الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 8الرجوع إلى "الفكر"

* زئب المدنية *

Share

الإهداء التى نفضت عني القلق ثم توارت فى قتام الزمان ، فعدت منفردا اجر نفسي وتحيا بلا ذكرى وفي خشوع الراهب الشيخ اهدى اليها هذا العمل الاخير                                                       ص . ق .

الاشخاص              اب وزوجتان              ابناء             جمل وبغل             شيخ زاوية

المشهد الاول

فى بيت من بيوت الكادحين ، نفر من الانسان ، فى ليلة يلقون بين يديها ما تبقى عندهم من حياة وجهد ، يجلسون على حصير من الحلفاء وثير ، علته مجمرة ، فجة النار ، ضئيلة الرماد .

الاب يتصدر المجلس ، وبجانبه زوجته الاولى ، رقية . فعدد من الابناء ، ثم الزوجة الثانية ، أم الزين وابنها .

ركب القوم لا تفتا تعلو وتهبط ، يمسك الاب والابناء بمنديل انف يقلبونه على النار .

خا   البيت ، صياح أسلاك الكهرباء ، وانصفاق الابواب فى مد وجزر

أم الزين - ما كان أبعد أطراف هذه الليلة اللافحة ، وما أشدها بردا                واضيقها . انها الليلة التى ننتظرها فى كل لحظة تمر بنا فى                الاسبوع . نتمناها كل زوال وفجر ، حتى اذا جاءت مرت                مر الجنائز .                انها ليلة تموت بين اعداد الكانون ، وترتيب البيت                لاستقبال يوم الجمعة ، حتى اذا كانت السهرة ، لم نجد                سوى " كلام " نلوكه وآمال نقيمها فى فضاء من الارتجاف .

احد الابناء - سامحك الله يا أم الزين ، هذه ليلتنا نترجاها فى خلال كل                     لحظة نقضيها فى المدرسة ، او فى ورود الماء او فى مذاكرة                     الدروس ليلا انك لا تقدرين الشقاء الذى نعانى كل ليلة                     عند ذهابنا أنا وأخى فتاح الى " فندق الهرقام " نجس                     الظلام ، نترقب اللصوص ، نتقى الكلاب .                     كيف لا تقدرين العواطف ، عواطفنا ، وعواطف الكلاب                     الهارة وعواطف العصا التى نحملها حتى نعود " بالمقون "                     من " مباركة الحفيانة "

أم الزين - هل تستبدل ذلك ، بغسل الصوف وتنقيته وغزله اناء الليل ،                  وبالنهوض سحرا تتمم الغزل ، وتحضر الطعمة لتحمل                 الى السوق ، حتى إذا جاءك القمح ، نقيته ورحيه ورميته                 فى الطاجين

احد الابناء - قد يهون كل شئ ، سوى حصة الكرة التى نغتصبها من                     وقت الدرس والاشتغال .

ابن آخر - ستنوئين بالحمل يا أم الزين ، بعد أيام قلائل ، سنذهب الى                   بني حسان لختان " رزوقة " أم الزين - انى لك هذا ؟

الابن - فى الليلة البارحة سمعت ابى يوافق ، قبل النوم على طلب ،               أمى فى ضرورة زيارة " العجامة " ، هذه السنة لختان رزوقة               لانه سيلتحق بالمدرسة فى السنة المقبلة . رقية - ( فى شىء من دهشة )                صبية متهافتون لقد نويت ان افاجئك . ولكن !

الا ب - لقد بلغ عبد الرزاق الخامسة من العمر ونيف ولم يبق له الا               بضعة اشهر حتى - يرسم - بالمدرسة وليست مناسبا               أحسن ابدا من هذه . فان الشتاء اذا خرج ، أقبل الربيع               والصوف والزربية ، ثم ان فصل الصيف ، فصل الحرارة

أم الزين - او تعنى أنك ستنفق رأس مال الزربية على ولائمك وجولاتك                 بالساحل ، وتتركنى أقلى لدى الحاجة ففانى                 الفقيرة الدائنة

الا ب - لن يكون هذا أبدا " ياحرة " سوف لا نذهب للساحل ، الا بعد                  ان نشترى الصوف ، ونحوه ونودعه المصغة . ثم ان الولد                   قد كبر .

