الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 4الرجوع إلى "المنهل"

دور الكتب(*)

Share

أخشى أن اكون اثقلت عليكم فى هذه الأحاديث ولكن يعلم الله انى لم اقصد بانشائها ولا بالقائها الا الإفادة والتوجيه فان يكن ذلك فهو المطلوب والا فللمجتهد حينما يخطئ أجر وثواب .

وساحدثكم الآن حول موضوع هام أرى من الضرورى علينا الاحتفال به والاستفادة من تقدم الآخرين الذين سبقونا فى طريق التقدم فيه حتى نكون عمليين موفقين وناهضين موفقين . وموضوع اليوم أو الليلة هو موضوع دور الكتب العلمية العامة التى تكون جامعة لشتى فنون المعرفة القديمة والحديثة والتي تكون مفتحة الابواب للطالبين مرحبة بالباحثين مسهلة لهم طرق اقتطاف ثمار البحوث بتنظيم كيانها وبسرعة تقديم ما يختارونه وما يحتاجونه ويريدونه من مصادر ومن مراجع . وبذلك تساهم المكتبة أعظم مساهمة وانبلها فى تقديم سفينة الحضارة إلى الأمام وحياطة المدنية . ترسله على انحاء آثارها ومآثرها من علم وعرفان وتوجيه وقيادة راشدة وريادة صالحة ناجحة  .

وقديما عرف العالم الاسلامي أهمية الكتاب وأهمية جمع الوان الكتب فى دار واحدة فقرأنا فى مختلف الاسفار مختلف ما كان يقوم به ولاة الامور ورجالات الدولة والامة من انشاء المكتبات الحافلة بألوف الكتب فى مختلف الامصار ونثرهم قيم الاموال وصرفهم قيم الجهود فى هذا سبيل مبتغين مرضاة الله ثم تقدم المسلمين حيال هذا العمل الخالد الجليل . وفى الحق ان المكتبات هى المظهر الواضح الحق لمدى تقدم الامة وتاخرها وبها يقاس نهوض الامم وسقوطها يدلك على ذلك ان الامم المتأخرة مفقودة لديها  المكتبات العامة بالكلية وكلما تقدمت الامة فى سلم الحضارة تقدمت معها المكتبة وحفلت بمختلف الفنون والمكتبة هى الحافظة الامينة لتالد العلم وطارفه فهى تهدى الاجيال الحاضرة نتاج عقول وجهود الأجيال الغابرة وهى تهدى للاجيال المقبلة نتاج عقول الحبل الحاضر وهكذا دواليك .

