الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 5الرجوع إلى "الفكر"

" رايي في مجلة الفكر "

Share

الح على قلمي هذه المرة وبالغ في الحاحه لأكتب بعض الخواطر حول مجلة " الفكر " ولم اكتب الا بعد ما رغبت نفسى فى ذلك ووجدت منها نصيرا ومشجعا .

فكتبت مسودة فى نقد " الفكر " بما فى اتجاهها وموضوعاتها من جيد وغير جيد سواء في اسلوبها او فى فكرتها

الا أن دعوة " كلمة الفكر " القراء الى ابداء ملحوظاتهم حول منهاجها جعلنى اعدل عن نقد العدد والابقاء عليه ، والالتفات الى المنهاج . ولكنى سوف اذكر نموذجا لنقد الموضوعات اولا : . . .

فلو تأملنا وقرأنا ما كتب عن الشهيد حشاد . لوجدنا المقال الاول اتجه اتجاها تحليليا فى الظاهر . والواقع انه خطابى ولم يبدأ الموضوع الا فى الثلث الاخير : " فلكفاح حشاد وجهان سلبى وايجابى " ولو قصد الاستاذ الى الدرس المتعمق لكان افضل للادب وللناس من قضاء جزء منه فى الارشاد والتنبية .

وميزة كفاح فرحات : هي ظاهرة سادت الحركات التحريرية المقاومة للاستعمار ، وانتصرت عليه . وكان فرحات واقعيا ، شعبيا ينظر الى البعيد ، وبعد العدة ، وهو فى كل هذا جزء من عمل جماعى قاده رجال الديوان السياسى فهو عبقرى يستلهم فلسفته - الى حد بعيد - من الحركة القومية . ونجح نجاحا فى بعث الثقة فى المضطهدين وتبصيرهم بحقوقهم

والمقال الثاني : عبارة عن حكاية وتاريخ ، لم يقصد حاجة الى التحليل ، ولم يستنتج جديدا الشىء الذى نحن فى اشد الحاجة اليه فى المقال اطناب لا داعى له . الكاتب متأثر بكتاب عصر المماليك سجع قليل يبدو عليه الثقل والتكلف . واحسن ما فيه انه ادب تونسى ، يمثل ثقافة معينة ، فى حاجة الى الصقل والانتشار خطابى لاشك فيه

ذكرت الخطابة وكررتها المرات ووصفت بها من وصفت . لان هذه الظاهرة اللعينة - تسيطر على جل محاضرينا وكتابنا فى هذا الطور . وكتبت عنها مقالا نشر بجريدة الصباح بتاريخ ت 27-11-59 رادا على ماجاء فى محاضرة للاستاذ عبد السلام وقلت ايضا فى : عيد الانسان

باب فى الشعر جديد ، صيغ فى قالب قديم ، عالج الشاعر الموضوع بروح هى فى اشد الحاجة الى الغذاء الادبى العام والخروج من الروح المحلى . ان الرجل الذى اغتصب منه الحق لن يدركه بالابتهالات والتضرعات :

ومضى البرىء وقلبه ينزو دما   والطرف يرنو شاكيا يسترحم

ويمد من الم يديه الى السماء     والله بر بالضعاف وارحم

ويقول ذياك الضعيف بحرقة      يارب - ملى غير عونك يرحم

انى سكبت مدامعى ، وبذلت من       الم دمائي ، وانتهى منى الدم

هذه فلسفة فقد فيها - الانسان - شخصيته وعدم الايمان بذاته ومقدراته قارن هذه النظرة بما يشدو به شعراء آخرون ومنهم الشابى :

سأعيش رغم الداء والاعداء

كالنسر فوق القمة الشماء

او ما يقوله ايضا :

