ان قصة غرام امبراطور الصين " جن لنغ " بحسناء تركستان . المسلمة " سيانغ فى " لذائعة الصيت فى تاريخ الصين ومما لاريب فيه انه قلما توجد حادثة فى تاريخ العالم مثل هذه ذات الأثر العميق .
كانت " سيانغ فى " حليلة حاكم " زنغاربه " خواجه خلق فى شرق تركستان على جانب عظيم من الحسن والجمال : تتضوع من عرقها رائحة زكية سميت لأجلها " سيانغ فى " اى " ذات الرئحة الزكية " فكاد هذا اللقب الفان ان يقضى على اسمها
الحقيق " سليمة " .
هام بها امبرطور الصين " جن لنغ " بعد ان وقف على جمالها الساحر . من اقواه الجواب والتجار ، وهى منه على بعد ثلاثة آلاف ميل مع انه لم يرها قط فبذل جهودا جبارة للحصول عليها مرتين . لكن جهوده ذهبت ادواج الرياح ، ولم يحظ بالمحبوبة .
وفى سنة ١٧٥٨ م شق زوج سيانغ فى خواجه خان عصا طاعة الامبراطور ورفع علم العصيان عليه ، فطرد الجيوش الصينية من " زنغارية " بمعاونة اخيه برهان الدين خان . واقتفت المقاطعات الأخرى اثره ، فأعلنت الحرب على الامبراطور ، فلم يحرك ساكنا الابعد مضي زمن مديد على الثورة . واخيرا جهز جيوشه بقيادة صديقه فى صباه " جاوهوي " للزحف على تركستان بعد ان اوصاه بان لا يدخر وسعا فى الحصول على " سيانغ فى " . فجمل " جاوهوى " على كشغر وبارقندوختن ، بجيوش يربو عددها على اربعمائة الف محارب على حين غرة ، فدافع خواجه خان عن نفسه دفاع المستميت ما يقرب من سنتين ، ثم انهزم ففر الى مقاطعة بدخشان ودخل عاصمتها مع اخيه برهان الدين وزوجته " سيانغ فى " فآواهم سلطانها ثم خانهم خيانة مخجلة ، اذ حبس " سيانغ فى " بقصره - وكان احد الهائمين بها - وهذرأس الاخوين - اللاجئين وبعث بهما الى الفاتح ارضاء له وزلفى اليه ، لكنه خيب آماله حين طلب منه " سيانغ فى " امتثالا لآمر الامبراطور ، أو بعبارة ادق انه هدده بالزحف عليه بجيوشه اذا لم يجبه فبعث بها اليه ومعها اربع جوار راغم الانف ، خو فامنه وهيبة .
وفى فبراير سنة ١٧٦٠ م إرتحل جاوهوى مع سجينته الحسناء إلى بكين ، ولم يدخر وسعا فى الاحتفاء بها ويتوفير جميع وسائل الراحة لها ، فقدهيأ لها عجلات اربعا ضخاما ، وأمر سائقيها بالتؤدة والسكنية فى السير وأرسل فى صحبتها جميع المسلمين الأسرى فى حرب زنكارية ، بعد أن أصدر امرا بالعفو عنهم جميعا تسلية لها لكنها بالرغم من هذه الراحة الوفيرة لم تذق طعاما طيلة أيام ثلاثة أثناء السفر
لما كانت فيه من حزن وكمد ، بل جف دمعها لبكائها المستمر وعزمت على الانتحار لكن جاوهوى زعم لها أن زوجها لم يقض عليه سلطان بدخشان . بل هو حى يرزق فى حرامة الجيوش الصينية وسيرجع اليه الإمبراطور ولايته عن قريب فكانت " سيانغ فى " هدف هذه الخدع مدة ستة اشهر حتى وصلت بكين الآن بيبين " وكان الامبراطور فى استقبالها على الجسر الشهير " لوكاو جاو "
أسرف الامبراطور فى النعم التى أسبلها على قائد جيوشه الفاتح جاوهوى جزاء وفاقا لأعماله وخدماته الجليلة . حتى سمح له بالمرور فى الاسواق راكبا ، وكان هذا شيئا لا يتسنى الا لأمراء العائلة المالكة ، وأمر برسم صورته على لوح وتعليقه فى المتحف الملكي " سوكارنغ كو " عدا الاراضى الواسعة والاموال الكثيرة التى وهبها له .
