الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 5الرجوع إلى "الفكر"

رسالة الشباب المؤمن في عصرنا هذا ...

Share

نحن من المعتبرين بان الشباب هو عنوان قوة الامة ومصدر حيويتها وكما يكون الشباب اليوم تكون الامة غدا . ولذلك اصبح من الاهمية بمكان ان نتعرف على الرسالة التى يتعهدها شبابنا المؤمن فى عصرنا هذا فنطمئن على مستقبل الامة .

من المفيد قبل البحث عن رسالة الشباب المؤمن ان نحدد مفهوم كلمة " شباب " ومفهوم كلمة " مؤمن " ثم طبيعة " عصرنا هذا " .

ان كلمة شباب يمكن ان تعرف زمنيا او سيكولوجيا او اجتماعيا أو حيويا .

أما زمنيا فيعتبر البعض ان الشباب هو الحقبة الممتدة من بعد سن البلوغ الى نحو الثلاثين من العمر ونحن نرى ان يمتد عهد الشباب الى سن الاربعين تبعا لقوله تعالى : ... (( حتى اذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال ربى أوزعنى ان اشكر نعمتك التى انعمت على وعلى والدى وان اعمل صالحا ترضاه واصلح لى فى ذريتى انى تبت اليك وانى من المسلمين )) ( الاحقاف 15 ) فالمرء فى العشرينات والثلاثينات من عمره ما يزال يتمتع بشبابه الزمنى . وفى سن الاربعين يكون قد اكتمل نضجه واتسعت خبرته الحياتية . ففى هذا السن خص نبينا عليه الصلاة والسلام بالرسالة .

واما سيكولوجيا ( نفسيا ) فالشباب هو مرحلة من العمر تكون المدارك العقلية فيه قد اكتملت والذكاء الفردى قد بلغ أوجه فالمرء السوى يدرك المفاهيم المجردة

ويبحث عن عقائدية كما يتطلع الى المستقبل بآمال واصلاح . ثم انه دور تكوين المسميات ( وهي المثل العليا الواقعية ) فى حياته فيسعى لتحقيقها . فطالب الطب قد يتخذ أحد الاطباء العظام مسمى له وطالب العلم قد يتخذ واحدا من كبار العلماء مسمى له والفلاح قد يتخذ فلاحا نشيطا وناجحا فى انتاجه مسمى له . والفنان قد يتخذ واحدا من كبار الفنانين مسمى له والعسكرى قد يختار واحدا من كبار القادة الفاتحين مسمى له والمؤمن يجد فى سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام أو احد الصحابة الكرام مسمى له .

وأما اجتماعيا فعهد الشباب هو عهد بحث الشاب عن موقعه فى المجتمع وعن مستقبله كما يبحث عن عمل يرتزق منه وعن زوج يسكن اليها . ولذلك فهذا الشباب قد تكتنفه مشاكل وعقبات اجتماعية يسعى الشباب ان يتغلب عليها وقد ينساق الى مشاكل سياسية وأمنية إذا اخفق فى تحقيق اماله وأحلامه .

واما حياتيا فالشباب عهد نشاط وحيوية واستعداد للتجديد الفكرى والبناء المادى والادبى والقيام بالاسفار والمغامرات فى الحياة . والحيوية هذه قد لا ترتبط بالعمر الزمنى فهناك شباب فى العمر الزمنى ولكنهم شيوخ فى الحيوية كما قد نلاقى شيوخا فى العمر ولكنهم شبان فى الحيوية .

وباختصار اذا شبهنا حياة الانسان بالزهرة فعهد الشباب هو عهد تفتح البرعم الذى يحمل كل حسن الحياة وبهجتها .

