الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 1الرجوع إلى "المنهل"

شذرات ، الذهب

Share

- ٦٣٤ - الأمن والماء في الحج قبل ألف سنة

حمدا لله تعالى وتبكرا يقابلان نعمه ويكافئان مزيدها ، وهيهات الابماء شاء قد روي المؤرخون القدامى ان قطاع الطريق الى الأماكن المقدسة من الاعراب كانوا يسبقون الحجاج الى مواضع الماء فينزحونها ويغورونها ويطرحون الحنظل في الأبار ، ويترصدون الحجاج ويمنعونهم من الاجتياز ويطالبونهم بمال كثير ...

وكان الماء شحيحا او مفقودا لدرجة ان  احد الخارج بالي في كفة وشرب بوله .

وبلغ ثمن القربة عن الماذ مائة درهم وربما تجاوز إلى الدنانير

واليوم ، يظل الامن الوارف هذه المساحات الشاسعة من مناطق المملكة الفسيحة المترامية

اجدادهم ولا من سبقهم من الإجبال ب الف عام واكثر

انها لنعم كبرى نساله تعالى ان يوزعنا الشكر عليها وان يديمها لعباده المؤمنين ، وسكان حرمه الامين ، والله لا بضيع أجر المحسنين .

- ٩٣٥ - مفهوم  " الرباط "  قد يما وحديثا

قرات في كتاب الحضارة الإسلامية في الفرق الرابع الهجري النبا التالى : وقد عزاه المؤلف إلى "الاضظحرى" "سموكان" فى مدينة "بيكيد" بين نهارى  ونهر جيجون ما يقرب من ألف رباط للغزاة  والمجاهدين

واتبع ذلك بجملة اخري عزا اهالى المقدسى  وهى " . . . . ويقال انه كان بمدينة " اسبيجان " وهى لغز جميل ودار جهاد الف وسبعمائة  رباط يجد فيها اصحاب الحاجه طعاما لهم  وعلفا لدوابهم . . . "

قلت : كان هذا مفهوم "الرباط" في القرن الرابع الهجري قبل الف سنة خلت ولها من لفظها ومعناما ما يؤدى مفهوم المرابطه ماخوذا من النص القرآنى : "ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون" -

- من ذلك -بعد عشرة "الرباط " للفقراء والمساكين علم والدارسين ، والارامل ذلك من وجوه البر والاحسان في معنى " الرباط " قديما أن بلغ الاسلام والمسلمون العزة والانتصار والغلبة ، تحولت تلك الاربطة التى كانت " ثكنات لجنود التى استبقائها لمجرد البر والخير والرغبة فى الثواب يوم الجزاء " وانما الاعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى "

وأعتقد أن عاصمة بلاد المغرب الكبرى " الرباط " لم يطلق عليها هذا الاسم الكريم الا للمفهوم الاول . . وما كانت الا معسكرا عظيما للاسلام على شواطئ البحر الابيض المتوسط والمحيط الاطلسي

زادها الله قوة ومنعة وظهورا وحبورا .

- ٩٣٦ - أول مصارعة في الاسلام

قرات في لأحمد بن  ٢٧ه ببغداد البخارى

" لقي  وسلم  (ركانة    بن عبد المطلب  ولم  يصرعه احد فقال: والله لا أسلم حتى تدعو هذه الشجرة ! وكانت سمرة او طلحة . . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقبلي باذن الله ، فاقبلت تخد الأرض خدا . . فقال ركانة : ما رايت كاليوم سحرا اعظم : فمرها

فلترجع ، فقال : ارجعي باذن الله ، فرجعت ! فقال له : ويحك اسلم ، فقال : ان صرعتنى اسلمت . . والا فغنمي لك . . وان صرعتك كففت عن هذا الامر ! وكان ركانة اشد الناس ما صرعة احد قط ، فاخذه النبي صلى الله عليه وسلم فصرعه ثلاثا . . فقال : يا ابن العم ، العود ! فصرعه ايضا ( ثلاثا ). فقال : أسلم . فقال : لا . قال : فاني آخذ غنمك . قال : فما تقول لقريش ؟ قال : أقول صارعته ، فصرعته ، فاخذت غنمه . قال : فضحتني واخزيتني ! قال : فما اقول لهم ؟ قال : قل لهم ( قمرته ) . . قال : اذن اكذب ؟ ! قال : أو لست في كذب من حين تصبح الى حين تمسى ؟ قال : خذ غنمك . قال : " فأنت والله خير مني وأكرم . . قال النبي صلى الله عليه وسلم : وأحق بذلك منك . . ا ه