وأنزلت " سيانغ فى " فى القصر الملكي " يوان منغ يوان " وفوض الاعتناء بطعامها وشرابها إلى شرذمة من أمراء مسلمين ذوى مكانة سامية . وفى اليوم التالى وقفت حسناء تركستان ذات الرائحة الزكية أمام امبراطور الصين الذي حرق قلبه جواها ، فما ان رأى حسنها الموهوب حتى غرق فى شبه غيبوبة من الاعجاب . وارخت " سيانغ فى " جفنيها لائذة بالصمت الادمعتين ترقرقنا فى عينيها ، غيرانها كانت فى وقفة اجلال وعضمة ، اما أمناء القصر الذين أحضروها إلى حضرة الامبراطور ، فقد أمروها بان تتقيد بآداب القصر بان تركع أمام الامبراطور فرمقتهم بنظرات شؤراء ، ولم تأت شيئا من ذلك . فوجه الامبراطور خطابه إلى الامناء قائلا . إن السيدة من قطر اجنبي . لا تفهم آداب القصر فلذا أتركوها وشأنها "
ثم أراد الامبراطور أن يدخل السرور عليها فقدم اليها حليا ثمينا وجواهر نادرة ، فلم تعره أدنى التفاتها ، ولم تبس ببنت شفة ، بل أدارت وجهها استخفافا واستحقارا له ولهديته . فامر الامبراطور برجعها إلى مقرها ، بعد ان تأثر كثيرا بجلد حسناء تركستان المظلومة وشجاعتها وفهم أن هذه اللبوة الجريح لن
يهدأ لها البال سريعا ، ثم طلبها بعد أيام قلائل فلم تحدعن خطتها السلبية شروى نقير
وأخيرا استشار الامبراطور أحد رحال حاشيته " هوشين " وكان عاقلا داهية فاجابه بعدان فكر طويلا : " جلالة الامبراطور ، هذه أميرة تركستان أبية الطبع لا تستطيع القوة أن تثنيها عن عزمها ، وانها لا تخضع ولن تخضع إلا للحب وللحب فقط فان استطعت أن تخلق حولها جوا يوحى اليها انها ليست غريبة
عنه فحينئذ ربما تلقى سلاحها وتستسلم " .
فسأله الامبراطور " وكيف يمكن ذلك " . فاجابه هو شين بعد أن تأمل قليلا ! أن تعمر لها مدينة مثل مدينتها " عكسو " وتستعين فى ذلك بجاوهوي فانه مكث فى بلدها زمنا ليس بالقصير يستطيع ان يرسم خارطة مثل مدينتها ، وسيبنيها المسلمون الاسرى وهم كثير وفوق ذلك ان لا يكون فى حاشيتها غير مسلم تركي ، فسيخيل اليها آنئذنها فى وطنها محاطة باصدقائها فستستريح اليك وتطمئن لجابنك .
فوقع هذا الاقتراح من الامبراطور موقع الرضا وأمر فى حينه ببناء مدينة بالقرب من بيكين على طراز المدن الاسلامية ، تزدان بمساجد فخمة يزينها منارات ناطحات السحاب ، وأسواق وحدائق على نمط مدن الاتراك المسلمين ، وفى نفس الوقت استمر الامبراطور فى زياراته لها وشيد لها جناحا خاصا فخما فى القصر الشهير " يوان منغ يوان " الذي بذل فى بنائه أمو الاطائلة إذ جلب له بنائين من أقاصى أوربا وقد وضع فوقه زجاجة من بلور هائلة مكورة كانت معجزة من معجزات الفن الصينى وكانت تبدو من بعيد كانها القمر فى الليل ، ترسل سناها إلى مسافة كيلومتر واحد ، وكان سقف غرفة نومها مرصعا بالوف من الجواهر تتألق مثل النجوم وكانت كل هدية ترد الامبراطور من جواهر نادرة يرسلها إلى " سبانغ فى " وقد جلب لها ثلاثمائة قينة ذوات الاصوات الحسنة ، مائة من الصين والمائة الأخرى من تركستان ، والثالثة من البلدان الاوربية ، ليسلينها وينسينها ماضيها ، لكنه لم يظفر بها . يتبع
