الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 3الرجوع إلى "المنهل"

شذرات، الذهب

Share

- ٩٦٢ - أمارة الشعر كانت من عهد أبي تمام والبحترى

حكي أن البحترى دخل على بعض الولاة ، ومدحه بقصيدة قرأها عليه ، قال : فلما اتممتها ، قال رجل من الحاضرين : يا هذا اما تستحى تأتى بشعري وتنشده بحضورى ؟ قلت : تعنى أن هذه القصيدة لك ؟ قال : خذها ، وجعل يعيدها الى آخرها . قال : فبقيت لا أرى بعيني شيئا واسود وجهي فقمت حتى أخرج ، فلما شاهد منى تلك الحالة ، قام وعانقني ، وقال : الشعر لك وانت " امير الشعراء " بعدى ، فسألت عنه ؟ قالوا : هو ابو تمام الطائي " . اهـ ) القزويني (

قلت : وبهذا تكون أولية النعت بامير الشعراء في عصر ابي تمام ، ولا أريد بذلك تاييدا ولا تفنيدا ، بل اطرافا ، والحافا فقط .

اما الامارة في الشعر او في النثر فانها محض تكريم يتواضع عليه المعاصرون بالاكثرية ، وما يعطى ذلك الحق لذي دعوي فيه .

- ٦٩٣ - الشيبيون سنة ١٠٩٨ ه

في تاريخ العصامي ، فى آخر صفحة في مجلده الرابع . قال : انه فى يوم السبت الثاني من ذي القعدة سنة ١٠٩٨ وصل " القفطان والمراسيم السلطانية صحبة سليمان آغا سلخور فدخل بالألاي العظيم الخ ثم انه البس مولانا الشيخ عبد الواحد الشيبي وابنه الشيخ الأجل عبد المعطى ، القفاطين . على القانون والعادة . اهـ

قلت : اوردت هذا النص ليضم الى ما سبق نشره عن سدنة بيت الله الحرام حتى اذا تمت حلقاته واتصل اللاحق بالسابق فى مظانه الصحيحة ومراجعه الوثيقة ، امكن جمعه فى كتاب خاص بهم كما يجب ان يكون ان شاء الله .

- ٩٦٤ - تطور الخط العربي كان من الحجاز

قرأت للدكتور شوقي ضيف في كتابه : - تاريخ الأدب العربي : العصر الجاهلي طبعة دار المعارف ١٩٦٠ م قوله : " والحق ان الخط العربي انما حدث له هذا النمو والتطور في الحجاز نفسها ، فقد كانت بها حياة تجارية مزدهرة . . جعلتهم ياخذون الخط المعبني أولا ، ويتطورون به إلى خطوطهم اللحيانية ، والثمودية ، والصفوية ، ثم لما ظهرت مملكة النبط واستخدمت الخط

الاراهي وتطورت به وتفرق أهلها بعد سقوطها فى داخل الجزيرة وعلى طول طريق القوافل التجارية نشروا قلمهم النبطي ، فهجر عرب الحجاز القلم المعيني ، واخذوا يحاولون النفوذ من الخط النبطي الى خطهم العربي الجديد متطورين به ضروبا من التطور حتى اخذ شكله النهائى اهـ .

قلت : ولا يقول الدكتور شوقي هذا . . وهو من عرف بالدقة والاحاطة والاتزان دون ان يرجع فيه الى المصادر الموثوق بها والبراهين الصحيحة . . وبهذه المناسبة اتذكر اننى كنت ازور " مكتبة الحرم " بمكة المكرمة عام ١٣٤٥ ه أي قبل ٤٤ سنة ، بمكانها بباب الدريبة آنذاك واطلعت على مخطوط مهدى اليها من امير مكة الشريف عبد المطلب بن غالب وكان عتيقا وعريقا ، واحسبه فى التفسير أو الحديث ، ولا اتذكر الآن مؤلفه وقد تجاوز عمره الألف سنة تقريبا - ولعله لا يزال موجودا بها - وكنت اقرا فيه فى صفحته الاول اهداء وزراء الدولة العباسية ابن هبيرة " وداخلني الريب فى صحة نسبته الى القرن الثالث او اوائل الرابع ، من حيث اننى كنت أجزم بأن الخط الذي اراء فيه - واقرؤه بسهولة ويسر ، لا بد ان يكون فى اواخر القرن الرابع او ما بعده بسبب ان المعروف المستفيض . . هو ان الوزير " أبن مقلة " الخطاط الذي يضرب بحسن خطه المثل ، كان أول من وضع اساس هذا الخط العربي الذي نتداولة ونقرأه فكيف تيسر لى قراءة  خط هذا الكتاب وهو مخطوط قبل زمن ابن مقلة .