قلت : وبهذا نجد أن ( المصارعة ) كانت معروفة منذ صدر الاسلام - وما قبله - في بلاد العرب . . وان من شبابها من كانوا معروفين بها ولا ينازعون في التفوق بها في زمانهم . . او على الأقل بين اقرانهم ، من أهل وطنهم وجيرانهم . ويدعوني الاستطراد هنا إلى أن ما يعرض على الشاشة البيضاء في ( المرناء ) من هذه المصارعات العنييفة التى تدبر الرؤوس . . واللكمات والضربات المتلاحقات حتى في الخدود والوجوه والجنوب ، والدعس والفطس ، مما يثير ذوى الاعصاب المرهفة . . والمرهقة . . ويتنافى مع ما تدعو اليه الايمان من الحب والتأخي . ودفع الأذى . . لا الحاقة بكائن من المخلوقات . . ما قل منه أو كثر . . ودق او جل . . الا أن يكون في ساحات الوغي وحومات القتال . فما بال هذه الحضارة .

المفتونة الفاتنة تبيح أمثال هذه (المناطقحات ) الفظيعة ؟ . وتصفقق لها ؟ . وتجيز عليها ؟ . فان في الالعاب الرياضية الأخرى كالسباحة والرمي والركض وركوب الخيل . . ما يغنى عنها لتمرين وتهيئة الشباب للكفاح في واللكز والوكز والادماء والتدويع ورب الكعبة لمزعج ومؤلم في كل ذى نفس ونفس . . حتى ولو كان في تهارش الكلاب ! وتناوش السباع ، وتعارك الحيوان ! وكثيرا ما رأينا لذلك صداه في الأطفال . . والغلمان . . الذين يحاولون التقليد . . ولا يتورعون عن تطبيق ما يرونه . . أثناء فراغهم . . وفيما بينهم وبين ذوى قرباهم من الاخوة . . أو الجيرة . . أو اثبات البطولة الخارقة . . عن طريق التحرش . . واللطم . . والحطم . . ويعقب ذلك ما لا تحمد عقباه !

وما احسب المصارعة العربية ابان نشوئها الا اخذا باليد . . وتصعيدا وتصويبا . . وطرحا . . وجمعا ! - وقد انحدرت الينا بها القرون الطوال . . وعالجناها : . وشاهدناها . . في الامسيات بكل برحبة أو قرارة . . وكان اسمها المشهور . . هو ( المعاتلة ) ! وهي تعنى ( المعادلة ) في القوة البدنية . . ولكنها خالية من البطش واللطش ، كما أن لها اختا - أو بنت عم - وهي ( المقاشعة ) ! والتمرن على الاشتباك - في معارك صورية - بالعصى المزقرة - أى ذات الزقر - و ( المحناة ) . . والمشبعة بالدسم . . والمعدة ليوم ( الهوشة) قبل أن تقيم حدود الله ما كان معوجا من محاولات التعدى . . أو التصدى بالأذى والقذي ؛ وكانت لا تخلو منها مدينة أو قرية ( تماما ) كالتمريئات العسكرية . . في حدود

بدائية ضيقة . . توارت بها الليالي والايام !

ولا أجهل ان من اهداف هذه المشاهد العصرية ، محاربة الخمول والكسل ، واعداد الجيل الصاعد ، للحركة والدأب والكدح والعمل . . واحتمال المشاق والاقدام على المكاره . . والتغلب على الصعاب . . كل ذلك طيب وجميل ، وهو تهذيب وتثقيف وتوجيه نبيل ، لو عقله محدودو الادراك . . من الأطفال أو اليفعة أو الصبيان ، ومن هو في حكمهم من ( الملس المتون ) ! وقلما سلم هذا السن من آثار " شعبة الجنون " ! ومن السهل تدريبهم على الجلد والمصابرة . . وبدون مضاربة . . في فترات الفراغ من الدراسة . . كل وما يؤهله اليه سنه واستعداده . . ولياقته . . على أن يعد قوته ، لتكون مدخرة ، عند الدفاع أو الهجوم . . وبطرق فنية سليمة بارعة !