أما كلمة ((مؤمن ))فنقصد بها كل شباب وعى وادراك بأن لهذا الكون اله هو مبدع الكون ومسيره وفق نواميس فلكية ورياضية وطبيعية واجتماعية وخلقية وروحية هو الله رب العالمين . وعليه فان دور الانسان فى الخليفة هو دور اكتشاف نواميس الخليقة والخضوع لارادة الله تعالى بعبادته وتنفيذ أوامره واجتناب نواهيه وبذلك يصبح الانسان المؤمن خليفة فى الارض . هذا وان حياة الشاب المؤمن تختلف جوهريا عن حياة الشاب الملحد أو الحائر أو الساخر المستهتر . فالمؤمن يعيش فى جو من الهداية والطمأنينة والسعادة فى حين يكون غير المؤمنين يائسين يشكون العزلة والضياع يسيرون كالعميان فى متاهات الحياة أو أنهم ساهون لاهون يتقلبون مع الظروف كريشة فى مهب الريح طائرة لا تستقر على حال من القلق .

أما طبيعة عصرنا فانه عصر يمتاز بالقوة الهائلة التى اوجدها العلم المضبوط وما نتج عنه من تقنيات . وهذه القوة هى مصدر خير وبركة على الانسان

حين تستخدم فى انتاج الغذاء والكساء والدواء كما انها مصدر نفع عميم حين تحقق وتسهل الترابط بين البشر بالمواصلات البرية والبحرية والجوية والاتصالات السلكية واللاسلكية والاجرام الاصطناعية . كما أنها أداة ترابط وتلاحم بين البشر حين تنشر روح الاخاء والتعاون بين الشعوب وتغذيهم بالحقائق العلمية والفنون الرفيعة والعقائد المحررة . ولكن قوة العلم والتقنيات الهائلة قد تصبح وبالا على الانسانية حين تستخدم لصنع الصواريخ

عابرة القارات والاسلحة الكمياوية والبيولوجية التى تعرض البشرية كلها للدمار والفناء . ثم انها قد تصبح مصدر شقاء وظلم حين تستخدم للسيطرة على الشعوب الضعيفة ونهب ثرواتها وسلب اوطانها وحرمانها من حقوقها الانسانية المشروعة كما هو الحال فى استخدام اسرائيل الاسلحة الفتاكة فى ابادة شعب فلسطين . فالسؤال الاساسى الذى تجابهه الانسانية فى عصرنا هذا هو : هل ان العلم والتقنيات وجدا لخدمة الانسان ورفع مستواه المادى والمعنوى ام أنهما وجدا لاستبعاد الانسان أخاه الانسان والعودة الى شريعة الغاب وتعريض مصير البشرية الى الفناء ؟

الجواب عن هذا السؤال يتوقف على الاخلاقيات والعقائديات التى تسود المجتمع البشرى فى عصرنا هذا .

فهناك عقائدية غريبة تؤمن بالحرية الفردية وبالدمقراطية ولكنها تقصر فى كبح الانسان كفرد وكجماعة من أنانيته المفرطة وممارسته السيطرة والاستيلاء على حقوق الغير .

ثم ان هذه العقائديات قد تسمح بالانحلال الاخلاقى والفوضى الاجتماعية والاقتصادية باسم الحرية هذا هو حال المعسكر الغربى تقريبا .

اما اسرائيل ربيبة المعسكر الغربى فانها تحمل كل ما منى به الغرب من شرور يضاف اليها الادعاء بالتفوق العنصرى والحق الالهى والعمل بمبدأ (( الغاية تبرر الواسطة )) و (( القوة فوق الحق والقانون )) و (( اقرار الامر الواقع بالقوة )) . وكلها مبادئ تؤدى بالبشرية الى العداء والصراع وسفك الدماء .

وهناك عقائدية شرقية ( شيوعية ) تدعو الى العدالة الاجتماعية وازالة الفروق بين الطبقات ولكنها تنكر الايمان بالخالق وتنفى حرية الافراد اذ تستعبدهم وتعاملهم وكأنهم آلات صماء فى ماكنة الدولة خاضعين لنظام سلطوى مركزى وبرقراطية مفرطة .

فالعالم اليوم يعانى من سيطرة هاتين العقائديتين الغربية والشرقية ومن صلف اسرائيل وتعصب حكامها الاعمى . ومن الطريف ان كلا المعسكرين يتغنى بترانيم السلام العالمى وحريات الشعوب وحقوق الانسان !