الابناء - يتسابقون ، وينكبون تقبيلا على أم الزين رقية - ( ترقب الحركة فى اشفاق ، وفيما كانت أم الزين ، تخفف من               زحام الشفاه المرتعشة تدخل فى ملاينة وتغنج )               تنحوا عن أمكم ، انها قديمة الطف ، وهى الجمل العبل ،               وما أمرزوقة الانفيانة تتضاءل أمام ما تفعل عند كل               افتتاح المدارس ، أو عند ارتفاع أسعار القمح والزيت

الابناء - ينتقلون بتقبيلهم الى والدهم ، فأم الزين ، ثم يعودون ،               ولكنهم قنسوا ، فى غمرة الفرح ، منديل الاب . فسقط               على نفيان من الجمر وتآكل الا ب  - هيه ، يا اولاد ، احترق منديلى ، وانتم تندفعون

احد الابناء - لا بأس عليك ، ففي مال الزربية غنى . ا لا ب - أى زربية هذه ؟ ليتها تضمن رأس المال الابن - لم هذا الخوف من الحاجة " الفقيرة " انها كثيرة الذهب والحلى              وفيرة الفائض والربا . ألا تفرح لفرح الصبيان

ام الزين - مساكين هؤلاء ، ينشدون الرحمة لدى الحاجة . ا لا ب - يعرك مسبحته بين يديه ، ايذانا بانتهاء الاوراد ، يسل                 ركبته في رفق ، يلتفت الى رقية ويدعوها لملء دلو ماء حتى                 يؤدى صلاته ، ويودع يومه بين ترتيل طويل ، فيه رضا                 بالنصيب ، وامل فى يوم يسير                 تنهض رقية ، ويتفرق الجمع ، وبين عيونهم أمل ، وفى                 قله بهم حلاوة .

المشهد الثاني

قرية صغرى من قرى الساحل ، فى شطر وسط من الليل هي مسقط رأس رقية ، ومجتمع أهلها ، سكون لا يقطعه الا تجاوب كلاب مقرورة ، او صوت " الصوان " فى غابة الزياتين يتوعد ويزجر سرابا من الاشباح والاوهام باب عجوز ينفتح فيندفع منه جمل ، ينفض أشتاتا من طمأنينة وهدوء ، ثم يشد الى عربة يتراكم فيها المسافرون وقفاف الدجاج أكبر الابناء مع الزربية يشدان الى بغل القافلة تسير نحو " العجامة"

ا لا ب - ما أشبه هذه الليلة بتلك ، انى أحس وكأنى أسرى لاول مرة الجمل - أنا أنبئك بما لم تحط به خبرا . ا لا ب - ماذا ؟

الجمل - انك تسير لاول مرة ا لا ب - حسنا منك هذه الدعابة ، يا أبا سلمى الجمل - انى أدلك على نفسك ، انك لا تدرك ، وانت فى غمرة ، ان                  هذه أظلمة وهذا المدى لم يتحولا كأول مرة ، انما                  نتحول نحن . لو رأيت لعلمت أن الظلمة باقية ، وان                  النجوم ثابتة .

ا لا ب - هذا حديث كأنما يقع لى لاول مرة . الجمل - انك لم تظهر نفسك بامواج الظلام ، ولم تكتحل باشراقة النجوم . ا لا ب - قد أفعل ذلك

الجمل - متى عدت فى هذه الطريق ا لا ب - اخشى النسيان الجمل - ذلك عزاء الانسان ، أما نحن فصبر جميل ، يهون معه السرى                 الى رجل حجارة من طين ، وفى داخله أخلاط من هواجس

ا لا ب - ذلك شيخ ورع الجمل - الظلمة والنجوم تشهد بانه عابد استبطنه الهوى . ولعلك                 تنفح باطلالة تكشف لك عن سر . البغل - ( يلتقط بعض الكلمات من خلال الاثير فبتواني حتى يلتحق به الجمل ) أراكم غير قاصدى طريق ...

الجمل - اننا فى طريق الشيخ البغل - شقاوة وضلال ا لا ب - أوليس جديرا بأن تشد اليه الرحال

البغل - سلنى لقد صحبته طويلا وحملته زمانا رسيلا ، لقد صحبت              دعوى وحملت غواية .

