآثار خاصة .
وقد تناول البحث ذكر ( صلاصل ) كأرض العروة بن الزبير بحرة وادي بطحان بالمدينة المنورة . . وقد تذكرت في الحال ( ارض صلاصل ) بالقصيم التي هي عبارة عن فيضة ) : ارض مستطيلة الشكل اشبه بمنخفض . . يحيط بها من الجهة الشرقية سلسلة من الجبال القليلة الارتفاع ومن الغرب حزون ومرتفعات . . وهي صالحة للزراعة وتسقى بمياه الامطار . وفيها ركايا للماء تتجمع فيها السيول . وتنبت الفضا في قصائم من الرمال القليلة . كما تنبت الكلأ في فصل الربيع
وتبعد عن بريدة بالذات بحوالي ٦٠ كيلو مترا باتجاه شمالي مائل الى الغرب قليلا واعتقد ان احد طرق الحجاج القديمة والتي لا تزال بعض آثارها باقية في بعض الاماكن من انحاء القصيم الشمالية وخاصة الطرق المؤدية لحاج الكوفة والبصرة ، وبغداد عن طريق المدينة . اعتقد ان احدها يجتازها ولعله الطريق الذي يجتاز بالطرف الشمالي من النباج قديما ( الاسياح اليوم في شرق شمال القصيم ) وتسمية هذه الارض بصلاصل قديمة تناقلها الآباء عن الاجداد . . وهذا ولا شك اتفاق بالتسمية . . وربما يكون جاء الاسم بوساطة الحجاج لتشابه البقع . . حينما كانوا يجتازون هذه الاماكن مشيا على الاقدام ، وعلى الجمال
( بريدة )
