الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 2الرجوع إلى "الفكر"

رسالة مفتوحة

Share

الى السيد الفاضل رئيس تحرير مجلة " المثقف العربى " ( بوزارة الثقافة والاعلام بالجمهورية العراقية )

تحية عربية خالصة ، سمحت لى الظروف فى الايام الاخيرة بان اطالع مجلتكم ( المثقف العربى ) ذات المستوى الفكرى الرفيع ، ولا سيما عدد ( آذار ) من هذه المجلة التى نرجو ان توزع التوزيع الكبير الشامل فى كافة الديار العربية .

كما انى اطلعت بالمناسبة على ركن " شهريات الوطن العربى " الذى جاء فى نفس العدد .

وقبل كل شئ ، انتهز هذه الفرصة السعيدة لأشكركم على ما تقومون به فى سبيل التعريف بالادب التونسى الحديث فى مجلتكم الرائدة ، بوصفى احد المساهمين فى هذا الفرع من الادب العربى اليوم عامة .

الا ان لى ملاحظات اريد عرضها عليكم وعلى قراء مجلتكم فى الجمهورية العراقية الشقيقة .

كتب صاحب المقال عن ادب تونس في ركن " شهريات الوطن العربى " يقول : ( ص 159/158 ) .

" اتيح لنا الاطلاع على ثلاث قصص لكتاب تونسيين شبان ، والقصص هذه تبرز للاذهان مرة اخرى ان الادب العربى واحد ، وان مشاكله وهمومه ولغته الابداعية واحدة فى اية مرحلة من المراحل " .

ونحن نعتقد من جهتنا أن الأدب التونسى بحكم انتسابه للحضارة الاسلامية واقترابه من منابع الثقافة العربية واسهامه الفعال فيها عبر أدوار تاريخه واشتراكه اليوم فى مصير الأمة العربية يعتبر رافدا من روافد هذا الأدب

الكبير كالرافد العراقى والرفد المصرى إذ لكل واحد من هاتيك الروافد خصائص وعلامات ولو أن اللغة واحدة والأغراض متشابهة والاهتمامات متماثلة .

ثم يستأنف القول مستعرضا انتاج كاتب هذه السطور فيذكر :

" وملامح هذا الكاتب تقرب من ملامح جمال الغيطانى وابراهيم اصلان فى مصر وزكرياء ثامر - احيانا - وحيدر حيدر فى سوريا ، وجمعة اللامى فى العراق ، وانه غير خارج عنا مطلقا ، ولكن قربه للادب الفرنسى يظل واضحا بما وضع فى القصة من الرسوم والحروف التى كان من الممكن رفضها دون ان تؤثر على القصة . وقد يكون وضعها نوعا من المجاراة للموضة الجديدة فى القصة الفرنسية " .

ردا على هذا ، اقول بانى لم اطالع الا القليل من قصص الاخوان الشبان فى مصر وسوريا والعراق ، وذلك من خلال مجلة " الهلال " المصرية وبعض الاعداد من " جاليرى 68 " المصرية .

ومن الاسف انى لم اتمكن من مطالعة انتاج جمال الغيطانى وابراهيم اصلان وزكرياء ثامر وحيدر حيدر وجمعة اللامى كى اعرف القاسم المشترك الذى يجمع بينى وبينهم من جهة وبين الكتاب التونسيين الشبان وبينهم من جهة ثانية .

ولعل عدم التمكن هذا يعزى الى الانخرام الملحوظ فى توزيع الصحف والمجلات والكتب بصفة متبادلة بين كافة اقطار الامة العربية ، مع الملاحظة الاكيدة اننا نحن فى تونس نعانى من هذا الانخرام كما يعانى منه ادباء العراق ايضا ( كما اشار الى ذلك صاحب المقال ) .

وانى انادى الزملاء فى الوطن العربى ان يعقدوا مؤتمرا من اجل الاتصال المباشر بينهم جميعا ، وللتباحث فى شان القصة العربية الحديثة ، ولتبادل التجارب والخبرات فى هذا المجال الفكرى والفنى حتى نستطيع رفع الحواجز التى ما انفك الاستعمار ، والامبريالية ، والحزازات السياسية بين عدد من البلدان العربية اليوم ، تدعمها وتعززها للتفرقة بين الاشقاء العرب ، وبالخصوص بين المفكرين والكتاب والشعراء فى كافة انحاء البلاد العربية .