وقد قرأنا عن المبالغ الطائلة التى كان الخلفاء والملوك والامراء والزعماء والعلماء والأثرياء يرصدونها لهذه المكتبات وقد يشترى رجل تاجر كتابا  نادرا ثميتا بمئات الدنانير ليجعله وقفا لله فى مكتبة عامة بمصر او فى بغداد او بمكة او المدينة او قرطبة او دمشق الشام ، رقم يهب رجل ثروته كلها من ثابت ومنقول لمكتبة حتى تعمر بالكتب . وهذا الباب واسع جدا لواردنا الاطالة . وقد نقل الغربيون الى مدنيتهم نظام المكتبات العامة عن العرب فانشأوها واحتفلوا بها حتى بلغت مستوى رفيعا فلما رفعت اقطار العروبة رأسها بعد كابوس الجمود الذى استولى عليها عدة قرون وجدت أهم نفائس مكتباتها العامة قد نقلت بطرق مختلفة الى اوربا ووجدت ان زمام امر تنظيم المكتبة قد انتقل الى ايدى الغربيين وكان فى طليعة الامم العربية النابهة المتنبهة ، مصر الشقيقة وسرعان ما امر الخديوى بانشاء دار الكتب المصرية وكانت تدعي بدار الكتب الخديوية اذ ذاك وقد اغدق عليها القوم وافر الاموال وجادوا عنها بنفائس الكتب حتى بلغت اليوم هذا المستوى الذي يحق لها ان تباهى به مكتبات اوربا نظاما وسعة مصادر وبناء وادارة وجمالا ، واذا طبع أى كتاب فى مصر قدمت نسخ منه عديدة الى وزارة الداخلية وهذه تبعث بنسخ منه الى المكتبة.. وقد افادت مصر الناهضة من تراثها القيم المحفوظ بدور الكتب الخاصة المبثوثة بها فى عهود النور والظلام فجمعت الكثير منها ووحدتها وضمتها الى هذه المكتبة العامرة التى تضم اليوم عشرات الالوف من الكتب العربية المخطوطة والمطبوعة فى سائر انحاء العالم وعشرات الالوف من الكتب الغربية المخطوطة والمطبوعة فى سائر انحاء العالم فى نظام سليم حكيم يدل على حسن ذوق وقوة عناية ودقه ملاحظة . وناهيك بامناء دار الكتب المصرية . انهم علماء تخصصوا علميا وعمليا فى فن تنظيم المكتبات فقاموا بذلك بما يحمدون عليه ويشكرون . فانت اذا دخلت ابهاء المكتبة راعك نظامها وجمالها واتساعها وكانها حكومة قائمه بذاتها . انها حكومه للعلم التى تعطى ولا تأخذ . وهؤلاء الحفاظ امرهم عجيب انهم صبر وغير ، وامناء على الكتب وعلى المطالعين على حد سواء . فهم يؤدون مهمتهم بامانة نادرة واخلاص واستيعاب عظيم واذا

طلبت أى كتاب فايقن انه سرعان ما يصل الى يديك بل ان بعض الامناء يقدم لك نفس البحث الذى تطلبه انه يقوم بمساعدتك فى ذلك عن طيبة خاطر وبشاشة  وطلاقة وترحيب . وقد كان من عناية الحكومة بامر دار الكتب انها لا تعين بها مديرا عاما او موظفا كبيرا او امينا للكتب اللهم إلا إذا كان واسع الاطلاع والثقافة . وقد بلغ من عنايتها بامر دار الكتب وتنظيمها ان عنيت جامعة فؤاد بتخصيص الطلبة فى شؤون المكتبات بعد اخذهم شهادة الليسانس فتمرنهم عليها فى دار الكتب ، ودار الكتب سخية فى شراء اى كتاب يستجد طبعه او قدم طبعه او تعثر عليه او تدرك انه معروض للبيع بل لا يكاد يصدر كتاب فى انحاء العالم الا وتشترى منه نسختين او ثلاثا وبذلك سايرت التطور العلمي الحديث الحثيث ومكنت الباحثين من تناول ثمار العلم فقد جعلتها لهم على طرف الثمام وبذلك استطاع الباحثون فى مصر طروق كل بحث مهما كان جديدا وعميقا ودقيقا فى سائر افنان المعرفة والاستكشاف والاستنباط والاختراع حتى ولو كان القنبلة الذرية أو الطاقة الذرية . سرعان ما تفهم مصر كل هذا فالكتب فيه وفيرة وكتابها يجدون اصول كل بحث وفروعه دانية القطوف وهى ترسل بعثات الى مختلف انحاء العالم لتصوير المخطوطات النادرة بآلة التصوير الفتوغرافية لتضمها الى مافيها ، وحتى الصحف ان دار الكتب لا تترك صحيفة عربية او غربية تعرف صدورها ومكانه وعنوانه الا واشتركت فها سواء كانت علمية او سياسية او ادبية ، وقد وجدت فى المكتبة اعداد مجلة المنهل منذ صدورها ومجلة الحج واعداد صوت الحجاز والبلاد السعودية والمدينة المنورة  والنداء الاسلامى منذ صدورهن وقل مثل ذلك فيما صدر فى المملكة العربية السعودية من كتب ادبية واثرية وتاريخية وعلمية واقتصادية جميعها تضمنها هذه المكتبة ، وكثير من المؤلفين يجهلون ذلك فما على الباحث عن كتب المملكة السعودية اذا قدم الى مصر الا ان يتعاهد دار الكتب ويبحث عن هذه الكتب بها فانه واجدها لا محالة وللمكتبة نشاط واسع فهي تقوم بطبع الكتب العربية النادرة وتقوم بتدقيقها وتصحيحها على نفقتها هي وحدها والسبب فى ذلك ان الاعتماد المفتوح لدار الكتب فى موازنة الدولة لشراء الكتب والصحف ضخم فخم واسع مديد .

