الإهداء التى نفضت عني القلق ثم توارت فى قتام الزمان ، فعدت منفردا اجر نفسي وتحيا بلا ذكرى وفي خشوع الراهب الشيخ اهدى اليها هذا العمل الاخير ص . ق .
الاشخاص اب وزوجتان ابناء جمل وبغل شيخ زاوية
المشهد الاول
فى بيت من بيوت الكادحين ، نفر من الانسان ، فى ليلة يلقون بين يديها ما تبقى عندهم من حياة وجهد ، يجلسون على حصير من الحلفاء وثير ، علته مجمرة ، فجة النار ، ضئيلة الرماد .
الاب يتصدر المجلس ، وبجانبه زوجته الاولى ، رقية . فعدد من الابناء ، ثم الزوجة الثانية ، أم الزين وابنها .
ركب القوم لا تفتا تعلو وتهبط ، يمسك الاب والابناء بمنديل انف يقلبونه على النار .
خا البيت ، صياح أسلاك الكهرباء ، وانصفاق الابواب فى مد وجزر
أم الزين - ما كان أبعد أطراف هذه الليلة اللافحة ، وما أشدها بردا واضيقها . انها الليلة التى ننتظرها فى كل لحظة تمر بنا فى الاسبوع . نتمناها كل زوال وفجر ، حتى اذا جاءت مرت مر الجنائز . انها ليلة تموت بين اعداد الكانون ، وترتيب البيت لاستقبال يوم الجمعة ، حتى اذا كانت السهرة ، لم نجد سوى " كلام " نلوكه وآمال نقيمها فى فضاء من الارتجاف .
احد الابناء - سامحك الله يا أم الزين ، هذه ليلتنا نترجاها فى خلال كل لحظة نقضيها فى المدرسة ، او فى ورود الماء او فى مذاكرة الدروس ليلا انك لا تقدرين الشقاء الذى نعانى كل ليلة عند ذهابنا أنا وأخى فتاح الى " فندق الهرقام " نجس الظلام ، نترقب اللصوص ، نتقى الكلاب . كيف لا تقدرين العواطف ، عواطفنا ، وعواطف الكلاب الهارة وعواطف العصا التى نحملها حتى نعود " بالمقون " من " مباركة الحفيانة "
أم الزين - هل تستبدل ذلك ، بغسل الصوف وتنقيته وغزله اناء الليل ، وبالنهوض سحرا تتمم الغزل ، وتحضر الطعمة لتحمل الى السوق ، حتى إذا جاءك القمح ، نقيته ورحيه ورميته فى الطاجين
احد الابناء - قد يهون كل شئ ، سوى حصة الكرة التى نغتصبها من وقت الدرس والاشتغال .
ابن آخر - ستنوئين بالحمل يا أم الزين ، بعد أيام قلائل ، سنذهب الى بني حسان لختان " رزوقة " أم الزين - انى لك هذا ؟
الابن - فى الليلة البارحة سمعت ابى يوافق ، قبل النوم على طلب ، أمى فى ضرورة زيارة " العجامة " ، هذه السنة لختان رزوقة لانه سيلتحق بالمدرسة فى السنة المقبلة . رقية - ( فى شىء من دهشة ) صبية متهافتون لقد نويت ان افاجئك . ولكن !
الا ب - لقد بلغ عبد الرزاق الخامسة من العمر ونيف ولم يبق له الا بضعة اشهر حتى - يرسم - بالمدرسة وليست مناسبا أحسن ابدا من هذه . فان الشتاء اذا خرج ، أقبل الربيع والصوف والزربية ، ثم ان فصل الصيف ، فصل الحرارة
أم الزين - او تعنى أنك ستنفق رأس مال الزربية على ولائمك وجولاتك بالساحل ، وتتركنى أقلى لدى الحاجة ففانى الفقيرة الدائنة
الا ب - لن يكون هذا أبدا " ياحرة " سوف لا نذهب للساحل ، الا بعد ان نشترى الصوف ، ونحوه ونودعه المصغة . ثم ان الولد قد كبر .