الجمل - ها ان سنى الصبح بدا يخطو ، وها هى ذى الاشعة لاحت                 تتواتر على قبة الشيخ

ا لا ب - لعل النور يبين

الجمل - النور واتظلمة بأقيان ، ولكن صاحبك

ا لا ب - رفقا فانى أحس ان الحياة تنطلق ، والحركة تبدأ ، انى                اقترب . . . الشيخ                وتسير القافلة فى اغماءة ، ويصل الجميع

المشهد الثالث

الزائرون وسط المقام

البغل - ( وهو ينصرف )               سلام عليكم ، سآوى الى ذلك الوادى الذى يجرى ماؤه ،               ويصفو بانوار الشمس ، وتتهاتف أمواجه مرتلة آيات               الزمان

الجمل - سنتنا عند كل زيارة للشيخ ا لا ب - اذهبا اذن               وفيما تنحدر السائمتان نحو الوادى ، تحيط الجماعة               بالشيخ وقد تربع بجوار تابوت غشته ذبالات وخرق

ا لا ب - سلام الله على اولياء الله ، بركاتك يا شيخى ، انما نحن أهلك                   وأشياعك نرتجى ثوابا وعونا .

الشيخ - ( فى خيلاء )                   الا ان اولياء الله ، لا خوف عليهم ولا هم يحزنون                   (تزحف الجماعة وتنكب لثما ليد الشيخ)

احد الابناء - ان في يد الشيخ رائحة . ا لا ب - ليس هذا عزم من يرتجى الحسنى . اللهم اللهم رشادا                اللهم انه فتاى !

الشيخ - وقد بدأت نظراته تتريث واوراده تتباطا :                   انك تشم رائحة المقام .                   يدفع باب من أعماق الزاوية وتخرج " الدرويشة سالمة "                   وهي حليلة الشيخ منفوشة الشعر ، ضربها السواد                   وتغشاها النزل . تسلم فى فتور ، ثم تتجه الى زمرة                   الدجاج والقاف . وترنو شزرا ، ثم تأخذها وتلتوى                   وتغيب تعود انظار الجماعة الى هيكل الشيخ

الشيخ - على سنة المشرقات ، والفرادييس العاليات ، وما أهل لسرحان                  تيسر لى الاعمال وأسير من وراء الرجال ، انه هذا الزمان                  استنوقوا يا سادة ، وتقدموا فان اعالى الامور العبادة                  وخواتمها العما . .

ا لا ب  - بدايتنا على بركة سرحان ، هؤلاء الصبية ، وفيهم الهشيم                  الممدود ، والفارع المقدود ، لقد كنسفت كشفا قديما و " رأيت "                  ان الزرع خير . أتذكر ذلك ، انه فى عام مضى

الشيخ - ذلك عام الكبش ، وهذه سنة الدجاج . تقدم يا فتى . ما                 اسمك ؟

الفتى - أنا الفضيض الصليب . الشيخ - انك من طين ، قالت الابراج الفتى - فتنة وضلال

الشيخ - ما هذه القردة المردة . والمكلبة البددة ، والاخشاب النخرة الفتى - بشرى لك وللخشب ، انه يبقى بقاء الليل يعقبه النهار الشيخ - أما ترعوى ، وفيك فضل من هذا المقام ؛

الفتى - انه مقام الخشب الشيخ - بناه الصالحون ، وفيه سرحان الفتى - نامت دونك العين . ولكن أتأمن ؟ الشيخ - تنزيل من عزيز حميد الفتى - لو صدقت يا شيخ ! الشيخ - فى صناديقنا فضل من بخور وند

الفتى - وان أظلم الليل الشيخ - اعد انسانا

الفتى - هل من سبيل ؟ الشيخ - وهل تموت الاخشاب ، وتغور النجوم ؟ الفتى - ارفع عنك حجاب المقام وعد الى نفسك

الشيخ - هل أعود فى النهار ؟ الفتى - وعليك شئ من تراب الشيخ - لكن ، هل ينفع البخور والرفوش الفتى - انها نار وصخور الشيخ - يتحسس نفسه ، يطير ، يكاد يطير ، يهدج ، انا ، البخور               البخور .

ا لا ب - ( مرتعدا ) مصفرا ، مشفقا ، : اللهم شيخى ، انه من الاولياء ،                  يتداعى الشيخ وينهار                  ( يدفع الباب بقوة ، فاذا السائمتان قد وضعتا يدا فى يد                  يترنمان بصوت منغم رقيق                  يزداد عجب الاب ، ويكاد يغيب ، حتى اذا اقترب الفتى من                  المنشدين تلازموا وأخذوا الطريق . . طريق الوادى .                  يتبعهم الاب والباقون وعلى عيونهم علامات ) .

اشترك في نشرتنا البريدية