الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 5الرجوع إلى "المنهل"

رأى ، الاستاذ ابراهيم علاف

Share

اذا كانت حياة الامم والجماعات والافراد  تتقاسمها الآلام والآمال فان الشعوب  العربية قد طغى فيها شطر الارزاء والنقم على مقابله طيلة قرون عديدة ، حتى اوشكت   النسبة ان تختل ويكون الجانب المشرق كالقمر فى العشر الاوائل من معظم دائرته  المعتمة . ونحمد الله على ان هذا الاشراق اخذ  فى الازدياد وتبديد الظلمات ، لانتفاضة   العرب منذ نصف قرن تقريبا

ان عزة العرب قد اخذت فى التقلص والتجزء منذ ، سرت روح التنافر والتنازع : بينهم واستفحل  فيهم الكبد والمكر ببعضهم ، وتجاذبتهم

الاطماع ، ومنذ ان اعتمد المعتصم العباسى  على الاتراك ، ووكل اليهم القيادة الحربية وابعد بني جلدته من العرب .

ومنذ ذلك التاريخ والخط البياني للنفوذ والمجد العربي في هبوط وانكسار ،  والتفتت والضعف يسرى فى اوصال الوطن الكبير الممتد من الصين حتى ساحل المحيط  الاطلسي ، مؤذنا باعراض الشيخوخة من  فقدان التوازن والنمو والمقاومة والقدرة .

وتمشيا مع قانون التداعي فان حلقات  النقم قد اخذ بعضها بدوائر بعض حتى اصبحت زردا تغشى كيان الامة العربية   وحبس انطلاقها وتفاعلها ، وحصنها ضد الارتقاء والتكامل .  

لقد اصبحت الامة العربية بما كان عليه سابق حالها مهياة للدخلاء الاقوياء ، الذين ظلوا احقابا طويلة يتربصون بها . ويترقبون  لحظة انهيارها ، فلم يكن بد من غزوات

الاستعمار تجتاح معظم البلاد العربية  فتزيدها ضغثا على ابالة ، وتسوسها كما تملى عليها مصالحها فتزيدها فرقة  واضطرابا . وتبتز خيرات اراضيها وتوجه  المغلوبين فيها الى الزراعة ، ولا تخرج من المدارس التى تنشئها الا كتابا للدواوين  يحسنون تصريف الاوراق ، وعادى الامور ،  ثم تغرس بين اظهرهم اسرائيل لتكون شجرة شوك وقاطع طريق فى ملتقى التجاوب والنهوض .

ولا اطيل على القارىء . فى تحليل ما اصاب   الشعوب العربية ، فان لديه من واسع المعرفة فى ذلك مايجعلني اميل الى الاشارة  والاختصار .

وإذا كان الاستعمار ادهي الفواقر فانه  كان الصدمة العنيفة التى ايقظت الوعى  العربى من سباته الطويل فهب يتلمس  مواقع خطواته لمطاردة الدخيل واستعادة  ما استنزفه واغتصبه منه .

والاستعمار الآن سواء بالنسبة للبلاد  العربية او سواها في مشارق الارض

ومغاربها قد اضطر الى التقهقر والادبار  بعد ان بعثت الروح الوطنية وتوهج اشعاعها  وتناثر شررها بتيارات التقدم على اعمدة الاستعمار الخشبية تصليها نارا فى كل  صقع ، وتقيم مكانها اعمدة حديدية هى  قوائم النهوض والرقى

وان مما  يلهب سير الموكب العربى  انتشار نزعة السلام فى اطراف المعمورة  وانى لانظر بفكرى الى مستقبل البلاد  العربية ، متعرفا على ملامحه فيرتد الى هذا  النظر الباطنى بانعكاسات وتقاطيع رائعة : ونست استرسل مع الاحلام ، ولكن وقوع البلاد العربية بين القارات القديمة والكبرى الثلاث آسيا واوربا وافريقيا ، يحيط بهم المسلمون من اكثر الجوانب وتحسن علاقاتهم  مع جيرانهم القريب منهم والبعيد ، وتبادلهم معهم المصالح والخبرات على اساس من التعايش  السلمي ، والتوسع في الصناعة ، والزراعة  واستصلاح الاراضى البور والصحراوات بما تقدمه الذرة من فوائد عميمة وناجعة واختزان البلاد العربية لأكبر احتياطى من البترول وافادتها العظمى من عوائد انتاجه  وعودة ابنائها المغتربين اليها بعظيم ثرواتهم وطاقاتهم وخبراتهم ، وانشاء السدود  على متون الانهار ومجارى السيول لتوليد  الطاقة الكهربائية وتوزيع الرى ، وازدياد  الوعى بشيوع المعاهد والجامعات والاذاعة  وآلات العرض التصويرى ، وتصفية  الامتيازات الاجنبية الاحتكارية وقيام العرب  بتسويق منتجاتهم ، وتحقيق السوق  العربية المشتركة ، وانتشار شرايين  المواصلات فى الدول العربية الاعضاء ، حتى يتصل  شمال بلاد  العرب بجنوبها وشرقها بغربها   ونشاط السياحة والمؤتمرات المنعقدة لاسيما فى اشهر الحج وحول  الحرمين ، وتخلص الاجيال الناشئة من

رواسب الماضى ، واستقلال الشخصية  العربية وتبلور فلسفاتها ووضوح معالم  معارجها ، ونضج المرأة العربية ومشاركتها فى الحياة البناءة وتربية الشباب المثالى   وارسال البعوث الاسلامية لنشر الدين الاسلامى والدعاية له وتمكينه فى بقاع  الارض ، وتكريم رجال الفكر والنابغين  واتاحة الفرصة لتفرغهم واثمارهم  

كل هذه العوامل وماتنطوى عليه من النتائج مجتمعة ومتداخلة ومتفاعلة سوف ترسم ملامح  المستقبل العربى فى صورة رائعة ، ولن يستكمل التاريخ الهجرى الفى عام حتى تكون هذه الآمال قد اصبحت حقيقة واقعة يقربنا منها الذهب الاسود ، وربما تكشفت  للبلاد العربية موارد ذرية ضخمة مبوءة ضمن مواردها الغفل ، فان مساحتها  الواسعة يحتمل فيها ان تشتمل على ذلك ، مما يدفعها قدما فى طريق الرقي واني وسواى ممن يجرى دم العروبة فى  عروقه لمتفائلون مستبشرون ) ولله العزة  ولرسوله والمؤمنين ( .  

اشترك في نشرتنا البريدية