الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 1الرجوع إلى "المنهل"

رأى عن مقال

Share

طلب مني احد الاصدقاء الإعراب عن رأيى في  موضوع المقال الصادر فى مجلة " المنهل " الغراء لصاحبها الاستاذ عبد القدوس الانصارى بعددها المؤرخ في جمادي الاولى سنة ١٣٨٠ ه ذلك المقال الذي يحمل عنوان المعرض لمحرره محمد كامل مصطفى وقد نشر فى جريدة الجمهورية بعددها الصادر فى ٣-٤-١٣٨٠ ه فلم يسعني غير اجابة صديقى هذا رغم قلة المراجع المعينة على خوض هذا المجال ورغم ظروفى المثبطة فأقول :

ان تلقي المعاني والاحكام من القرآن العظيم منه ما يتوقف على السنة النبوية المبينة حسب ما توضحه آية : ) وانزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم ( وذلك كبيان المجمل ، وتخصيص العام ، وتقييد المطلق والناسخ والمنسوح وبعضه لا يتوقف الا على معرفة المعاني اللغوية لمفردات الكلم ، واحكام تراكيبها العربية وهذا القسم هو المشار اليه بقوله تعالى : ) وكذلك انزلناه حكما عربيا ( الآية . والباب مفتوح لكل عارف الى يوم القيامة اذ الله ما انزله للكافة الا ليعملوا بما فيه والعمل فرع المعرفة ولا يخاطب الله الناس الا بما يعلمون ويسهل عليهم فهمه .

كما قال جل وعلى : ) ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر . وما ارسلنا  

من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم فاما جر الآيات الى ما لا تتحمله معاني كلماتها وتراكيب جملها فهذا ما لا يسلم لاحد : ولهذا فاننى اوافق الاستاذ العقاد فى رأيه ان معنى ) آية يا معشر الجن والانس ان استطعتم ان تنفذوا من اقطار السموات والأرض فانفذوا ، لا تنفذون الا بسلطان ( . انما هو للتهديد والتحدى للثقلين اعلاما وتذكيرا وتحذيرا ولك يجعلوا نصب اعينهم توحيد ربهم وخالقهم الذى تتوالى عليهم نعماؤه ويحيط بهم سرادق جبروته وقهره . فالمعنى الذي ذكره الاستاذ العقاد هو من معاني فعل الامر كما هو معروف في علم البيان فليست آية : ) فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ( وآية : ) فاعبدوا ما شئتم من دونه ( وامثالهما على ظاهرها تخييرا بين الايمان والكفر والأذن للناس ليعبدوا ما شاؤوا من دون الله ، ان الله لا يامر بالفحشاء ، بل هي للتهديد الذي هو من وضع اللسان العربى لفعل الامر . اما آية : ) وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب فحملها على الدورة الأرضية والله اعلم . لا نحكم فيه على معناها واسلوبها فهى وان كانت من بين جمل آتية فى سياق القضية فيها ذكر يوم القيامة فلا يحتم ذلك على معناها واسلوبها بل يستطاع القول

انها جملة معترضة لها معني مستقل كما هو شان الجملة الاعتراضية المشهورة في اللسان العربي نثره وشعره والمعروفة عند اهل القواعد العربية ولنقل الآيات من أولها :

ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السموات والأرض الا من شاء الله وكل اتوه داخرين . وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي اتقن كل شئ انه خبير بما تفعلون . من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسينة فكبت وجوههم فى النار هل يجزون الا ما كانوا يعملون ( .

ثم لننظر إلى تاليف هذه الجملة من دون أى تفسير فيكون ) ويوم ينفخ فى الصور قفزع من في السموات ومن في الارض الا من شاء الله وكل اتوه داخرين . من جاء بالحسنة ( الخ . .

فانا نرى المعاني في الجمل تامة مترابطة وهذا شان الجملة المعترضة دائما . ومن المسلم به اتفاقا ان القرآن العظيم فى اعلى درجات البلاغة والاعجاز ، ولذا فاننا اذا تاملنا هذه الآية الشريفة وتأويلها على النحو الذي ذكره الاستاذ العقاد وسواه فانا نجد بعض الصعوبة المعنوية فى التناسب بين كلماتها اذ بينما تفسيره سير الجبال فيها على النحو الذى ذكره ، والذي جاء فى آية اخرى كمثل آية : ) يسئلونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيذرها قاعا صفصفا ( اذ ان اخر الآية تقول صنع الله الذي اتقن كل شئ فالصنع ومشتقاته لغة انما هو في البناء والانشاء خصوصا مع تأكيده بالاتقان ، فالنسف والتدمير لا ينطبق عليه معنى الصنع ولهذا فانا نجد فى كثير من الآيات الشريفة فى هذا الموضوع خالصة له كالاية الكريمة وأية : ) وسيرت الجبال فكانت سرابا ( وآية

يوم تكون السماء كالمهل وتكون الجبال كالعهن ( وآية : ) كلا إذا دكت الارض دكا دكا ( وآية : ) وبست الجبال بسا فكانت هباء منبثا ( وامثال هذه الآيات الشريفة .

