الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 10الرجوع إلى "الفكر"

زغلول

Share

كانت تبدو عليه الوداعة والطيبة وهو يتحدث الى الناس . لم يكن ابدا من الذين تثار حولهم الشبهات ولا من الذين تسبقهم الشائعات ولا بعد هذا وذاك من الذين يثيرون اهتمام الناس وفضولهم فيتحدثون عنه بالخير او الشر على السواء ،

كان ذكيا الى اقصى حد الذكاء صموتا لا يتكلم الا قليلا فاذا نطق نطق بجمل محدودة لا شذوذ فيها ولا افراط . لقد ماتت امه وهو في سن العشرين ، فتزوج والده امرءة اخرى انحب منها بنتا ثم ولدا ، وحينما وصليت البنت الى السن السابعة عيشة زوجها والدها ثم بعد سنة من زواجها قضى الوالد نحبه فترك الوالد المنفر : زغلول وبدرية ومحمدا وأمهما ، كما ترك ضيعة لا تتجاوز خمسة هكتارات مروية

وفي نفس الشهر الذى توفى فيه ابو العائلة طلقت بدريه من زوجها فاصبحت تعيش مع امها واخيها محمد اما زغلول فعيش مع زوجه فى بيت اخر لا يبعد الا قليلا

اني ابدا لن انسى صديقى الضابط " صبحى " رئيس قسم البوليس في الدائرة التى كنت اسكنها فقد كان يلذلى ان اسهر بجانبه احيانا في القسم فيطلعني على كثير من بلايا المجتمع ورذائله ، وان انس لن انسى ابدا قصة هذه العائلة التي دمرتها عن آخر ها الغيرة كما حطمها الطمع والمكر ، فمنذ وفاة رب العائلة وزغلول قلق بالحياة متبرم من قلة ذات اليد لا يجد ما يكفيه لمعيشته ، فالخمسة هكتارات لا تسد رمق هذه العائلة ولا تفي بحاجاتها وكم تمنى زغلول لو ان مصيبة نزلت باخيه واخته وامها واودت بحياتهم حتى يتملك وحده الضيعة وينفرد بخبراتها

ومضى الزمن وحالته تزداد سوءا وجشعه يقلقه ويقيد تفكيره فعثر اخر الأمر على الفكرة الماحقة الجهنمية ، الفكرة التى ستغنيه وتسبب له الهناء ، انها الفكرة التي ستحقق امانيه الغالبة واحلامه اللذيذة ، لقد مضى على طلاق اخته حولان كاملان ادن فهذا مفتاح نجاحه يبدو له متألئا فى الهاوية فلينحدر اليه ليلتقطه وليفتح فيه باب سعادته وقضى ليلة كاملة يفكر ويصور ويتخيل وكان مرة يقهقه باعلى صوته ، واخرى يزفر ويتأوه ، ومرة ثالثة كان يقطع البيت جيئه وذهابا

كالسجين او المعتوه يداه معقودتان الى ظهره " وهو يسرع الخطى ، وطلع الصباح وخرج من بيته مصفر الوجه غائر العينين ترتعش الكلمات فى فمه ارتعاشا ،

ومر على اخيه محمد في بيته ليذهبا معا الى المزرعة كما جرت العادة ان يفعلا كل يوم فخرج اخوه الصغير والبشر يملأ محيا فى خفة الشباب الباكر ونشاطه ووضع يده في يد اخيه وانطلقا لا يتحدثان كما جرت العادة بل صامتين او على الاصح كان الصامت زغلول اما محمد فكان يتكلم بين لحظة واخرى ولا يقابل من اخيه الا بإيماءة من الراس او همهمة باللسان ، وعند وصولهما الى المزرعة جلس زغلول على صخرة هناك وبدا يزفر ويتاوه واندهش اخوه الصغير وبدا يكيل له السؤال تلو الاخر عن سبب تاوهه ومصدر حزنه ولكن عبثا حاول ان يظفر من اخبه بجواب ثم قاما للعمل وفي الظهر رجع الاخوان معاكل الى بيته ، ثم بعد الغذاء مر زغلول على اخيه ايضا كما جرت العادة ان يفعل وانطلقا الى المزرعة للعمل الرتيب وفى الطريق بدا زغلول ينفذ الجزء الثاني من خطته التى لم تكن تحتوى الا على جزئين جزء صباحى ، قد هيا فيه الميدان تهيئة محكمة تهيئة خبير نفسي وبالاخص بنفسية اخيه الصعيدى القح الذى يمتلىء صدره بالغيرة على الشرف والمروءة والكرامة والذي لا يتصور الحياة ممكنة بدون شرف ولا يتصور الحياة معقولة بدون مروءة ولا يتخيل مهما تاه به الخيال ان الانسان يمكن ان يعيش بدون عيال ان الانسان يهنن ان يعيش بدون كرامة ، كل هذا عرفه زغلول وادركه ، وكل هذا يؤمن به زغلول ويعتقده ولكن قوة الشر الكامنة فى اعماقه اعمت بصيرته وجشعه المفرط ، طمس قلبه فانطلق يزفر من جديد ، انطلق يتاوه واخوه الصغير ينظر اليه فى هلع وعاد مرة ثانية يساله ، يسأله ويلح فى السؤال ، وفى هذه المرة استجاب زغلول لظما اخيه الوديع البرئ وقال بعد تردد : بدرية . . .