الابناء - يتسابقون ، وينكبون تقبيلا على أم الزين رقية - ( ترقب الحركة فى اشفاق ، وفيما كانت أم الزين ، تخفف من زحام الشفاه المرتعشة تدخل فى ملاينة وتغنج ) تنحوا عن أمكم ، انها قديمة الطف ، وهى الجمل العبل ، وما أمرزوقة الانفيانة تتضاءل أمام ما تفعل عند كل افتتاح المدارس ، أو عند ارتفاع أسعار القمح والزيت
الابناء - ينتقلون بتقبيلهم الى والدهم ، فأم الزين ، ثم يعودون ، ولكنهم قنسوا ، فى غمرة الفرح ، منديل الاب . فسقط على نفيان من الجمر وتآكل الا ب - هيه ، يا اولاد ، احترق منديلى ، وانتم تندفعون
احد الابناء - لا بأس عليك ، ففي مال الزربية غنى . ا لا ب - أى زربية هذه ؟ ليتها تضمن رأس المال الابن - لم هذا الخوف من الحاجة " الفقيرة " انها كثيرة الذهب والحلى وفيرة الفائض والربا . ألا تفرح لفرح الصبيان
ام الزين - مساكين هؤلاء ، ينشدون الرحمة لدى الحاجة . ا لا ب - يعرك مسبحته بين يديه ، ايذانا بانتهاء الاوراد ، يسل ركبته في رفق ، يلتفت الى رقية ويدعوها لملء دلو ماء حتى يؤدى صلاته ، ويودع يومه بين ترتيل طويل ، فيه رضا بالنصيب ، وامل فى يوم يسير تنهض رقية ، ويتفرق الجمع ، وبين عيونهم أمل ، وفى قله بهم حلاوة .
المشهد الثاني
قرية صغرى من قرى الساحل ، فى شطر وسط من الليل هي مسقط رأس رقية ، ومجتمع أهلها ، سكون لا يقطعه الا تجاوب كلاب مقرورة ، او صوت " الصوان " فى غابة الزياتين يتوعد ويزجر سرابا من الاشباح والاوهام باب عجوز ينفتح فيندفع منه جمل ، ينفض أشتاتا من طمأنينة وهدوء ، ثم يشد الى عربة يتراكم فيها المسافرون وقفاف الدجاج أكبر الابناء مع الزربية يشدان الى بغل القافلة تسير نحو " العجامة"
ا لا ب - ما أشبه هذه الليلة بتلك ، انى أحس وكأنى أسرى لاول مرة الجمل - أنا أنبئك بما لم تحط به خبرا . ا لا ب - ماذا ؟
الجمل - انك تسير لاول مرة ا لا ب - حسنا منك هذه الدعابة ، يا أبا سلمى الجمل - انى أدلك على نفسك ، انك لا تدرك ، وانت فى غمرة ، ان هذه أظلمة وهذا المدى لم يتحولا كأول مرة ، انما نتحول نحن . لو رأيت لعلمت أن الظلمة باقية ، وان النجوم ثابتة .
ا لا ب - هذا حديث كأنما يقع لى لاول مرة . الجمل - انك لم تظهر نفسك بامواج الظلام ، ولم تكتحل باشراقة النجوم . ا لا ب - قد أفعل ذلك
الجمل - متى عدت فى هذه الطريق ا لا ب - اخشى النسيان الجمل - ذلك عزاء الانسان ، أما نحن فصبر جميل ، يهون معه السرى الى رجل حجارة من طين ، وفى داخله أخلاط من هواجس
ا لا ب - ذلك شيخ ورع الجمل - الظلمة والنجوم تشهد بانه عابد استبطنه الهوى . ولعلك تنفح باطلالة تكشف لك عن سر . البغل - ( يلتقط بعض الكلمات من خلال الاثير فبتواني حتى يلتحق به الجمل ) أراكم غير قاصدى طريق ...
الجمل - اننا فى طريق الشيخ البغل - شقاوة وضلال ا لا ب - أوليس جديرا بأن تشد اليه الرحال
البغل - سلنى لقد صحبته طويلا وحملته زمانا رسيلا ، لقد صحبت دعوى وحملت غواية .