- وفي الحال استخرجت تاريخ ابن خلكان لا تثبت فاذا به ينص على أن ابن مقلة لم يكن مخترعا للخط العربى ، وانما ادخل عليه بعض التحسين والتنميق والتنسيق .

فكان في حلته القشيبة المعهودة الآن ، وازددت تعمقا في معرفة " المهدى لهذا المخطوط " وهو الوزير ابن هبيرة ، فاذا به كان م الاحياء في التاريخ الذي تلا كتابته ومعاصرا لتاليفه ، فاتضح لي ما اطمان به الخاطروزال الشك ، ويؤسفني اننى مررت بذلك دون ان احتفظ باسم الكتاب أو بالتواريخ .

وانما ذكرت ذلك عرضا أو استطرادا : بمناسبة الحديث عن تطور الخط العربي ، وثبوت انه كان في الحجاز ، واعتقد ان " ابا نبيه " قد ظفر في تعقيباته الاثرية بما هو معهود فيه من اهتمام وحدب على ذلك فلعله يفضل على قراء " المنهل " بما لديه في هذا الموضوع لتعم به الفائدة والعائدة فانه لصاحب الايادى البيضاء والمأثر الخالدة في مجالات العلم والأدب والتاريخ والصحافة الهادفة . ) ١ (

- ٩٦٥ - نقطنا بسكاتك

قال يزيد بن ابان - وهو احد الزهاد الخطباء من أهل البصرة :

شهدت " الرقاشي " في مجلس

وكان الى بغيضا - مقيتا

فقال : اقترح كل ما تشتهي فقلت : اقترحت عليك السكوتا !

قلت : والشاهد في البيتين قوله : ) اقترحت عليك السكوتا ( فما تزال جماهيرنا ومجتمعاتنا ، وبيوتنا وعجائزنا تردد جهلة : ) بالله نقطنا بسكوتك ( . . ويوجه ذلك الى المرأة ولى الرجل والى الصغير والى الكبير اذا استثقل السامع حديثه. او

انكر فيه ) فرية ( او تزيدا . . أما كلمة ) نقطنا ( فانها لبدرجة من البلاغة . . لا تجحد ! فالنقط . . في الاصل هو ما يوضع او ينثر بين يدى العروس ، للتهنئة ، والغبطة والفرحة . . فكانما سكوت من يهذى او يلغو بمثابة ) الهدية ( او الحذية . . أو الرفد : ! وما بعد ذلك من غاية في الردع والزجر .

- ٩٦٦ - المكيف القديم

قال احد الشعراء في القرن الرابع الهجرى :

داري بلا خيش ، ولكنني

عقدت من خيشى طاقين

دار متى ما اشتد بي حرها

انشدت ) للصولي بيتين

وقال ابن سكرة محمد بن عبد الله الهاشمي :

يا سائلي عن ليلة لى مضت

وطيبها عند ابي الجيش

وكيف غنت (خمرة)؟ لا تسل !

غنت فاغنتنا عن الخيش :

اي غناء ثقيلا باردا !

قلت : قول الاول : بلا خيش . . يعني بذلك ما كان القدامى يتخذونه من المراوح السقفية التى ترش بالماء . . في حمارة القيظ . . ولا سيما في العراق ! وقد ادركناها بمكة وجدة من القماش . واكثر من كان يستعملها تجار اهل الهند قبل التقسيم ، وتحرك بالايدى . . وقد توضع على النوافذ من غير الخيش او القماش

بل من أعواد تسمى ) الخص ( . ويسكب عليها الماء ! . فينفذ منها الهواء

باردا . وكان هذا قبل التطور الحديث فى وعائل التبريد والتكييف :

والغرض من ايراد البيتين انما هو هذه المبالغة فى برود شعر الصولى . . بحيث انها تغنى عن الخيش وما قام مقامه . . وهذا غاية في الازراء به . . ولكنه . . اذا أدى سواء فى الشعر أم الغناء هذه المهمة فقد يكون كل منهما نافعا فى الصيف فى كل حال . وما أظرف الادباء ! ولو تحاملوا بمثل هذا التبكيت الذي حفلت به آثارهم . . ما لم يجوروا . . أو يحوروا فانهم لملومون . . وبما اكتسبوا مجزيون .