ان مشكلة الانسانية اليوم نتجت عن ان التقدم العلمى والتقنى لم يواكبه تقدم فى الحقل الاخلاقى - الروحى فوجدت ازدواجية وفجوة بين العلوم والتقنيات من جهة وبين الاخلاق والحياة الروحية من الجهة الاخرى .

فما تحتاج اليه البشرية اليوم هو عقائدية توحيدية تجمع وتوحد الايمان والفضائل والعلم والتقنيات . وهذه العقائدية تتمثل فى الدين الاسلامى فيما إذا فهمنا الاسلام فهما صحيحا ودرسناه درسا عميقا باعتباره دين حياة ودين تقدم وتطور لا دين جمود وتعصب وتحجر . فالدين الاسلامى يحتوى على كل ما عند الشرق والغرب من خير وحق فى كل حقول الحياة ويسمو عليهما بشمولة وتوحيده واخضاع الكل لارادة الهية عليا وقيادة روحية اخلاقية جاء بها القرآن الكريم .

ولما كان عهد الشباب هو عهد تجديد البناء الروحى والاخلاقى والفكرى والاجتماعى والاقتصادى للامة فمن المهم جدا ان يضع الشباب المؤمن نصب عينيه رسالة يؤمن بها ويعمل على تحقيقها بتكريس حياته وجهده فى سبيل اخراجها الى حيز الوجود . وها نحن فيما يلى نقترح عشرة عناصر تتكون منها هذه الرسالة ثم نتبع ذلك بافتراضات عملية حول اسلوب تحقيق هذه الرسالة .

1- الايمان بالله : ان الايمان بالله الواحد الاحد خالق الكون ومسيره الرب الرحيم العليم القدير وعبادته واتباع أوامره وتجنب نواهيه والرجوع اليه هو الاساس فى نظرنا لعلاج اعراض البشرية كافة وللسير بها فى طرق الخير والحق والسلام .

اذن فأول ما يعنى به الشباب المؤمن لخير بنى قومه ولخير الانسانية كافة هو الايمان بالله . فالبشرية الضالة والبشرية الحائرة والبشرية المعذبة والبشرية المتفرعنة تحسن صنعا لو عادت الى الله وطلبت الهداية والغفران منه تعالى ، وطلب الهداية وطلب الغفران هما ثمرتان من ثمار الايمان وما احوج البشرية اليوم الى الهداية الالية لتحقيق الاطمئنان والتآخى والأمان بين الافراد والشعوب !

2 - التحرير : بدافع من الايمان بالله وبهدى منه تعالى الشباب المؤمن مدعو للعمل عل تحرير النفس وتحرير الشعوب من شرور انفسنا وشرور اعدائنا . فالايمان بالله يحرر النفس من عبادة المادة ومن عبادة الفراعنه من البشر . ثم انه يحررنا من الكذب والنفاق والانانية وخلف المواعيد والغش فى المعاملات ثم انه يحررنا من الخوف (( فليعبدوا رب هذا البيت الذى اطعمهم من جوع وآمنهم من خوف )) .

أما التحرر من سيطرة الاعداء وشرورهم فهذا أمر يتطلب الاتحاد والاستعداد والجهاد ، فيفضل وحدة الصف والاستعداد للجهاد استطاع المجاهدون الاحرار فى معظم الاقطار الاسلامية من مقارعة العدو الاجنبى وتحرير البلاد منه سياسيا ( على الأقل ) . وما زال العالم الاسلامى مقصرا ( أيما تقصير ) فى حق فلسطين وفيها المسجد الاقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين (( سبحان الذى اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى الذى باركنا حوله لنريه من آياتنا ... ))

ففلسطين تنتظر التحرير تليها اريتريا المجاهدة ثم العديد من المناطق التى بعض فيها المسلمون محرومين من نعمة الحرية وحق تقرير المصير فرسالة الشاب المؤمن تضع التحرير فى مقدمة الاهداف بعد الايمان بالله . فالتحرير ينبغى ان يفهم بأنه اعتراف الانسان بكرامة اخيه الانسان بلا سيطرة ولا استعمار .

