استطاع ان يمحو ألوانا من الخريطة فى بلاد العرب ليحل محلها لونا له صبغته الموحدة ومجده الشامل
من السهل أن يصادف المؤرخ فى كثير من عصور التاريخ ابطالا ، لهم مراكزهم الخاصة فى التاريخ ، ولهم امجادهم التي يمتازون
بها على من عاصرهم . . أما صانعو التاريخ فاولئك ندرة لا يجود بهم الزمن الا فيما قل من مناسباته .
ولقد كان جلالة عاهلنا رحمه الله من تلك الندرة التى قلما يجود بها الزمن ويظفر بها التاريخ .
كان صانعا فى التاريخ لأنه بدأ اعماله فى الحياة ، وهو لا يزيد عن لاجئ سياسي يحتمي بجيرانه وينزوي فى ركن من حصونهم دون ان يملك حولا يغريه بالطموح ، او قوة تشجعه على الظهور
كان صانعا فى التاريخ لانه بالرغم من فقره الى النصير ، وشدة عوزه الى مقومات الحياة العامة أبى يومها الا ان يكون فوق المستوى .
كان صانعا فى التاريخ لانه استطاع ان يغادر ملجأه وان يخاطر فى سبيل المجد دون ان يلتفت الى الملابسات التى لا تساعد على المخاطرة .
كان صانعا فى التاريخ لانه اقتحم عرين الليوث فى اصغر كتيبة عرفها التاريخ ، واستطاع ان يشرق مع الصباح ليعلن نفسه سيدا فى الغاب .
كان صانعا فى التاريخ لان نشوة النصر لم تلهه عن تثبيت القواعد فيما ملك ، ولم تنسه تركيز المسؤليات وتنظيمها فيما حاز .
كان صانعا فى التاريخ لانه لم يكتف بالخطوة الاولى حتى أتبعها بغيرها ، واخرى بعدها حتى استطاع ان يمحو الوانا من الخريطة فى بلاد العرب ليحل محلها لونا له صبغته الموحدة ومجده الشامل .
كان صانعا فى التاريخ لأن الرقعة الواسعة التى استطاع ان ينشئها من لا شئ استطاع ان يغنيها فى كل شىء
نسى خصومة من يعاديه ، وعالج حرد من تعصب عليه ، ونشر عدله ، واشاع حزمه ونشط لأسباب النهوض فشيد بيوت العلم ، وبذل الكثير فى سبيل العمران ، واستطاع ان يكتب لشعبه الجديد صفحة جديدة فى سجل العالم الحي .
ودوى صوت ما أسس فى قارات الارض الخمس ، فاعترفوا بمجده ، واشادوا باسمه واحلوه المكان السامى بين شعوب المسلمين ، واعتبروه سيدا بين الناطقين بالضاد
هى ذى صناعة التاريخ بكل ما فى صناعته من معان تسمو الى البطولة ؛ وترتفع الى جميع المميزات التى اعتدناها من ابطال التاريخ المعروفين .
فاذا امتحنت البلاد اليوم بفقده فانما امتحننت فى راحل قد لا تعوضه الايام الا فيما ندر ولا تسخو بمثله الا فيما قل .
وليس لنا الا ان نسأل الله العظيم ان يجعل عاهلنا الجديد خير من يخلف تلك الشخصية الفذة ، ولنا فيما جر بنا من حصافته البارعة ، ويقظته السامية . أفضل ما يرجوه المؤملون لخير هذا البلد ، وأن يوفق ولى عهده فيما اضطلع به من مهام هيأتها له الكفاءة ورشحته لاعبائها الجسام .