أما عن الاختراعات وما توصل اليه العلماء من علو الكعب في اكتشاف اسرار هذا الكون وعما يجول بخواطر الكثيرين من التشوف الى ذكر هذه الاختراعات في القرآن الكريم او تنبئه بها فانه يجدر بهم ان يقدموا الاسئلة التالية الى القران الشريف فيجدوا فيه جميع الحلول لحل عقدهم النفسية فى هذا المجال فيثلج صدورهم ويسكن نبضات تلهفهم الى هذه البغية . اولا : ما هو الانسان فى نظر القرآن من جهة صورته ؟ وما هو فى نظره من جهة معناه ؟ وما نسبته الى هذه الكائنات الهائلة من سموات وارض ؟ وماذا ابرز الله على يد الانسان فى الماضى من آيات ومعجزات ؟ وسيجيب القرآن ان الانسان من جهة صورته هو اكمل المخلوقات واتقنها واتمها خلقا حيث يقول فى هذا الصدد مقسما : ) والتين والزيتون وطور سنين وهذه البلد الامين لقد خلقنا الانسان فى احسن تقويم ( وناهيك ان الشئ الذي له صورته القيمة من بين الصور لجميع المخلوقات فمن الضرورى ان لذلك الشئ اهميته البالغة ، ومكانته الممتازة ويزيدك القرآن باسلوب آخر بيانا لنظرية صورة الانسان حيث يقول : ) ما منعك ان تسجد لما خلقت بيدى ؟ ( يا له من تكريم وتعظيم لهذه الصورة التى يقول رب العالمين في معرض مدحها واجلال شانها انه خلقها بيديه واظنه لا يخفى على أحد سمو هذا المعنى وما يتضمنه من تعريف تشرف هذه الصورة وتفوقها على سائر  المخلوقات ثم بحسبك القرآن العظيم عن  معنى الانسان ونسبته عن الكائنات فى نظره

وهنا تمحي الحدود وتتلاشى الرسوم يقول القرآن العظيم في حوار الله جل وعلى مع ملائكته الكرام : ) اني جاعل فى الارض خليفة قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال انى اعلم ما لا تعلمون وعلم ادم الاسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال انبوئي باسماء هؤلاء ان كنتم صادقين . قالوا سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا انك انت العليم الحكيم قال يا ادم انبئهم باسمائهم فلما انباهم باسمائهم قال الم اقل لكم انى اعلم غيب السموات والأرض واعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون . واذ قلنا للملائكة اسجدوا لادم فسجدوا ( .

رأينا في هذه الآيات الشريفة كما هو فى آيات كثيرة واحاديث نبوية منها الحديث القدسى : ) خلقت آدم على صورتي ( رأينا امرا كبيرا . رأينا الله جل جلاله وتبارك اسمه أفاض على هذا المخلوق من فيض عنايته وتكريمه ما لا يدخل تحت حصر . ولكننا ونحن بسبيل الاختصار نجمله فى امرين هما انه حباه بالعلم على كل شئ ثم نصبه خليفة عنه على جميع الكائنات وهنا تعرف ايها الباحث ان القرآن العظيم وضع الانسان خليفة وان هذه الكلمة لكلمة كبيرة وكبيرة الى ما لا نهاية كما هو فى عرف الناس

ثانيا : رتبة الملك إذا فنسبة الانسان الى الكائنات نسبة المتسلط المهيمن وهى بالنسبة اليه فى مقام الولاية ازاء الوالي وهذا هو احد معاني الخليفة بديهة ويوضح ذلك ايضا القرآن الكريم فلا يدعه مجرد رأى الى السيطرة من الآيات الكريمة السابقة وهذا حيث يقول الله تعالى : ) وسخر لكم ما فى السموات وما فى الارض جميعا منه ان في ذلك لايات لقوم يتفكرون ( هكذا يصرح القرآن العزيز الكريم ان جميع ما فى السموات والأرض