وليس الهدف من عقد مثل هذا المؤتمر كسر الحواجز والاطر الحديدية التى تكبلها من كل جانب فقط بل يرمى ايضا الى ازالة سوء التفاهم ، وربما التجاهل

بين الكتاب العرب ، وبالخصوص القطيعة المفروضة التى لاحظها بمرارة بينهم جميعا ( رغم المؤتمرات الادبية الرسمية والبروتوكولية التى تنعقد بين السنة والسنة والتى لا تفضى فى اغلب الاحيان الى امور بناءة ! . . )

وانا اود ان اعرف القصة العراقية القديمة والحديثة ، وان اعرف عن كثب روادها ، والقائمين بها اليوم ، وان اعرف اتجاهاتها المختلفة ، وقدر ايرادها ، وحجم تأثرها بالتيارات القصصية فى العالم - شكلا ومضمونا واتجاها - حتى اذا ما وقعت فى يوم ما مجموعة قصصية عراقية بين يدى لا اقول انها تجارى بعض الموضات الادبية فى اوروبا الغربية كما قال عنى ذلك صاحب المقال ، بل : لادرك التطورات القصصية العراقية واتتبع بدراية واعية ما يمكن لها ان تقدم للوطن كله من زاد ايجابى ، اذ هى نابعة من واقع عربى ، ومنعكسة عليه " .

واذا تم لنا ذلك بصفة متبادلة ، فلسوف نكون رافضين لكل رجم نقدى للقصة العربية الحديثة - مهما كان نوعها - واعين لقضايا خالقيها ، مدركين عمق الادراك للاوضاع السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية التى يعيش فيها هؤلاء الخلاقون المبدعون فى اى قطر من اقطار الامة العربية .

وانه يكون من سداد الراى بالنسبة لكل ناقد عربى فى اى قطر عربى - ان يكون ملما - على الاقل - بما اسلفنا من القول ، وذلك حين يعمد الى نقد انتاج قصصى عربى من بلد عربى آخر . والغاية من ذلك الا يقع فى التأويلات غير المجدية ، وفى المغالطة ، وفى الانحياز لآراء قبلية ، وكى لا يستند الى معلومات قديمة لا علاقة لها بحاضر الامور ومستقبلها .

لقد قرأت " موسم الهجرة الى الشمال " للكاتب السودانى الطيب صالح ، فوجدت فى هذه الرواية اهتمامات كثيرة بالمسائل الجنسية . فهل يصح لى ان اقول ان الطيب صالح يجارى الموضة الجنسية المنتشرة اليوم فى البلاد الغربية وانه يقلد بالتالى كتابات " دافيد هربرت لورنس " و " هنرى ميللر " و " جورج باطاى " ؟

وقرأت أيضا عددا من القصص الجديدة فى احد اعداد " الهلال " المصرية ، فوجدت فيها اهتماما بالغا بالشكل . فهل يعنى ذلك ان اصحاب هذه القصص يجارون موضة الرواية الجديدة الفرنسية التى يكتبها " روب غريى " و " ميشال بيطور " و " صامويل بيكيت " و " روبير بانجى " وغيرهم ؟

فالمسألة - اذن - تنحصر فى اغلب رايى - لا فى مجاراة الموضات او القرب

منها او التقليد لها - وانما فى معرفة الواقع الذى نجم عنه الاثر الادبى المدروس معرفة مدققة مع ما يحيط هذا الواقع من اوضاع ، ومشكلات ، وملابسات ، وتأثيرات .

والمسألة تتجسم - ثانيا - فى اقامة الدليل البين والقاطع من قبل صاحب المقال عل ان كاتب هذه السطور وزميليه سمير العيادى وابراهيم بن مراد يجارون فعلا الموضة الجديدة فى القصة الفرنسية .

اما قول صاحب المقال : " لكن قربه للادب الفرنسى يظل واضحا بما وضع فى القصة من الرسوم والحروف التى من الممكن رفضها دون ان تؤثر على القصة " . فهذا الحكم الجازم يحتاج الى نظر والى مناقشة ايضا .