اذا الشعب يوما اراد الحياة

فلا بد ان يستجيب القدر

ونحن المؤمنين بالله نؤمن بأنفسنا وبفعاليتنا

وراي فى اتجاه " الفكر " وحصيلته طيلة هذه السنين انها بقيت الى مدة لا تعبر عن الروح التونسى اصدق تعبير . كنا نقرأ الفكر ونقول : الى اين سينتهى القوم . ازيد توضيحا واقول : ان الفكر متأثرة فى اتجاهها ومقالاتها الاولى - بالادب الاجنبى - الفرنسى - اكثر مما هو منفعل بالحياة التونسية كنا نقرأ ونقول : ماذا بعد هذه الماورائية ، وليقل غيرنا " الواقعية "

وهذا الراى او الحكم ان شئت لا يخفى باطلاق . فان تلك الاعداد الاولى حوت لوحات ادبية تونسية صادقة ، من قصص ومقامات واشعار

وتقادمت الايام ، وتمرست هيئة التحرير بالحياة التونسية اكثر فأكثر وبدأت الروح التونسية تبرز شيئا فشيئا . وهذه ظاهرة مشكورة ترجع الى تفهم وواقعية المشرفين على المجلة

والابحاث التى نعتها بالماورائية - عندنا - هى فى فرنسا قضية الساعة ومحل النظر . ونحن فى حاجة الى معالجة قضايانا ، وان بدت ساذجة فهى على كل حال جزئيات ، يتولد عنها كليات وواقع نعيشه

الفكر فى خطواتها الاولى لا تريد الظهور الا فى صورة مثالية مكتملة وهذا لم يضمن لها الانتشار الا قليلا ، وبهذا بترت رسالتها

وانا اقابل هذه المثالية بالشعبية فى مفهومها العام وان شئت فقل " الجماعية " نحن فى طور النشوء ، العلمى والصناعى والفنى والادبى فما ابعدنا عن قضايا الناس

نحن نؤمن اولا وقبل كل شئ برسالة الاديب وبمسؤولية الاديب فهل فهم الناس ذلك ، ماذا فعل الشعراء ، والقصاصون والمترسلون الشعراء الا اقلهم مازالوا فى غفلة من امرهم . القصيد قديم فى اغراضه وفى الفاظه ونحيف فى معانيه ، والمرسل او الحر كما يدعونه لم يفهم على حقيقته ، او هو لم يوجد الى الآن فيما زعم الدكتور طه حسين والقصة عندنا - ان كانت - مازالت تفهم بمفهومها اليونانى القديم رواية او حكاية . والمترسلون ، الناثرون افلاسهم اكثر ، وجهلهم ادح - فأدباءنا تجوزا - أتوا متأخرين عن وقتهم وليسمح لى القارىء بهذا التعبير العامي

الفكر : يربأ بها عن ان تسير فى فلك خارجى ، ونحن لم نكد نفهم الادب بمفهومه الحقيقى - الفكر الفرنسى راق ؛ واعلامه كثيرون

الاديب واع لرسالته فهل انتجنا نحوا من " الذباب " ، او " الطاعون " وان كانت بضاعتنا مزجاة فأحرى بنا وبالواعين منا ان يخدموا تربتهم ويبدأوا العمل من اوله بطرح الرواسب وقتل الحسرات - اذا اردنا ان نساير اتجاه مجلة " اسبرى " مثلا فقد انصرفنا عن اداء رسالتنا . ولا يعنى هذا ان نغلق الباب فى وجه الادب الحق بل لابدلنا من فتح هذا الباب

الفكر فى حاجة الى الحديث والاهتمام بالادب التونسى الذى لم يمس بعد ، دراسة ونقدا ، والى اعمال الادباء ومدى فهمهم لرسالتهم امثال قابادوا والورغى والغراب والنخلى ، وهم كثيرون

الفكر مطالبة بتركيز الذاتية التونسية فى عاداتها واصطلاحاتها السليمة وبعد فالفكر - يجب ان تكون - صفحة شاملة للحياة بتونس

اشترك في نشرتنا البريدية