- بدرية ! مالها بدرية ؟

لا شئ لا شئ - قل بحق رضاء الوالد علينا حميعا مالها بدرية ، واى دنب اقترفت ومالك

متالم من جانبها ؟ لا شئ سوى ، . . آه . . لا استطيع . لا استطيع - ادعوك مرة اخرى باسم الشرف الذى تتمتع به عائلتنا ، باسم العزة

والطهارة التى خلقها لنا والدنا باسم المحبة والاخوة التى تربطنا ان تخبرنى ما سبب ألمك وحزنك ، ولماذا تذكر بدرية ؛

وهنا ادرك زغلول صدى سعة الميدان وخصبه لزرع بذور شره ومدى استعداد الولد البرئ فقال : لو لا انك دعوتني باسم الشرف لما تحدثت اليك باي شئ ، ولو لا انك دعوتنى باسم الكرامة لما نطقت ، اننى اننى . . آه يا رب ، ان بدرية حامل .

- ما ذا تقول ؟ . . يا للعار . . كيف ؟ بدرية حامل ؟

وبدأ يلطم وجهه ويبكى ويصيح يا للمصيبة يا للعار ، واخذ زغلول يزيد ناره وقودا ويقول ان الذنب ذنب امها التى تحرسها الحراسة الكافية ولم تهتم بالمحافظة على شرفها وشرف العائلة وكانت هذه الكلمات كالشهب تتساقط على محمد الغضوب الثأثر ، وانطلق الولد يبكى بكاء الاطفال ويلطم وجهه فى انفعال وغضب لا مزيد عليهما . وعرف زغلول انه اصاب الهدف فقفل راجعا وحده وترك اخاه جهنما تتاجج ، وبعد برهة من الزمن مسح الولد دموعه وغرق في تفكير عميق وبين الفينة والاخرى يلتفت الى فاسه التى يشتغل بها ويطيل فيها النظر والتأمل ، وفى سرعة البرق انحني على الفأس وحملها وانطلق يجرى الى البيت ، دخل على اخته فى بيتها فوجدها تسوى شعرها امام المرآة فهوى بالفآس على رأسها فهشمه وزاد الضربة تلو الاخرى حتى لفظت نفسها الاخير فارتاح وكانما كان يحمل على كتفه جبلا ثم دخلت عليه امه فهوى بالفاس على راسها وقضى عليها لانه كان يعتقد انها السبب فى العار وانها كانت تقود ابنتها للذعيرة والفجور وبدا يصبح : اذهبا ، اذهبا الى الشيطان انتما اللتان لطختما سمعة العائلة وشرفها

انتما اللتان دستما كرامة هذه العائلة الطاهرة منذ قرون ، وغرق في التفكير مرة اخرى وخطر له ان الغسالة التى سيؤتى بها فى الصبح لغسل الجثتين وتكفينهما ستلاحظ على اخته انها حامل وستذيع ذلك بين الناس فتكون الفضيحة والعار بين سكان القرية فلماذا لا يبقر بطن اخته ليخرج منه الجنين الحرام ، ؟ ولم يتاخر لحظة ؟ بل قام الى اخته وبقر بطنها آه من دهشته الكبيرة حينما بحث فلم يجد اي شئ يدل على اي كائن حى في بطن اخته المظلومة لقد صدمه الواقع صدمة عنيفة ولم يطل به التفكير فسرعان ما اهتدى ببديهته الى ان في الامر تدبيرا

اشترك في نشرتنا البريدية