وما اريد ان يفهم القارئ من حديثي هذا ، الازراء بالتنمية البدنية . . فما من وقت نحن احوج فيه الى ( القوة ) تدافع عن الحق ، مثل عصرنا هذا - الذي غلبت عليه ( المادة ) . . فلا يعترف بالأخلاق ! الا بقدر ما يحوطها من البيض الرقاق ؟ ! أو الجرد العتاق ، أو الذرة والهيدروجين

و " من أطاق التماس شئ غلابا واغتصابا لم يلتمسه سؤالا ،

وما نيل المطالب - بالتمنى

ولكن تؤخذ الدنيا غلايا

واكاد أجزم بأن لهذه المشاهد رد فعل عكسي . . بتاثيرها العميق . . بشدة انكارها على مصطنعيها . . وفي بيئاتهم العامة والخاصة . . ولو كانت انما تقيام

باسم الترفيه . . والتكسب . . والشهرة . . مع دفع التمن غاليا . . والويل لآم المغلوب : ومع ذلك . . فقد لا اخلو من النقد المرير إذا صرف النظر عن المحاذير . . وأرانى أردد قول الشاعر من اعماق القلب والضمير :

يا ليتنى فيها جذع                  أخب فيها واضع

وحسم ان اتلو قوله تعالى : " وما أتاكم الرسول فخذوه - وما نهاكم عنه فانتهوا " . والله ولي التوفيق .

- ٩٣٧ - الناموس غير البعوض

جميعنا نقول ( الناموس ) عن هذا (البعوض ) المؤذي ، المحتال ، ( ابن الحرام ) الذي لا يدعني أقرأ ، ولا اكتب ، ولا أفكر ، الا صرفني قهرا ، عما أنا فيه . . وألح في القرص والمص ، حتى أفر منه الى ما يسمي ( خطأ ) نسبة اليه ( بالناموسية ) . . وما الناموس بالبعوض - ولا هو من سلالته ولا اصوله . . ولا فروعه . . فانما هو لغة " صاحب السر ، المطلع على باطن أمرك . والحاذق ، والكذاب ، والنمام ، والصائد والشرك ، والمكر ، والخداع ، و دويبة غبراء كهيئة الذرة" أى النملة ! ومن معانيه : انه " عرين الأسد " . . فكيف يكون اسما لهذا الطنان الرنان ؟ ! وان لى معه في داخل الكلة " لمعارك ، جوية وأرضية . . وآمنت انه اوتى من الفطنة والحذر . . ووسائل الدفاع والكر والفر والاختباء ، والاعتداء ، والانقضاض والارفضاض ، ما يعجز عنه " ابن آدم " !

ولهعذرني القارئ الكريم اذا شفيت غيظي

منه بهذه النفثة . . فانه . . يرتع ويمرح . . ويعوم ويسبح . . ما دامت الموارى مختنقة ؟ ! والدبول معتنقة ! وقد تمرن على كل أسباب المقاومة . . وأصبحت له ( مناعة ) منها فلا تقضى عليه . . وان أدارت رأسه بعض حين ! ثم ينتفض ليثأر . . ويتوقى ويحذر . . وانه لاحدى آيات الله جل وعلا على ضعف الانسان حتى مع هذه الحشرة الضئيلة . . الرذيلة

وأخيرا ، فانه ليس بالناموس . . ولا يقبل أمناء السر أن يشتركوا معه في هذه التسمية . . وهو ( عرين الأسود ) . . ولا ترضى الاسود بأن تقرن الى هذا الحقير الحقود ! ( ولو طار ) !

فهل نستطيع ان نغير " الناموس " بالبعوض ؟ وان نسمي الناموسية " البعوضية " ؟ !

والجواب : الاستحالة . . الا اذا سميت " الدبيازة " بالمهلبية !

