الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 3الرجوع إلى "الفكر"

شجرة الليمون،

Share

ستغضب الأقدار عندما تحترق أهداب القمر ويتيقن الأطفال الصغار ان المرأة ذات الشعر المذهب معلقة إليه من أهدابها ، وسينتظرون الليلة التى يفتح فيها الباب الحديدى وتخرج من قضبانه امرأة ذات وجه مستدير وأنف مستقيم معلقة من أهدابها الى القمر ، وستسيل على الارض الدماء العالقة على أبواب المنازل والحيطان لتنبت ليمونة مورقة فى شارع الحى يجلسون تحتها في أيام الصيف والشتاء

للأطفال الصغار عن شجرة الليمون حكايات طويلة ، حكايات عن المرأة التى علقت من أهدابها الى القمر فى انتظار الرجل الذى ستفتح له النافدة عندما ينتصف الليل ويلقى القمر أشعته اللافحة الهادئة على الحى المستغرق فى نومه الليلى الطويل

ستنظر إلى القمر طويلا من وراء النافذة الصغيرة كلما تحركت أوراق . الشجر الخريفية تعبث بها أصابع تشرين المقبل على الابواب كانت تقول : حينا ألسنة ملتوية وقلوب صدئة وعقول لم تغسل . وانت مصر عنيد لا تعرف الاخطار وكان يقول : حيكم ألسنة ملتوية وقلوب صدئة وعقول لم تغسل ويسكت

وتفتح له النافذة عندما ينتصف الليل وتفتح له ذراعيها وقلبها لأن شهر زاد ذات الشعر المذهب يحلو لها أن تحكى كثيرا وان تنظر الى القمر قال لها : أنت مهذارة ، امرأة . حدثينى عن الحى والجيران والكلاب الميتة . قالت له : أبى رحل وأمى امرأة والكلب كلب والجيران جيران وحينا ألسنة ملتوية وطاحونة شئ معتاد وعندما تفتح له النافذة كان يعلم أن بعضا من عيون الحى حية نابضة رغم

استدارة قرص القمر لأن للقمر عشاقا

يقولون عنه : سارق ليلى يجئ خلسة يسلبنا قمرنا وغريب متطفل على نوافذنا وأبوابنا .

قالت له : عرفتك فى ليلة من ليالى أحلامى ، فكنت لى وآمنت أنى لك ، كنت طفلة وكنت طفلا وأصبح الجميع يعلم أننا طفلان بينهما حكايات ومعابثات وجنونيات

يضربنى أبى وتفرح أمي لأنها تعلم أننى لكى أكون طفلة لا بد لى من من جنونيات ومعابثات ولما غضب أبى وحنق :

كان يقول لأمى : ملعونة هذه البنت ، تمد بصرها خارج حيطاننا وأبوابنا ، وتفتح ذراعيها الى الغرباء ، ملعونة هذه البنت تستهين بحينا وتفك عنه الحصار ، يريدنى أهلية متضرعة خاشعة ، وها أنا أفتح النافذة وأمد بصرى الى بعيد لأننى أحببت أن أعشق القمر

تعلم أمى أننى كل ليلة أفتح النافذة وكان يحلو لها أن ترانى أنظر الى القمر ، وكان يحلو لها أن تقبل على عندما ترانى مهمومة حزينة شاخصة فتسألنى وتعلم أنها عندما تسألنى لا تلقى جوابا . تقول لى : حرام علينا أن نمد ابصارنا خارج النوافذ والابواب وحرام علينا أن نراقب حركات الأقمار فاحذرى يا بنت أن تمدى بصرك كثيرا لأن القمر قد يختفى فى بعض ليالى الصيف والشتاء .

يدخل أبى على أمى معربدا وهي هاجعة ولكنها تسكت ثم ينام طويلا قبل أن يؤذن للعشاء ويوصيها : ابنتك يا امرأة تمد بصرها كثيرا فراقبيها . أولادنا لا يحبون أن تمد بصرها كثيرا . وينام متعبا لأنه يخشى أن أمد بصرى كثيرا .

ويعود من عمله متعبا وينهال على ضربنا لأن أولادنا قالوا له : بنتك تمد بصرها كثيرا وتبكى أمى : ((لعنة الله على أبنائنا فلم لا يقدمون ولا يتأخرون )).