والى جانب التحرر السياسى نحن فى حاجة الى تحرير اقتصادى وثقافى واخلاقى واجتماعى .

نحن نعانى من الاستعمار الاقتصادى اذ نستورد من الخارج الكثير من حاجاتنا الحياتية فنحن لا ننتج ما يكفينا من الغذاء والكساء والدواء . نحن لم نضع لامتنا فلسفة ثقافية وتربوية واجتماعية متفق عليها بعد . بل نقلد الغرب فى الكثير من نظمنا تقليدا سطحيا يحتوى على الغث والسمين . فالمأمول من الشباب المسلم ان يبدأ بتحرير ذاته أولا ثم تحرير امته فالانسانية جمعاء ! وعملية التحرير هذه عملية استمرارية لا تنتهى بنهاية الجيل .

3- التوحيد والاتحاد : ان اجزاء الكون كلها من أصغرها حجما الى اكبرها ومن اقربها بعدا الى أبعدها كلها متفاعلة مترابطة . وابرز مثال على ذلك العلاقة بين

الشمس والارض . فلو حرارة الشمس وأشعتها ما وجدت على الكرة الارضية حياة . فكل ما فى الوجود مترابط متشابك . والكل يشكل وحدة خاضعة للنواميس الالهية . وفى الكون ( الوجود ) قوة جذب وحب كما ان فيه قوة دفع ونبذ . وفى قوة الجذب والحب حياة وازدهار وفى قوة الدفع والنبذ انحلال واندثار البشرية كلها يمكن ان تترابط فى وحدة كبرى فيما لو استخدمت المنطق والعقل والضمير الذى وهبه الله لكل انسان .

والامه الاسلامية يمكن ان تحقق قوة عالمية عظمى فيما تمسكت وعملت لتعاليم قرآنها . والامة العربية يمكن ان تصبح اداة هداية وخير للانسانية جمعاء فيما لو اتحدت ووحدت ثروتها وثقافتها وسياستها .

والانسان الفرد يكون أقوى وأسعد فيما إذا تربى تربية تكاملية توحد بين حياته الصحية والاجتماعية والفكرية والخلقية والروحية .

اذن فالشباب المؤمن مدعو لان يعمل جاهدا فى سبيل التوحيد والترابط فى الحياة وفى الوجود . ان الازدواجية والانشطار فى الفكر وفى المجتمع يجب ان تعوض بالتوحيد والتكامل . فالتوحيد والتكامل ضرورى بين : القول والفعل ، الفكر والعاطفة ، الدين والدولة ، العلم والايمان ، الرجل والمرأة ، الصغير والكبير ، الابيض والاسود ، الغنى والفقير الخ ...

فالشاب المؤمن يحل التناقضات التى أوجدها الفكر التحليل ويتجه الى الجمع والتركيب والتوحيد . وربما كان من أهم ما يحتاج اليه مجتمعنا الحديث تحقيق التوحيد والربط الايجابى بين القمة والقاعدة فى كل بلد اسلامى : ايجاد الصلة الحميمة بين الحكام وشعوبهم وغرس الثقة فى نفوس الشعوب والطمأنينة فى نفوس الحكام . وذلك بتوفير فرص الاتصال الكافى والتفاهم والتعاون بين القمة والقاعدة وهذه هي ((الشورى )) فى الاسلام ! وبهذه المناسبة اذكركم بقوله تعالى : ((هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدونى )) .

