ماذا ننتظر للعالم
سؤال كبير . بل سؤال خطير يطرحه صاحب مجلة " المنهل " على رجالات الفكر وقادة الرأى . فيثير الشجون ويحرك المشاعر ويهز الافكار .
واذا كان الغيب لا يعلمه الا الله سبحانه وتعالى ، فليس من العسير على ذوى الفراسة النيرة والبصيرة اللماحة ، ان يستشفوا من خلال السحاب المتراكم والديم العارضة ، ها تنجلى عنه تلك المخايل من مطر غزير او عاصف مثير .
وبعد فهما نظرتان لا ثالث لهما : نظرة تفاؤل ترى ان العالم الاسلامى والعربى بما يتفاعل فيهما من عوامل الشر والجذب ومظاهر التقدم والتخلف قد وعى ما يحيط به من تيارات غريبة ومبادئ هدامة تريد ان تعصف بكل مقومات حياته الدينية والاجتماعية والاقتصادية وبكل ما لهذه المقومات من ركائز العقائد السامية والمثل العليا . ان العالم العربى والاسلامي وقد وعى هذه التيارات وخبر دخائلها وسير اغوارها ، لحرى به ان يرجع الى تراثه الاسلامى فى كل ناحية من نواحى حياته ومقومات وجوده ويستلهمها بعد الله تعالى أسباب القوة وعوامل النجاح ويعمل جاهدا على استقطاب كل طاقاته الفكرية والمادية فى سبيل دعم التضامن الاسلامى بين شعوبه المؤمنة التى قد جعل الله سبحانه وتعالى أهم آصرة من أواصرها أخوة الايمان : انما المؤمنون اخوة .
وبهذا الفهم العميق لروحية التراث الاسلامى وقدرته على الصمود فى وجه العنعنات الجنسية والقومية . يستطيع العالم العربى والاسلامى ان يلتقى عند نقطة التجمع والتكتل فى سبيل رد قوى الضلال وصد تيارات الهدم . فالمسلمون عربا وعجما قوة هائلة فى الميزان الدولى وهم بكثرتهم البشرية التى لا تقل عن خمسماية مليون مسلم ، وبمواقعهم الجغرافية التى تسيطر على أكثر مفاتيح العالم المعمور ، في بره وبحره فى اكثر من قارة ، يستطيعون ان يكونوا كتلة ثالثة تحفظ التوازن بين الكتلتين اللتين تتنازعان مصير العالم وتتصارعان على تسييره كل فى نطاق فلكه من رأسمالية طاغية ، الى شيوعية ملحدة ، وبذلك يعود المسلمون الى سيرتهم الأولى فى قيادة الامم وهداية الانسانية الى طريق الخير والفلاح . أما النظرة المتشائمة فانها ترى عكس ذلك على طول الخط وينطلق المتشائم من منطلق واقعى بغيض . هذا المنطلق الذى يلف دنيا العرب خاصة والمسلمين عامة بغشاء كثيف من سوء الاحوال التى وصلت اليها متجمعاته . فلم يكن يخطر على بال المسلمين والعرب أن تشتعل حرب أهلية فى داخل اليمن وتستمر ست سنوات ، ولا يجدون من زعماء العروبة من يتدارك هذه الفتنة الضالة ويسكب الماء على النار المشتعلة ويحقن الدماء المهدورة ويأخذ على يد الباغي ، عملا بقوله تعالى : ) وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فان بغت احداهما على الأخرى فقائلوا التى تبغي حتى تفئ الى امر الله ( صدق الله العظيم .
يجب ان تفئ الفئة الباغية الى امر الله ، فأين زعماء العرب واين زعماء الاسلام عن هذه الفتنة التى أكلت الاخضر واليابس فى اليمن الشقى وشردت الملايين من اهله
وذويه . ان امة عربية تجرى فيها الدماء انهرا ولا تجد بين ظهرانيها من يقول : حسبكم يا هؤلاء - حرى بها ان تفقد هيبتها بين العالم ، وتخسر مكانتها بين الدول ، ويصبح الذى ضربت عليه الذلة والمسكنة يغزوها فى عقد دارها ويمرغ كبرياءها فى التراب وما يوم ٥ يونيو ببعيد
أما أنا فانني انظر نظرة متفائل وأرى أن من عوامل تقدم الامم ان تمر بمثل هذه التجارب القاسية فى حياتها لتخرج منها كالذهب المسبوك . . لا تزيده النار الا رونقا ولمعانا . ) فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الارض ( .
جازان