- ٩٦٧ - طعام الوكيرة

قال الجاحظ في " البخلاء : " ومن طعامهم ) الوكيرة ( وهو طعام البناء . كان الرجل يطعم من ) يبني له ( : واذا فرغ من بنائه تبرك باطعام اصحابه ودعائهم قال قائلهم :

خير طعام شهد العشيره

العرس ، والاعذار ، والوكيره

الاعذار ( هو طعام الختان . . اهـ

قلت : واشهد أن أهل بلادنا كانوا يحرصون على هذه ) الوكيرة ( . . اولا لمن بني لهم من المعلمين . . والنجارين . . والحدادين . . وكل من اشترك معهم في اقامة البناء . ثم لمن هم من أصحابهم وأصدقائهم . . ايضا . . إذا سكنوا . . أو أتموا عمارتهم . وانكر فى هذه الايام قطع هذه العادة . وذلك رغم انتشار العمران وتبحره ، واتساعه ! فلماذا انصرف الناس عنها ؟ وأحسب ان الجواب باختصار هو أن تكاليف الوليمة التى كان يكفى فيها خمسة

من الريالات . أو عشرة . . اصبحت تتجاوز المئات الى الالف ! فقد بلغ ثمن الخروف الواحد ١٥٠ ريالا . . وما اشد اندهاشى عندما أقابل ذلك بما كان قبل ٥٥ سنة ، اذ كان ثمن الخروف بين الريال والريال والنصف فقط فقد اشتريت الآقة من اللحم ) الضاني ( الهبر او الجذع . . بقرش وربع أى خمس هللات ، وما تزال مدافع قلعة ) أجياد ( تقذف بحممها ، بين الغزة : والسوق الصغير

- ٩٦٨ - الملح المبزر

قال أبو بحر : وهو يحكى عمن يجب التحرز منهم من اصناف الآكلين : ) والمغربل . . الذي يأخذ ) وعاء الملح ( فيديره ادارة الغربال ليجمع ابازيره ! يستأثر به دون اصحابه ، لا يبالي أن يدع ملحهم بلا ابزار . . ( اهـ

قلت : ما اعجب ان يستمر هذا التبزير للملح . . من عهد الجاحظ ، وما قبله حتى يومنا هذا . . - وان ندر - فقد ادركنا ربات البيوت يتخذنه في اوعيته خاصة . . يسمين احدها " حق الدقة " ! ويكتفين به مع الخبز . . في اكثر الوجبات ويتكون الابزار هذا من أنواع شتى فتارة ) بالزعتر ( . . واخرى ) بالحبق ( . . او بالسمسم والملح الاسود . . والكزيرة الناشفة . . ولا يصح ان تخلو الدار منه بحال . .

أما اليوم . . فقد ابدل بالملح . . المعبة فى اكياس " النايلون " . . خاويا خاليا من كل ما عداه . . اللهم الا بعض بقايا عن اكل الدهر عليهم وشرب من اهل اوائل هذا القرن . . ولم يخل بعضهم عن (الغربلة) التي

نهى عنها ) الجاحظ ( قبل ١٢٠٠ سنة تقريبا

٩٦٩_ مروان بن أبي حفصة وشعره

قال صاحب الاغاني : عن حماد الأرقط : حكى مروان بن ابي حفصة عن نفسه وكان على عهد الامين بن الرشيد العباسي ، قال : " اني إذا أردت ان اقول القصيدة رفعتها فى حول اقولها فى اربعه اشهر وانتخلها فى اربعة اشهر وأعرضها فى أربعة اشهر . . ا ه .

- قلت : فهذا ثانى اثنين أولهما زهير بن ابي سلمي ، كما هو معروف عنه حتى قيل انه صاحب الحوليات . . لاناتة فيها وتدقيقه ، وتحقيقه لكل كلمة وشطر وبيت فيها

وارى ان المواهب اليوم قد اسعفت كثيرا من الشعراء ، بالانتاج ، ولو قبل الانضاج . مع ذلك ما خلا بعضه من الديباج أو الفستق المقشر ، ويرحم الله القائل

لا تعرضن على الرواة قصيدة ،

ما لم تكن بالغت في تهذيبها

واذا عرضت الشعر غير مهذب ،

عدوه منك وساوسا تهذي بها

وهناك عوامل كثيرة تدفع الى التعجل في زماننا هذا . بتأثير الاحداث التى تتغرى بها الأوداج ولا يعتري الشاعر فيها الارتاج . . وشتان بين القى : والمجاج ،

-٩٧٠ - لا تطمعوا

قرأت هذه الابيات في كتاب ، معجم

الشعراء " للمرزياني ) ٢٩٧-٣٧٨ ه ( وهي للفضل بن العباس وهي :

مهلا بني عمنا - مهلا موالينا

لا تنبشوا - بيننا - ما كان مدفونا

) لاتطمعوا ان تهينونا - ونكرمكم

وان نكف الأذى عنكم - وتؤذونا

الله يعلم انا - لا نحبكم

ولا نلومكم - ان لا تحبونا !