بلا استثناء هو مسخر للانسان واذا كنت تحب ان تعرف هذا التسخير فان القران يعطيك معناه واضحا لقوله تعالى في مواضع من اشباه هذا المقام : ) ولكل امه جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الانعام فكلوا منها واطعموا القانع كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون ( فاذا عرفت نظر القرآن للانسان بصورته ومعناه ونسبته والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون ( . فاذا عرفت نظر القرآن للانسان بصورته ومعناه ونسبته الى الكاننات عرفت ان لله على هذا الانسان من الفضل والآلاء ما لا يدخل تحت حساب . . ) وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها ( وبرز امامك الانسان خليفة الله العالم الملهم المسخر له ما في السموات والارص ، واذا فلا تكون امامك غرابة فيما ظهر او يظهر عليك من نتائج العلم من غزوه للفضاء فكما هو موجود على ظهر الارض وهى من اشرف الكواكب فيما اظن وفيما يستروح له بشانه : ) قل ائنكم لتكفرون بالذى خلق الارض فى يومين وتجعلون له اندادا ذلك رب العالمين . وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها اقواتها فى اربعة ايام سواء للسائلين . ثم استوى الى السماء وهى دخان فقال لها وللارض ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين فقضاهن سبع سموات في يومين واوحى فى كل سماء امرها ( الآية .

اذن فانتقال الانسان من الارض الى القمر او الزهرة او زحل امر لا غرابة فيه فهو الخليفة العالم المسخر له ما فى السموات والارض وايضا ان افرادا من الإنسان قد صعدوا الى السموات قطعا . . في قصة الجنة التي ذكرها القرآن انها دار لابى البشر وزوجته وفي قصته عن عيسى عليه السلام : ) انى متوفيك ورافعك الى ، ومطهرك من

الذين كفروا ( وفي قصته عن سيدنا أدريس عليه السلام : ) ورفعناه مكانا عليا ( وفي قصته عن الاسراء بسيدنا محمد عليه السلام وقصته عن سيدنا ابراهيم عليه السلام : ) وكذلك نرى ابراهيم ملكوت السموات والأرض ( .

وارى انه يصح ان يصعد البشر الى الكواكب باذن الله بوسيلة ما فاصل العلم والخلافة والتفوق على الكائنات كل هذه الامور مشتركة بين البشر جميعها وقد جاء فى القرآن ما يفيد العلم عند غير المسلمين فهذه مثلا قصة قارون الراسمالي الكبير يقول فيها القرآن حكاية عنه : ) قال انما اوتيته على علم من عندي ( ويقول فى امثاله : ) فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما  اوتوا من العلم ( .

ولما سردته :

اظن ان الانسان قد تمكن في متوغل القرون من ابداع مدنيات أجل مما عندنا وتوصل الى مخترعات اروع من مخترعات عصرنا وانه لم يمنع بقاء ذلك وتسلسله الينا متطورا الا الحروب المدمرة وقد جاءنا اليقين من القرآن الكريم وقوع اشياء كثيرة من الخوارق على ايدى اناس من البشر بوسائط علمية كما فى صنع سيدنا داود عليه السلام للدروع وكبساط ولده سليمان واحياء الموتى بل وحتى علم الغيب قد علم بعضه كثير من الناس باذنه تعالى ) ولا يظهر على غيبه احدا الا من ارتضى من رسول ( . . ولك فى قصة سيدنا الخضر عليه

السلام كفاية . . بقى شغف الناس الى معرفة وجود الذرة والصواريخ من القرآن العظيم وارى ان ذلك من عدم استيفاء البحث فالقرآن العظيم فيه الذرة والصواريخ وفيه ما هو ابلغ منها فلننظر مثلا آية قوم شعيب : ) فكذبوه فاخذهم عذاب يوم الظلة ( والظلة سحابة محرقة . . وآية : ) فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا ( وقد قال المفسرون انه اصابه قدر انملة الخنصر من نور الله . . وآية : ) فطاف عليها من ربك ( الى ) فاصبحت كالصريم ( . وآية : ) انا ارسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر ( . ) وارسل عليهم طيرا ابابيل ترميهم بحجارة من سجيل ( وآية : ) انا ارسلنا عليهم حاصبا ( وآية : ) فجعلنا عاليها سافلها وامطرنا عليهم حجارة من سجيل ( . إذا عرفت هذا فاعلم ان القرآن العظيم فيه ايضا ما يشير الى الابداعات والاختراعات واقرا آية : ) وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون ( . واقرا آية : ) خلق الانسان من عجل سأريكم آياتي فلا تستعجلون ( واقرا آية : ) سنريهم آياتنا فى الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه ) اى القرأن ( الحق ( فوالله انه الحق ولا نريد الاطالة فانما المقصد التلميح الى بعض الآيات القرانية التى يستروح منها العلاقة بالمقال المذكور ولعقول العلماء الحكم والتوسع ان ارادوا وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .

اشترك في نشرتنا البريدية