الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 5الرجوع إلى "المنهل"

رجال يحملون مفاتيح من ذهب

Share

فى كل فندق من الفنادق الكبرى بأوربا تجد عند دخولك مكتبين احدهما خاص بالاستقبال تسجل به اسمك عند وصولك والآخر الذي تأخذ منه مفتاحك والبريد الخاص بك وهو الاكثر هما واعظم اهمية للنزلاء .

تجلس خلف هذا المكتب شخصية لا تقدر بثمن وهي ما يسمونه بالحاحب او البواب الذي يقوم فى الوقت كوكيل سياحة ورجل استعلامات وصراف ، ورجل موثوق به يصنع الاعاجيب من كل شكل ونوع .

يتحدث بثلاث لغات اجنبية على الاقل ويعرف عن ظهر قلب مواعيد القطارات والطائرات والادلاء الممتازين والمتاجر والمطاعم الفخمة وآلاف الاشياء الاخرى التى تعين النزلاء وتنال كامل رضاهم.

بالإضافة الى كل ذلك فانه بامكانك اذا ردت عليك شركات الطيران بكلمة ( مستوفى ) ان تطلب اليه ان يوجد لك مكانا ، واذا ما استعصى عليك الحصول على تذكرة مسرح من الدرجة الاولى فلن يتأخر عن تحقيق ما تريد . وذا ما نسيت امتعتك فى القطار او كنت مدعوا لحضور حفلة فخمة وليس لديك اللباس المناسب لها او فقدت شيكاتك في الرحلة او ان تكون امرأتك قد اخطأت في اخذ القطار المناسب فذهب بها الى اقصى بلاد النمسا فما عليك الا ان تطلب اليه ما تريد وسترى انه يقوم بكل ما يشغلك ويهمك . . فهنالك ١٩٠٠ بوب لأشهر الفنادق بأوريا ينتمون الى ١٧ دولة تضم رابطة تسمى " رابطة المفاتيح الذهبية " شعارها الخاص عبارة عن مفتاحين ذهبيين متعارضين يحمله كل عضو من اعضائها فى ظهر معطفه وهو الشعار الرسمى للمهنة ، يعرف كل واحد منهم كل صغيرة وكبيرة عن بلاده وطيد

الصلات بكل مصلحة فيها ، وقد اسهم عدد كبير منهم اثناء الحروب فى الدفاع عن اوطانهم وانقاذ مئات النفوس البشرية من موت محقق ، ولن يتأخر احد منهم عن مساعدة الآخر ، بكل ما وسعه من نفوذ عند الضرورة . .

وعندما يكتشف وجود لص بالفندق او ان يصل اليه مندوب احدى الشركات او المصانع لا تمر ساعة واحدة حتى يكون الخبر قد شاع وانتشر فى القارة الاوربية من ادناها الى اقصاها .

مثال ذلك ان نجمة من نجوم السينما فقدت معطفا من الفراء ولا تدرى اين ومتى فقدته فلم يكد يعلم بذلك بواب الفندق الهولندى حتى اتصل فى الحال بعشرة اماكن فى ثلاث دول اوربية مختلفة يحتمل ان تكون فقدت بها معطفها لا برجال البوليس ولكن بزملائه فى الفنادق الاخرى وسرعان ما عثر على معطف الفراء أخيرا بمدينة فلورنسا حيث قام الرجل ( ذو المفاتيح الذهبية ) هناك بشحنه وارساله بالطائرة.

وهناك ايضا ذلك الموظف الآسيوى الذي رغب ان يتصل هاتفيا من باريس باخيه فى ميان وهو على وشك السفر بالطائرة

الى الشرق الاقصى . فما كان من البواب الباريسى الا ان اتصل هاتفيا بزميل له فى ايطاليا وبقى على الخط بينما قام البواب الايطالى بالاتصال بالفنادق الاخرى بالمدينة حتى عثر على الاخ المطلوب فى الوقت الذى كان الموظف يستقل التاكسى للذهاب الى المطار.

ومن ابرع اولئك الخبراء المحيطين بكل صغيرة وكبيرة مما يهم الناس لويجى تورتريللا بفندق بويرجر ينولد بمدينة فينيسيا بايطاليا حتى لقد اصبح اشبه برجال الاساطير يهرع اليه كل من حزبه امر من الامور او وقع فى ورطة لا يجد له مخرجا منها وقد اطلق عليه وزير ايطالي لقب ( الامير ) فاصبح لقبا مميزا له بين زملائه . .

اراد روبرت ليمان من رجال المال والمولعين بجمع الآثار الفنية حجز ثلاثة اسرة فى عربات النوم فى القطار الذاهب الى باريس فاتصل بجميع شركات النقل ولكن بدون جدوى ، فاسقط فى يده ، واتصل فى يأس بنورتريللا الذي ابتسم فى وجهه وقال : ابشر فستحصل على ما تريد - ولكن ليمان داخله الشك فى قوله .

لم يمض طويل وقت حتى حصل توتريللا على التذاكر المطلوبة كيف تم ذلك فأليك البيان:

سار على طريقة فى التغلب على ما يعترضه من صعاب وكان أول ما اتصل بشركات النقل وكان تورتريللا من خيرة عملائها ولكنها ردت عليها بالنفي . . ولكن تورتريللا الذى تأبى نفسه الرضوخ لمثل هذا الجواب اتصل هاتفيا بمدير الشركة فى باريس فرد شبه بالنفي ايضا الا انه ما زال يتحدث اليه نحو ربع ساعة عن عربات السكة الحديد

وعن الفنادق مرسلا ضحكاته ونوادره الطريفة تباعا بقصد الافادة من الوقت فى التأثير عليه لتحقيق ما يريد حتى رد عليه المدير اخيرا بقوله :

- لا بأس سوف ابعث اليك بعربة خاصة لكن على شرط ان تأخذ الاثنين والعشرين سريرا الذى بها على حسابك الخاص . .

