الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 5الرجوع إلى "المنهل"

ساعة مع، مؤسس مدارس الجنوب

Share

هيئ لى فى ضحوة يوم الجمعة الموافق ١٣٦٧/٤/١٧ ان اجتمع بالشيخ عبد الله القرعاوى .. مؤسس مدارس الجنوب ،والقائم بالاصلاح فى الجنوب، وهو رجل متواضع ، بشوش ، ربعة ، اصفر اللون ، مستطيل الوجه ؛ اقنى الانف ، ناتىء الجبهة ؛ ازج الحواجب اقرنهما، غير واسع العينين ،فى اوائل العقد السابع من العمر ؛ وقد وخط الشيب فوديه ولحيته ..وهو دائب الحركة؛

خفيف ، نشط ، وتبدو فى ملامحه امارات الرضا والغبطة

وقد تحدث الينا فقال : انه مع شيبته كان لا يستنكف من تلقى دروس الحساب والخط مع صغار التلاميذ فى مدرسة الاستاذ ابراهيم حلوانى فى مكة المشرفة ، وانه ارتحل الى الهند وهو كبير السن لاستكمال الدراسة ؛ وقد كرر الدراسة مرارا - فى نجد - على شيخه العلامة الشيخ محمد ابراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ فى الرياض، والشيخ عبد الله بن مانع فى عنيزة ؛ والشيخ عبد الله بن سليم ، والشيخ عمر بن سليم فى بريدة ، وانه يطبق بذلك على نفسه المبدأ القائل : (( طلب العلم من المهد إلى اللحد )) . وانه كان يستعد بذلك كله لهذا العمل الذى قام به فى الأخير .

وليس القرعاوى من اولئك الاشخاص الذين يلقون على ماضى حيواتهم سجفا سميكا من الغموض ؛ استظلالا بحاضرهم اللامع ، واستقلالا عن آثار ذلك الماضى .. فقد حدثنا ممتنا مسرورا بما آلت اليه حاله من تقدم ، بعد ان كان لاقى عنتا ومشاق فى ماضى حياته ، إذ اشتغل فلاحا وحمالا وبائعا مشتريا فى دكان له بعنيزة ... كما فتح اثناء ذلك مدرسة فى (( عنيزة )) اربع مرات

وقد عزف عن الوظائف ايا كان لونها ، اهلية او حكومية ؛ لانه كان يعد نفسه اعدادا لهذه المهمة العلمية ؛ وقد قام باستخلاص لقمة العيش من اعماله الحرة قانعا جاهدا .

ومدارس القرعاوى الاهلية فى تهامة ؛ شبكة متصلة الحلقات، تقع فى مدن وقرى متقاربة ، ليتسنى له الاشراف الدائم على سيرها . وليست مدارس تعليمية محضة ، يستفيد منها طلابها العلم المقروء فقط بل انهم يستفيدون مع العلم المقروء، الهداية والرشاد والاصلاح والسداد فى عقائدهم وفى اعمالهم وحيواتهم الدينية

ويدرس فيها القرآن. والتوحيد. والفقه والحديث.ومصطلح الحديث . والسيرة النبوية. والخط . والحساب . والاملاء . والانشاء. والنحو . والصرف . والفرائض .

هي اذن ( مدارس نموذجية ) من طراز خاص.. يستهدف التقويم والتعليم ، ولا يلغى اثر البيئة ومقتضيات الظروف.. وتلك حكمة سديدة وتوفيق عجيب. والى جانب انشائه هذه المدارس، أنشأ بجانبها عدة مساجد.

وقد سألته عن البواعث التى حملته على هذا الاتجاه . فقال : اننى كنت اتلقى العلم على شيخنا محمد بن ابراهيم ، وسمعت ذات يوم عن حالة الجنوب وما هم فيه من الجهل ، فاستأذنته فى الذهاب اليهم لنشر الدعوة والعلم فى ربوعهم، فرغبنى فى ذلك واوصانى بتقوى الله ودعا لى بالخير، فسافرت وأسست أولى مدرسة فى ((سامطة)) وهكذا .. وكان من حسن التيسيران لاقت هذه المدارس - شأن كل نافع وصالح - من جلالة الملك ومن سمو ولى العهد عناية كريمة .. وقد تفضل سمو ولى العهد المعظم فخصص رواتب شهرية لستين استاذا ،للست والعشرين مدرسة التى افتتحتها فى الجنوب ، وتبرع سموه الكريم لها بعدة مكاتب تحتوى على آلاف المجلدات لأفادة الطلاب وتعليمهم ، كما تفضل سموه الكريم باعانة سنوية خاصة غير الرواتب الشهرية التى جادت بها مكارم سموه ، وغير الاعانات الشهرية المتدفقة ، مما نهض بهذه المدارس نهضتها الملموسة

وقد أطلعنى عبد الله القرعاوى على رسالة ترجم فيها حياته ومشروع مدارسه وهى مخطوطة ،وحينما طالعتها وجدت فيها حقائق لا توجد فى غيرها ؛ ووجدت فيها شيئا آخر ، هو بساطة الاسلوب ، مما اذكرنى باسلوب تاريخ الطبرى وابن بشر، وقد اغرانى هذا وذاك الى نشرها كاملة فى هذه المجلة توخيا لافادة القراء وامتاعهم بكل طريف .

اشترك في نشرتنا البريدية