- ٩٣٨ - خمسون لحافا ودواجا

كان ابو عبيد الله محمد بن عمران المرزياني المولود سنة ٢٧٦ ه والمتوفي سنة ٣٨٤ ه وقد عمر اكثر من ثمانين عاما . . وهو صاحب كتاب " معجم الشعراء"  قالوا : " انه كان في داره خمسون لحافا - ودواجا معدة لأهل العلم الذين يبيتون عنده ، وان اكثر أهل الادب الذين روى عنهم سمع منهم في داره " . ا ه

قلت : أما اللحاف فانه معروف لدينا . . ولكن ما هو "الدواج " لم اجد له تفسيرا ، وباقترانه باللحاف . فانه لا يعدو أن يكون

اما ( المخدة ) . . واما ( الطراحة ) . . واما ( البطانية ) للغطاء .

ثم أن تهيئته في داره هذا - لا بد أن يصحبه الطعام ولو في بعض ( الوجبات ) . . وهكذا كانت داره " ناديا " يقصده الغرباء - طبعا - من غير أهل بلده ! فليس من المعقول أن يدع أهله وزوجه مواطنوه في نفس البلد . . الا ان يكونوا أهل أدب لحقتهم حرفته ! كما يقولون - قديما - واذن فمن الخير أن يؤخذ هذا في حساب الذين يوفقون لنشر الأدب . . وبعثه وتطويره ! مع اضافاته الجديدة ، التى تغوى بالمدارسة

- ٩٣٩ - " البزورة يربوا " في الدرج أو في السطوح

العبارة من اقوال الآباء والامهات . . اذا اقلقهم الضجيج والركض والمعارك بين الأطفال في الدار . . أما البزورة . . فاصلها كما أظن " البذور " قبل أن تتفتح بها الاكمام أو تنضح الثمار . . وتحولت الذال الى الزاي . . (استعجاما ! وأما انهم يريدون فهي بمعنى يركضون ، ويزعجون ، ويدبدبون ، ويعبثون . . ما لها من اصل ولا تنتمى الى اللغة حيث ان  ربد ربودا بالمكان اقام  . . وما هذا هو القصد من هذه الكلمة في عرف ايامنا هذه و ربد الابل ربطها في المربد  والربدة - " الغيرة " . . والمتريد * الأسد . ا ه

قلت : ولا تكون ذات صلة مباشرة أو غير مباشرة بهذه المعانى كلها الا من ناحية واحدة . . وهي ان الدور قديما . . كانت

غير مبلطة . . ومماشيها ، وأسطحتها من التراب . . بل وكل الدرجان او الدرج المؤدى اليها . . فهناك اذا ركض الغلمان فيما بينها أو فوقها . . ثار الغبار منها على " العقلاء " . . أو " العاجزين عن الركض " فصاحوا وانكروا ! وبودهم لو كانوا هم الصغار . . مرحا . . وجريا ورمحا ! ولكنهم انما يمنعهم الضعف وتخلخل الركب ؟ ! " وكل شئ في وقته مليح " .

_٩٤٠_        أما سمج !

تعتبر هذه الكلمة الرائجة من فصيح العامة . . رغم استعمالها مرارا وتكرارا بين اليوم والليلة . . وفي أوساط أهل الألعاب خاصة ! واقصد بها " البلوت " أو " الاسكمبيل " ! أو " الباصرة " أو ما لا أعرفه - من جنسهما . . إذا حاول أحدهم أن يدس أو يختلس ، أو يجزع ، أو يتهاون ، أو يتبالد ، أو يطلع جاره على ما في يديه ! . . الخ . . فان السماجة . . في اللغة هي : " سمح سماجة . . قبح . . وهي إذا وصف بها اللبن كان دسما خبيثا " ! فاستعمالها - كما هى . . لا غبار عليه . . وتركها خير من الاسترسال فيها . . وقديما قال الشاعر الطريف الفتح بن خاقان :

بني الحب على  الجور فلو

انصف المعشوق فيه لسمج

ليس يستملح في وصف الهوى

عاشق يحسن نأليف الحجج !

والخيار للقارئ ، على كل حال ، في قبول ما وصى به وارتاح اليه " الفتح " وحده او مجابهة كل من يتسمج . . ولا يتحرج !

- ٩٤١ - القرطسة !