وتعود الى هادئة متضرعة : (( حرام علينا أن نمد أبصارنا خارج النوافذ يا ابنتى ، حرام حرام )) . وأضحك لأننى أعلم أننى سأمد بصرى خارج النافذة عندما يقبل القمر وسأنظر اليه طويلا

يقول لها : حيكم ألسنة ملتوية ويقبلها على وجنتيها وينظران الى القمر - أخشى عليك من أبناء الجيران لأنك غريب على نوافذنا وأبوابنا . . لكنه ينظر فى عينيها طويلا ويمضى وعندما تغلق النافذة تبكى لأنها تعلم أنه سيشق شوارع الحى وسينظرون اليه جميعا وسيصفرون - سارق ليلى يجيء خلسة يسلبنا قمرنا وغريب متطفل على نوافذنا وأبوابنا .

ويمضى مسرعا لأنه يخشى عليها من نفسه ومن الحى ومن أبناء الجيران جميعا ، سيقال غدا . . فتحت له النافذة عندما انتصف الليل وبرز القمر و سيلعنون نافذتها والقمر الذى عشقت . وسيقال غدا : ملعونه هذه البنت تجاوزتنا وتجاوزت حينا وأولادنا ومدت بصرها طويلا . وستقول أمها ايضا : لقد أحبت ابنتى القمر بالرغم من أننى أوصيتها ألا تمد بصرها طويلا . قالت لها أمها : أبعاء الحبران يريدونك ، يريدونك كلهم وأنت تصرين ، وقالت حسناوات الحى : ياحظها تعشق كالقمر ولا ترضى . وقال أبوها : عذبتنى هذه البنت وادهشنى امرها ويدخل غرفتها معربدا : يا ملعونة اتركى البيت ، اتركى البيت ، انت لست منا . . وتقبل عليها أمها من جديد : زائرك الليلى مصر عنيد ، اتعب البيت والحى جميعا ، أتعبنا وأتعب البيت والحى جميعا . وتضحك البنت لأنها تعلم أنها لن تغادر البيت والحى لأنها ستفتح النافذة عندما ينتصف الليل وستمد بصرها طويلا وسيراقبها أولاد الجيران فوق السطوح وتحت الحيطان وستنبح كلاب الحى وتموء قططه وستقول : كلاب الحى وقططه وأولاده وحيطانه شئ معتاد أنا أريد أن أحطم الشئ المعتاد

ويصفر أولاد الحى وتموء قططه وتنبح كلابه ، كان الزائر الليلى يشق شوارع الحى وكان مصمما على أن يشق شوارع الحى هذه الليلة ايضا ، لانه يعلم أن أولاد الجيران فى انتظاره ويعلم أيضا أنها ستفتح النافذة وتمد بصرهم طويلا فى الشارع الطويل لعله يخرج اليها كعادته عندما ينتصف الليل

انتصف الليل وبرز القمر وصفر أولاد الجيران ، قالت : إنه مقبل إلى ولا ينسى جنونياته لكن سرعان ما يعود الى ذاكرتها ما قالت أمها ذات مساء : - زائرك الليلى يا ابنتى عرضة للأخطار وأولاد الجيران غاضبون وهم

منتظرونه كل ليلة . . كل ليلة منتظرونه لأنه يكتسح شوارع الحي ويتحدى نوافذه وأبوابه .

وتشعر أن القمر بدأ نوره يخفت شيئا فشيئا . هل ستغلق النافذة عندما يغيب القمر تحت قطع السحاب المتناثرة هنا وهناك وعندما تتلوث سماء تشرين ؟

تحركت اليها أمها وبكت : - اتركى يا ابنتى هذه النافذة ، سماء تشرين بدأت تنذر ، اتركيها يا ابنتى وانتظرى القمر حتى يعود من جديد

دخن أبوها طويلا ثم مد يده الى شعرها المذهب : - اللعنة على أبناء الجيران والجيران والحى جميعا . زائرك الليلى كان رجلا وكنت لا أعرف ، اللعنة عليهم جميعا

لم تبك ، بل ظلت شاخصة ، تمد بصرها طويلا ، طويلا . مات القمر لأن نشرين على الابواب وسماء تشرين بكاءة حزينة وظلت انتظارا .

قال الأطفال الصغار : كان حينا ألسنة ملتوية وقلوبا صدئة وعقولا لم تغسل ، لكننا سنمد أبصارنا طويلا طويلا حتى تستقيم ألسنتنا وتبيض قلوبنا وتغسل عقولنا .

وكانت الليلة حبلى من أواخر ليالى تشرين عندما كان الاطفال الصغار يطلون من خلال النوافذ المطلة على الشارع فى انتظار المرأة ذات الشعر المذهب المعلقة من أهدابها الى القمر .

وينتظرون طويلا لكن الآباء يغلقون النوافذ فييأس الأطفال الصغار لكنهم يعلمون أنها ستنبت ليمونة مورقة ترويها الدماء العالقة على أبواب الجيران

اشترك في نشرتنا البريدية