الح على قلمي هذه المرة وبالغ في الحاحه لأكتب بعض الخواطر حول مجلة " الفكر " ولم اكتب الا بعد ما رغبت نفسى فى ذلك ووجدت منها نصيرا ومشجعا .
فكتبت مسودة فى نقد " الفكر " بما فى اتجاهها وموضوعاتها من جيد وغير جيد سواء في اسلوبها او فى فكرتها
الا أن دعوة " كلمة الفكر " القراء الى ابداء ملحوظاتهم حول منهاجها جعلنى اعدل عن نقد العدد والابقاء عليه ، والالتفات الى المنهاج . ولكنى سوف اذكر نموذجا لنقد الموضوعات اولا : . . .
فلو تأملنا وقرأنا ما كتب عن الشهيد حشاد . لوجدنا المقال الاول اتجه اتجاها تحليليا فى الظاهر . والواقع انه خطابى ولم يبدأ الموضوع الا فى الثلث الاخير : " فلكفاح حشاد وجهان سلبى وايجابى " ولو قصد الاستاذ الى الدرس المتعمق لكان افضل للادب وللناس من قضاء جزء منه فى الارشاد والتنبية .
وميزة كفاح فرحات : هي ظاهرة سادت الحركات التحريرية المقاومة للاستعمار ، وانتصرت عليه . وكان فرحات واقعيا ، شعبيا ينظر الى البعيد ، وبعد العدة ، وهو فى كل هذا جزء من عمل جماعى قاده رجال الديوان السياسى فهو عبقرى يستلهم فلسفته - الى حد بعيد - من الحركة القومية . ونجح نجاحا فى بعث الثقة فى المضطهدين وتبصيرهم بحقوقهم
والمقال الثاني : عبارة عن حكاية وتاريخ ، لم يقصد حاجة الى التحليل ، ولم يستنتج جديدا الشىء الذى نحن فى اشد الحاجة اليه فى المقال اطناب لا داعى له . الكاتب متأثر بكتاب عصر المماليك سجع قليل يبدو عليه الثقل والتكلف . واحسن ما فيه انه ادب تونسى ، يمثل ثقافة معينة ، فى حاجة الى الصقل والانتشار خطابى لاشك فيه
ذكرت الخطابة وكررتها المرات ووصفت بها من وصفت . لان هذه الظاهرة اللعينة - تسيطر على جل محاضرينا وكتابنا فى هذا الطور . وكتبت عنها مقالا نشر بجريدة الصباح بتاريخ ت 27-11-59 رادا على ماجاء فى محاضرة للاستاذ عبد السلام وقلت ايضا فى : عيد الانسان
باب فى الشعر جديد ، صيغ فى قالب قديم ، عالج الشاعر الموضوع بروح هى فى اشد الحاجة الى الغذاء الادبى العام والخروج من الروح المحلى . ان الرجل الذى اغتصب منه الحق لن يدركه بالابتهالات والتضرعات :
ومضى البرىء وقلبه ينزو دما والطرف يرنو شاكيا يسترحم
ويمد من الم يديه الى السماء والله بر بالضعاف وارحم
ويقول ذياك الضعيف بحرقة يارب - ملى غير عونك يرحم
انى سكبت مدامعى ، وبذلت من الم دمائي ، وانتهى منى الدم
هذه فلسفة فقد فيها - الانسان - شخصيته وعدم الايمان بذاته ومقدراته قارن هذه النظرة بما يشدو به شعراء آخرون ومنهم الشابى :
سأعيش رغم الداء والاعداء
كالنسر فوق القمة الشماء
او ما يقوله ايضا :
اذا الشعب يوما اراد الحياة
فلا بد ان يستجيب القدر
ونحن المؤمنين بالله نؤمن بأنفسنا وبفعاليتنا
وراي فى اتجاه " الفكر " وحصيلته طيلة هذه السنين انها بقيت الى مدة لا تعبر عن الروح التونسى اصدق تعبير . كنا نقرأ الفكر ونقول : الى اين سينتهى القوم . ازيد توضيحا واقول : ان الفكر متأثرة فى اتجاهها ومقالاتها الاولى - بالادب الاجنبى - الفرنسى - اكثر مما هو منفعل بالحياة التونسية كنا نقرأ ونقول : ماذا بعد هذه الماورائية ، وليقل غيرنا " الواقعية "
وهذا الراى او الحكم ان شئت لا يخفى باطلاق . فان تلك الاعداد الاولى حوت لوحات ادبية تونسية صادقة ، من قصص ومقامات واشعار
وتقادمت الايام ، وتمرست هيئة التحرير بالحياة التونسية اكثر فأكثر وبدأت الروح التونسية تبرز شيئا فشيئا . وهذه ظاهرة مشكورة ترجع الى تفهم وواقعية المشرفين على المجلة
والابحاث التى نعتها بالماورائية - عندنا - هى فى فرنسا قضية الساعة ومحل النظر . ونحن فى حاجة الى معالجة قضايانا ، وان بدت ساذجة فهى على كل حال جزئيات ، يتولد عنها كليات وواقع نعيشه
الفكر فى خطواتها الاولى لا تريد الظهور الا فى صورة مثالية مكتملة وهذا لم يضمن لها الانتشار الا قليلا ، وبهذا بترت رسالتها
وانا اقابل هذه المثالية بالشعبية فى مفهومها العام وان شئت فقل " الجماعية " نحن فى طور النشوء ، العلمى والصناعى والفنى والادبى فما ابعدنا عن قضايا الناس
نحن نؤمن اولا وقبل كل شئ برسالة الاديب وبمسؤولية الاديب فهل فهم الناس ذلك ، ماذا فعل الشعراء ، والقصاصون والمترسلون الشعراء الا اقلهم مازالوا فى غفلة من امرهم . القصيد قديم فى اغراضه وفى الفاظه ونحيف فى معانيه ، والمرسل او الحر كما يدعونه لم يفهم على حقيقته ، او هو لم يوجد الى الآن فيما زعم الدكتور طه حسين والقصة عندنا - ان كانت - مازالت تفهم بمفهومها اليونانى القديم رواية او حكاية . والمترسلون ، الناثرون افلاسهم اكثر ، وجهلهم ادح - فأدباءنا تجوزا - أتوا متأخرين عن وقتهم وليسمح لى القارىء بهذا التعبير العامي
الفكر : يربأ بها عن ان تسير فى فلك خارجى ، ونحن لم نكد نفهم الادب بمفهومه الحقيقى - الفكر الفرنسى راق ؛ واعلامه كثيرون
الاديب واع لرسالته فهل انتجنا نحوا من " الذباب " ، او " الطاعون " وان كانت بضاعتنا مزجاة فأحرى بنا وبالواعين منا ان يخدموا تربتهم ويبدأوا العمل من اوله بطرح الرواسب وقتل الحسرات - اذا اردنا ان نساير اتجاه مجلة " اسبرى " مثلا فقد انصرفنا عن اداء رسالتنا . ولا يعنى هذا ان نغلق الباب فى وجه الادب الحق بل لابدلنا من فتح هذا الباب
الفكر فى حاجة الى الحديث والاهتمام بالادب التونسى الذى لم يمس بعد ، دراسة ونقدا ، والى اعمال الادباء ومدى فهمهم لرسالتهم امثال قابادوا والورغى والغراب والنخلى ، وهم كثيرون
الفكر مطالبة بتركيز الذاتية التونسية فى عاداتها واصطلاحاتها السليمة وبعد فالفكر - يجب ان تكون - صفحة شاملة للحياة بتونس