وبذلك تمكنت من السيطرة على نتاج العقول وحصرها بين جدرانها حال الانتاج وبالتوالى والاستمرار وناهيك بعمارة الدار وشموخها وتناسقها وتناسبها فهى على الطراز العربى الاندلسي الرائع الجمال والضخامة وتقوم فى ملتقى شارعين لاحبين زينة للناظرين وبهجة للمارين والعابرين . . وقد بلغني اخيرا ان القوم ازدروا اخيرا هذه العمارة العظيمة بسبب ضيقها عن موجودها فاذا بهم اليوم يزمعون انشاء عمارة اضخم وافخم بكثير منها فى اجمل شارع بمصر واوسعه الا وهو شارع قصر النيل حتى تكون الدار رمزا بارزا لتقدم مصر العلمي الحديث . وقد فكر القوم فى امر هذه الدار فوجدوها لا تكفى لمطالعة الباحثين فى انحاء القاهرة فابتكروا وأوجدوا فيها نظام التعدد والتمدد فاسلموا فروعا لها على نظامها وعلى غرارها ، فى ارجاء القاهرة العامرة وقامت هذه الفروع بمهمتها على خير منوال والنية مبيتة لتعميم هذا النظام من التمدد والتعدد فى سائر انحاء القطر المصرى حتى تساير دور الكتب العامة فى مختلف المدن والقرى والمديريات - فى تطورها العالمي الحثيث وحتى تغذى طلاب المعرفة بما يلزمهم منها بدون بخس او نقصان . ونحن ولله الحمد بدأنا نخطو الى الامام فعندنا اليوم نهضة علمية مرموقة سائرة فى طريقها الى الاتساع والشمول فالحكومة السنية وعلى رأسها جلالة الملك المعظم وسمو ولى العهد وسمو النائب العام المعظمين قائمة برفع مستوى المعارف وتوسعة التعليم على نطاق متمدد الاتساع وقد انشئت لدينا كلية للشريعة ولابد ان تنشأ بعدها كليات وجامعة سعودية ولابد ان متخرجي الطلاب ونبغاءهم سيتقدمون باطروحاتهم العلمية الى لجان الامتحان العليا ولابد انهم اذ ذاك كغيرهم من مختلفي الباحثين سيحتاجون الى مكتبة عامة شاملة توجههم وترشدهم وتنير لهم طرق البحث فيما سيكون فيه مختلف البحوث فاذا انشئت لدينا مكتبة سعودية عامة فى مكة والرياض وغذيت ونظمت وفتحت لها الاعتمادات المالية الضافية واوجد لها الموظفون الاختصاصيون وانيط امرها بادارة حازمة لدوام تنظيمها وترقيتها فان ذلك خير سبيل لنهضة العلم من طريق الدراسة فى المدارس ومن طريق الدراسة فى المطالعة .

وليس انشاء هذه المكتبات العلمية السعودية وانشاء عمارات ضخمة لائقة بها بالأمر الصعب ولا بالمطلب البعيد لا من الناحية العلمية إذ لدينا نواة طبة لها ولدينا مكاتب خاصة مرموقة يمكن ان تضم اليها كما ان امر تغذيتها بالمال والرجال امر سهل فان الحكومة سخية كريمة فى هذا السبيل وعلى الاغنياء المساهمة فى هذا الباب باموالهم وبنقودهم فان فضل هذه المكتبة وفائدتها سيكونان عائدين الى ابنائهم جيلا بعد جيل (*)

اشترك في نشرتنا البريدية