الجمل - ها ان سنى الصبح بدا يخطو ، وها هى ذى الاشعة لاحت تتواتر على قبة الشيخ
ا لا ب - لعل النور يبين
الجمل - النور واتظلمة بأقيان ، ولكن صاحبك
ا لا ب - رفقا فانى أحس ان الحياة تنطلق ، والحركة تبدأ ، انى اقترب . . . الشيخ وتسير القافلة فى اغماءة ، ويصل الجميع
المشهد الثالث
الزائرون وسط المقام
البغل - ( وهو ينصرف ) سلام عليكم ، سآوى الى ذلك الوادى الذى يجرى ماؤه ، ويصفو بانوار الشمس ، وتتهاتف أمواجه مرتلة آيات الزمان
الجمل - سنتنا عند كل زيارة للشيخ ا لا ب - اذهبا اذن وفيما تنحدر السائمتان نحو الوادى ، تحيط الجماعة بالشيخ وقد تربع بجوار تابوت غشته ذبالات وخرق
ا لا ب - سلام الله على اولياء الله ، بركاتك يا شيخى ، انما نحن أهلك وأشياعك نرتجى ثوابا وعونا .
الشيخ - ( فى خيلاء ) الا ان اولياء الله ، لا خوف عليهم ولا هم يحزنون (تزحف الجماعة وتنكب لثما ليد الشيخ)
احد الابناء - ان في يد الشيخ رائحة . ا لا ب - ليس هذا عزم من يرتجى الحسنى . اللهم اللهم رشادا اللهم انه فتاى !
الشيخ - وقد بدأت نظراته تتريث واوراده تتباطا : انك تشم رائحة المقام . يدفع باب من أعماق الزاوية وتخرج " الدرويشة سالمة " وهي حليلة الشيخ منفوشة الشعر ، ضربها السواد وتغشاها النزل . تسلم فى فتور ، ثم تتجه الى زمرة الدجاج والقاف . وترنو شزرا ، ثم تأخذها وتلتوى وتغيب تعود انظار الجماعة الى هيكل الشيخ
الشيخ - على سنة المشرقات ، والفرادييس العاليات ، وما أهل لسرحان تيسر لى الاعمال وأسير من وراء الرجال ، انه هذا الزمان استنوقوا يا سادة ، وتقدموا فان اعالى الامور العبادة وخواتمها العما . .
ا لا ب - بدايتنا على بركة سرحان ، هؤلاء الصبية ، وفيهم الهشيم الممدود ، والفارع المقدود ، لقد كنسفت كشفا قديما و " رأيت " ان الزرع خير . أتذكر ذلك ، انه فى عام مضى
الشيخ - ذلك عام الكبش ، وهذه سنة الدجاج . تقدم يا فتى . ما اسمك ؟
الفتى - أنا الفضيض الصليب . الشيخ - انك من طين ، قالت الابراج الفتى - فتنة وضلال
الشيخ - ما هذه القردة المردة . والمكلبة البددة ، والاخشاب النخرة الفتى - بشرى لك وللخشب ، انه يبقى بقاء الليل يعقبه النهار الشيخ - أما ترعوى ، وفيك فضل من هذا المقام ؛
الفتى - انه مقام الخشب الشيخ - بناه الصالحون ، وفيه سرحان الفتى - نامت دونك العين . ولكن أتأمن ؟ الشيخ - تنزيل من عزيز حميد الفتى - لو صدقت يا شيخ ! الشيخ - فى صناديقنا فضل من بخور وند
الفتى - وان أظلم الليل الشيخ - اعد انسانا
الفتى - هل من سبيل ؟ الشيخ - وهل تموت الاخشاب ، وتغور النجوم ؟ الفتى - ارفع عنك حجاب المقام وعد الى نفسك
الشيخ - هل أعود فى النهار ؟ الفتى - وعليك شئ من تراب الشيخ - لكن ، هل ينفع البخور والرفوش الفتى - انها نار وصخور الشيخ - يتحسس نفسه ، يطير ، يكاد يطير ، يهدج ، انا ، البخور البخور .
ا لا ب - ( مرتعدا ) مصفرا ، مشفقا ، : اللهم شيخى ، انه من الاولياء ، يتداعى الشيخ وينهار ( يدفع الباب بقوة ، فاذا السائمتان قد وضعتا يدا فى يد يترنمان بصوت منغم رقيق يزداد عجب الاب ، ويكاد يغيب ، حتى اذا اقترب الفتى من المنشدين تلازموا وأخذوا الطريق . . طريق الوادى . يتبعهم الاب والباقون وعلى عيونهم علامات ) .