لقد استعمل السرياليون الفرنسيون ، ومن قبلهم رواد المذهب المستقبلى الروسى والايطالى فى مطلع القرن العشرين ، احجاما شتى من الحروف وبكيفيات مختلفة فى كتاباتهم الشعرية وفى رسومهم وصورهم ، واخص بالذكر منهم الشاعر " قليوم ابولينير " .

ولئن استعمل كاتب هذه السطور فى قصته احجاما شتى من الحروف ، وانواعا من الرموز ، وصيغا من العلامات ، وبكيفيات مختلفة فان الهدف الذى برمى اليه يختلف تمام الاختلاف عن الاهداف التى كان يقصدها السرياليون الفرنسيون ورواد المذهب المستقبلى الروسى والايطالى .

ومن هنا نتبين ان الحكم الجازم الذى اصدره صاحب المقال ليتضمن نظرة نقدية غير مركزة تعطى الاولوية لمسائل التأثير والتأثر فى الادب والفكر وتفضلها على غيرها من المسائل الجوهرية .

واغلب الراى ان صاحب المقال لم يعتبر القصة كوحدة فنية متكاملة المضمون ، منسجمة الشكل ، متفاعلة ومتجادلة بين مضمونها وشكلها ، بل لم يتسرب الى داخل العلامات والرموز والصور ، وانما ظل يحلق فوقها جميعا وينظر اليها من صومعته الباسقة ! . .

واما فيما يتعلق بالصور الموجودة في القصة ، فان وضعها كان مستندا الى عدد من المستويات الفكرية والاهتمامات الشكلية التى تخدم المضمون وتزيده حدة ووضوحا . والعكس بالعكس صحيح فى هذا المقام .

وهذه المستويات هى :

أ ) علاقة المساحة الكتابية بالصورة .

ب ) وظيفة الصورة داخل هذه المساحة المكونة من العلامات والرموز : أهى تجسيم للمساحة وبيان لها أم تتمة لها بدون حاجة الى بيان ؟

ج ) ايهما اقدر على التعبير الفنى واقنع واجدى بالنسبة للقارئ : الحرف ام الصورة ؟ او انهما مختلفان اذ لكل منهما وظيفة وتعبير خاص به ، وبالتالى قطع العلاقة التى تربط بينهما .

د ) استخراج " الصورة الجامدة والكامنة " من ذهنيات الطبقات الاجتماعية وتشريحها .

ه ) العمل على انتاج " أدب فن " كامل ، حيث يمتزج الادب ( بمفهومه التقليدى ) بالفن ( بمفهومه التقليدى ايضا ) لكن بنظرة متفاعلة مجددة .

ولو قام صاحب المقال بحذف الرسوم والصور من القصة لاختلت الوحدة الفنية فيها . وليجرب ذلك .

ولا ادرى ماذا يعنيه صاحب المقال حين يقول : " اما سمير العيادى فهو اقربهم الى القصة المحافظة والجديدة ايضا لا سيما فى اللغة مع محاولته اضفاء روح من الفولكلورية على اجواء قصصه " .

فهذا فى رأيى حكم متناقض ومتعسف . فكيف يلائم الفنان بين المحافظة والتجديد ؟ ولا سيما فى اللغة الفصحى ؟ ! ولبيان هذا الحكم ، يورد صاحب المقال قطعة من قصة " المفكر اذ يفكر " ، واذا بها من نوع السرد القصصى التجديدى ، واذا باسلوبها سلس اللفظ ، متعمق المعنى ، قد نسج فى جمل فعلية قصيرة توحى بحركة مطردة متصاعدة ، المصطلح عليها فى الموسيقى " بالكريشندو " فاين هذا من الاسلوب التقليدى والمحافظ الذى يتحدث عنه صاحب المقال ؟

وانى لا اريد ان اقف عند الجزئيات التى ذكرها فى المقال لان ذلك يتطلب كثيرا من الوقت والشرح ، ودراسة عن قضايا القصة التونسية بصفة عامة .