وقوله : (( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ... )) . ولنتذكر وصية الوالد الحكيم لاولاده :

كونوا جميعا يا بني اذا اعترى       خطب ولا تتفرقوا آحادا

تأبى الرماح اذا اجتمعن تكسرا       واذا افترقن تكسرت افرادا

4 - التطور والتجديد : من المعلوم ان التطور والتجديد هما من طبيعة الوجود من ضرورات البقاء . فالحى يتحرك وينشئ ويغير والميت جامد لا حراك له .  المفروض فى الشباب ان يكون عامل تجديد وبناء فى المجتمع الذى يعيش فيه فالشباب يمثل القوة المتدفقة فى حياة الانسان يوجهها للخير والبناء ان كان مؤمنا ويعبث بها ان كان فاسقا . والشباب المؤمن يميز بين نوعين من التطور احدهما يؤدى الى الامن والافضل فى الحياة فيزيد فى قوة المجتمع تطور الا الاردإ والاحط فيضعف المجتمع ويعمل على تفسخه وانحلاله . فالشباب المؤمن يعمل جاهدا للنوع الاول من التطور ويقاوم النوع الثانى على قدر الاستطاعة .

فالتطور فى تحسين وسائل الانتاج ونوعية الانتاج وفى إحلال النظام والنظافة فى المنزل وفى البيئة واحترام القانون هو تطور من الطراز الصحيح اما التطور الناتج عن تقليد مجتمع الاستهلاك وتقليد الغرب فى ما منى به من عناصر الضعف والانحلال الاخلاقى والتراخى فى أداء الواجبات فهو ما نرجو ان ينبذه الشباب المؤمن .

ان معظم المجتمعات الاسلامية تعيش فى عصر (( ما قبل العلم )) والعالم المتقدم يعيش فى عصرنا الادمغة الالكترونية والاقمار الاصطناعية والصواريخ عابرة القارات ذلك الى جانب ما حققه العالم المتقدم فى حقل الطب والزراعة والمواصلات من معجزات ! ولذلك فيترتب على الشباب المؤمن ان يبذل قصارى الجهد فى الحصول على العلوم المضبوطة والتقنيات واللحاق بالركب !

ويقدر ما نؤكد على اهمية الاقتباس العلمى والتقنى نؤكد على ضرورة الحذر من اقتباس اتجاهات الانحلال الاخلاقى والاجتماعى التى اخذت تتفشى فى الغرب باسم الحرية كتفشى الفوضى الجنسية والاباحية وانتشار امراض جنسية جديدة فى الغرب .

وباسم الحرية والمساواة شرع أخيرا أول قانون فى كاليفورنيا يعترف بحق الرجل أن يتزوج رجلا آخر فتتكون منهما عائلة معترف بها قانونا . نحن لا نحتاج الى اقتباس هذا النوع من التطور والتجديد . نحن نحرص على الاحتفاظ بالعائلة الاسلامية المعتزة بشرفها واصالتها .

فالشباب المؤمن مدعو لان يميز بين الجديد المنعش المقوى للامة وبين الجديد الضار المخزي ! .

5 - القوة : الاسلام دين سلام وليس دين استسلام والسلام لا يصان الا بتوفر القوة والمؤمن القوى خير من المؤمن الضعيف . ولذلك فالمفروض فى الشباب المؤمن ان يكون قويا وذلك بأن ينشأ على مبادىء (( الفتوة )) ويألف خشونة العيش . فلا ميوعة ولا تخنث . ثم ان ينمى جسمه وعقله وخلقه وايمانه الى اعلى مستوى من التنمية ولا سيما فى الساحة العملية فى الحياة .

فالحياة الحديثة فى المعامل الكبيرة والآليات المعقدة تتطلب تربية الجسم والحواس وضمان الصحة بدرجة دقيقة . وذلك يتطلب الاقلاع عن التدخين أما الكحول فضررها معترف به فى البلاد المتقدمة صناعيا بلا جدل . ولما كانت الامة القوية تتكون من افراد أقوياء فالمفروض فى الشباب المؤمن ان يعمل على تكوين نفسه تكوينا قويا فى العلم والجسم وان يكون ولاؤه لامته ولدينه كاملا عميقا بحيث يكون مستعدا للتضحية بالنفس والنفيس من اجل الدفاع عن الامة والوطن .