لا نعرف هذه الكلمة - في مجتمعنا الا أن يضع البائع حاجة المشترى في " الورق الجنوى " القديم . . واللوح منه يسمى " بالفرخ " ! ثم يغلقه بطى حروفه عليه . . ثم سمعناها في معنى آخر . . وهي في حالة ما إذا وقع جدال بين زيد وعمرو . فيقولون : قرطسه في محله ! أى : أسكته أو أخرسه أو أخزاه أو أعجزه . . ورجعت الى المدون في هذا لغة . . فاذا به : " القرطاس - الغرض . . وقرطس - أصاب القرطاس أى الغرض وهو ايضا الصحيفة التى يكتب فيها . . " ا ه

قلت : أما القرطسة في الورق . . فقد فقدت كلية . . بعد اكياس النيلون . والورق المهيأ للتعبئة فيه . . كبيرا كان أو صغيرا . . وبقيت القرطسة الكلامية او الجدلية ! فانها اذا اقتصرت على المعنى اللغوي فقط . . أى اصابة الغرض . . فلا بأس . . أما إذا تجاوزت الى التحدى . . والإحراج . . فانها من نزغات الشياطين . . ولا يصطنعها الا كل معتد أئيم .

- ٩٤٢ - لك " انه " في هذا ؟

يقولها أحدهم لمحدثه اذا غمض عليه شئ من كلامه ! أو هدفه أو عمله ، فما هى هذه ( الانة )؟! و (الانة)  هنا بكسر الهمزة وتشديد النون بعدها تاء مربوطة

فكرت في هذا ( برهة ) . . فاذا بي أنشد البيت المشهور :

ويقلن شيب قد علاك وقد كبرت فقلت : (انه )

وتهللت فرحا . . اذن هذه هي تلك ! مع اختلاف ما بين ( الانتين ) ، في المعنى . الا أنها تدل في الجملة على أصل لها . . لعله لا يخرج عن التحسر والتأسف على ما افتقده صاحب الشيب من نشاط وانبساط وكذلك هى الأخرى ، فانها ، كما هو المتداول لدى العامة ، انما يراد بها ، ان لك في هذا الامر غرضا خفيا ! تحجبه عن الناس وتحرص على أن لا يظهر ! فمن كان له بها علم أصح . . أو برهان أوضح . . فانى له لمن الشاكرين ان هو ازال به الالتباس ( ١ ). . و ( الناس بالناس - والكل بالله ) .

- ٩٤٣ - ما هى " البلتيكا " ؟

هى جملة عامية - كثيرا ما يقولها أحدهم للآخر . . وتعني في مصطلحاتنا : " الضجة ، والصجة " ! والتخلص من مأزق ما بأسلوب مقترين بالزيف والتضليل ، دون البرهان والدليل !

وما كنت أعلم أصلها ولا فصلها . . حتى عرفت أن فى بلاد " يوغسلافيا " صحيفة يومية تصدر بعنوان " بولتيكا " فأدركت نها دخيلة في بلادنا من الوافدين القدامى ليها من حجاج تلك المناطق ! وانها في حقيقة لامر ، كلمة تعنى " السياسية . . أو الدبلوماسية " . . وكلاهما يشبه في نعومته ، المهلبية والالماسية ! وان هى لم تخل من الألم الأسية !

- ٩٤٤ - الهون فيه العون

من الامثال العامة الدارجة : " الهون فيه العون " . . وهو يعنى التريث فى الامور . . وعدم التعجل . . والهون فصيح صحيح قال تعالى : " وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض ( هونا ) واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما " . . ويقابل ذلك أو يطابقه (الأناة ) . . وهي من الخصال المستحبة . . في المواقف الحرجة ! ويلحق بها مثل آخر ، هو " رب عجلة تهب ريثا " ! وقال الشاعر :

كان مشيتها في بيت جارتها

مشي الحمامة لا ريث ولا عجل

ويلحق بها أيضا مثل آخر ، هو : " في الثاني السلامة ، وفي العجلة الندامة " . . غير ان بعض الشعراء عارض ذلك بقوله :

وربما فات قوما جل امرهم

        من التاني وكان الحزم لو عجلوا

فان من الظروف والملابسات ما تكون فيه العجلة أصوب من التأني ! ولكل مقام مقال ، و " كل شئ يعطي حكمه " .

- ٩٤٥ - ما هو أصل السوطرة ؟

ان كلمة " السوطرة " شائعة التداول في جميع الأوساط المحلية . . ويقصد بها . . الهزء والسخرية ! تارة . . وأخرى ، الهزل أو المضاحكة ! . . ولها مرادف عامي آخر هو ( التريقة ) ولعلها من ( الترويق ) ! . . أو ( فكوك الريق ) !