وهناك ملاحظات متناقضة لا بد لى من اثارتها وهى تتلخص فى ان صاحب

المقال يقول عند الحديث عن كل كاتب : " انه لا يبعد عنا " و " ان همومه هى نفس الهموم الموجودة لدينا " و " ان ملامح فلان تقرب من كتابنا " فكان صاحبنا يخشى كل الخشية ان يبتعد الكتاب التونسيون عن زملائهم المشارقة ، او كانه لا يوجد لهم قيمة ادبية وفنية وفكرية الا اذا ذكر اسماء الكتاب المشارقة ، واعتمد عليها وبالاحرى كانه يستنقصهم حين يقول : " ان هموههم هى نفس الهموم التى طغت على قصتنا بعد فترة الخمسينيات " مؤكدا بذلك الفارق التاريخى وبالتالى - حسب اعتقاده - تاخر القصه وبعض انواعها فى تونس عن القصة فى المشرق العربى شكلا ومضمونا واتجاها . كيف اصف هذا الحكم ؟ انى لا اتردد بان اقول انه نرجسى !

نحن نستطيع فى تونس ان نقوم بنقد بعض القصص العراقية وان نرجعها إلى روادنا فى القصة وان نلحق مصادر الهامها الى كتابنا . لكن سيكون عملنا هذا حيفا .

والأدهى من كل هذا ان صاحب المقال بعد ان يذكر فى المقدمة ننا نرجع بانتاجنا الى العروبة عامة ( وهذا لا ننكره ) والى الكتاب المشارقة ( وهذا نشك فيه كثيرا ) الذين ذكرهم خاصة يقع فى تناقض فيرفضنا رفضا فى الخاتمة ويحقد علينا ويشتمنا فيقول :

" وعلى الرغم من التجديد فى الشكل وطرح مضامين معاصرة ، فان القصص الثلاث لم تكن قصصا من انجاب كتاب مسؤولين متشبعين بالطموحات الانسانية ، بل هى انعكاس امين لهموم الادباء فى المجتمعات الراسمالية التقدمة الذين ينصرفون وراء التقاليع اكثر من انصرافهم وراء المواقف الإنسانية " .

فهذا الحكم باطل من اساسه .

1) ان صاحب المقال لم يذكر التجديد الذى جاء فى اشكال القصص الثلاث بصفة بينة .

2) انه لم يبرز فى مقاله الاغراض المعاصرة والمضامين الحديثه التى جاءت فى هذه القصص الثلاث .

3) انه لم يقرأ فيما يظهر من انتاج القصاصين الثلاثة الا نصوصا قليلة ومحدودة .

4 ) ان " المسؤولية " التى تحدث عنها قد ظهرت فى انتاجاتهم وكذلك فى القصص الثلاث المذكورة ، وكذلك الشان بالنسبة للطموحات فلينظر من جديد فى القطعة الاولى التى وردها فى مقاله .

5 ) ان هؤلاء القصاصين يرفضون التبعية الفكرية والفنية الغربية والرأسمالية . وقد اعربوا عن ذلك المرار العديدة فى اثناء المحاضرات والندوات والملتقيات .

6 ) انهم يرفضون التقاليع الغربية ، ويقولون عن ذلك : انها من الامور العرضية التى لا تهم الا لعالم الغربى الرأسمالى . أما أدب البلاد المتخلفة والسائرة فى طريق النمو فهو صادر عن واقعه المحض .

7 ) ان صاحب المقال لا يفرق بين الفولكلورية والواقعية النقدية ، خصوصا حين تعرض الى قصة " المفكر اذ يفكر " فليس كل من تحدث عن القرى والريف والدحاج والبغال والحمير ويصف ذلك لغاية مقصودة ومدبرة ، يمكن نعت أدبه بالفلولكورية . فالحكم الذى سلطه صاحب المقال على هذه القصة غالط من الاساس ويتم عن ضحالة فى التفكير النقدى لديه .

وبعد كل هذا نحن نستطيع ان نستنتج اكثر من هذه النقاط السبع فنزيد عليها نقطة جاءت مبيتة فى المقال . وهى محاولة لدعم نظراته النقدية لنظريات ايديولوجية مضبوطة لا تخفى على أحد ...

وانى اوجه الى صاحب المقال محاولة دراسية للقصة التونسية فيما بعد الاستقلال كتبها الاستاذ البشير بن سلامة رئيس تحرير مجلة " الفكر " حتى يطلع عن كثب على التطورات التى طرأت على القصة التونسية واكسبتها ثراء وقوة وانطلاقا دائما نحو الامام .

وهل يلبى كتاب العراق اقتراحى ؟

اشترك في نشرتنا البريدية