هذا وان قوة الامة وبقاءها يتوقفان على توفر الشروط التالية :

(أ) وحدة الامة وانسجامها . (ب) حملها لرسالة الحق والخير . (ج) تقدمها العلمى والتقنى . ( د ) الرفاه الاقتصادى ( العدل الاجتماعى ) (هـ)استعداد عسكرى كاف . ( و ) تأمين علاقات دولية متينة وسليمة . (ز) زعامة حكيمة وقيادة رشيدة . فالشباب المؤمن الذى يحمل الولاء الصادق لامته يعمل اولا على بناء ذاته بناء قويا ثم المساهمة الفعالة فى تأمين قوة وصلابة أمته .

6 - العلم والحكمة : الشباب المؤمن يبحث دوما عن الحقيقة ويستزيد من المعرفة طوال حياته بلا هوادة وبلا توقف . والمعرفة لا تقتصر على الكتب وحدها بل ومن تجارب الحياة ومن الاسفار والاتصال بالعارفين ومراقبة الاحداث . فالعالم كله ( طبيعة ومجتمعا سماء وارضا ) كتاب مفتوح يجدد بكل عناوينه والتأمل فى محتوياته .

هذا وان المعرفة وحدها لا تكفى بل لابد وان تقترن بالحكمة . والحكمة التى هى ضالة المؤمن تعنى رؤية العلاقات والعواقب والتبصر فى الامور وحسن

التصرف . اذن فنحن نحتاج إلى معرفة تقترن بالفعل الحكيم ولا خير فى معرفة لا تنتج فعلا على ان يكون الفعل مقترنا بالحكمة .

الجهل والامية مازالا يخيمان على العالم الاسلامى والفرد المسلم لم يحصل على مستوى كاف من التعليم ما عدا النفر القليل . ونوع التعليم الذي يسود معاهدنا هو تعريف بالافكار والنظريات على الاكثر . فهو تعليم لا يفسح المجال الكافى للتفكير كما انه لا يفسح المجال الكافى للتحقيق ثم التطبيق فنحن تصدق كل ما يقال لنا فى الكتب وفى الاذاعات ووسائل الاعلام بلا تحقيق وبلا تدبر . ولذلك فمن السهل جدا اللعب على عقولنا وعواطفنا . فنحن قد نصدق ما يقال عنا وما يحاك حولنا كما يريده لنا الاعداء فى الخارج أو عملاؤهم فى الداخل . وهذا فعلا ما تقوم به الصهيونية العالمية عن طريق اجهزتها الاعلامية والجاسوسية فى العواصم الغربية وبعض العواصم العربية . اذن فطلب العلم مع ممارسة التفكير والتحقيق والتطبيق هو ما ندعو اليه وهو ما نرجو ان يعمل به الشباب المؤمن .

7- حب الخدمة والعمل الصالح : الحياة كلها حركة وفاعلية . جسم الانسان الحى لا يتوقف عن الفاعلية حتى فى النوم . ومن الافعال التى يقوم بها الفرد فى حياته ما هو مفيد ومثمر ومنها ما هو عبث وضار . والشاب المؤمن يختار بالطبع العمل المفيد المثمر ويتجنب الضار .

والعمل المفيد المثمر هو الذي يعود على الفرد ذاته او على اسرته أو مجتمعه بالفائدة والقوة . فالعمل لكسب العيش بالطرق الشريفة يأتى فى مقدمة الاعمال المفيدة . فالمفروض ان يمارس كل شاب مؤمن عملا يدر عليه ما يؤمن معاشه ومعاش من يعيل .

ومن الاعمال المفيدة ( بعد تأمين المعاش ) التطوع فى خدمات اجتماعية فى نواد وجمعيات خيرية وثقافية وفنية ورياضية ودينية . فجمعية الهلال الاحمر وجمعية رعاية الايتام أو العجزة مثلا نماذج لما يمكن ان يتطوع فيه الشباب المسلم . ومن الاعمال المفيدة ( بعد تأمين المعاش ) التجول فى الغابات وتسلق الجبال والصيد وركوب السفن فى البحار أى درس البيئة الطبيعية ثم القيام برحلات واسفار داخل البلاد وخارجها . ومن الضرورى جدا ان يتطوع الشباب المؤمن فيتشرف (( بخدمة العلم )) ويستعد للدفاع عن وطنه . كما يمكنه ان يتطوع فيشارك بخدمة (( العمل )) ( الخدمة المدنية ) فيشعر بأنه يساهم مساهمة فعالة فى بناء وظنه الحبيب .