وتفكرت مليا في أصلها . . وقدرت انها وافدة دخيلة . . من لغة أخرى ! ثم بدا لى أنها ذات جذر عربي عريق . . وانها قد مسها التحريف . . في تركيبها والنطق بها ليس غير !

فهي كما أرى - والله أعلم - مشتقة من ( الأسطورة ) . . والأساطير . . بما غلب عليها من حكايات مختلفة . . أو فكاهات مصطنعة . . أو معابثات أو أضاحيك تندرج تحت ( الألهيات ) المزورة . . وكل ذلك يعتبر من باب الأساطير . . والى هنا أرجو أن يتناول فضيلة الاستاذ الجليل - صاحب المنهل الأغر - تحبيذ أو تفنيد ما جنحت اليه ببيانه الشافى ان شاء الله ( ١ )

- ٩٤٦ - و . . " الشولشة " ؟

تطلق " الشولشة " في عامية أهل بلادنا على الأصوات الجماعية التى تعقب فراغ " المطرب " أو " المغني " من( دانته ) أو . . ( دندنته ) . . أو ( هجسه ) ! اعرابا عن الاستحسان وتشجيعا على الاستمرار في طربه أو غنائه .

واستغرقت طويلا في فهم أصلها . فترجح عندى أنها مكونة من " الشئ " مندغما في بعضه مرتين ! وانها تعنى أن ما سمعناه " شئ ، شئ " . . أى ممتاز مؤثر جميل ! وما تزال مستعملة . . في ذلك المعنى . . مفردة ومثناة ، أما - ومن أين دخلتها اللام ؟ فأقول : من شدة الانسجام ؟ !

وفرطر التأثر وسلطان الانغام . . ومن أنكر فليغير ! ومن حفظ حجة على من لم يحفظ . . ولعل لها أصلا عربيا غريبا . . يستكن في بطون المعاجم . ( ٢)

-٩٤٧- السررى والسرسور !

ما أكثر ما نسمع هذه الكلمة ينبز بها أحدهم من يكره . . فيقول : انما هو ( سرسرى)  ! ولا يدرى ما يعنى . . ولا ما هو أصلها ؟ وانما يرمي بذلك الى قذفه بأنه لا أصل له أو شاعة أو قاعة كما يقولون !

وفي اللغة : السرور - الفطن ، الحبيب . الخاصة من الصحاب . ويقال : هو سرسور قال - بالضم - أى حسن القيام عليه عالم بمصلحته . اه

قلت : اذن تكون مدحا لا قدحا ( ٣ ) . . لو هم أعادوها الى هذا الاصل الصحيح الفصيح . . ولو انها تجيء على وزن ( عرعور ) . . وهو ذروة الجبل ! فذلك خير من الاساءة والاستياء .

- ٩٤٨ - الفصيح المغمور !

حتى الاطفال . . يستعملون في محاوراتهم ومفاكهاتهم كلمة ( حزر ) ما هو ؟ ! بمعنى

قدر أو خمن يقولونها اذا أخفى أحدهم شيئا بيد ، أو خلف ظهره أو واراه ؟ ! وقلما تداولها الكبار . . الا نادرا . .

قلت : وهي في الفصيح المتداول الموروث من الأصول العربية العريقة . . فان الحزر هو التقدير والخرص ، وما أشد اغتباطى كلما ظفرت بكلمة عربية أصيلة لم تتغلب عليها العجمة . . ولا سطا عليها التحريف عبر القرون التى راج فيها الدارج من العامية ( الأخطبوطية ) المتغلبة ، وما زالت تدور على الألسنة . . بمدلولها الفصيح الاول .

- ٩٤٩ - الحزورة !

جاء في الأثر الشريف ما معناه : ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف قبيل هجرته الى المدينة المنورة على ( الحزورة ) - بفتح الواو تارة وتشديدها تارة اخرى - وقال : وهو يعنى مكة المكرمة : ( والله انك لأحب بلاد الله الى - ولولا اننى أخرجت منك ما خرجت ) . . أو كما قال .

قلت : وعرفنا من كتب السيرة الشريفة ، وتواريخ أم القرى أن موضع هذه الحزورة هو ما كان يسمى " بباب الوداع " مما يلى السوق الصغير " من المسجد الحرام .