قلت : واستوقفني ما فيها من حكمة بالغة ، لا محل للمكابرة فيها . فهى من " الجبلة ( التى فطرت عليها النفوس وهي حب من احسن اليها . . وبغض من اساء اليها . -

وبهذه المناسبة اقرر ما استخلصته من تجاربي الطويلة فى هذه الحياة . وهو ان الحب لا ينال كرها ، وانما ينال باسبابه الظاهرة والباطنة طوعا ، بمراعاة ادق البواعث الحافزة اليه . . دون تكوين أو تختير ! وهو من خواص القلوب وملهماتها التى لا تقبل المداهنة أو المخادعة ! وهي به أبصر ، وعليه أحرص . . ولن تجد من تحبه صادقا الا شاعرا في أعماقه بهذا الحب . . خاليا من المغريات المادية كلها ! اذا تحاشى الاحسان فانه ينميه ويقويه

-٩٧١ - برنامج - " على الحلوة والمرة ! " وكلنا فيها سوا "

لقد وجدتني خلال اكثر من اسبوعين - مشدودا الى جهاز ) الراد ( - ان عرف بهذا الاسم - أو ) الرادبو ( . . كما يسميه

المتسامحون ! . وذلك اننى - استمعت الى برنامج الاستاذ الكبير ) احمد قنديل ( - بعنوانى " المرة - والحلوة " فاذا به يتناول أدق ما يدور خلف جدران البيوت . . من محاورات يومية . . تكاد تكون غالبة . . أو سائدة . . فى اكثرها . . ويأخذ فى حل المشاكل وضرب الامثال . . ودفع الاضرار بما يتم عن معطيات ضخمة فى الادب والحكمة والتجرد . . وفي اسلوب فكاهى . . لا اسفاف فيه ولا ترتيب . . وانما هو ذو هدف بعيد يتوخي فيه تقويم المعوج واصلاح الفاسد . . ومعالجة الامراض الاجتماعية . . المترسبة . . أو الدخيلة بحيث يستفيد منه يصغى اليه بارتياح وانشراح الرجال والنساء على السواء . . ويعو دبالفائدة على كل مستمع . . فأكبرت ذلك الرجل المحنك المتمكن من " البيان " منظومه ومنثوره وجده وهزله . . واني لأكبر فيه هذه الموهبة النادرة . . واسأل الله تعالى ان يبارك في عمره . . ويزيد من فضله . . فانه ولا شك ) ثروة ( عظيمة لا يملكها سواه . . ومن امثالنا الخالدة ) خاطب الناس على قدر عقولهم ( . . وما مثله من عرف " من أين تؤكل الكتف " ؟ !

ولا يسعني ان اختم هذه الشذرة في هذا العدد . . قبل أن أزجى الاعجاب والتقدير لاولئك الذين يقومون - بعرض هذا البرنامج المرنائى المؤثر والممتزج بالعسل - والرحيق ، كانما عني الشاعر صاحبه بقوله :

حلو الفكاهة ( مر الجد - قد مزجت

بشدة البأس فيه رقة الغزل

واعتقد ان اكثر السامعين له . . والمعجبين به يشاركونني هذا الشعور والاحساس بالنسبة لتأثير هذا البرنامج الشعبي الطريف المستمد من صميم البيئة . . والمشحون بالشواهد الشعرية . . والامثال العربية . . والموسيقى الشجية ! والذى يستقطب جميع التصرفات المنزلية . . والأهلية والفوائد والتقاليد . . المسخوطة أو المرضية ! والمحمودة او المنقودة ! ومن الحق أن نشيد ونشكر المشاركين فيه : المخرج الاستاذ صالح جلال : والأم الرؤم " ظريفه . والولدين النجيبين " حسان - واسامة " وكذلك " الوليد سالم بن سليم - ويحيى " . . فكلهم مجيد في أداء دوره فيه ، وان العجب ليأخذني من هذا النبوغ الموروث . . فانه ان يكن ما يمثلونه محفوظا - دون لعثمة . . ولا تمتمة ! فانه الموهبة خارقة . . وان يكن ارتجالا . . فانه الآية بينة على أن هناك مواهب نادرة . . لا تلكؤ فيها ولا تكاكؤ واخشى ما اخشاه أن يجعل استاذنا القنديل فى هذه الشذرة - محل تندر في برنامجه فيتولى على الاقل بحث ما تعنيه هاتان الكلمتان " وهما التلكؤ . . والتكاكؤ " . . قياسا على ما أذاعة يوم السبت ١٠-٢-١٣٨٩ عن المستشرق الذي علل تسمية مرض " الانفلونزا - بانه رأي فى بلاد العرب ) عنزة - مزكومة ( فقيل له هذا انف العنزة وبلكنته دونها فى مذكرته ) انفلونزا ( . . تماما كما حرف كثير من الاسماء العربية فى الفردوس المفقود وفي ) الطرف الاغر ( !

اشترك في نشرتنا البريدية