من أهم مشاكل الشباب المعاصر مشكل ملء أوقات الفراغ بالاعمال النافعة فنحن نتساءل ماذا يعمل الشباب المدرسى والشباب الجامعى فى العطل الصيفية وكيف يقضون ايام عطلهم ؟ اليس من المفيد لهم وللمجتمع ان يقضى الاكثرية اوقاتهم فى الحقول وفى المعامل وفى المتاجر ليتعرفوا على الحياة الانتاجية ويكتسبوا بعض الخبرات المفيدة ؟ هذه ملاحظات تستحق فى نظرنا ان يعمل بها الشباب المؤمن .

8 - العدل الاجتماعى : ان المؤمن الذى يتمتع بنعم الله التى لا تحصى يدرك جيدا ان كل ما على الارض من خيرات وكل ما يستثمر هذه الخيرات من جهد وعبقريات انما هو من الله وينبغى ان تفيد عباد الله ! فالغنى الذي يكد ويجهد ليجمع ثروته بالطرق الحلال انما هو متمتع بفضل الله وما يملكه هو مال الله وينبغى ان يصرف فى سبيل الله . وللفقير والمحتاج ( السائل والمحروم ) حق معلوم فى ثروات الاغنياء الموسرين . انه حق يجب ان يسلم الى اصحابه المحتاجين بالحسنى بلا منة ولا ترفع . هذا وان القرآن الكريم تكثر فيه الآيات التى تحض على الانفاق فى سبيل الله ذلك زيادة على فريضة الزكاة أو التبرع فى الصدقات . قال تعالى : (( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون )) المجتمع الاسلامى هو مجتمع بذل وعطاء . ولو عمل المسلمون بتعاليم دينهم لما بقى فى العالم الاسلامى جائع أو سائل او متخلف !

فيترتب على الشباب المؤمن والحالة هذه ان يمارسوا مبدأ العدل الاجتماعى ( مبدأ المشاركة فى الثروة ) وأن يعملوا على نشره بين الناس .

9 - التفتح على العالم : ان وسائل النقل والمواصلات الحديثة بما فى ذلك الاذاعات العالمية والاقمار الاصطناعية ربطت اجزاء العالم ببعضها البعض وجعلت شعوب العالم يتأثر بعضها من بعض ويؤثر بعضها فى بعض . ففى دقائق معدودة تسمع فى الشرق عما يحدث فى الغرب والعكس بالعكس . ولذلك تصبح مسألة التفتح على العالم والتعرف على الغير من أولى مهام الشباب المؤمن . وهى فرصة لتوحيد البشرية وتوجيهها نحو الحق والخير لم يسبق لها مثيل فى التاريخ . ولما كنا نريد عالما يسوده الحق والعدل وتطبق فيه مبادىء حقوق الانسان فى كل مكان فعلينا ان نتحمل قسطنا من المسؤولية عن العمل فى هذا السبيل .

كما ان من مصلحتنا ان نتعرف على ما ينتجه الغير من انتاج فكرى أو تقنى فنستفيد منه . كما ان من مصلحتنا ان نعرف العالم بما عندنا من عقيدة

وتراث وإبداع . كل ذلك يتطلب قدرا وافيا من التفتح الذهنى والتسامح وحسن التعامل على أساس عالمى انسانى وهو ما يدعو اليه الاسلام . وهو ما نرجو ان يتعهده الشباب المؤمن .

