الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 3الرجوع إلى "المنهل"

صانع التاريخ

Share

استطاع ان يمحو ألوانا من الخريطة فى بلاد العرب ليحل محلها لونا له صبغته الموحدة ومجده الشامل

من السهل أن يصادف المؤرخ فى كثير من عصور التاريخ ابطالا ، لهم مراكزهم الخاصة فى التاريخ ، ولهم امجادهم التي يمتازون

بها على من عاصرهم . . أما صانعو التاريخ فاولئك ندرة لا يجود بهم الزمن الا فيما قل من مناسباته .

ولقد كان جلالة عاهلنا رحمه الله من تلك الندرة التى قلما يجود بها الزمن ويظفر بها التاريخ .

كان صانعا فى التاريخ لأنه بدأ اعماله فى الحياة ، وهو لا يزيد عن لاجئ سياسي يحتمي بجيرانه وينزوي فى ركن من حصونهم دون ان يملك حولا يغريه بالطموح ، او قوة تشجعه على الظهور

كان صانعا فى التاريخ لانه بالرغم من فقره الى النصير ، وشدة عوزه الى مقومات الحياة العامة أبى يومها الا ان يكون فوق المستوى .

كان صانعا فى التاريخ لانه استطاع ان يغادر ملجأه وان يخاطر فى سبيل المجد دون ان يلتفت الى الملابسات التى لا تساعد على المخاطرة .

كان صانعا فى التاريخ لانه اقتحم عرين الليوث فى اصغر كتيبة عرفها التاريخ ، واستطاع ان يشرق مع الصباح ليعلن نفسه سيدا فى الغاب .

كان صانعا فى التاريخ لان نشوة النصر لم تلهه عن تثبيت القواعد فيما ملك ، ولم تنسه تركيز المسؤليات وتنظيمها فيما حاز .

كان صانعا فى التاريخ لانه لم يكتف بالخطوة الاولى حتى أتبعها بغيرها ، واخرى بعدها حتى استطاع ان يمحو الوانا من الخريطة فى بلاد العرب ليحل محلها لونا له صبغته الموحدة ومجده الشامل .

كان صانعا فى التاريخ لأن الرقعة الواسعة التى استطاع ان ينشئها من لا شئ استطاع ان يغنيها فى كل شىء

نسى خصومة من يعاديه ، وعالج حرد من تعصب عليه ، ونشر عدله ، واشاع حزمه ونشط لأسباب النهوض فشيد بيوت العلم ، وبذل الكثير فى سبيل العمران ، واستطاع ان يكتب لشعبه الجديد صفحة جديدة فى سجل العالم الحي .

ودوى صوت ما أسس فى قارات الارض الخمس ، فاعترفوا بمجده ، واشادوا باسمه واحلوه المكان السامى بين شعوب المسلمين ، واعتبروه سيدا بين الناطقين بالضاد

هى ذى صناعة التاريخ بكل ما فى صناعته من معان تسمو الى البطولة ؛ وترتفع الى جميع المميزات التى اعتدناها من ابطال التاريخ المعروفين .

فاذا امتحنت البلاد اليوم بفقده فانما امتحننت فى راحل قد لا تعوضه الايام الا فيما ندر ولا تسخو بمثله الا فيما قل .

وليس لنا الا ان نسأل الله العظيم ان يجعل عاهلنا الجديد خير من يخلف تلك الشخصية الفذة ، ولنا فيما جر بنا من حصافته البارعة ، ويقظته السامية . أفضل ما يرجوه المؤملون لخير هذا البلد ، وأن يوفق ولى عهده فيما اضطلع به من مهام هيأتها له الكفاءة ورشحته لاعبائها الجسام .

اشترك في نشرتنا البريدية