ولكن ، ما هي هذه ( الحزورة ) بالذات ؟ وقد جاء تفسيرها في اللغة بأنها " الربوة الصغيرة " . . ولعلها كانت كذلك قبل أن يبنى أبواب المسجد الحرام في القرون التالية لصدر الاسلام . . ثم أزاحتها السيول ، أو تناولتها المعاول . . ودحتها لتستوى مع سطح الارض السهلة . . خلال التوسعات المتكزرة انئذ . . والله أعلم

- ٩٥٠ - أصناف الأدب

قال الوزير الحسن بن سهل المتوفي عام ٢٧٦ ه : " الآداب عشرة - ثلاثة ( شهرجانية ) . . وثلاثة ( انوشروانية ) . . وثلاثة ( عربية ) . . وواحدة اربت عليهن فاما الشهرجانية فضرب العود ، ولعب الشطرنج ، ولعب الصوالج . . وأما الأنوشروانية فالطب ، والهندسة ، والفروسية . . وأما العربية فالشعر والنسب ، وأيام الناس . . وأما الواحدة التى أربت عليهن : فمقطعات الحديث والسمر وما يتلقاه الناس بينهم في المجالس " . اه

قلت : ما أعجب أن يتعصب هذا الوزير الفارسي إلى درجة أن يجعل ( الفروسية ) - ( أنوشروانية ) . . وهي أبرز صفات العرب جاهلية واسلاما وحتى يومنا هذا . وما أحسن ما قال في الواحدة التى أربت على التسعة الاولى . . " لو ان هناك بقية لمقطعات الحديث . والمسامرات أو السمر وما يتلقاه الناس بينهم في المجالس " . . فقد تلاشى ذلك أو كاد ! وعهدنا بها مدارس حافلة بكل ما ينفع ولا يضر . . ويصلح ولا يفسد ، وكلها أو جلها علم وأدب وتهذيب وتثقيف ، ومؤانسة ومفاكهة ، وصلوات اذكار ومواصلة وايثار . ولله الامر من قبل ومن بعد

٩٥١ - الى أين يا ابا ليلى ؟

قال ( النابغة الجعدي ) - كما هو في الاستيعاب : " اتيت رسول الله صلى الله -

عليه وسلم فأنشدته قولى:

وانا لقوم ما نعود خيلنا

اذا ما التقينا ان تحيد وتنفرا

وننكر يوم الروع الوان خيلنا

من الطعن حتى نحسب الجون اشقرا

وليس بمعروف لنا ان نردها

صحاحا - ولا مستنكرا أن تعقرأ

بلغنا السماء مجدنا وجدودنا

وانا لنرجو فوق ذلك مظهرا

فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إلى أين يا ابا ليلى ) ؟ قال : فقلت : إلى الجنة . قال : نعم ان شاء الله تعالى . فلما أنشدته :

ولا خير في حلم إذا لم تكن له

بوادر تحمي صفوه أن يكدرا

ولا خير في جهل إذا لم يكن له

حليم إذا ما أورد الامر أصدرا

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يفضض الله فاك " قال الحسن بن عبيد الله : وكان من احسن الناس ثغرا . . " ا ه

قلت : وكم هو باعث على الغبطة والفخر والاعتزاز ، اقامة ( نادى الفروسية ) فى الرياض . . والعناية بالخيل والفرسان . فان ذلك مما حض عليه الفرقان : " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ، ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم " . . وانها للكنوز التى لا تقدر بثمن . . وهي احدى خصائص هذه الامة الكريمة منذ الأبد

- ٩٥٢ - " ثبير " و " الحجون "

قرأت في الآونة الاخيرة بحثا ضافيا شافيا

عن موضع " الحجون " بمكة المكرمة . وتصحيحا لما هو مدفوع ، وممنوع ، من اقاويل تنافي الحقيقة صدرت عمن قد يكون من غير أهل (مكة ) . . والتى تجعل الحجون . . يمين الصاعد الى ( المحصب ) أو ( الأبطح ) . . وما هو الا ما تواتر به الاجماع حتى اليوم في الجانب الأيسير . وهو هو المشرف على مقبرة ( المعلى ) . . وهو هو الذي تقع فيه ( ثنية كداء ) بفتح الكاف . . والتي قال عنها حسان بن ثابت رضى الله عنه :

عندما خيلنا ان لم تروها

تثير النقع موعدها كداء

ولا محل للتخريج فيه أو التأويل ، وأكاد أجزم بأنه هو المقصود أيضا " بثنية المدنيين " فما يسلك القادم من المدينة الى مكة . وعند دخولها . . الا هذا الطريق . ولسنا مضطرين الى مسايرة من تحدث عنه بما يخالف واقعه أو ما اتفق عليه جمهور الناس منذ صدر الاسلام وقبله !