10 - الامر بالمعروف والنهى عن المنكر : الاخلاق والفضائل هى عنوان حياة الامة وسر بقائها . وهي تنمو وتزدهر بالممارسة وبالمراقبة المستمرة عن طريق الارشاد والنصح . فواجب كل شاب مؤمن ان يتخلق بالاخلاق الاسلامية السامية كما ان من واجبه ان ينصح اخاه المؤمن بالاقلاع عن اى سلوك غير لائق . ولما كان (( المؤمنون اخوة )) وجب على كل اخ ان يرعى مصلحة اخيه فيرشده الى ما فيه الخير ويردعه عما فيه الشر . والدعوة تكون (( بالحكمة والموعظة الحسنة )) . هذا وان الامر بالمعروف والنهى عن المنكر هو اقوى عامل تربوى اخلاقى نعرفه . فلكل منا معلم وكل منا متعلم لنفسه وأخيه ولذلك فواجب الامر بالمعروف والنهى عن المنكر ( بالحكمة والموعظة الحسنة ) وتتوج فى نظرنا رسالة الشباب المؤمن فى عصرنا هذا بـ :

(1) الايمان بالله (2) التحرير (3) التوحيد (4) التطور والتجديد (5) القوة (6) العلم والحكمة (7) حب الخدمة والعمل الصالح (8) العدل الاجتماعى (9) التفتح على العالم (10)الامر بالمعروف والنهى عن المنكر .

هذه هى الملامح التى نريدها للمجتمع الاسلامى الجديد وهى ما نرجو ان تشكل رسالة الشباب المؤمن فى عصرنا هذا وحرصا منا على نجاح الشباب المؤمن فى حمل هذه الرسالة وتطبيقها نتوجه اليهم بالخبرات التالية :

ان تجديد المجتمع لا يحدث بعصا سحرية . انه يتطلب صبرا وطول أناة . كما يتطلب درساللواقع والامكانات واعداد الخطط . ان سياسة المراحل التى درجت عليها تونس قد تقدم خير درس للشباب فى محاولتهم تطوير المجتمع . والتاريخ يعلمنا بأن معظم الذين استعجلوا فى الاصلاح اخفقوا فى نيل المرام .

(ب)ان اسلوب التوعية والنصح ينبغى ان يصبح اسلوب الشباب المؤمن فى العمل . فاللطف يجب ان يحل محل العنف والحوار محل الشجار والنظام محل الفوضى . ولنتذكر قوله تعالى :

(( ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هى احسن . . . )) (النحل 25 ) .

(( . . . ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ٠٠٠ )) (الانفال46) . (( محمد رسول الله والذين معه اشداء على الكفار رحماء بينهم . . .(( ( الفتح 29 )

( ج ) لا محل للسلبية والتشاؤم فى حياة الشباب المؤمن فالشباب المؤمن متفائل دوما لانه (( متوكل على الله )) . انه ايجابى فى حياته ونظرته الى الوجود تفتح على العالم متواضع ينشد النمو والاستفادة من خبرات الحياة مردد لقوله تعالى (( وقل رب زدنى علما ... )) (( وفوق كل ذى علم عليم ))

الشباب المؤمن يشجب القطيعة بين الاجيال ويأبى الغرور والادعاء فلا جحود فى رسالة الشباب المؤمن بل انه يعترف بفضل السلف فى انقاذ البلاد من ربقة الاستعمار ولم يكن ذلك بالامر الهين بل كان ثمرة جهاد وتضحيات واستشهاد العديد من الابطال . لذلك يصبح درس التاريخ المعاصر خبر حافز للشباب المؤمن على تقدير جهاد وجهود المؤسسين وعلى رأسهم فخامة المجاهد الاكبر والسير على منهاجهم وتتبع خطاهم . اذ لا بد فى المجتمع الفاضل من الربط والاتصال بين الشيوخ والشباب والاستفادة المتكاملة فى الجمع بين همة الشباب وحكمة الشيوخ .

واختم حديثى بالآية الكريمة :

(( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا اليه الوسيلة وجاهدوا فى سبيله لعلكم تفلحون )) ( المائدة 35 ) .

والسلام عليكم ورحمة الله .

اشترك في نشرتنا البريدية