فوافق تورتريللا على ذلك شاكرا على ما فى ذلك من تضحيه كبرى . ولكن لما كان هناك عدد كبير من الناس ينتظرون دورهم فى الحصول على اسرة نوم فقد اصبح تأجير الاسرة الزائدة فى العربة سهلا ميسورا . .

ومرة اخرى قبل نشوب الحرب بقليل كان هناك طفل مريض مهدد بموت محقق وليس من امل فى انقاذه الا بالحصول على دواء خاص كان نادر الوجود فى اوربا بأسرها فما كان من تورتريللا بعد ان استشار عددا من اصدقائه الاطباء الا ان اتصل هاتفيا بالسفارة الامريكية فى اوربا فردت عليه ان العقار المطلوب لا يوجد الا فى باريس فاتصل تورتريللا بصديق له بواب فندق سكريب بباريس الذى بادر الى شراء الدواء وبعثه مع امرأته فى قطار الليل الى مدينة فينيسيا ، وكان رئيس الصليب الاحمر قد ذكر لتورتريللا انه يجب ان يحصل على الدواء فى بحر ٤٨ ساعة على الكثر فوصله الدواء المطلوب وما زال امامه اربع وعشرون ساعة من الموعد المحدد.

فى الساعة السابعة صباحا لمس تورتريللا الاصلع فى مقعده بالفندق والابتسامة لا تفارق شفتيه يرد على الاسئلة التى تنهال عليه من كل جانب طوال الاثنتى عشرة ساعة

فمن سائل يطلب ارسال قائمة بما عليه من حساب وآخر يطلب طابع بريد لبعث خطاب مستعجل بالطائرة الى بروكسل ، وآخر يطلب ان يدله على احسن المعارض لبيع اجود اصناف الاحذية والصنادل وآخر يطلب ان يدله على مطعم جيد معتدل الاسعار وهكذا . . وبينما هو كذلك سمع سيدة انكليزية تقول :

- رباه ، كيف العمل ؟ . . لا بد لى من السفر حالا بالطائرة . .

فألقى تورتريللا نظرة خاطفة على الساعة فوجد ان الوقت قد حان فعلا لقيام الطائرة فادخل السيدة فى التاكسى واتصل بالمطار فى الحال وكان له فيه عدد من الاصدقاء اصحاب النفوذ فتمكن بواسطتهم من تأخير الطائرة ربع ساعة فى انتظار وصول تلك السيدة .

كان لويجى توتريللا رجلا فى الخمسين من عمره ولكن فى نشاط ومرح شاب فى الخامسة والعشرين من العمر . . واكثر هؤلاء البوابين اثرياء فمع ان الراتب كان لا يزيد على الالف فرنك فقد كانت المتاجر وشركات النقل تدفع اليهم عمالة بالاضافة الى ما يحصلون عليه سن " حلوانات " من النزلاء تقديرا لخدماتهم.

مع كل ذلك فقد كانت النقود بالنسبة إليهم مسألة ثانوية ، فهم يخدمون الناس فى نة وإخلاص لمجرد الشعور بالامتنان والرضا بما يقدمون لهم من خدمات.

ويتضح لك من هذا المثال مدى ما يتمتع به تورتريللا من كرم واخلاق : فقد اعرب

له احد اثرياء كوبا عن ضرورة سفره الى كوبا فى نفس اليوم مهما كلفه الامر . . ولم يزد الرجل على ذلك شيئا من الايضاح

والشرح ، ولم يطلب اليه تورتريللا مزيدا من التفصيل بل جلس فى مقعده وتناول سماعة الهاتف ، وبدأ يعمل ، فاتصل هاتفيا بمطار البندقية فوجد به طائرة على استعداد

لان تقوم لولا ما ينقصها من استكمال اجراءات وأوراق رسمية واتصل بالمدير العام فى روما وما زال به حتى وافق على ارسال المستندات والأوراق اللازمة

للطائرة وبعث بها الى المطار ، ثم اخذ فى استكمال ما يلزم لها من طيار ومساعد طيار ومضيف الخ . . وبعث تورتريللا بسيارته الخاصة الى كل منهم لاحضارهم وكان كل منهم يوجد فى ناحية بعيدة عن الآخر ، وبعد ظهر ذلك اليوم نفسه قامت الطيارة وعلى ظهرها ذلك الراكب الوحيد متجهة الى كوبا . .

بعد ثمانية ايام من ذلك تلقى تورتريللا بواب فندق بوير جرينولد رسالة جاء فيها ما يلى :

" شكرا لك يا تورتريللا من اعماق الفؤاد فن وصلت الى جانب فراش والدتي المريضة فى الوقت المناسب واسلمت الروح وهى فى ذراعى . . واننى ارسل لك بهذا شيكا لتسديد كل ما يلزم من تكاليف ، اما هذه الخدمة التى قمت بها نحوى فهى مما لا يقدر بثمن فى نظرى "

( المختار من الريدرزدايجست الفرنسية )

اشترك في نشرتنا البريدية