وكذلك الحال في ( ثبير ) . . فأنه في يسار الصاعد الى مني . . وأول ما تشرق الشمس عليه . . ومن ذلك أو بسببه كانت قريش والقبائل التى تحج قبل الاسلام تقول من المزدلفة : ( اشرق ثبير كيما نغير ) . . أى عند فجر يوم النحر الاول . فقد رأينا او سمعنا من يجعله يمين الصاعد الى ( مني ) ! لان بعضهم كتب ذلك ، وكان من أهل الآفاق ! وحسبك ان ( عراما ) وهو عربي من أهل الجزيرة . . قد جعل ( قعيقعان ) على مسافة أميال من مكة وهو أحد أخشبيها وفي قلبها ! ألا واننا نستطيع أن نهضم التطور في كل شئ الا فيما هو من الرواسي والجبال

فما يتحول حتى تبدل الارض غير الارض والسموات ولا محل فيه للارتياب أو الاشتباه !

- ٩٥٣ - " الولس " اذن هو " الولث "

استفدت هذه الشذرة من (بحث طريف ) عن نسب ( يام ) القحطانية ، نشرته مجلة ( العربى ) الغراء في عددها الصادر في شهر ربيع الثاني سنة ١٣٨٨ ، وجاء فيه انه . . " كان بين يام وجلف ( ولث ) . . وصلة . . " اه . . وفسر الشارح : ( الولث ) بانه العهد بين القوم يقع من غير قصد - ويكون غير مؤكد . ) اه

قلت : وبدا لي أن ما يطلق عليه الناس الى يومنا هذا فى قولهم : " بين فلان وفلان ولس " - بكسر الواو . . وهم يعنون بذلك التفاهم والاتفاق ، على ما هما بصدده سواء اكانوا جماعة أم أفرادا . انما يرجع فى اصله الى هذا المعنى . . وهو العهد من غير قصد . . ودون تأكيد . . فما برح التداول حتى الآن يجعل ( التوالس ) . . فى معنى غير كريم وهو الى الكيد أو الخيانة . . أقرب ، وبهما اعلق ! ! الا أن يكون لمادة ( ولس ) من ( الموالسة ) . اساس مستقل فى اللغة لم اقف عليه ولعل فضيلة صاحب المنهل يرشدنا فيه لى الحقيقة . . وهي بنت البحث كما يقولون هو ( ابوه ) . . لا فض فوه ( ١)!

- ٩٥٤ - أصل كلمة " الزل "

يطلق أهل نجد والحجاز - وخاصة منهم اهل الوبر على " المفارش " أو " الجلايل " أو " السجاجيد " المحاكة من الصوف كلمة ( الزل ) . . وكنت أظنهم يصدرون في ذلك عن تعارف جهلت تعليله ، واتفق ان وجدت أصلها (عربيا ) . . فى (المزهر ) للسيوطى حيث قال : " وقد حدثني ابو الحسن القطان عن على بن عبد العزيز عن أبى عبيد عن اصحابه قال : " الزلزل " . . ( بشديد الزاي الاولى . . وفتح اللام وكسر الزاى الثانية ) . . الاثاث والمتاع . . وذلك على ( فعلل ) . . " اه

قلت : ولو تعقبنا اكثر المتداول عندنا لوجدنا له اصولا وجذورا عميقة . . فى العربية . . وانما تخللها التحريف والتصحيف . . ولم تجد لها من يعنى بها في المتاخرين . . ليعيد لها - عروبتها - فما كنت احسبها الا اعجمية . . لبعدها عن التأويل . . ولو كان هو ( الزلل ) فما عهدنا الصوف ( يزحلق . . السائر عليه . . او يزل به او يتنزلزل ) ولعلها دخيلة فعربت . . والله اعلم

اشترك في نشرتنا البريدية